مر على هذا اليوم ما يقرب من عشر سنوات ولا زلت أذكره وكأنه البارحة، يوم غير حياتي وأيقظ بداخلي روح الأب التي لم أحلم بجمالها، ولكن بفكر رجل يعشق العلم، فأنا أؤمن بأن الطريق الصحيح لسرد أطروحة ما هو البدء من النقطة الصحيحة واستكشاف الأسباب التي أوصلتني لهذه النتيجة.
نشأت وحيدًا بلا أشقاء أو شقيقات، وملأت فراغ حياتي بالكتب منذ صغري، كنت مولعًا بالعلوم وبعلم الفلك بالخصوص، تغربت سنينًا عن والدي وماتا الاثنان وبيني وبينهما ساعات طويلة من السفر وآلاف الكيلومترات، درست في اليابان وطفت أوروبا وعشت سنينًا في الغرب، كانت لي شبكة واسعة من العلاقات مع رجال هم أهل للاحترام، كان الدكتور شبيلر أحد أقرب الأصدقاء إلي، وبالرغم من ذلك ظلت دائرتي القريبة خاوية لعقود من الزمن، جذبني العلم لدرجة أنستني عمري، لم أتزوج يومًا، ولم أحب فتاة على الإطلاق، رغم أني أحن لهذا الشعور من حين لآخر، حين أتعب من أبحاثي، وحين أسهر وحيدًا، وحين تهاجمني الحمى وأنا وحيد بين جدران بيتي، تعلمت أن أعيش بمفردي، ومع ذلك بقي فراغ بداخلي لم أتمكن يومًا من ملئه أو الخلاص منه.
حين كنت في الغرب التقيت مصادفة برجل غريب الأطوار، كانت بداية حديثي إليه حين تبينت أنه ياباني، كنت وقتها أعاني من موجة حنين جارفة إلى وطني، لهذا تبادلت معه الحديث، كان رجلًا قصير القامة ذو طباع حادة، عصبي المزاج إلى حد ما، ومع ذلك كان يملك روحًا مرحة للغاية، كان يدعى #دانبي ماكيبا، حين تحدث إلي عرفت أنه أب لأسرة صغيرة، ماتت زوجة الرجل منذ وقت قريب وتركت له فتاة بعمر الزهور وطفلًا صغيرًا دون الرابعة، جذبني إلى دانبي ماكيبا شيء غامض تبينته فيما بعد، لقد كان دانبي يجبر نقصي كعالم رصين، كان يدفعني للضحك والمرح، وكانت بساطته تلين طبعي العلمي الجاف، عرفني إلى أبنائه، حين نادتني ابنته بلفظة عمي خفق قلبي لها، كانت #هيكارو دون العاشرة، فتاة جميلة وبسيطة، وكانت شخصيتها قوية كفتاة تبلغ ضعف عمرها، فقد الأم يغير الكثير! شقيقها الأصغر #جورو بدا وادعًا ومرحًا وعفويًا، أحببت تلك الأسرة الصغيرة، وشيئًا فشيئًا صرنا كأسرة واحدة.
في تلك الفترة من حياتي في الغرب بدأت تكثر الإشاعات والأقاويل عن أناس يشاهدون صحونًا فضائية، وكانت وكالة ناسا وغيرها من الجهات العلمية تنفي تلك الأقاويل بشدة، هذه الأحاديث زادتني شفغفًا وأشعلت فضولي كعالم، وكان دانبي وقتها قد اشتعل حماسة هو الآخر، لكنه كون توجهًا مختلفًا عني وأعتقد أن مرجع الاختلاف هو أننا شخصيتن متكاملتين لا متطابقتين، كان دانبي يسعد بفكرة وجود صحون يوفو، بل كان يرغب بشدة في تكوين صداقات مع سكان كواكب أخرى، كان ينسج الكثير من الأحلام والخيالات، لم أكن أحاول وأد أحلامه أو تأكيدها، لم يكن لدي يقين كافٍ وقتها حول حقيقة الأمر فآثرت الصمت.
تحدثت لدانبي ذات يوم عن حلمي الخاص، قلت له أنني أحلم ببناء مرصد كبير، مركز أبحاث متخصص في علوم الفضاء والكون، قلت له أن الفضاء يشدني إليه، كان الكون على اتساعه يثيرني ويشعل بداخلي الرغبة في اكتشافه، وكنت كلما تعمقت فيه أكثر ازداد هو عمقًا وغموضًا، لقد علقت في هذه الدوامة ولا أظن أني نجوت أو قد أنجو منها يومًا ما، اقترح دانبي أن نتعاون لتحقيق هذا الحلم، كان هو مولعًا بحياة رعاة البقر ويحلم بامتلاك مزرعة للخيول والأبقار، لهذا اتفقنا على أن نحقق أحلامنا معًا عندما نعود لليابان.
بعد عام من الصداقة، وبعد أن أنهيت ما توجب علي إتمامه في الغرب عدت فعلًا لليابان، وتشاركت مع دانبي ماكيبا وامتلكنا معًا مزرعة للخيول والأبقار أسميناها البتول الأبيض تيمنًا بأشجار الباتولا الجميلة المنتشرة فيها وحولها، بنينا منزلين لنا هناك، وعزمت أنا على بناء مركزي الخاص لأبحاث الفضاء جوار المزرعة، وتركت شؤون البتول الأبيض لدانبي، فهو أقدر مني عليها، وبدأت أنا أنعم بحياة الريف الهادئ وسحر العلم في آن واحد.
اترك تعليقًا