مذكرات هيكارو السرية – لا أستطيع دايسكي.. سامحني!

مذكرات هيكارو السرية – لا أستطيع دايسكي.. سامحني!

الحلقة السابعة والثلاثونلا أستطيع دايسكي.. سامحني!

هذا اليوم بمثابة عمر بأكمله، مررت فيه بمشاعر وأحداث كثيرة جدًا، كان يومًا يجمع كل فصول السنة، استيقظت فيه مغمورة بالسعادة والشوق والأحلام، نهضت صباحًا يغمرني الشوق للقاء دايسكي والتحدث إليه، لقد أنهى عمله أخيرًا في مركز الأبحاث، انتهى من مشروع إقامة القناة الجديدة للرادار بعد أن أمضى فيه ما يزيد عن عشرة أيام، قضى تلك الأيام كلها في المركز، نهارها ولياليها، كنت أراه لدقائق معدودة، وكثيرًا ما كنت أسمع صوته لبضع دقائق على الهاتف، ومع ذلك كنت مطمئنة لكونه بخير، لكنه حضر الليلة الماضية لبيت المزرعة، تناولنا عشاءنا وذهب لفراشه مبكرًا بعد إجهاد عمل طويل ومتواصل، لهذا لم نتمكن من السهر سويًا كالعادة، ولم أتمكن من مشاركته ما حدث في مدرسة واي.
نهضت صباحًا وأنا أفكر بالطريقة التي سأروي له بها ما حدث بشأن بطولة الجمباز، رسمت الكثير من الخيالات: كيف سيستقبل خبر اختياري ممثلة لمدرستي بهذه الطريقة؟ هل سيدهش؟ هل سيسعد؟ عن ماذا سيسألني؟ هل سيستاء من إبقائي على خطتي سرًا دون أن أشاركه إياها؟ فكرت في يوم الاستعراض وكيف سنخطط لهذا اليوم: هل سنذهب معًا؟ كيف سنحتفل إن حدث ونجحت بالفوز فيه؟ لهذا نهضت مشغولة البال بأفكار كثيرة رَسَمَت البسمة على شفتي، تأملت وجهي في المرآة وقررت أخيرًا أن أغير من مظهر شعري، هذا سيجعل اليوم أجمل، عدلت من تصفيفة شعري، فتحت خزانتي ووقفت أتأمل ثيابي، أخيرًا قررت أن أرتدي أحد أثوابي الجديدة التي اشتريتها يوم ذهبنا معًا للمدينة منذ فترة، اخترت قميصًا أصفر اللون وتنورة زرقاء بحزام عريض وسترة قصيرة بياقة مرتفعة، وحذاءً طويلًا بني اللون، ارتديت الثوب ووقفت أتأمل مظهري الجديد في المرآة، شعرت بأني أكثر جمالًا ونضجًا بهذا الزي، تخليت عن قبعتي التي طالما أحببتها، لكني أدخل مرحلة جديدة ولا بأس بالتغيير، خرجت من المنزل أبحث عن دايسكي، تساءلت إن كان ثوبي الجديد سينال إعجابه، تذكرت المرة الأولى التي راودني فيها شعور مشابه، كان ذلك يوم زارتنا كاوري، يومها تساءلت عن مظهري، وعن الطريقة التي يراني بها دايسكي، في ذلك الوقت اكتشفت مدى عمق شعوري بدايسكي، وعرفت أنه لم يعد مجرد صديق حميم أفتح له قلبي ويساند كل منا الآخر، تذكرت جملته: “أنا سعيد لأنك لا ترتدين حلية شعر على الإطلاق”، كم أحببت عبارته وقتها! وكم كانت تعني لي الكثير بعد ما حدث!


أخذت أتجول في المزرعة ولمحته أخيرًا، كان يقف مذهولًا بنظر بدهشة لأبي وجورو اللذان أحاطا به، هو محق فقد ذهلت أنا الأخرى لمرآى الاثنين، فقد كان أبي يدفع أمامه مدفعًا عتيق الطراز ويركض وراء جورو الذي يصرخ بكلمات غريبة: “لا يا أبي، توقف، ليس من العدل أن تجعلني صحنًا”، في لحظة تعثر أبي وسقط أمامي على الأرض، وبتلقائية وجدتني أقول له:
أبي لماذا تركض وراء جورو هكذا؟! تذكر عمرك يا أبي!


رفع أبي بصره إلي وراح يتأملني، وبدأت أسمع عبارات الإطراء من جورو ومن أبي، قال جورو:”لم أكن أعرف أنك بهذا الجمال يا هيكارو!” وقال أبي: “لم تكوني أجمل منك الآن يا هيكارو!” لهذا بدأت أتساءل أكثر عما يمكن أن يقوله دايسكي عني اليوم؟ وكيف سيراني بهذا الثوب الجديد؟ تمنيت لو أستطاع مظهري الجديد أن ينال إعجابه، وأن يحسن من مزاجه ولو قليلًا، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن، فقد أخذ أبي يجادلني حول ثوبي الجديد، أبي غيور ومتحفظ كثيرًا وقد بدا له ثوبي مفاجئًا بعض الشيء، وفي غمرة نقاشنا انصرف دايسكي بعيدًا، لا ألومه! ليس من المقبول أن يثني على ثوبي بعد جدال أبي بتلك الطريقة حتى لو نال استحسانه، لكن أخيرًا انتهى النقاش بيني وبين أبي ، لكني كنت قد فقدت الكثير من مزاجي وحيويتي للأسف!


جعلت أتجول في المزرعة ببطء ودون حماس حقيقي، وجدت دايسكي مجددًا، هذه المرة كان قرب الإسطبل يطعم أحد الخيول، اقتربت منه بهدوء فسمعته يتحدث عبر جهاز الاتصال، كان يحادث دكتور أمون على الأغلب، لم أتمكن من سماع الكثير مما يقوله دكتور أمون، كلام عن قاعدة سوبر يورانيوم وانفجار ما، لكني سمعت رد دايسكي عليه: “حسنًا سأنطلق فورًا!” كانت هذه العبارة كالعاصفة التي تنذر بقدوم الشتاء بكل قسوته، دايسكي سيخرج لساحة قتال جديدة،

شعرت بالانقباض وتجمدت في مكاني، كان هو يهب واقفًا ويستدير فكاد أن يصطدم بي.


لم يشعر دايسكي باقترابي منه فوقف يتأملني متفاجئًا وهو يلفظ اسمي.


قلت له منفسة عن كل مخاوفي:
أذاهب إلى ساحة قتال أخرى؟


تمنيت لو أنه سينفي ما سمعت قبلًا، كان ذلك ضربًا من الخيال، لكنه الخوف يدفعنا لأسئلة غير منطقية أحيانًا، أجابني دايسكي بصراحة وباختصار:
نعم.
هززت رأسي أحاول نفض كل هذه المخاوف عني وأنا أحدثه:
أعرف أنك قد تقتل في المعركة ولا تعود، ولكن يؤسفني أنه ليس باليد حيلة!


مجددًا غرقت في بحر من اليأس والعجز، ها هو دايسكي أمامي بعد غياب وعلى أعتاب غياب أطول، مجددًا بدا كل ما أنجزته في مدرسة واي عديم المعنى، مجددًا دايسكي يخرج للقتال لأبقى هنا وحيدة أصلي لأجله دون أن أملك له شيئًا، تبدل مزاجي العام بحدة، لم يجب هو حديثي، فلا كلام يمكن أن يقال في موقف كهذا، وجدتني أبوح له بشعوري بالعجز على نحو صريح:
أردت إسعادك بردائي الجديد، لكن لم يكن له معنى! أبدًا.. لم يكن له معنى!


كنت مطرقة الرأس أشعر بالألم يعتصر قلبي، لا أمل لنا في حياة هانئة أبدًا، حتى آمالي البسيطة ليست ممكنة التحقيق، ليت الحرب تنتهي! ليتنا ننعم بالسلام حقًا! ليتنا نملك الحق في أن نعيش دائمًا معًا بهدوء! نتنزه.. نتحدث.. نضحك.. نطمئن لكوننا بخير وأننا سنعود لنلتقي بعد كل غياب!
أجابني دايسكي في هذه المرة ولم يصمت، تحدث وكأنه يسمع ما لا أقوله، ينصت لعذاب قلبي:
هيكارو.. لا شيء يسعدني أكثر من قلبك الحار!
رفعت رأسي أنظر إليه فأمسك كتفي وهو يستطرد:
لا عليك لن أقتل، لا تقلقي وانتظريني!


قالها واندفع مسرعًا صوب مركز الأبحاث، كنت أنا ممزقة ومبعثرة في تلك اللحظة، هو ذاهب للقتال ويعدني بأنه لن يُقْتَل، هو سيخوض حربًا بت أدرك بصدق مدى شراستها وهو يطلب مني ألا أقلق عليه، كيف دايسكي؟ يطلب مني أن أنتظره وأنا لا أملك غير انتظاره، لطفك يارب!


بقيت في المزرعة وحدي أصارع مخاوفي، شعرت بانقباض قلبي هذه المرة على نحو لم يسبق لي أن شعرت به من قبل، رأيت دايسكي يموت أمام عيني في لمحة خاطفة ففزعت.


طال غياب دايسكي كثيرًا، لهذا قررت مقاومة مخاوفي بأي طريقة، بحثت عن جورو وعرضت عليه أن أصحبه في نزهة بالخيول، وخرجنا بالفعل، كنت أركض بالحصان وبالي منشغل ، شردت كثيرًا حتى سمعت صوت جورو بخرجني من شرودي، كان يشير لشيء يلتمع في السماء ويقترب منا، رفعت بصري أنظر إليه، لقد كان صحنًا طائرًا.


شددت لجام الحصان بقوة وطلبت من جورو الإسراع، رحنا نركض في محاولة يائسة للهرب، مجددًا أشعر بالعجز وأحتاج لمعجزة لإنقاذنا جورو وأنا، لست كفءً لحماية جورو للأسف، لست الفتاة التي أريدها!


استمرينا بالركض السريع لكن دون جدوى، لم تكن سرعة الخيول تضاهي سرعة اليوفو الذي يقترب منا، وفي لحظة كان الصحن الطائر على بعد أمتار فوق رؤوسنا حين حدث ما حدث.


لقد ظهر كوجي فجأة بسبيزر المزدوج، اندفع ناحيتنا وارتطم بالصحن الطائر فأزاحه عن مكانه، لكن طائرة كوجي تأثرت بشدة وارتطمت بالأرض على نحو مفزع.


ترجلنا – جورو وأنا – عن الخيول وأسرعنا نرى ما حل بكوجي، بالكاد فتح لنا كوة الطائرة ودخلنا إليه، كان مصابًا بجرح في جبهته، أغلق الكوة وحاول الإقلاع بالطائرة رغم الألم والإجهاد الباديين على ملامحه، سمعته يُطَمْئِنُ دكتور أمون على أننا بخير، طلب منه دكتور أمون أن يعود للمركز لأن جرحه بالغ، في تلك اللحظة كنت أبحث بعيني عن دايسكي، أخيرًا لمحته، كان هناك في الأفق يصارع وحش فيجا، حاولت دعم كوجي لأشد من أزره، تشبثت به لينقذ دايسكي لكنه كان في حالة سيئة.


تساءل جورو عما يحدث لدايسكي فأجبته على عجل وأنا أشير لجريندايزر، قلت له أن دايسكي بحارب هناك، وعدت أكرر المحاولة مع كوجي الذي أجابني بيأس:
حبذا لو استطعت لكن حالتي سيئة جدًا! لا خيار أمامي سوى الانسحاب من هنا!


بدا الموقف مروعًا، كوجي مصاب ولا يمكنه دعم دايسكي، والأخير يقاتل ضد عدو شرس وحيدًا، في تلك اللحظة بدا أن طائرة كوجي لا تحلق على نحو طبيعي وكنا على وشك السقوط، طلب دكتور أمون من كوجي أن يمكنني من سحب ذراعي القيادة نيابة عنه بسرعة، لهذا قبضت بيدي على الذراع الأقرب لي ولم أستطع أن أبلغ الثاني.


هتف بي كوجي بما تبقى له من قوة وطلب مني أن أسحب الذراع الأول فقط ففعلت، أخذت الطائرة تحلق على نحو مرعب وهي في وضع مائل، واصل دكتور دكتور أمون هتافه يطلب مني أن أمسك بالذراع الأخرى بسرعة، لهذا حاولت وحاولت، كابينة سبيزر ضيقة وكوجي لا زال على مقعد القيادة وأنا في الخلف وقد ثنيت جذعي بصعوبة أحاول القبض على الذراع الثاني حتى نجحت أخيرًا وجذبته فاعتدلت الطائرة في تحليقها.


لم يكن بإمكاني المواصلة فهتفت أستنجد بالدكتور أمون:
لا يمكننا الاستمرار هكذا، لنفعل شيئًا!
طلب دكتور أمون من كوجي أن يجد طريقة لإبدال مقعده معي، وبالفعل حاول كوجي النهوض بصعوبة والحركة منحنيًا حتى تمكن من إخلاء مقعد القيادة الذي انتقلت إليه تدريجيًا وأنا أقبض على ذراعي الطائرة بإحكام.


في تلك اللحظة شعرت بالدنيا من حولي تدور وتتبدل على نحو سريع، أنا الآن أقود طائرة قتالية ومعي جورو وكوجي المصاب، وأمامي جريندايزر يقاتل ضد عدو شرس، وتعليمات دكتور أمون تصدر لي لا لكوجي، كان كوجي قد قام بتفعيل الطيار الآلي لنعد للمركز لكن أثناء تبديل مقاعدنا حدث وسحبت الأذرعة مجددًا فتعطل الطيار الآلي، سمعت دكتور امون يهتف:
هيكارو، هل أبلغك كوجي كيف تستخدمين جهاز السيطرة، خط السير بعود للوراء!


في تلك اللحظة كنت أمام خيارين: إما أن أعود لتشغيل الطيار الآلي ونعد ثلاثتنا سالمين للمركز تاركين دايسكي وراءنا، وإما أن أتمسك بالبقاء هنا ومحاولة إنقاذ دايسكي بأي وسيلة، دققت النظر فوجدت جريندايزر يتلقى الضربات دون هجوم فقدرت أن دايسكي يتألم داخل كابينة القيادة وأن جرحه ربما اشتد من جديد، لهذا بدأ قلبي ينزف بقوة وتحول نزيفه لطاقة هائلة سرت في عروقي، التفت لكوجي أطلب منه صراحة أن يعلمني كيف أقاتل فقال أنني لا أستطيع وأن هذا فوق طاقتي.


استنجدت بالدكتور أمون فأيد رأي كوجي، كررت طلبي وأخبرت دكتور أمون بأن دايسكي سيُقتل إن لم نساعده، قلت له أنني مستعدة للاندفاع ضد وحش الفضاء، كنت جادة وبكامل وعيي وأنا أقولها، صحيح أنني لست مقاتلة لكني أرى دايسكي أمامي يُقتل، دايسكي بحاجة لمساعدتي وأنا أملك سلاحًا، الآن أملك الحب والإرادة والسلاح فماذا ينقصني؟! كنت ممتنة لموافقة دكتور أمون أخيرًا، قالها موجهًا حديثه لكوجي:
اسمع يا كوجي سنراهن بكل شيء على هيكارو!


شعرت بالمسؤولية التي زادتني تصميمًا، بدأ كوجي يشرح لي كيف أقوم بهجوم، علي أن أسحب عصا السيطرة فنرتفع، ثم أقوم برحلة دائرية، ثم خط مستقيم لأَِكُون مواجهة للوحش، وعندها أصوب على الهدف وأطلق القاطع بهذا المقبض، وحين يترنح الوحش أصيبه بالإعصار بالمقبض الثاني، سألني كوجي متحديًا:
حسنًا هيكارو، هل تستطيعين؟

2023-05-20

مذكرات هيكارو السرية – لا أستطيع دايسكي.. سامحني!

مذكرات هيكارو السرية

مذكرات خيالية في دفتر يوميات هيكارو ماكيبا

الحلقة السابعة والثلاثون – لا أستطيع دايسكي.. سامحني!

هذا اليوم بمثابة عمر بأكمله، مررت فيه بمشاعر وأحداث كثيرة جدًا، كان يومًا يجمع كل فصول السنة، استيقظت فيه مغمورة بالسعادة والشوق والأحلام، نهضت صباحًا يغمرني الشوق للقاء دايسكي والتحدث إليه، لقد أنهى عمله أخيرًا في مركز الأبحاث، انتهى من مشروع إقامة القناة الجديدة للرادار بعد أن أمضى فيه ما يزيد عن عشرة أيام، قضى تلك الأيام كلها في المركز، نهارها ولياليها، كنت أراه لدقائق معدودة، وكثيرًا ما كنت أسمع صوته لبضع دقائق على الهاتف، ومع ذلك كنت مطمئنة لكونه بخير، لكنه حضر الليلة الماضية لبيت المزرعة، تناولنا عشاءنا وذهب لفراشه مبكرًا بعد إجهاد عمل طويل ومتواصل، لهذا لم نتمكن من السهر سويًا كالعادة، ولم أتمكن من مشاركته ما حدث في مدرسة واي.

نهضت صباحًا وأنا أفكر بالطريقة التي سأروي له بها ما حدث بشأن بطولة الجمباز، رسمت الكثير من الخيالات: كيف سيستقبل خبر اختياري ممثلة لمدرستي بهذه الطريقة؟ هل سيدهش؟ هل سيسعد؟ عن ماذا سيسألني؟ هل سيستاء من إبقائي على خطتي سرًا دون أن أشاركه إياها؟ فكرت في يوم الاستعراض وكيف سنخطط لهذا اليوم: هل سنذهب معًا؟ كيف سنحتفل إن حدث ونجحت بالفوز فيه؟ لهذا نهضت مشغولة البال بأفكار كثيرة رَسَمَت البسمة على شفتي، تأملت وجهي في المرآة وقررت أخيرًا أن أغير من مظهر شعري، هذا سيجعل اليوم أجمل، عدلت من تصفيفة شعري، فتحت خزانتي ووقفت أتأمل ثيابي، أخيرًا قررت أن أرتدي أحد أثوابي الجديدة التي اشتريتها يوم ذهبنا معًا للمدينة منذ فترة، اخترت قميصًا أصفر اللون وتنورة زرقاء بحزام عريض وسترة قصيرة بياقة مرتفعة، وحذاءً طويلًا بني اللون، ارتديت الثوب ووقفت أتأمل مظهري الجديد في المرآة، شعرت بأني أكثر جمالًا ونضجًا بهذا الزي، تخليت عن قبعتي التي طالما أحببتها، لكني أدخل مرحلة جديدة ولا بأس بالتغيير، خرجت من المنزل أبحث عن دايسكي، تساءلت إن كان ثوبي الجديد سينال إعجابه، تذكرت المرة الأولى التي راودني فيها شعور مشابه، كان ذلك يوم زارتنا كاوري، يومها تساءلت عن مظهري، وعن الطريقة التي يراني بها دايسكي، في ذلك الوقت اكتشفت مدى عمق شعوري بدايسكي، وعرفت أنه لم يعد مجرد صديق حميم أفتح له قلبي ويساند كل منا الآخر، تذكرت جملة دايسكي: “أنا سعيد لأنك لا ترتدين حلية شعر على الإطلاق”، كم أحببت عبارته وقتها! وكم كانت تعني لي الكثير بعد ما حدث!

أخذت أتجول في المزرعة ولمحته أخيرًا، كان يقف مذهولًا بنظر بدهشة لأبي وجورو اللذان أحاطا به، هو محق فقد ذهلت أنا الأخرى لمرآى الاثنين، فقد كان أبي يدفع أمامه مدفعًا عتيق الطراز ويركض وراء جورو الذي يصرخ بكلمات غريبة: “لا يا أبي، توقف، ليس من العدل أن تجعلني صحنًا”، في لحظة تعثر أبي وسقط أمامي على الأرض، وبتلقائية وجدتني أقول له:
–     أبي لماذا تركض وراء جورو هكذا؟! تذكر عمرك يا أبي!

رفع أبي بصره إلي وراح يتأملني، وبدأت أسمع عبارات الإطراء من جورو ومن أبي، قال جورو:”لم أكن أعرف أنك بهذا الجمال يا هيكارو!” وقال أبي: “لم تكوني أجمل منك الآن يا هيكارو!” لهذا بدأت أتساءل أكثر عما يمكن أن يقوله دايسكي عني اليوم؟ وكيف سيراني بهذا الثوب الجديد؟ تمنيت لو أستطاع مظهري الجديد أن ينال إعجابه، وأن يحسن من مزاجه ولو قليلًا، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن، فقد أخذ أبي يجادلني حول ثوبي الجديد، أبي غيور ومتحفظ كثيرًا وقد بدا له ثوبي مفاجئًا بعض الشيء، وفي غمرة نقاشنا انصرف دايسكي بعيدًا، لا ألومه! ليس من المقبول أن يثني على ثوبي بعد جدال أبي بتلك الطريقة حتى لو نال استحسانه، لكن أخيرًا انتهى النقاش بيني وبين أبي ، لكني كنت قد فقدت الكثير من مزاجي وحيويتي للأسف!

جعلت أتجول في المزرعة ببطء ودون حماس حقيقي، وجدت دايسكي مجددًا، هذه المرة كان قرب الإسطبل يطعم أحد الخيول، اقتربت منه بهدوء فسمعته يتحدث عبر جهاز الاتصال، كان يحادث دكتور أمون على الأغلب، لم أتمكن من سماع الكثير مما يقوله دكتور أمون، كلام عن قاعدة سوبر يورانيوم وانفجار ما، لكني سمعت رد دايسكي عليه: “حسنًا سأنطلق فورًا!” كانت هذه العبارة كالعاصفة التي تنذر بقدوم الشتاء بكل قسوته، دايسكي سيخرج لساحة قتال جديدة، شعرت بالانقباض وتجمدت في مكاني، كان هو يهب واقفًا ويستدير فكاد أن يصطدم بي.

لم يشعر دايسكي باقترابي منه فوقف يتأملني متفاجئًا وهو يلفظ اسمي.

قلت له منفسة عن كل مخاوفي:
–     أذاهب إلى ساحة قتال أخرى؟

تمنيت لو أنه سينفي ما سمعت قبلًا، كان ذلك ضربًا من الخيال، لكنه الخوف يدفعنا لأسئلة غير منطقية أحيانًا، أجابني دايسكي بصراحة وباختصار:
–     نعم.
 هززت رأسي أحاول نفض كل هذه المخاوف عني وأنا أحدثه:
–     أعرف أنك قد تقتل في المعركة ولا تعود، ولكن يؤسفني أنه ليس باليد حيلة!

مجددًا غرقت في بحر من اليأس والعجز، ها هو دايسكي أمامي بعد غياب وعلى أعتاب غياب أطول، مجددًا بدا كل ما أنجزته في مدرسة واي عديم المعنى، مجددًا دايسكي يخرج للقتال لأبقى هنا وحيدة أصلي لأجله دون أن أملك له شيئًا، تبدل مزاجي العام بحدة، لم يجب هو  حديثي، فلا كلام يمكن أن يقال في موقف كهذا، وجدتني أبوح له بشعوري بالعجز على نحو صريح:-     أردت إسعادك بردائي الجديد، لكن لم يكن له معنى! أبدًا.. لم يكن له معنى!

 
كنت مطرقة الرأس أشعر بالألم يعتصر قلبي، لا أمل لنا في حياة هانئة أبدًا، حتى آمالي البسيطة ليست ممكنة التحقيق، ليت الحرب تنتهي! ليتنا ننعم بالسلام حقًا! ليتنا نملك الحق في أن نعيش دائمًا معًا بهدوء! نتنزه.. نتحدث.. نضحك.. نطمئن لكوننا بخير وأننا سنعود لنلتقي بعد كل غياب!
أجابني دايسكي في هذه المرة ولم يصمت،، تحدث وكأنه يسمع ما لا أقوله، ينصت لعذاب قلبي:
–     هيكارو.. لا شيء يسعدني أكثر من قلبك الحار!
رفعت رأسي أنظر إليه فأمسك كتفي وهو يستطرد:
–     لا عليك لن أقتل، لا تقلقي وانتظريني!

 
قالها واندفع مسرعًا صوب مركز الأبحاث، كنت أنا ممزقة ومبعثرة في تلك اللحظة، هو ذاهب للقتال ويعدني بأنه لن يقتل، هو سيخوض حربًا بت أدرك بصدق مدى شراستها وهو يطلب مني ألا أقلق عليه، كيف دايسكي؟ يطلب مني أن أنتظره وأنا لا أملك غير انتظاره، لطفك يارب!

***

بقيت في المزرعة وحدي أصارع مخاوفي، شعرت بانقباض قلبي هذه المرة على نحو لم يسبق لي أن شعرت به من قبل، رأيت دايسكي يموت أمام عيني في لمحة خاطفة ففزعت.
 

طال غياب دايسكي كثيرًا، لهذا قررت مقاومة مخاوفي بأي طريقة، بحثت عن جورو وعرضت عليه أن أصحبه في نزهة بالخيول، وخرجنا بالفعل، كنت أركض بالحصان وبالي منشغل ، شردت كثيرًا حتى سمعت صوت جورو بخرجني من شرودي، كان يشير لشيء يلتمع في السماء ويقترب منا، رفعت بصري أنظر إليه، لقد كان صحنًا طائرًا.

شددت لجام الحصان بقوة وطلبت من جورو الإسراع، رحنا نركض في محاولة يائسة للهرب، مجددًا أشعر بالعجز وأحتاج لمعجزة لإنقاذنا جورو وأنا، لست كفءً لحماية جورو للأسف، لست الفتاة التي أريدها!

استمرينا بالركض السريع لكن دون جدوى، لم تكن سرعة الخيول تضاهي سرعة اليوفو الذي يقترب منا، وفي لحظة كان الصحن الطائر على بعد أمتار فوق رؤوسنا حين حدث ما حدث.

لقد ظهر كوجي فجأة بسبيزر المزدوج، اندفع ناحيتنا وارتطم بالصحن الطائر فأزاحه عن مكانه، لكن طائرة كوجي تأثرت بشدة وارتطمت بالأرض على نحو مفزع.

ترجلنا – جورو وأنا – عن الخيول وأسرعنا نرى ما حل بكوجي، بالكاد فتح لنا كوة الطائرة ودخلنا إليه، كان مصابًا بجرح في جبهته، أغلق الكوة وحاول الإقلاع بالطائرة رغم الألم والإجهاد الباديين على ملامحه، سمعته يُطَمْئِنُ دكتور أمون على أننا بخير، طلب منه دكتور أمون أن يعود للمركز لأن جرحه بالغ، في تلك اللحظة كنت أبحث بعيني عن دايسكي، أخيرًا لمحته، كان هناك في الأفق يصارع وحش فيجا، حاولت دعم كوجي لأشد من أزره، تشبثت به لينقذ دايسكي لكنه كان في حالة سيئة.

تساءل جورو عما يحدث لدايسكي فأجبته على عجل وأنا أشير لجريندايزر، قلت له أن دايسكي بحارب هناك، وعدت أكرر المحاولة مع كوجي الذي أجابني بيأس:
– حبذا لو استطعت لكن حالتي سيئة جدًا! لا خيار أمامي سوى الانسحاب من هنا!

بدا الموقف مروعًا، كوجي مصاب ولا يمكنه دعم دايسكي، والأخير يقاتل ضد عدو شرس وحيدًا، في تلك اللحظة بدا أن طائرة كوجي لا تحلق على نحو طبيعي وكنا على وشك السقوط، طلب دكتور أمون من كوجي أن يمكنني من سحب ذراعي القيادة نيابة عنه بسرعة، لهذا قبضت بيدي على الذراع الأقرب لي ولم أستطع أن أبلغ الثاني.

هتف بي كوجي بما تبقى له من قوة وطلب مني أن أسحب الذراع الأول فقط ففعلت، أخذت الطائرة تحلق على نحو مرعب وهي في وضع مائل، واصل دكتور دكتور أمون هتافه يطلب مني أن أمسك بالذراع الأخرى بسرعة، لهذا حاولت وحاولت، كابينة سبيزر ضيقة وكوجي لا زال على مقعد القيادة وأنا في الخلف وقد ثنيت جذعي بصعوبة أحاول القبض على الذراع الثاني حتى نجحت أخيرًا وجذبته فاعتدلت الطائرة في تحليقها.

لم يكن بإمكاني المواصلة فهتفت أستنجد بالدكتور أمون:
–     لا يمكننا الاستمرار هكذا، لنفعل شيئًا!

طلب دكتور أمون من كوجي أن يجد طريقة لإبدال مقعده معي، وبالفعل حاول كوجي النهوض بصعوبة والحركة منحنيًا حتى تمكن من إخلاء مقعد القيادة الذي انتقلت إليه تدريجيًا وأنا أقبض على ذراعي الطائرة بإحكام.

في تلك اللحظة شعرت بالدنيا من حولي تدور وتتبدل على نحو سريع، أنا الآن أقود طائرة قتالية ومعي جورو وكوجي المصاب، وأمامي جريندايزر يقاتل ضد عدو شرس، وتعليمات دكتور أمون تصدر لي لا لكوجي، كان كوجي قد قام بتفعيل الطيار الآلي لنعد للمركز لكن أثناء تبديل مقاعدنا حدث وسحبت الأذرعة مجددًا فتعطل الطيار الآلي، سمعت دكتور امون يهتف:
–     هيكارو، هل أبلغك كوجي كيف تستخدمين جهاز السيطرة، خط السير بعود للوراء!

في تلك اللحظة كنت أمام خيارين: إما أن أعود لتشغيل الطيار الآلي ونعد ثلاثتنا سالمين للمركز تاركين دايسكي وراءنا، وإما أن أتمسك بالبقاء هنا ومحاولة إنقاذ دايسكي بأي وسيلة، دققت النظر فوجدت جريندايزر يتلقى الضربات دون هجوم فقدرت أن دايسكي يتألم داخل كابينة القيادة وأن جرحه ربما اشتد من جديد، لهذا بدأ قلبي ينزف بقوة وتحول نزيفه لطاقة هائلة سرت في عروقي، التفت لكوجي أطلب منه صراحة أن يعلمني كيف أقاتل فقال أنني لا أستطيع وأن هذا فوق طاقتي.

استنجدت بالدكتور أمون فأيد رأي كوجي، رحت أكرر طلبي وأخبر دكتور أمون بأن دايسكي سيُقتل إن لم نساعده، قلت له أنني مستعدة للاندفاع ضد وحش الفضاء، كنت جادة وبكامل وعيي وأنا أقولها، صحيح أنني لست مقاتلة لكني أرى دايسكي أمامي يُقتل، دايسكي بحاجة لمساعدتي وأنا أملك سلاحًا، الآن أملك الحب والإرادة والسلاح فماذا ينقصني؟! كنت ممتنة لموافقة دكتور أمون أخيرًا، قالها موجهًا حديثه لكوجي:-     اسمع يا كوجي سنراهن بكل شيء على هيكارو!

شعرت بالمسؤولية التي زادتني تصميمًا، بدأ كوجي يشرح لي كيف أقوم بهجوم، علي أن أسحب عصا السيطرة فنرتفع، ثم أقوم برحلة دائرية، ثم خط مستقيم لأَِكُون مواجهة للوحش، وعندها أصوب على الهدف وأطلق القاطع بهذا المقبض، وحين يترنح الوحش أصيبه بالإعصار بالمقبض الثاني، سألني كوجي متحديًا:
–     حسنًا هيكارو، هل تستطيعين؟


وبكل ما أوتيت من تصميم أجبته:
أظن ذلك، بل لا مفر من ذلك، أخيرًا ستتاح لي الفرصة كي أكون نافعة، كل ما فعلته كان الانتظار بينما أنت ودايسكي تقاتلان، أما الآن فأنا أقدر أن..


قلتها وأنا أسحب عصا السيطرة فارتفعت الطائرة، رد علي كوجي بتحذير أخير:
والآن كلمة أخيرة هيكارو، إن فشلت فسيحاول الوحش شن هجوم علينا وأخشى في هذه الحالة ألا تتمكني من الفرار.
لكن تحذير كوجي لم يلن من عزيمتي ولو قليلًا، أجبته وأنا أكمل رحلتي الدائرية وأبدأ بالهجوم:
أعرف! إنها فرصة واحدة، لكن لن أفشل، لن أترك دايسكي يموت .. أبدًا!

.


وأصبت الهدف وانفجر الصحن الطائر بدوي كبير، وتعالت منه ألسنة اللهب، رأيت جريندايزر يعتدل فعرفت أن دايسكي بخير، سمعت كوجي يهتف من خلف طهري: “هيكارو نجحت!”، تمتمت باسم دايسكي وغبت عن الوعي تمامًا، لقد كان ما حدث فوق كل تصوراتي.


أخيرًا استعدت وعيي، شعرت بأنني في وضع غريب ففتحت عيني

لقد كنت على ذراعي دايسكي، نعم كنت على ذراعيه على ارتفاع شاهق، كنا على راحة جريندايزر، نظرت إليه، كان وجهه باسمًا، دايسكي حي وبخير أيضًا، قال أنه لن يُقتل وطلب مني انتظاره، لم يُقتل فعلًا لكن أنا لم أملك انتظاره، صباحًا أردت إسعاده برداء جديد لكني في مغرب ذلك اليوم كنت قادرة على الإبقاء على حياته لا مجرد إسعاده، هل هناك ما نقدمه لأحبائنا أكثر من الحفاظ على حياتهم؟! سمعته يقول لي:
استعدتِ وعيك!


يبدو وكأنني فقدت وعيي لوقت طويل نوعًا، لا أذكر شيئًا! آخر ما أذكره هو وجودي في سبيزر وقضائي على وحش فيجا الذي استنفذ كل طاقتي النفسية والذهنية، لأول مرة في حياتي أكون طرفًا مسلحًا في معركة حقيقية! لأول مرة أواجه الموت بهذه الطريقة وحولي من أحبهم، فشلي يعني موتهم جميعًا دايسكي، جورو وكوجي، ونجاحي يعني بقاؤهم على قيد الحياة:
أنا..


تلعثمت ولم أعرف ما أقول، قاطعني دايسكي باسمًا:
هيكارو.. شكرًا! سمعت كل شيء من أبي.
لم أعرف بمَ أجيبه؟ كنت مشدوهة وأشعر أن كل عضلات جسدي قد فقدت ترابطها تمامًا، تعصف بي مشاعر كثيرة، ويغمرني انفعال شديد ومضطرب، وشعور عميق بالأمان والحب وأنا بين ذراعيه بعد ما واجهت، ظل دايسكي ينظر إلي بعمق وهو يستطرد:
هيكارو.. عديني ألا تعيدي ذلك مرة ثانية!


بدأت أستعيد صفاء ذهني، جملة دايسكي نبهت عقلي وأيقظته بسرعة، استعدت شعوري بلحظة وأنا في سبيزر أراه أمامي على شفا الموت، استعدت شعوري صباحًا وأنا ألوم الظروف وأتمنى انتهاء هذه الحرب التي تسرق منا حياتنا، وجدتني أقولها بداخلي: كيف أعدك بشيء كهذا؟ كيف دايسكي؟ كيف لي أن أراك على مشارف الموت وبيدي ما أقدمه لك وأبقى جامدة في مكاني؟ كيف لقلبي أن يتحمل شيئًا كهذا؟ أنا التي اكتشفت ذاتها اليوم وهي تقاتل لأجلك! أنا التي قدت اليوم طائرة قتال لأول مرة بحياتي ونجحت في تدمير وحش فيجا لأبقي على حياتك، ولأحمي جورو، وأنقذ كوجي الذي كاد أن يموت لنجدتنا جورو وأنا؟ كيف دايسكي بعد أن أتيحت لي الفرصة لأكون نافعة؟ كيف أعدك بأن أتراجع؟ ليتني أستطيع تقديم هذا الوعد لكنه فوق طاقتي.. سامحني!


صمتُ ولم أجبه بشيء، فعاد يكمل حديثه:
انظري إلى الشمس!


التفت أنظر إلى حيث ينظر، كانت الشمس في طريقها للغروب، كان المشهد بديعًا من هذا الارتفاع، استطرد دايسكي:
لن أعيد هذه الأرض الجميلة لسكان نجم فيجا أبدًا! أقسم على الدفاع عن الأرض بكل وسيلة، هيكارو.. لا أريدك أنت على الأقل أن تقاتلي!
حاولت أن أقول له شيئًا لكنه ضمني إلى صدره بقوة، هتفت باسمه بحب، صدقني دايسكي أنا أشعر بك، أشعر بمعاناتك، أشعر بمرارة الحرب بحلقك، أشعر بخوفك، أشعر برغبتك الصادقة في الحفاظ على أمني وسلامتي، وأنا ممتنة لقلبك كثيرًا، لكني أحتاج لثقتك بي، أحتاج لمساعدتك لأعثر على ذاتي الضائعة، أحتاج لدعمك لأغدو الفتاة التي أتمناها، أحتاج لمشاركتك كل شيء حتى معاركك الدامية، أحتاج لفرصة أشارك بها في حماية وطني وأسرتي، أنا بحاجة ماسة لألَّا أفقدك! كانت مشاعري تعصف بي بقوة وأنا قريبة من ضلوعه، وغلفني الصمت الذي كان أبلغ رسالة تعبر عما يجول بصدري.


حين اختفت الشمس من السماء أنزلني دايسكي على راحة جريندايزر، وقف أمامي، طوق خصري بذراعيه، كنا قريبين جدًا، قريبين لدرجة أن أشعر بأنفاسه على وجهي، كرر طلبه مني:
عديني هيكارو!
هذه المرة أجبته:
ليتني أستطيع دايسكي!
أرجوكِ هيكارو.. لا أريدك أن تعرضي حياتك للخطر!
وماذا عن حياتك؟!
نظر لي بعمق لكنه لم يجب سؤالي، ضمني إليه أكثر وهو يقول:
تمسكي جيدًا!
طوقت عنقه بذراعي بعد أن فهمت ما يرمي إليه، قفز بي دايسكي قفزته العالية إياها، تذكرت يوم دخلت كابينة جريندايزر بقفزة مماثلة ذات يوم، جمعتنا كابينة دايزر، قفز دايزر عاليًا والتحم بسبيزر ولم يقم دايسكي بتبديل مقعده حتى وصلنا محطة جريندايزر في قلب مركز الأبحاث، خرجنا من كابينة دايزر سويًا وتم نبديل المقاعد فور خروجنا.
في ليل هذا اليوم لم أحدث دايسكي عما عزمت عليه صباحًا، تضاءلت رغبتي بالحديث عن البطولة، كنت أحلق في عالم آخر مليء بالإثارة والحماس، كان جورو بانتظاري في غرفتي حال عودتي، كانت لديه أسئلة كثيرة، طلب مني أن أحدثه عن دايسكي وأشرح له ما يحدث، استمع لي جورو وكان فخورًا بدايسكي، سألني عن شعوري وأنا أقود سبيزر اليوم، كان جورو، مفعمًا بالحماس، رويت له ما كان يدور بعمقي قدر استطاعتي، طلبت منه ألا يخبر أحدًا بما رآى وعرف، وطلبت منه ألا يتحدث مع دايسكي صراحة حول الموضوع، وعدني جورو بأن يكتم السر، وكنت على يقين من أنه سيفي بوعده، ربيت جورو وأنا واثقة من صدقه وأمانته.
في نهاية سهرتنا تعلق جورو بعنقي وهو يقول:
أنتِ قوية يا هيكارو!
عنت لي عبارة جورو الكثير، لمست في كلماته البسيطة شعورًا صادقًا بالفخر والاعتزاز فغمرتني السعادة، دايسكي منحني الامتنان والأمان والحب، وجورو الآن يمنحني الاحترام والاعتزاز، شخص واحد ظل غائبًا عن أحداث ذلك اليوم، إنه أبي، ماذا تراه سيقول إن عرف بما حدث؟ لا سبيل لدي لإخباره على أي حال، ولا أنوي ذلك حقيقة، البوح بما حدث اليوم يعني البوح بسر دايسكي أيضًا وهذا ما لا أريده، لهذا سأصمت!
الآن علي أن أواجه تحدي النوم في تلك الليلة، فهل أنجح في ذلك يا ترى؟

  • مذكرات هيكارو السرية – لا أستطيع دايسكي.. سامحني!

    الحلقة السابعة والثلاثون – لا أستطيع دايسكي.. سامحني! هذا اليوم بمثابة عمر بأكمله، مررت فيه بمشاعر وأحداث كثيرة جدًا، كان يومًا يجمع كل فصول السنة، استيقظت فيه مغمورة بالسعادة والشوق والأحلام، نهضت صباحًا يغمرني الشوق للقاء دايسكي والتحدث إليه، لقد أنهى عمله أخيرًا في مركز الأبحاث، انتهى من مشروع إقامة القناة الجديدة للرادار بعد أن…

اترك تعليقًا

هيكارو ماكيبا

موضوع هذه المدونة هو الأنمي الياباني الشهير UFO Robot Grendizer والذي أنتج بين عام 1975 و 1977 ودبلج للعربية في مطلع الثمانينات باسم “مغامرات الفضاء جريندايزر” ، كما دبلج لغيرها من اللغات مثل الفرنسية والإيطالية والإنجليزية.

Translate »