الحلقة الرابعة عشرة
انتظرت قدوم رأس السنة منذ فترة طويلة، فاحتفالات عيد الميلاد والشوجاتسو تبعث في نفسي البهجة دومًا، في كل عام كنت أبذل قصارى جهدي لإسعاد جورو الصغير في عيد الميلاد، كنا نزين الشجرة ونصنع الحلوى، لم أعتد على شراء هدايا لجورو وكنت أفضل أن أصنع له الحلوى بنفسي كهدية.
في السنتين الماضيتين لم يشاركنا دايسكي هذه الاحتفالات وكان يفضل البقاء وحيدًا، في هذه السنة، اتفقنا سويًا على تحضيرات عيد الميلاد وكذلك رأس السنة الجديد معًا، لهذا زاد شعوري بالهبجة هذا العام، ما أروع أن يكون لديك صديق يشاركك تفاصيل حياتك! صديق تأنس به، صديق تجد فيه ملجأ لروحك ومصبًا لأحاديثك ولو كانت بسيطة، لقد تشاركنا – دايسكي وأنا – هذه المرة في التخطيط لحفل عيد الميلاد، اشترينا شجرة عيد ميلاد جديدة، وأعددنا الإضاءات والزينة وتبقى تزيين الشجرة، في تلك الأثناء وصلتنا أخبار محزنة، لقد انهار مرصد بوكي ديك القريب منا، توفي المسؤول عن المرصد وزوجته وبقيت ابنتهما وحيدة، اسمها ميرانا عثر عليها دايسكي وكوجي عند ذهابهما لاستطلاع الأمر، عندما عادا بها كانت فاقدة الوعي ومصابة بجرح كبير في رأسها، أشفقت كثيرًا على ميرانا! ظللنا بالقرب منها – كوجي، دايسكي، جورو وأنا – حتى استعادت وعيها، أحضر لها جورو هدية صغيرة للتسرية عنها لكنها كانت تبكي وترتجف – جورو اجتماعي جدًا ويتعاطف مع الأطفال في عمره – حاولنا أن نسألها عما حدث لكنها كانت تبكي بشدة ولم تكن قادرة على تذكر ما حدث، أعتقد أن ما رأته في ذلك اليوم كان فظيعًا بحق.. مسكينة ميرانا!
أشار الطبيب بضرورة إخضاع ميرانا لعملية جراحية ولم يكن واثقًا من نجاح العملية لكنه قال أن علينا أن نحافظ عليها بحالة نفسية جيدة حتى تجتاز العملية بنجاح، لهذا اقترح دايسكي أن تبقى معنا في المزرعة لبضعة أيام قبل إجراء العملية، في تلك الفترة بدأت أهتم بتزيين شجرة عيد الميلاد أمام عيني ميرانا لتسليتها، وكنا نفكر في هدية جميلة يمكن أن نقدمها لها هذا العام، قررت أن أصنع لها كعكة كما أصنع لجورو، كعكة جميلة مغطاة بكريمة القشدة ومزينة بحبات الفراولة اللذيذة، لكن ميرانا اختفت فجاة، لهذا انطلقنا للبحث عنها في كل مكان، ولما لم نجدها توجهت لمركز الأبحاث لإخبار دايسكي بالأمر، توقع دايسكي ذهابها إلى حيث كان المرصد ومنزلها مع والديها وانطلق بالفعل للبحث عنها، حمدًا لله! لقد استطاع دايسكي أن يجدها!
خضعت ميرانا للعملية وتناوبنا – دايسكي وأنا – في العناية بها في تلك الأيام، وأخيرًا تنفسنا الصعداء فقد نجحت العملية ونجت ميرانا من النزيف الدماغي الذي كان يهدد حياتها، إلا أنها كانت مصابة بحالة نفسية سيئة تسببت في عجزها عن الوقوف، كانت ميرانا خائفة ويائسة للغاية مما أثار شفقتي عليها كثيرًا.
في ليلة عيد الميلاد أزلنا الضماد عن رأس ميرانا وأخذنا نشجعها على الوقوف، لقد شُغلنا جميعًا بميرانا في ذلك اليوم، كل تحضيرات عيد الميلاد كانت لأجلها حقًا، كوجي أيضًا أعد مفاحآة غريبة لميرانا، لقد حول التيفو لعربة تجرها الأحصنة الخشبية وطار بها في السماء.
أحزنني غياب دايسكي في تلك الليلة، لقد عاد متأخرًا للغاية، سألته عن ميرانا فأخبرني أنه قد أوصلها إلى حيث أقاربها وأنها الآن بخير، وأنها تمكنت من التغلب على خوفها واستطاعت الوقوف، تنفست بارتياح أخيرًا، وسررت بوجود ميرانا من جديد في أسرة يمكن أن تقدم لها الحب والحنان.
لقد غمرنا وجود ميرانا بالحب والعاطفة، لهذا لم نستطع النوم في تلك الليلة، فبينما نام الجميع بقينا ساهرين – دايسكي وأنا – بالقرب من شجرة عيد الميلاد، كانت الأجواء باردة لكننا كنا نشعر بالكثير من الدفء في ذلك الوقت، تحدثنا كثيرًا.. كثيرًا جدًا حتى أشرقت الشمس، بالطبع كان النهار التالي قاسيًا بدون نوم! لكن هذه اللحظات الجميلة كانت تكفي لتملأنا بالطاقة والنشاط.
بعدها بأيام قليلة بدأنا نستعد لعيد رأس السنة، لقد اشتريت كيمونو جديد لهذا العام خصيصًا، فهذه هي السنة الأخيرة التي ساذهب فيها إلى المدرسة، وبعد بضعة أسابيع سأبدأ حياة جديدة، كنت أتطلع لهذا اليوم لهذا رأيت بأن هذه مناسبة تستحق الاحتفال واقتناء كيمونو جديد، كما بدأت بإعداد كعك الأرز وغيره من الأطعمة الخاصة بهذه المناسبة، وبينما نحن منهمكون بخفق كعك الأرز حدث أمر فظيع، لقد اضطربت الحيوانات جميعها ورأينا نيرانًا عظيمة في الأفق، ذهب دايسكي لاستطلاع الأمر لكنه غاب كثيرًا، ظلَت الحيوانات فزعة حتى ساعة متأخرة من الليل، وفي اليوم التالي تكرر اشتعال الحرائق وكأننا في كابوس، طلب دايسكي منَّا أن نحمي أنفسنا وأن نبقى داخل المنزل واندفع هو إلى مركز الأبحاث، عرفت بعدها أن صحنًا فضائيًا قد تسبب بهذه الحرائق ورأيت كوجي يثبت مرآة عملاقة في قعر التيفو لم أعرف ماذا سيصنع بها بالضبط، مع ذلك عرفت بأن كوجي قد أحسن صنعًا هذا اليوم واستطاع القضاء على العدو، هذا شيء رائع!
ولكن وعلى الرغم من هجوم الصحن المتوحش فقد رزقنا بمهر جديد في تلك الأيام، كان لطيفًا ووادعًا وشعرت أنه إشارة لسنة سعيدة، وكنت آمل في أن يكون شعوري حقيقة!
في يوم رأس السنة رأيت دايسكي بالكيمونو لأول مرة، كان يبدو مختلفًا تمامًا وقد زاده الكيمونو سحرًا، في عطلة رأس السنة لا نعمل كثيرًا كالمعتاد لعدة أيام، لهذا فقد قضينا الكثير من الوقت نمرح، ورغم تعرضنا في ذلك اليوم لهجوم من إحدى الصحون الطائرة إلا أن الأمر قد مر بسلام ولم يكن كسابقه، لقد كنا بحاجة حقيقية لتلك الأيام: الراحة والسلام والمرح كانت أشياء نفتقدها منذ مدة، بدأت ألاحظ أيضًا تحسن العلاقة بين دايسكي وكوجي مما جعل الأيام أكثر هدوءًا وسلامًا.
فقط جورو الصغير بدأ بإزعاجي وإحراجي من وقت لآخر، لقد بدأت مشاعري تجاه دايسكي تتغير على نحو فجائي، ويبدو أن جورو قد لاحظ ذلك على نحو ما، يا إلهي إن كان جورو قد لاحظ ذلك فماذا عن البقية؟!
اترك تعليقًا