بعد مرور قرابة الخمسون عامًا على كتابة العمل وإنتاجه وبثه لا زال جريندايزر باقيًا كسؤال يؤرق جمهور المتابعين الذين أثبتوا بتساؤلاتهم وتحليلاتهم ونقاشاتهم – أثبتوا براعة هذا العمل وأهلوه لأن يوصف بكونه “تحفة فنية” أو “أسطورة” بالمعنى الدقيق للكلمة، حمل جريندايزر كمًا من المشاعر والرمزيات والعلاقات التي يصعب أن تشاهد المسلسل بعمق ولا تتأثر بها، فقط يلزمك أن تشاهده بعقلك وبقلبك، تشاهده بكل أبعاده وتترك نفسك لكل تفصيلاته ولقطاته، جريندايزر الذي لم تُرسم فيه لقطة أو تكتب فيه كلمة إلا ولها تفسيرها ومعناها ودلالتها، حتى وإن قيل أن بعضها جاء تلقائيًا فقد عكس بشكل غير مباشر فكر المؤلف ومعانيه وروحه، فالإنتاج الفني ليس إلا سلسلة من الاختيارات التي تختلف عما نعايشه في حياتنا اليومية والتي تمزج ما بين الاختيار والعشوائية، لهذا لا مجال للعشوائبة في عمل فني صمد لسنوات طويلة ولا يزال.
اليوم أحببت أن أشارك مشاعري وأفكاري وأن أدخل الساحة بشجاعة خاصة بعد أن قرأت عن ظروف إنتاج هذا العمل وتدخل شركة الإنتاج بشكل سافر للضغط عل مؤلفه جو ناجاي، وكذلك ضغط الجمهور الياباني أثناء بث العمل – والذي أنتج على نحو ديناميكي في تلك الفترة – لتغيير القصة التي رسم جو ناجاي خطوطها العريضة سابقًا، واشترك في كتابة سيناريوهاتها ورسم حلقاتها ما يقرب من 10 أشخاص، وكانت نتيجة هذا الضغط أن تحدى جو ناجاي وفريق إخراج ورسم العمل الجمهور الياباني بإرضائه وتهدئته سطحيًا في الجانب الحربي من القصة وتوزيع أدوار البطولة، مع إثراء العمل بلمحات وإشارات تستكمل القصة الدرامية الأساسية في العمل كما أرادها المؤلف والتي لن تظهر للمشاهد العادي بسهولة، لأجل هذا كان للتفصيلات الصغيرة دور كبير في إثراء فكر وخيال المتابعين خاصة ممن تجاوزوا سن المراهقة وأيضًا عشاق الدراما والرومانسية، وجاء كتحدي سافر للجمهور الياباني وشركة الإنتاج، تحدي أهله للصمود لعشرات السنين، وأوجد كمًا كبيرًا من التساؤلات والنقاشات حول رمزياته وتفصيلاته واختيارات رساميه وكتاب السيناريو لمفردات دون غيرها.
ومع وجود مانجا جريندايزر التي تزامنت في صدورها مع إنتاج العمل وبثه، وأيضًا مع وجود فيلم “جريندايزر ضد جريت مازنجر” فقد اتجه الكثير من المتابعين إلى تقييم القصة بربط المصادر كلها معًا مضاف إليها الألبومات والكتب الرسمية للعمل مثل Roman Album و Mazinger bible وأخيرًا المانجا الحديثة التي صدرت بين 2004 و 2007، في هذه المدونة سوف أكتفي بالمسلسل وحده وأتعامل معه كوحدة متكاملة، لأن المصادر الأخرى جاءت لتوضح رمزياته كما رأيت، وإلا فالمسلسل غني بما يكفي ليرسم قصة درامية كاملة، إلى جانب افتقار المصادر الأخرى لأدوات الإخراج القوية التي استخدمها فريق العمل لإرضاء الجمهور ظاهريًا واستكمال القصة كما كان مقرر لها على خلاف المانجا التي لن تسمح بذلك بسهولة، والتي اشترك في كتابتها مؤلفون رسامون آخرون بعد جو ناجاي، والتي تعددت إصداراتها ما بين رسمية وغير رسمية، باعتقادي جاءت المانجا لترضي الجمهور بشكل مباشر على عكس المسلسل الذي جاء ليفرض نفسه فرضًا على الجمهور، وليحمل فكر مؤلفه ورؤيته لشخصياته على نحو صادق.
يمكن القول أن العمل انقسم إلى قصتين تسيران جنبًا إلى جنب وتدعم كلًا منهما الأخرى: قصة قتالية أساسها الصراع بين طرفين لأغراض ونوايا مختلفة ولا أقول صراع بين الخير والشر بالمعنى البسيط، فحتى أطماع فيجا الاستعمارية قد تغيرت نوعًا في الثلث الأخير من القصة بعد فقدانه لكوكبه لتخلق مبررات جديدة لصراعه ضد الأرض بعيدًا عن الرغبة الاستعمارية البحتة ابتداءً من بحثه عن موارد جديدة للطاقة ومن ثم رغبته في احتلال الأرض وتحويلها إلى وطن جديد له ولمن نجا من شعبه، إلى جانب الصراع الشخصي والكراهية لعدو عجز عن القضاء عليه لسنوات وكبده خسائر فادحة، في المقابل كان صراع الأرض ممثلًا في دوق فليد وفريقه لأجل الدفاع عن الوطن ضد الغزو، ورغم كون فريق جريندايزر قد ضم عناصر أرضية وأخرى فضائية إلا أن الهدف كان واحدًا وهو حماية الأرض التي باتت هي الوطن للعناصر الفليدية التي سبق وفقدت موطنها على يد فيجا وحماها سكان الأرض بكل حب واندمجوا في المجتمع الإنساني على الأرض، وبالطبع هي الوطن الأم للأرضيين الذين دافعوا لأول مرة عن كوكبهم ضد العدوان الخارجي من الفضاء واتسعت مداركهم لحضارات وعلوم وأعداء وأصدقاء لم يسمعوا عنهم من قبل.
وعلى الجانب الآخر تضمن العمل قصة درامية معقدة على الجانبين، أظهرت الحياة الخاصة للفريقين وإن كان النصيب الأكبر لفريق جريندايزر وخاصة الثنائي الأول في القصة: دوق فليد وهيكارو ماكيبا، وظهرت شخصيات العمل وتطورت على نحو ديناميكي مذهل سواء في نضجها النفسي أو العقلي أو الجسدي أو العاطفي.