الحلقة الثالثة والعشرون – أزمة ثقة!
أنا مرتبكة جدًا، لم أنم ليلة أمس، غمرتني موجات عاتية من الأفكار المضطربة وكأنني كنت أواجه تسونامي وحدي في غرفتي الصغيرة، قبل بزوغ فجر أمس استيقظت على صراخ أبي، كان يهتف بعبارة اعتدنا على سماعها دومًا: “جاء صحن اليوفو” أخذنا ننظر للسماء – جورو وأنا – لكننا لم نرَ شيئًا في الأفق، أصر أبي على روايته بأنه شاهد طبق يوفو هائل يسقط باتجاه الغابات الغربية ، وقال أن الخيول كانت مضطربة لهذا السبب حين تفقدها صباحًا، وكان واثقًا من أن سيلفر قد هرب إلى الغابات بعد أن اهتاج بشدة هذا الصباح واستطاع تحطيم الحاجز الخشبي في الإسطبل والهروب منه، طلب مني أبي أن أوقظ دايسكي ليلحق بسيلفر ويعيده.
أبدلت ثيابي وذهبت للبحث عن دايسكي، لكني لم أجده في غرفته ببيت المزرعة ولا في بيت الدكتور أمون، كما لم أجد دراجته النارية بالقرب من أيهما، لهذا قدرت أنه ربما ذهب إلى مركز الأبحاث باكرًا، في ذلك الوقت لم ينتظر أبي كثيرًا وأسرع ممتطيًا حصانه صوب الغابات بحثًا عن سيلفر، كان سيلفر مفضلًا وأثيرًا لدى أبي، لهذا كان يرغب باستعادته بأي ثمن.
أما أنا فقد أخرجت حصانًا آخرًا من الإسطبل وأسرعت به إلى مركز الأبحاث بحثًا عن دايسكي، كنت بحاجة إليه ليصحبني إلى الغابات للحاق بأبي واستعادة سيلفر، صحيح أني قد تدربت على قيادة السيارة لكن الطريق إلى الغابات خطرة والشمس لم تشرق بعد، وكنت قد قطعت وعدًا لدايسكي بألا أقود السيارة بمفردي حتى يسمح لي هو بذلك، دايسكي هو معلمي في القيادة وأنا راضية بذلك.
وصلت إلى مركز الأبحاث، كنت مُحقة، دراجة دايسكي هنا في فناء المركز، لهذا دخلت متجهة صوب غرفة المراقبة مباشرة، إن كان دايسكي قد أتى إلى مركز الأبحاث باكرًا فهو على الأغلب هناك، في غرفة المراقبة وجدت دكتور أمون وكوجي، أما دايسكي فلم يكن بصحبتهما، سألت كوجي عن مكانه لكنه بدا مرتبكًا ولم يمنحني جوابًا، كان كوجي مصرًا على أن دايسكي ليس هنا فقط، أما أين أجده؟ فلا جواب، رجوته أن يخبرني بمكانه لأنني بحاجة إليه كي يصحبني إلى الغابات فلم يجبني، لكن ما إن أتيت على ذكر الغابات حتى تدخل دكتور أمون في حوارنا يسألني عن الغابات التي ذهب إليها أبي، فأخبرته بذهابه نحو الغابات الغربية، تبدلت ملامح دكتور أمون وطلب من كوجي أن يصحبني بسرعة وأن يعيد أبي، كان تصرف دكتور أمون مقلقًا بالنسبة لي، وفظاظة كوجي في تنفيذ طلبه زادتني قلقًا، أما غياب دايسكي على هذا النحو فقد غمرني بالتوتر والارتباك.
استطعنا أن نجد أبي، شكرًا لله! كان المسكين قد سقط من فوق حصانه، وبدا أن الحصان فزعًا بشدة، كان يركض بسرعة ويجر أبي على الأرض الوعرة دون رحمة، استطاع كوجي أن يقفز بمهارة وأن يسيطر على الحصان المرتعد، وترك لي التحكم في السيارة وإيقافها، حمدًا لله جاءت دروس القيادة في وقتها، أوقفت السيارة وأسرعت نحو أبي، كان جسده مثخنًا بالجراح وكان يهذي باسم سيلفر، في تلك اللحظة انتبهت للضجيج فرفعت عيني للسماء ورأيته، إنه صحن فضائي هائل.. لا بل صحنين، لا شك في ذلك!
عدنا إلى المزرعة واعتنيت بجراح أبي وضمدتها بنفسي، بقي كوجي معنا قرابة الساعتين، أما دايسكي فظل غائبًا تمامًا، عندما غاب دايسكي وترك تارو بين يدي وهو يكاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة منذ فترة شعرت بالاستياء لانشغاله بعمله، لكني كنت أقدر أنه مشغول أيضًا وكنت أعرف أين أجده، أما اليوم فاستيائي أشد بكثير، لو كان دايسكي هنا أو على الأقل لو تمكنت من إيجاده في مركز الأبحاث لما ذهب أبي إلى الغابات أو لتمكنا من إيجاده في وقت مبكر ولم يصب على هذا النحو، سيلفر أيضًا لا زال مفقودًا، والأسوأ أني اضطررت لمرافقة كوجي وتحمل فظاظته في هذا الصباح، لقد امتزج توتري بقلقي وخوفي واستيائي، وقفت في مواجهة مدخل المزرعة أفكر وأتساءل بضيق عن مكان دايسكي، وعن السبب الذي جعل كوجي يخفي عني مكانه بهذا الأسلوب المحير.
وصل دايسكي أخيرًا، أوقف دراجته أمامي ونزل منها يسألني عن أبي وكأن شيئًا لم يكن، دايسكي عاد قطعًا إلى مركز الأبحاث وعرف بما حدث، هو الآن عاد ليسأل عن أبي فقط، ماذا عن بحثي عنه وحاجتي إليه في هذا الصباح المبكر؟ استوقفته أسأله أين كان، بدا دايسكي مرتبكًا وادعى أني أعرف مكانه، دايسكي لم يكن في مركز الأبحاث باعتباره مقر عمله لهذا فأنا لم أكن أعرف فعلًا أين كان، قلت له أني لا أعرف، وبدا أننا على شفا نزاع، حاول كوجي أن يبرر غياب دايسكي، وادعى أنه خرج لقضاء عمل مهم، لا أقبل تدخل كوجي في هذا النقاش، كما أني لا أصدقه أبدًا، إن كان دايسكي قد خرج لقضاء عمل مهم، وإن كان كوجي يعلم بذلك، فلماذا لم يخبرني بهذا منذ ساعات؟ في الأمر سر، وقد حان الوقت ليخبرني دايسكي بنفسه، لهذا ثارت أعصابي وقتها وطلبت من كوجي أن يترك دايسكي يخبرني بنفسه عن مكانه، انسحب كوجي محرجًا ويبدو أنني كنت منفعلة فعلًا ومستاءة لدرجة كبيرة ، وربما أكثر مما أتصور، لكن دايسكي لم يقل شيئًا، واستغل فرصة خروج أبي وجورو كذريعة لعدم تقديم إجابة شافية، كان أبي وقتها مصرًا على الذهاب للبحث عن سيلفر مجددًا رغم إصابته، تعلُّق أبي بسيلفر زاد من ضيقي واستيائي، حاول دايسكي أن يطمئن أبي وأخبره أنه سيذهب بنفسه للبحث عنه لكني رفضت مساعدته، هذه المرة سأذهب أنا وحدي للبحث عن سيلفر وسأعود به إكرامًا لأبي، إن لم يكن دايسكي قادرًا على مصارحتي بمكانه هذا الصباح فهذا يعني أن بيننا مشكلة أكبر من سيلفر بحاجة لأن تُحَل، وحتى تأتي لحظة الحل قررت أن أسحب ثقتي من دايسكي، قلت له صراحة أنني لا أثق بشخص يخفي عني أين كان، ووعدت أبي أني سأعثر على سيلفر وركضت بالحصان مندفعة.
كنت غاضبة فعلًا في تلك اللحظة، غاضبة وخائفة وضائعة، تشككي في ثقتي بدايسكي بعد كل ما سبق كان يؤذي مشاعري لدرجة كبيرة، شعرت أنني على وشك خسارة صديق عزيز جدًا على قلبي، وخسارة حبيب لا يتحمل قلبي فراقه، لكن كلاهما يحتاج إلى الثقة: الصداقة والحب، لهذا كانت مشاعري مضطربة، ووجدت البحث عن سيلفر ذريعة مثالية للذهاب وحدي والابتعاد عن الجميع، لكن دايسكي لحق بي بحصانه، حاولت أن أبعده عني، طلبت منه أن يتوقف عن ملاحقتي، قلت له كاذبة أني أكرهه، لا أعرف كيف استطعت أن أقول شيئًا كهذا لكن مشاعري كانت تنزف بشدة في ذلك الوقت.
ركضت كثيرًا بالحصان، وصلت إلى الجبل وتوقفت أنظر لأعلى، رأيت سيلفر أعلى الجبل، عندئذ استطاع دايسكي أن يلحق بي، أوقف حصانه بجواري وطلب مني أن أترك أمر سيلفر له وأنه سيمسك به، لكنني كنت أصارع نفسي وأتحدى مساعدة دايسكي لي فطلبت منه ألا يهتم للحصان وأن يترك أمره لي، توجهنا سويًا نحو قمة الجبل حيث رأينا سيلفر لكنه كان قد اختفى، كنا وقتها بالقرب من السد الأكبر الذي يقع جوار مزرعة البتول الأبيض، يوجد هنا ثلاثة سدود متدرجة وبحيرة ضخمة تستخدم جميعها لتوليد الكهرباء، هنا اعترض دايسكي طريقي بحصانه وأخذ يطلب مني العودة ويؤكد لي أن سيلفر ليس في الجوار، قال أني أُبْدي له جفاء على غير العادة وأن هذا ليس الوقت المناسب للعتاب، نعم دايسكي أنت على حق، ليس هذا الوقت المناسب للعتاب؛ فقط لو أخبرتني ببساطة أين كنت، فقط لو محوت من خاطري هذه الفكرة السيئة، كن صريحًا وسينتهي كل شيء، صحيح دايسكي يبدو علي الجفاء ولكني منذ ساعات كنت أبحث عنك، كنت بحاجة إليك لا لغيرك، كنت خائفة أحتاج لوجودك فلم أجدك، كنت أسأل عنك فيخفون عني مكانك، أنت أيضًا تصر على كتمان السر، لهذا يبدو علي الجفاء.
تمنيت أن أقول شيئًا مما يعتمل بداخلي لكني اختصرت مشاعري في سؤال واحد: “أين كنت؟”، كنا نقف وحيدين على الجبل لا أحد يرانا أو يستمع لحديثنا، إن لم يكن دايسكي قادرًا على إجابة سؤالي الآن فستكون النهاية حتمًا، لكن دايسكي قال لي: “لا أقدر أن أقول” كان هذا الرد كافيًا لتمزيق قلبي في ذلك الوقت، شعرت بالخسارة الكبيرة والألم، وشددت لجام حصاني بعصبية، ويبدو أن الحصان شاركني شعوري فثار فجأة و.. وألقاني من فوق ظهره، في لحظة رأيت نفسي أهوي من فوق الجبل، كنت أموت عاطفيًا وجسديًا في وقت واحد، أفقد كل شيء حتى حياتي، لكن ما حدث بعدها كان مروعًا وغريبًا لأبعد مدى.
كنت أصرخ من الرعب وعيناي متسعتان وعلى الرغم من ذلك أشعر أني لا أرى بهما شيئًا، شعرت بيد تلتقطني لثانية وفقدت وعيي، فتحت عيناي فكانت السماء قد تلبدت بالغيوم، رأيت البرق يضيء المكان من حولي، كنت مستلقية على الأرض الصلبة، وثمة رجل يقف بجواري، لم يكن دايسكي، كان رجلًا آخر، كان يلتمع مع البرق ويبدو مخيفًا بلباسه العسكري، نهضت برعب ونظرت إليه، انعقد لساني فلم أتمكن من سؤاله لكنه بادرني بالحديث، قال لي جملة يستحيل أن أنساها ما دمت حية: “اسمي هو الدوق فليد، دايسكي أمون هو رجل من كوكب فليد” حين نطق اسم دايسكي بدأت أستوعب أن لهذا الرجل صوت دايسكي فعلًا لكن.. مستحيل أن يكون هو، ما يقوله يفوق إدراكي، دايسكي.. كيف؟ كوكب فليد؟
لم أستطع أن أقول شيئًا، كنت فزعة ومرتبكة، ركضت بخوف، وزلت قدمي مع ماء المطر وسقطت على الأرض بقوة، شعرت بضلوعي تتألم لكن اضطرابي كان أكبر، رأيت هذا الرجل يهتف باسمي ويمد يديه نحوي يحاول الإمساك بي، لهذا حاولت أن أبعده عني، والنتيجة أنه صفعني فجاة ونعتني بالمجنونة، شملني الذهول وبت عاجزة عن مواصلة الإدراك، وفقدت وعيي مجددًا.
كم من الوقت غبت عن الوعي؟ لا أدري، لكني استعدت وعيي ببطء وشعرت بالدفء والأمان، كنت ممدة على ما يشبه الفراش فعلًا، وكان الجو دافئًا، سمعت صوت دايسكي بالقرب مني يسألني عن شعوري، رأيته وقتها جالسًا قبالتي وبيننا نيران مشتعلة، رأيت ملابسي بالقرب مني، صرخت فزعة، كنا داخل كهف غريب، بدا لي أني أعيش حلمًا لا أستطيع فهمه، بدا دايسكي هادئًا، طمأنني أن كل شيء بخير وأنني كدت أن أموت بملابسي المبتلة، عندئذ تذكرت الأمطار والرعد والبرق فاضطربت مشاعري، نظرت لعيني دايسكي وتأملت ملامحه، تلك الملامح التي أحفظها عن ظهر قلب وآنس بها، جعلت أستعيد تلك الذكرى الرهيبة: “اسمي هو الدوق فليد، دايسكي أمون هو رجل من كوكب فليد”، تجمد كل شيء من حولي لبرهة، صمتُّ ولم أعرف ما أقول، ولا هو أفصح عن شيء، لكن عينيه كانتا تحملان اعتذارًا ورجاءً من نوع خاص، انتفض دايسكي فجأة وأسرع بالخروج من الكهف وبقيت وحدي لدقائق، ارتديت ثيابي ولحقت به خارج الكهف، كنت بحاجة لأفهم ما حدث، أو على الأقل أن أسمع منه ما يعني أني كنت في حلم وأن ما رأيته لم يكن حقيقة أبدًا.
وجدته خارج الكهف يوليني ظهره فاقتربت منه بصمت، لكنه شعر بي وحدثني دون أن يلتفت إلي، قال كلامًا غريبًا: “ استمعي رجاءً.. رجال من كوكب فيجا يطاردونني أنا وجريندايزر لهذا اضطررت إلى التخفي” كان ما يقوله دايسكي فوق قدرتي على الاستيعاب وقتها، ليس لأني لم أفهم ما يقول ولكن لأن تصور أني أحببت رجلًا من كوكب آخر لم يزرني ولا حتى في الأحلام قبلًا، حاولت تخمين عشرات الأسباب والقصص لغياب دايسكي هذا الصباح لكن ما أسمعه الآن ليس أحدها بالطبع، قلت له أني لا أستطيع أن أفهم ذلك وسألته عن عدم إخباره لي من قبل، فاستدار يواجهني بصمت ولم يجب سؤالي، كانت الدنيا تدور بي، رأسي مثقل بالحيرة وأشعر بأني بحاجة ماسة للبقاء وحدي لعلي أستوعب ما سمعته وعرفته!
أخبرت دايسكي بحاجتي تلك وامتطيت الحصان الذي كان معنا في تلك اللحظة وذهبت، إلى أين؟ لا أعرف، لم أفكر إلى أين أتجه، كل ما أريده هو أن أكون وحدي وأن أستعيد صفاء ذهني قدر الإمكان، احترم هو رغبتي ولم يحاول اللحاق بي، لكن ما إن ابتعدت حتى كانت المفاجآت لي بالمرصاد، فلقد ظهر أمامي فجأة شخص غريب الشكل، يشبه البشر لكنه مؤكد أنه ليس منهم، له بشرة رمادية داكنه وقوام ضخم، رأسه طويل ونحيل وله أذنان عريضتان، كان مرعبًا بحق، شاركني الحصان فزغي وبالكاد استطعت السيطرة عليه، ثم ظهر شخص آخر مسلح يرتدي زيًا عسكريًا يخفي ملامحه، كان يشبه هؤلاء الرجال الذين رأيتهم من قبل سوسوكيكاهارا، جذبني ذلك المسلح وأنزلني من على الحصان عنوة، ثنى ذراعي بالقوة خلف ظهري ودفعني دفعًا نحو الجبل القريب من السد الأكبر، رأيت شقوقًا كبيرة تظهر في السد الأصغر البعيد وسمعت أصوات التصدعات المرعبة، ثم ظهر دوق فليد أو دايسكي، لا أعرف أشعر باضطراب وتشوش فكري مفزع، دار حوار غريب بين دوق فليد وبين ذلك الرجل الرمادي البشرة، عرفت من الحوار أن اسمه بلاكي وأنه يساوم دوق فليد على نحو ما، لقد طلب منه أن يحضر جريندايزر لمجرى السد مقابل حياتي، لا زلت لا أعرف ما المقصود بجريندايزر أصلًا، لكن حياتي أصبحت مقابل هذا الشيء، سمعتهما يتحدثان عن فيضان وبدا الموقف كله ضربًا من الخيال بالنسبة لي، سمعت بلاكي يقول لدوق فليد: “بناء على قرارك سأدفع بهذه الفتاة نحو السد” وسمعت رد دوق فليد عليه: “انتظر عودتي بلاكي”
مر الوقت ببطء شديد، وأخيرًا رأيت صحنًا فضائيًا عملاقًا يظهر في السماء، ثم انفصل إلى شيئين: طائرة كبيرة وإنسان آلي، هبط الاثنان جوار السد وسمعت صوت دايسكي ينبعث من الإنسان الآلي يطلب من بلاكي إطلاق سراحي، وبالفعل ترك الرجل المسلح يدي وأنزل سلاحه، وسمعت دايسكي يخاطبني ويطلب مني الابتعاد عن المكان، صوت دايسكي في ذلك الموقف المرعب كان الأمان الوحيد الذي أنشده، لقد بدوت كمن يعيش في كابوس حقيقي، أخذت أركض مبتعدة، ثم رأيت السد الأصغر ينهار وتدفقت المياه بعنف، وتلاه بدقائق انهيار السد الأوسط، وأصبحت الكارثة وشيكة، التفت أنظر للرجل الآلي الذي انبعث منه صوت دايسكي فرأيت المياه تجرفه بعنف شديد، ورأيته يرتطم بالصخور بشدة، عندها انفطر قلبي ووجدت نفسي أركض باتجاهه وأهتف باسم دايسكي تارة وباسم دوق فليد تارة أخرى، كنت قلقة على دايسكي وخائفة من تعرضه للأذى أو الموت، وكنت أدرك أن هناك كارثة ستحل بالمزرعة ومن فيها، واستوعبت فجأة الكثير من الحقائق، دايسكي بإمكانه حماية السد وحماية المزرعة بكل من فيها، حياة الكثير من الأبرياء رهن قدرته على الصمود، لهذا هتفت باسمه أناديه وأشد من عزمه، ورأيته ينهض بالفعل، كنت أركض على الجبل وأشاهد ما يحدث، شاهدت صراعًا بين الرجل الآلي الذي قدَّرْتُ وجود دايسكي داخله بشكل أو بآخر وبين صحن فضائي غريب الشكل، وخلال الصراع تحطم السد الأصغر والأوسط بالفعل ولكن دايسكي استطاع أن يحمي السد الأكبر من الانهيار ببسالة وانفجر الصحن الفضائي بدوي هائل.
قفز دايسكي من أعلى الإنسان الآلي، لقد كان في مكان ما داخله كما قدرت، كان عملاقًا ذو قوة عجيبة، نزول دايسكي منه أشعرني بالطمأنينة، اقترب مني واطمأن على سلامتي، كان هو دايسكي الذي عرفته وأحببته من قبل، اعتذر لي عن تعريضي للخطر، في تلك اللحظة بدأت أعصابي تهدأ وخف توتري كثيرًا، شعرت بالحب يغمرني من جديد، تحدثنا طويلًا حتى تلونت السماء بحمرة الغروب، ومع غروبها زال ما كان بيننا صباحًا، واختفت كل مشاعري السلبية أخيرًا، وفهمت أن دايسكي كان يخفي سرًا كبيرًا بداخله، وأن هذا السر كان الجسر المفقود بيننا، سمعته يقول لي أنه صباح اليوم كان يقود جريندايزر لمقاتلة صحون فضائية، فندمت على استيائي وغضبي هذا الصباح، نظرت لدايسكي واعترفت له بأني قد استوعبت الموقف أخيرًا وأني أدرك الآن أنه حامي هذه الأرض، لكني أخبرته بأني أحب اسم دايسكي كثيرًا وأنه قريب إلى قلبي وأنه سيظل بقلبي كما هو وربما أكثر من ذي قبل، وبينما نحن نتحدث بهدوء وحب افتقدناهما منذ الصباح – وقتها عاد سيلفر فجأة، وجدناه يركض نحونا كأنه يحتفل معنا بتلك اللحظات الحلوة.
عدنا إلى المزرعة أخيرًا، عدت أنا بسيلفر، وعاد دايسكي بجريندايزر، إلى أين؟ لا أعرف! لكنه وعدني بأنه سيروي لي كل شيء بالتفصيل فيما بعد، وأن هناك الكثير ليطلعني عليه، قررت أن أمنح ثقتي لدايسكي هذه المرة وبشكل نهائي، اليوم كانت حياتي مقابل حياته وهذا كفيل بتغيير الكثير بيننا، سُرَّ أبي برؤية سيلفر وبسلامتي ولم يسألني كثيرًا عن أحداث ذلك اليوم، وهذا من حسن حظي، صعدت إلى غرفتي وأغلقت بابها، وأمضيت ليلتي أفكر، كنت أستعيد الكثير من المواقف والأحداث، لقد عرفت اليوم أن دايسكي لم يكن يخفي عني تفاصيل ماضيه كما كنت أتصور، لم يكن لدايسكي ماضٍ على الأرض ليرويه لي، عرفت لماذا ظهر فجاة في حياة الدكتور أمون، عرفت ماذا قصد دايسكي بالهدهدة الآتية من مكان بعيد، تذكرت جريندايزر حين رأيته في سوسوكيكاهارا ، في ذلك اليوم من أنقذني كان دايسكي، أنقذني في ساحة المسابقة وأنقذني ليلًا حين التقيته في المزرعة وبدأت صداقتنا، تذكرت اختفاء دايسكي عند ظهور الصحون الطائرة، تذكرت شجار دايسكي وكوجي المتكرر وبدأت أخمن أسبابه، تذكرت عمل دايسكي في مركز الأبحاث، تذكرت نظرات دايسكي الشاردة للسماء دومًا، تذكرت ذلك الحنين الذي كنت أراه شغفًا وهو يحدثني عن الفضاء، عرفت السبب الحقيقي الذي جعل أحاديث دايسكي عن الكون تبدو وكأنها حقيقة، لقد كانت حقيقة فعلًا رآها بعينيه، تذكرت أشياء كثيرة جدًا لهذا لم أستطع النوم، وظهرت أمامي أسئلة لا نهاية لها، لقد دخل دايسكي حياتي مرة أخرى وللبداية لذة لا تقاوم!
اترك تعليقًا