للوهلة الأولى يبدو أن الحلقتين 25 و 68 من جريندايزر متشابهتان لدرجة التطابق، وكأن الحلقة 68 جاءت على سبيل ملء الفراغ لا أكثر، لكننا في جريندايزر اعتدنا حين نفتح
كنوزه – اعتدنا أن نفاجأ بعبقرية كتاب السيناريو واستفادتهم القصوى من كل ما هو موجود في مكتبتهم من الحلقات السابقة، بل إنهم يعيدون تصحيح الأوضاع حين يلمسون عدم وضوح القصة بالنسبة للجمهور، يفعلون ذلك بطرق ذكية وغير مباشرة لكي لا تبدو فجة، ولكنهم يحافظون في الوقت ذاته على المعنى الأساسي لقصتهم، وكل من يشاهد جريندايزر بعمق وهو ناضج ويفصل بين خبراته القديمة كطفل وبين مشاهدته اليوم سيتمكن من فهم ما أعنيه بسهولة.
الآن دعونا ننتقل للموضوع الأساسي للمنشور:
الحلقة 68 “ماريا في العاصفة الثلجية” وضيف الشرف “كاين” من فليد، يمكن من خلال تلك الحلقة أن نفهم ونفسر الكثير من حلقة زهرة حب أينعت في العلاء والتي ظهرت فيها نايدا لأول ولآخر مرة.
يشبه كاين نايدا كثيرًا: كلاهما من فليد، كلاهما لا ينتمي للأسرة الحاكمة لكنه على علاقة صداقة مع أحد أفرادها، كلاهما نجا من الحرب، كلاهما استُغِّلَ من قبل قوات فيجا بطريقة ما، وأخيرًا كلاهما انتحر، وكلاهما نال دموع دايسكي وماريا بحرقة بعد موته وكان موته موجعًا.
إذا نظرنا لأوجه الاختلاف بين الاثنين والتي جعلت القصتين مكملتين لبعضهما وليست إحداهما مجرد استنساخًا للأخرى فسنجد أن:
نايدا كونت مع دايسكي علاقة أقوى من الصداقة وجمعتها به مشاعر حب في سنوات التفتح العاطفي الأولى، في حين بقيت علاقة كاين وماريا في طور الصداقة الطفولية البريئة لا أكثر.
حين اشتعلت الحرب وقع كل من نايدا وكاين أسيرًا بيد قوات فيجا، لكن نايدا كانت أكبر من كاين وأكثر نضجًا وإدراكًا وبالتالي أشرس مقاومة، لهذا جاء استخدام فيجا لها بطريقة عنيفة ومؤذية: عذبها بالكهرباء، زرع جهازًا بعقلها وحاول تشويه أفكارها، في المقابل تم محو عقيدة كاين الذي كان طفلًا وعبر هو عن ذلك بجملة مؤلمة: “أنا لست كاين من فليد، أنا لست الصبي الذي عرفته، أنا جندي من فيجا دربته فوات فيجا”، منتهى القسوة في قصة كاين هو إدراكه لما يحدث، هو لم يفقد ذاكرته، ولم يتم تنويمه مغناطيسيًا، حتى أنه حين خرج لقتال جريندايزر كان يعلم بذلك، وليس مستبعدًا أنه كان على علم بمن يكون طيار جريندايزر أيضًا.
عمق وتشابك التاريخ بين نايدا ودايسكي يختلف كثيرًا عما هو الحال بين ماريا وكاين، وفي حين تداخلت دوافع كثيرة في تشكيل سلوك نايدا تجاه دايسكي طوال الحلقة وانتهاء بنسفها لنفسها – في المقابل كانت دوافع كاين واضحة جدًا، حتى في لحظة انتحاره كان كاين يفيق للواقع الذي وصل إليه ويشعر بالخزي والعار الذي جره إليه فيجا واختار إنهاء حياته خلاصًا من هذا الواقع، كاين كان يدرك بأنه فليدي وأنه أسير، ويدرك أنه يقاتل ضد جريندايزر ومع ذلك كانت عقيدة الجندي الفيجاوي داخله قوية، حتى أنه حين صعد لكوة السلاح الثاقب وبيده سلاحه كان يردد عبارة :”لن أكون خاسرًا” كشأن رجال فيجا، وكان يعلم بأنه يشارك في غزو الأرض دون إثم ارتكبه سكانها، ولم يستوعب كاين فداحة ما هو فيه إلا حين أشهر سلاحه في وجه ماريا لقتلها وتفاجأ بها وبدأ صوت الضمير يعلو بداخله.
في ضوء هذه الاختلافات يمكن أن نفهم الكثير عن بشاعة ما ارتكبته قوات فيجا بعد الحرب الفليدية وطريقة تعاملهم مع الأسرى وهو موضوع الحلقتين الأساسي وليس قصة حب نايدا العابرة والتي علق بها الجمهور لدرجة أن الجمهور أسقط القصة على ماريا وكاين على نحو غير منطقي، فكيف لطفلين بعمر الخامسة أو السادسة أن يحبا بعضهما حب مراهقة ممزوجًا بلمسة عشق كالتي جمعت دايسكي ونايدا مثلًا؟! إذن قصة كاين لم تأت اعتباطًا وإنما جاءت لتركز على جوهر قصة نايدا بعد تشتت الجمهور الغير متوقع.
يمكن كذلك من خلال الربط بين الحلقتين أن نجد دليلًا على أن نايدا لم تكن تكذب بشكل كامل فيما أخبرت به دايسكي وإن كانت مضطربة ومشوشة وتخلط الأحداث أو تختلق بعضها، لكن المؤكد أنها أخذت أسيرة مع غيرها فعلًا وهم ليسوا قلة، ومن المحتمل أنها كانت صادقة فيما قالته عن الخضوع للتجارب العلمية والعمل القسري، وربما كان السبعة عشر من الرجال الذين ماتوا في حلقة وداع الصديق القادم من الفضاء رقم ٢٩ وتحدث عنهم جاندال – ربما كانوا من الفليديين أو بعضهم.
ومن الممكن أن نفهم كذلك أن انتحار نايدا جاء مزيجًا من مشاعر كثيرة كان الشعور بالعار والندم من أهمها وليس كما يحاول الجمهور فعله من خلال محورة هذا المشهد حول إدراك نايدا لوجود هيكارو من عدمه، للمرة الثانية تظهر حلقة كاين كحلقة تصحيح أوضاع بشكل قوي.
ولو تصورنا أن نايدا أقدمت على الانتحار بندم وشعور بالخجل مما دفعها فيجا إليه مع عجز عن إصلاح ما اقترفت يداها ولو بدون قصد، ولو أضفنا خلفية متشابكة من المشاعر والعلاقات والمواقف بينها وبين دايسكي، وأضفنا حالته النفسية وقتها – عندها يمكن أن نفهم جملتها لهيكارو بمعنى مختلف تمامًا: “تحبين دوق أليس كذلك؟ أعتقد ذلك، أحب دوق أيضًا، من المحتمل أكثر منك” يمكن أن نفهمها على هذا النحو” تحبين دوق؟ أعتقد أنك تحبينه فعلًا ربما ليس بالقدر الذي أكنه له في قلبي لكني سأتركه لك وآمل أن تساعديه ليجتاز هذه الأزمة التي تسببت له فيها بدون فصد، أنا أحبه جدًا وصدقيني أنا نادمة وسأحاول التكفير عن ذنبي حتى لو كان الثمن فراقي له للأبد”
وحين وقفت نايدا جوار هيكارو تنظر لدايسكي وتحني رأسها وتردد “ماذا فعلت؟” دون أن تجرؤ على دخول غرفة دايسكي أو الاقتراب منه، هي في ذلك الموقف كانت تشبه كاين كثيرًا، لكن الفتى في قصته كان تعبيره صريحًا ومبرراته ظاهرة، فكاين كان ضحية ربما بأكثر من نايدا، الفتى أسر طفلًا وتم تشويهه وإذلاله، ضربه زوريل أمام الجنود وهو يوبخه بقوله: “أنت أيها الأسير من كوكب فليد قدرتك أكثر مما تستحق، الآن أفهم لماذا غلب الكوكب فليد، لأن الناس هناك مثلك لا عقل عندهم، أنت خاسر لكني سأمنحك فرصة، قد الميني فو .. قاتل حتى يفجر بوبو الهدف، هذه هي الطريقة الوحيدة للإبقاء عليك”، المؤلم في هذا الموقف هو رد كاين عليه “حاضر سيدي” وهو يؤدي التحية العسكرية، وكأن هذا الفتى لم تمح فقط عقيدته بل وكرامته كذلك، لكن بقي بداخل كاين كبرياء وعنفوان لم يحسن توجهيهه، كان يقاتل بشراسة ويردد بأنه لن يكون خاسرًا، كان يريد النصر لينتقم لنفسه رغم أن انتصاره كان سيحقق أهداف فيجا، كاين لم يكن مغيبًا ولا مسيرًا بجهاز كنايدا، كان روحًا مشوهة وعقلًا تم إتلافه، حتى أن لحظة إفاقة كاين لم يرض بأن تقترب منه ماريا، و كان يصارع شعور عميقًا بالخزي ولم يرغب بأن تقترب هي منه أو تمسه احتقارًا منه لما آل إليه، هذا بالضبط ما جعل نايدا جامدة في مكانها تسمع صرخات دايسكي ورواية هيكارو وتطرق برأسها مرددة “ماذا فعلت؟” دون أن تجد في نفسها الشجاعة للدخول لغرفة دايسكي أو الاقتراب منه، كانت تشعر بالعار مما اقترفته حتى أنها صرخت بها وحيدة: “آسفة يا دوق على كل ما فعلت، أحببتك حقيقة”، قالتها وحيدة وهي تندفع نحو مصيرها الذي قررته بنفسها، نايدا حين رأت دموع هيكارو ونداءاتها لدايسكي وألمها لأجله لم تشعر بغيرة الأنثى وإنما بالخزي، هي رغم حبها له كانت أداة في يد فيجا لقتله، ومع أنه نجا من الموت فقد دفعت هي به لمصير أسود، وبغض النظر عما إذا كانت نايدا فعلت ما فعلت واعية أم لا فبالنسبة لها هي النتيجة واحدة: لقد ساعدت عدوها وآذت حبيبها وهي الآن قد تتسبب في دمار الأرض كلها بفعلتها، لهذا سعت نايدا لتفجير نفسها، ولكن على عكس كاين استطاعت أن تجعل لموتها مقابل حين نسفت نفسها وسط جيش فيجا.
مشهد انتحار كاين كان مؤثرًا، ارتمت ماريا على جسده تبكي بمراره وتردد: “يجب أن نوقف هذه الحرب، لا أحتمل ذلك”، بالضبط كما نهض دايسكي من مقعده وتشبث بزجاج جريندايزر يصرخ باسم نايدا ويقسم على محاربة فيجا لألا تتكرر مأساة فليد وليعم السلام الكون، كلاهما وجه رسالة واحدة وواضحة للجمهور، رسالة مفادها أن الحرب تجعلنا نخسر كثيرًا، نخسر أناسًا نحبهم، أهل، أصدقاء، أحباب، الحرب تشعرنا بالعجز، الحرب تثقل كاهلنا لدرجة يصعب تحملها، هذه المعاني القيمة بعيدة عن المهاترات حول قصة حب نايدا والتي أدى الإسهاب فيها لتفريغ حلقة زهرة حب أينعت في العلاء من مضمونها القيم.
بكى دايسكي على نايدا وكتب اسمها في السماء بعد أن تلاشى جسدها في فضاء الأرض، وبكت ماريا على كاين واحتضنت الأرض رفاته، وشاركت الأرض فليد في مأساته وبدا واضحًا للجميع ما يمكن أن تؤول إليه الأرض لو سقطت فعلًا بيد فيجا الكبير.
اترك تعليقًا