ما قبل الحلقة الأولى – التعارف الأول
دايسكي شاب مثير للإعجاب حقًا! لقد أصر على تولي شؤون الإسطبل منذ قدومه للمزرعة، الغريب أنه لم يضيع يومًا واحدًا وأصر على بدء عمله من الصباح الأول لوجوده معنا، تقاسمنا العمل سويًا إذ أصبح عليَّ الاهتمام بالأبقار والماعز والأرانب وأصبح هو مسؤولًا عن الإسطبل والخيول، أعترف بأنني رغم قدرتي على ركوب الخيل وحبي لها إلا أن الاهتمام بشؤون الإسطبل كان أمرًا مجهدًا بالنسبة لي، إن غسل الأحصنة والعناية بها وترويضها وتدريبها أيضًا ليس عملًا سهلًا؛ لهذا وجدت أن طلب دايسكي جاء لصالحي فتركت له المهمة، لكنني دُهشت حين رأيته يركض بالحصان لأول مرة، امتطى الحصان وكأنه قد تدرب على ذلك منذ صغره، زادت دهشتي حين عرفت بعد ذلك أنه لم يكن متآلفًا مع الأحصنة في صغره، غريب إذن أن يملك مهارة كتلك!
اختار دايسكي حصانًا أبيض اللون وأسماه سيلفر واتخذه حصانًا خاصًا له، ورأيته يبني علاقة ممتازة مع الحصان على نحو أدهشني في البداية، لم يكن دايسكي يعتني بالحصان على نحو عادي، وإنما بدا وكأن هناك صداقة حميمة قد ربطت بين الاثنين، وكان يخرج في جولات سرية تدوم لساعات ولا أعرف أين يذهب خلالها، كما كان يزور دكتور أمون من وقت لآخر في مركز الأبحاث، وأحيانًا يقضي الليالي هناك.
رغم صمت دايسكي وحزنه وعزلته فقد تبادلنا الحديث لأكثر من مرة، كنا نتحدث عن شؤون المزرعة دومًا وعن دراستي وخططي المستقبلية، حدثته كذلك عن انضمامي لفريق الجمباز بمدرستي، وكان هو يتحاشى الحديث عن حياته الخاصة أو ماضيه، لم يخبرني أين كان يعيش طوال السنوات الماضية، ولم يخبرني شيئًا عن دراسته أو هواياته، لكنني شاهدته كثيرًا وهو يطالع كتبًا علمية عن الفضاء والكون وكتبًا في الجغرافيا والتاريخ، لا أعرف إن كان دايسكي لا يزال طالبًا حتى اليوم أم لا، لكني واثقة من أنه شاب متعلم ومثقف، لقد اعتنى بالخيول والإسطبل بطريقة رائعة، وعرفت فيما بعد أن السبب هو كتبٌ عديدة وجدتها مصادفة لديه عن الخيول وطرق العناية بها وتدريبها، لا أنكر أن دايسكي أثار بداخلي الرغبة في المعرفة أكثر من ذي قبل، وبدأت أشعر أن حياتي الهادئة في المزرعة أشبه بالسجن الفكري، صحيح أنني أعيش حياة آمنة وسط أجواء من الحب والدفء الأسري ووسط الطبيعة الخلابة؛ إلا أنني أشعر بفقداني لذاتي وهويتي، لقد كان مجيء دايسكي هو جرس الإنذار الذي دق داخلي لأول مرة.
في إحدى الليالي، وبينما كنت ساهرة في شرفة غرفتي أرقب القمر، سمعت نغمات قيثارة رقيقة، دندنة هادئة كأنها نفس تهمس لنفس، أنصت إليها دون أن أفكر في مصدرها، لقد أخذتني بجمالها ورقتها، عرفت فيما بعد أن هذه النغمات كانت قادمة من شرفة دايسكي القريبة من شرفتي، لقد كان يملك قيثارة أيضًا ويجيد العزف عليها، رائع.. أمير كما تظهره القصص الخيالية بدون قصر أو حرملة طويلة أو سيف!
اترك تعليقًا