الحلقة الرابعة والعشرون – جريندايزر!
لم يكن من السهل علي العودة لحياتي السابقة بعد ما عرفت، منذ أن قدم دايسكي إلى مزرعة البتول الأبيض وحياتي تتطور على نحو متسارع، وأسرع من قدرتي على مجاراتها، شعرت بالنضج هذه الأيام، تغيرت نظرتي للحياة ورؤيتي لما يحدث من حولي، تطورت مشاعري أيضًا، وبدا أن قلبي وعقلي غريبان عني! أفكر كثيرًا هذه الأيام، وأشتاق إلى أيامي السابقة واستمتاعي البسيط بما أراه وأسمعه، أشتاق للأيام الهادئة، أشتاق لليالي التي تملؤها البهجة والمرح، أشتاق لساعات النوم الهانئة حقًا.
منذ أشهر، كنت أتمدد على العشب الأخضر، أسمع نغمات قيثارة دايسكي ونحن ساهران في ضوء القمر فأذوب معها حبًا، وكنت أشعر وكأني وردة تتفتح بتلاتها مع كل نغمة، أذكر أني كتبت ذلك فيما مضى فعلًا، لكني اليوم أتمدد على العشب الأخضر وأستمع لنفس النغمات فتدمع عيناي وأشعر بالاختناق، بت ألمس حزنًا عميقًا في أعماق تلك النغمات الهادئة، استطاع هذا الحزن أن يدخل قلبي، وتعلمت أن أخاف كما لم أخف من قبل، خفت على وطني وأسرتي وأصدقائي و.. وخفت على دايسكي كثيرًا، لقد تحدثنا لساعات طويلة خلال الأيام الماضية وعرفت الكثير جدًا مما كنت أجهله وما غير رؤيتي لكل ما حدث وما يحدث من حولي!
روى لي دايسكي أشياء غريبة، ذكرني بميناو، تلك الفتاة الجميلة والغريبة الأطوار التي زارتنا وغادرت في نفس ليلة وصولها، عرفت أنها جاءت من كوكب بعيد، وأنها جاءت لقتل دايسكي.. يا إلهي! ولقد كادت أن تفعل ذلك فعلًا! عرفت أن ميناو قد قُتِلَتْ أمام عيني دايسكي، وأنه قد تأثر بموتها كثيرًا، تعجبت وسألته، فأخبرني أن ميناو كانت ضحية غدر واستغلال، كانت محاربة من كوكب روبي، وقد سقط كوكبها في يد فيجا، وأنها أرسلت في مهمة لقتل دايسكي، وكانت مكافأتها إن نجحت في مهمتها هي سلام كوكبها وأمانه، قال أن ميناو لم تكن قادرة على القتل، وأنها كانت تعاني وحاولت الهرب، قال أنها قُتلت لرفضها قتله، وأنها لفظت أنفاسها الأخيرة بين ذراعيه وهي تهتف: “وطني”، شعر دايسكي بألم ميناو، وتألم لأجل وطنها، وحمل إثمًا جديدًا بموتها، إذ ظل يعتقد لليوم أن موت ميناو كان الثمن لبقائه حيًا.. يا إلهي! لقد كان الكون أكبر مما أتخيل!
روى لي دايسكي عن الزلازل الكثيرة التي ضربت اليابان في الشتاء الماضي، وأنها لم تكن زلازل طبيعية بل كانت من صنع فيجا، قال أنه كان طرفًا في صفقة أُبْرِمَت بينه وبين القائد يارا في ذلك الوقت، صفقة لإنقاذ سهل كانتو من كارثة محدقة به، قال لي أنه قد قُبِضَ عليه وقتها، وأنه كاد أن يُقْذَفَ به في فوهة بركانية لولا تدخل كوجي في اللحظة المناسبة، آه.. أنا ممتنة لكوجي كثيرًا! أخبرني دايسكي أن القائد يارا قد وفَّى بوعده رغم ما حدث وأنه سلم دايسكي ما يضمن أمان سهل كانتو، وأنه رغم الغدر والمصير الذي كان سيلقاه في ذلك اليوم إلا أنه كان حزينًا لقتاله القائد يارا وموت الأخير، كان دايسكي لا يزال يذكر كلمات القائد يارا: “صدقني يا دوق أنا عالم أكره الحرب، أهلي ماتوا في الحرب، لا أريد أن أقتل الناس بعلومي” كان دوق يجد في كلمات القائد يارا تعبيرًا عن مشاعره الخاصة، ذكر لي تلك الكلمات وعيناه مغرورقتان بالدموع، كيف لي أن أساعدك دايسكي؟! قلبي بتمزق لألمك! لقد وضع دايسكي ثقته في القائد يارا رغم معارضة كوجي وكان حقًا أهلًا للثقة.
حدثني دايسكي عن غيابه يوم مرض تارو، وأنه كان بعيدًا جدًا عن اليابان، كان في القطب الشمالي يقاتل كي لا يتمكن فيجا من إذابة الجليد وإغراق الأرض بفيضان كبير، لقد صنعت قوات فيجا جهازًا رهيبًا لإذابة الجليد وأطلقوه في القطب الشمالي، وتمكنوا من إذابة الكثير من الثلوج فعلًا، وبدأ منسوب المياه بالارتفاع في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، لقد كان على دايسكي أن يختار وقتها بين إنقاذ تارو أو إنقاذ ملايين البشر! ولقد اختار الأصعب وما يمليه عليه الواجب، أشعر بالألم وأنا أكتب تلك الكلمات، وأتصور مشاعر دايسكي وقتها، لا أعرف ماذا كنت سأفعل إن كنتُ في مكانه، لكن يبدو أن علي أن أتعلم مما أراه وأسمعه، قال لي دايسكي أنه كان يرى صورة تارو أمام عينيه طوال المعركة، يراه يصهل مستنجدًا فيشعر بالقوة تتدفق في عروقه، لقد عاش دايسكي يومًا صعبًا لم يستطع نسيانه، عرفت الآن لماذا عاد دايسكي منهكًا ومنهارًا في ذلك اليوم، ليتك كنت صريحًا وقتها دايسكي! ربما تغيرت أشياء كثيرة بيننا.
ذكرني بميرانا وأخبرني أن وحشًا من فيجا هو من دمر المرصد وقتها وتسبب بيتم ميرانا وإصابتها، مسكينة ميرانا الصغيرة! حدثني عن مانكيتشي وقريته التي تدمرت بالمعادن الجوية والتي حاول فيجا أن يبني فيها قاعدة له.
اعتذر لي عن يوم شجارنا الأول حبن تراجع عن قراره بشأن تدريب الخيول، عرفت من دايسكي أن اتشاح القمر باللون الوردي هو علامة سيئة، وأنه لهذا السبب أراد أن يكون قريبًا من مركز الأبحاث تحسبًا لهجوم قد تشنه قوات فيجا، لقد كان دايسكي محقًا وقتها، أنا آسفة دايسكي! أسأت الفهم فسامحني!
عرفت أن دايسكي هو من أنقذني في طوكيو يوم اختطف الوحش الحافلة التي كنت أركبها، وأنه استطاع مع كوجي حماية الأرض وإفشال خطة فيجا الكبير لنقل القمر باتجاه الأرض منذ أشهر، وروى لي ما حدث يوم الكسوف الشمسي الأخير، كاد دليسكي أن يموت في ذلك اليوم لولا محاولات كوجي التي أثمرت الحمد لله، يا إلهي! أنا ممتنة لكوجي للمرة الثانية!
حدثني عن حرس فيجا الخاص وعن قتاله لأحدهم على الأرض مؤخرًا، قال لي أن الحرس الخاص كان شرسًا وكان عدوًا مريعًا بمعنى الكلمة، وأنه كاد أن ينجح في القضاء عليه لولا رحمة القدر، فلقد هاجمت قوات ميني فو صحن اليوفو التابع للحرس الخاص لفيجا الكبير على حين غرة وغدرت به في اللحظة التي كاد أن ينجح فيها في القضاء على جريندايزر.
عرفت أن شينشي اليتيم الذي يعيش مع جده في مزرعة قريبة لم بكن يكذب حين كان مصرًا على روايته بأنه قابل رجل فضاء، وأنه رغم سخرية جورو وبانتا منه ونعتهما له بالكذَّاب إلا أنه كان صادقا فعلًا، فقد رآى دايسكي بعينيه لقاء شينشي ورجل فيجا، وكان رجل فيجا يغري شينشي بالتجسس والبحث عن جريندايزر والتيفو، عرفت أن من أنقذ شينشي يومها بعد اختطافه ومن أنقذ دكتور تشيبانا مؤخرًا هو دايسكي، عرفت الكثير من الأشياء التي زادتني حبًا وفخرًا بدايسكي، وملأتني خوفًا عليه.
شرح لي دايسكي سبب خلافاته الدائمة مع كوجي، ففي حين بدا لنا صحن كوجي قويًا، إلا أن دايسكي كان مدركًا لعدم قدرة التيفو على الصمود طويلًا أمام صحون فبجا، وأن شجاعة كوجي وحدها لا تكفي، قال لي أنه كان يخشى على كوجي، وأنه تعارك معه مرارًا لأن كوجي قد اختار تلك الطريقة العنيفة للتفاهم رغم عدم قبول دايسكي لها، ومع ذلك كان دايسكي ممتنًا لمحاولات كوجي وتضحياته وكان معجبًا بشجاعته وجرأته.
عرفت أن كوجي قد علم بحقيقة دايسكي بعد وصوله بعدة أيام فاستأت، ولم أستطع إخفاء استيائي أو ابتلاعه، كانت تلك المرة الأولى التي يشرح لي دايسكي فيها أسبابه الحقيقية لاختياره البقاء في الظلام وقتها، قال لي أنه قد قرر منذ عامين أن يدفن ماضيه في أعماقه وأن يحاول البدء من جديد، اسم جديد، تاريخ جديد علاقات جديدة ووطن جديد، لكنه لم يتصور صعوبة تنفيذ هذا القرار، وفي الوقت الذي ظن فيه أنه قد نجح في ذلك ظهر كوجي، وبدأت قوات فيجا بالهجوم، واضطر لإيقاظ جريندايزر من سباته العميق رغم كراهيته الشديدة لذلك، في المعركة الأولى كاد كوجي أن يفقد حياته لولا خروج دايسكي بجريندايزر، وخلال الأيام التالية اضطر دايسكي للإفصاح عن هويته لكوجي الذي رآه يقفز عاليًا لبلوغ التيفو التي قادها أبي بمفردة دون الالتزام بتعليمات كوجي.
تذكرت هذا اليوم فعلًا، كان كوجي يصلح التيفو بعد المعركة الأول، وقد طلب من أبي أن يدخل إليها وأن يسحب إحدى الأذرعة الموجودة، لكن أبي أخذ يلهو بالتيفو وطار بها فعلًا، كادت التيفو أن تصطدم بنا وتسببت في فوضى عارمة في المزرعة.
في ذلك اليوم عادت التيفو تحمل أبي ودايسكي، كان أبي يعاني من دوار شديد وعندما سألته عن دايسكي قال أنه فوجئ به يقود التيفو، لم أستطع إيجاد مبرر منطقي لهذا اليوم حتى ذكره لي دايسكي.
عرفت أنه كان على حصانه ورإى التيفو تطير بجنون وقمرتها مفتوحة، فقفز إليها قفزة عالية واستطاع السيطرة عليها، رأيت دايسكي يقفز من جريندايزر حين كنا قرب السد الأكبر، لهذا لم أندهش لروايته، لكن دايسكي يقول أن كوجي قد رآى ما حدث، لهذا اتفق مع دكتور أمون على مشاركته هذا السر الذي لم يكن يعلمه غيرهما، لقد كانت إزعاجات كوجي لدايسكي وشكوكه لا حد لها، ومع ما رآه كوجي كان المتوقع أن تزداد تلك الشكوك، وربما تصل للحد الذي يصعب السيطرة عليه، لذا كان الأفضل أن يتم وضع حد لهذا، والمعرفة هي الحل بالتأكيد.
سألته عني، فقال أنه تمنى أن يشاركني سره وأنه فكر بهذا طويلًا، قال لي أنه كان يفتقر للشجاعة الكافية ليفعل وأنه خشي أن أكرهه إن عرفت! تعجبت لهذا! كيف لي أن أكرهك دايسكي؟! حزنت لمخاوفه لكني عرفت أن دايسكي يعاني كثيرًا منذ اشتعلت الحرب على كوكب فليد وأنه يشعر بذنب كبير لفشله في إنقاذ وطنه، وأنه يخشى أن يحمل هذا الذنب ثانية هذه الأيام، ظن دايسكي أن وجوده على الأرض هو سبب ما يحدث وأنني قد أكره وجوده جراء ما نعانيه، ظن أني قد أكرهه إن عرفت أنه رجل من كوكب آخر وأنه قد أخفى حقيقته عني لسنوات، أنت مخطئ دايسكي، مخطئ جدًا! قد أكون مستاءة لإخفائك حقيقتك عني طوال تلك الفترة؛ لكنني حتمًا لن أكرهك، لقد أحببت دايسكي أمون الصديق الحنون الذي استمع لي كثيرًا ومنحني الحب والأمان والدعم، أحببت دايسكي الهادئ الحالم الذي يقودني لعالم الأحلام والرومانسية، أحببت الصديق المثقف الذي غير حياتي وفتح لي آفاقًا أرحب، كنت أغضب أحيانًا من ترددك أو محاولاتك إخفاء بعض التفاصيل عني، كنت أشعر بالقلق وأفتقدك في غيابك، لكني اليوم أعرف الحقيقة كاملة، فكيف لي أن أكرهك دايسكي!
أمس الأول رأيت جريندايزر، تسللنا – دايسكي وأنا – ليلًا داخل مركز الأبحاث، كانت نوبة الحراسة الليلية من مهام دايسكي، لهذا التقينا في ساحة المركز ليلًا وتحركنا بهدوء داخل أروقته، ثم بدأنا نسير في ممرات معقدة، لم أكن أتخيل وجود هذه الممرات المتشابكة تحت مركز الأبحاث أبدًا، أخيرًا وصلنا إليه، كان عملاقًا يربض بهدوء فوق قاعدة ضخمة، يشبه طائرة هائلة بجناحين وذيل، وفي المقدمة رأس تشبه الثور إلى حد ما، قرون عملاقة مخيفة وعينان واسعتان، وهناك ذراعان مستندتان إلى جانبي الطائرة، أخبرني دايسكي أن جريندايزر مكون من الطائرة سبيزر ودايزر الإنسان الآلي، وأن لكلًا منهما قمرة قيادة منفصلة، وأنهما سلاحان يحاربان معًا منفردين أو ملتحمين كما هما الآن، وأن لكلًا منهما تسليحه الخاص، وقفت أتأمله مشدوهة وحاولت الاقتراب منه، لكن دايسكي أوقفني بحزم ممزوج بالخوف وهو يقول:
انتبهي هيكارو.. جريندايزر مزود بنظام حماية قوي ويقوم بمهاجمة كل من يقترب منه!
عرفت أن جريندايزر يهاجم الكل باستثناء دايسكي، هو وحده يمكنه الاقتراب منه والدخول إلى قمرة قيادته، على الرغم من ذلك فقد تمكنت من الاقتراب منه ودخوله أيضًا، شكرًا دايسكي لقد كانت مفاجأة بحق! لقد طوق دايسكي خصري بذراعيه وسمعته يقول لي:”تمسكي جيدًا” فطوقت عنقه بذراعي مبتسمة بخجل، وقفزنا عاليًا، لم أكن أتخيل يومًا قفزة بهذه الروعة! في لحظة كنا داخل قمرة جريندايزر، وقفت أتأملها من الداخل، كانت مذهله، الكثير من الشاشات والأذرع والأزرار والمقابض، سألت دايسكي:
كيف تستطيع التحكم بشيء كهذا؟!
ابتسم لي دون أن يرد، لكني عرفت أن دايسكي كان مدربًا على فعل ذلك، وأنه كان الوحيد المؤهل لقيادة جريندايزر على كوكب فليد، على كل حال كان جريندايزر مذهلًا.. مذهلًا بحق!!
عرفت أن لجريندايزر العديد من الطرق السرية التي تمكنه من مغادرة قاعدته والانطلاق بعيدًا، كان عددها ثمانية إلى جانب ذلك المخرج القريب جدًا، لقد كان جريندايزر يختبئ وراء السد الموجود أسفل مركز الأبحاث، وكان السد يُفتح فيخرج جريندايزر منه ويعاود الانغلاق وكأن شيئًا لم يكن، رائع! لقد استطاع دكتور أمون ودايسكي إخفاء جريندايزر بطريقة مدهشة!
بعد هذه المغامرة الحافلة بالكثير من المفاجآت عدت إلى غرفتي بهدوء شديد، لقد كانت جولة سرية وعلي الحذر، دخلت غرفتي واستسلمت للنوم، لم أستطع التفكير بشيء، كان لدى عقلي الكثير جدًا ليحاول فهمه ولا مجال لأسئلة إضافية، واستغرقت في نوم عميق قد حُرمت منه منذ مدة.
صباح اليوم نهضت بمزاج جيد، لقد حلمت بدايسكي في تلك الليلة، كنا نركض معًا على العشب الأخضر، كنا نشبك أيدينا وندور وسط الزهور، كانت السماء صافية والشمس ساطعة والأجواء ربيعية، وكان يبتسم لي ابتسامة دافئة، رفع يده عاليًا ممسكًا بيدي فأخذت أدور كأنني فراشة ترقص على بتلات الزهور، شعرت بقلبي يدق، وسمعت دقات قلب دايسكي وهو يضمني إليه و.. ونهضت، شعرت ببهجة افتقدتها بشدة في الأسابيع الماضية، جلست أمام مرآتي أتأمل ملامح وجهي وأمشط شعري وقلبي طرب بحلمي، وتنبهت لصوت طائرة تحلق فأسرعت باتجاه الشرفة، ورأيته! إنه جريندايزر، آه حبيبي يخرج لمواجهة جديدة! أتمنى أن تنجو دايسكي وأن تعود سالمًا، ضممت يدي لصدري وأطلقت أمنيتي عبر الأثير ورجوته بروحي أن يكون حذرًا لأجلي، حمدًا لله! لقد تحققت أمنيتي، خرج دايسكي لمعركة ضد عدد كبير من صحون الميني فو واستطاع القضاء عليها جميعًا.
في ذلك اليوم زار مركز الأبحاث أحد علماء وكالة ناسا الفضائية، رأيت ذلك الرجل يتجول بالقرب من المزرعة، كنت أبحث عن أبي ورأيته، لقد كان لهذا الرجل هيئة غريبة، ورأيته بعيني يتبدل ليبدو بهيئة مختلفة، قدرت أنه أحدهم لهذا أسرعت صوب مركز الأبحاث لأخبر دايسكي بما رأيت.
اتخذت طريقًا مختصرًا لكن حال وصولي رأيتُ هذا الرجل في ساحة المركز ففزعت منه، أخذ ينظر لي ويردد: “لقد رأيتِ من أنا حقًا، رأيتِ من أنا” كنتُ خائفة منه فحاولتُ أن أومئ برأسي نفيًا لأنجو منه لكنه أطبق على عنقي بكفيه، دفعته بكل قوتي وركضت وأنا أهتف باسم دايسكي، كنت مرتعبة ولم يخطر ببالي اسمًا غير اسمه، كنت متأكدة أن دايسكي في المركز، فصرخت باسمه طالبة النجدة.
أخذ هذا الرجل يركض خلفي واستطاع أن يمسك بي، كنت أحاول الإفلات منه فأنجح وأفشل، لمحت دايسكي في شرفة المركز واستطعت دفع الرجل عني لكني سقطت أرضًا ورأيته يركض نحوي، كنت فزعة ولم أقوَ على النهوض حتى رأيته يمسك عينيه بألم، تغيرت هيئة الرجل ثانيًا وبدت كتلك التي رأيتها من قبل فاتسعت عيناي رعبًا ودهشة.
كنت لا أزال على الأرض قرب بوابة المركز، تسمرت في مكاني وبدا لي أن الثواني تمر كالساعات حتى سمعت صوت دايسكي يناديني فالتفت إليه، رأيته يهبط درجات السلم ويتجه نحوي، استجبت لذراعيه وهو ينهضني بحنان، التفتنا سويًا صوب الرجل الغريب فوجدناه يلوذ بالفرار، عدت أنظر لدايسكي فرأيت حنانًا يتدفق من عينيه ونظرة خوف وقلق لن أتمكن من نسيانها أبدًا، شعرت بنظرته تطوقني وتحمي جسدي وروحي، واستشعرت وجودي بين ذراعيه فغمرني الأمان، تمنيت أن أبقى هكذا طويلًا لكن ما رأيته وعرفته جعلني أستجمع شجاعتي، لذا حاولت طمأنته بأنني بخير وشجعته للذهاب وراء ذلك الرجل الغريب، كنت واثقة بأنه أحدهم وأنه من فيجا، وجود هذا الرجل داخل مركز الأبحاث ذكرني بميناو، لكن على عكس ميناو هو كان شرسًا وعدائيًا جدًا، ولربما كان يخطط لقتل دايسكي أيضًا، لذا قلت له صراحة “أنا بخير .. الحق به” أومأ دايسكي برأسه وانطلق راكضًا داخل المركز.
شيعت دايسكي بنظري ثم لمحت قلادة على الأرض، كانت هي ما أصاب عين ذلك الرجل وجعله يتوقف عن مطاردتي، انحنيت أمسك القلادة، كانت لدايسكي، قلادة جميلة تحمل ما يشبه النجمة الفيروزية تتوسطها دائرة زرقاء، أعرف تلك القلادة وقد رأيتها من قبل، وأعرف أن تلك النجمة هي نجمة فليد، وأنها قلادة ملكية لا يرتديها سوى أبناء الأسرة الحاكمة في فليد، شعرت بالحب يغمرني في تلك اللحظة، لقد أنقذني دايسكي بأغلى ما يملك اليوم، فكيف لي أن أرد له الجميل؟! احتفظت بالقلادة، وصليت لأجل دايسكي وانتظرت عودته.
اضطررت بعدها لمغادرة المركز للأسف، لكنني عدت في مغرب ذلك اليوم وقد عرفت بأن دايسكي قد عاد سالمًا من معركته، بحثت عنه لأعيد إليه قلادته، وجدته يقف شاردًا على البرج الموجود جوار المركز، كان ينظر للشمس وهي تغرب، ولم يشعر بقدومي، ناديته فالتفت إلي، مددت يدي بالقلادة فانحنى بهدوء لأضع القلادة حول عنفه ففعلت، نظر لي مبتسمًا بخجل فضحكت بحب، طلب مني أن لا آتي لمركز الأبحاث كي لا أتعرض للخطر كما حدث في ذلك اليوم، لكني أخبرته بوضوح بأني لن أفعل، أنا آسفة دايسكي! لا يمكنني البقاء بعيدة، بعد كل ما عرفته أتمنى أن أقضي الكثير من وقتي هنا، أتمنى أن أعرف أكثر، وأن أكون على وعي بما يحدث وبما يهددنا من أخطار، وأتمنى أن أبقى قريبة منك للأبد، قلت لدايسكي أنني منذ اليوم سأكون إلى جانبه وأني لن أسامح قوات فيجا أبدًا، فأومأ برأسه موافقًا كأنما يوافق على اعتراضي منذ دقائق، وقفنا معًا نرقب الشمس بقلب وعقل واحد، وشعرت للمرة الثانية أني لست وحدي!
اترك تعليقًا