الحلقة السابعة والخمسون – خطر
ظننتُ أني قد استعدت نفسي بعد أن كتبتُ ما كتبت عن ذلك اليوم الرهيب، لكن الحقيقة كشفت عن نفسها في الأسابيع الماضية، لم أكن قادرة على الكتابة، لم أكن قادرة إطلاقًا، وتطلب مني الأمر الكثير من الجهد لنسيان أو تناسي ما حدث، حلمتُ مرارًا بأنني في قبضة الوحش، مرة يصعد بي البرج، ومرة يلقي بي في الهواء، ومرة يعتصرني بأصابعه، كنتُ أستيقظ لأجدني أصرخ في غرفتي، أجلس في فراشي لألتقط أنفاسي، أرتشف بضع رشفات من الماء، ثم أحاول النوم مجددًا وكثيرًا ما كنتُ أفشل، لهذا كان الإرهاق هو الطابع العام لتلك الأسابيع.
اليوم عطلة، وقد أصر دايسكي على أن أقضي عطلتي في المزرعة مع أبي وجورو، قرر كوجي وماريا الذهاب لطوكيو للنزهة، واقتسم دايسكي اليوم بين المزرعة ومركز الأبحاث، شاركنا طعام الإفطار وبقي معنا حتى الغذاء، ثم ذهب بعدها لرؤية الدكتور أمون في مركز الأبحاث، فثمة مشروع مهم يتطلب وجوده شخصيًا هناك، يتعلق هذا المشروع بتطوير جريندايزر ذاته والتعديل في برامجه الأساسية لتمكين دكتور أمون من استعادة جريندايزر من ساحة القتال عبر الطيار الآلي، بالضبط كباقي آسلحتنا، لقد ظل نظام جريندايزر موصدًا في وجه الدكتور أمون لعدة سنين حتى بدأت خزينته تفتح شيئًا فشيئًا، مما جعل هذا التطوير ممكنًا اليوم، بالطبع يتطلب هذا الأمر جهدًا كبيرًا، لكنه يتطلب كذلك وجود دايسكي بشخصه لتعطيل نظام الدفاع وفتح النظام لإدخال التعديلات المطلوبة، هذا بجانب اختبارها، لا زلنا في بداية المحاولات ولم تسفر جهودنا عن نجاح يذكر، لكن المؤشرات جيدة على ما يبدو.
على كل حال فإن قضاء عطلتي في المزرعة اليوم كان أمرًا قد اتفقنا علىه ليلة الأمس، لقد لاحظ دايسكي تعكر مزاجي، وشرودي وتوقفي عن القراءة ونحن جالسان معًا في الشرفة، تلك عادة جديدة حاولنا أن ننفس بها عن توترنا مؤخرًا، ننهي أعمالنا ونسهر لنصف ساعة أو ساعة على الأكثر في شرفة المزرعة أو شرفة المركز أو حتى في الاستراحة، نختار رواية ما ونتناوب على قراءتها بصوت عالٍ، كنا نسمع أجزاء الرواية بأصواتنا فتحمل معانيها معاني ومشاعر أخرى لم تكن في حسبان كاتبها، نجحت فكرتنا الجديدة في التخفيف عنا بعض الشيء، لكن بالأمس كنتُ في مزاج أسوأ بكثير، لهذا باءت محاولاتي بالفشل، كنتُ أقرأ متى يحين دوري، أستمر لدقائق ثم ينقطع صوتي وأشرد بعيدًا فيما نعايشه هذه الأيام، من ثم أفيق على صوت دايسكي وهو يطمئن لكوني بخير، لهذا أصر هو على ضرورة بقائي في البيت في نهار اليوم، قال أنني بحاجة للهدوء حتى أستعيد صفاء ذهني، وأعتقد أنه محق في ذلك.
يختلف دايسكي عن كوجي كثيرًا، يختلف في قدرته على تفهم ما أعانيه وفي تعامله معه، أصبحتُ أرى بوضوح هذا الفارق الكبير خاصة بعد أن لاحظتُ تقارب ماريا وكوجي هذه الأيام، ثمة اختلاف واضح في طريقتهما في إدارة المواقف معًا، على الأقل أنا أعني ما يُدار أمام أعيننا فقط، هما كثيرا الجدل والمزاح، وكثيرًا ما يسعى أحدهما لاستثارة الآخر ومضايقته، لا أعرف إن كانا أكثر هدوءًا وصدقًا وعاطفة في مواقف أخرى أم لا، لكن أعرف يقينًا أننا – دايسكي وأنا – ندير أمورنا على نحو مختلف، وقلما نختلف أو نسعى لإثارة أعصابنا على هذا النحو، الأهم أننا لا نشعر بحاجتنا للكثير من الكلام، نتواصل معًا بهدوء وسلاسة، على كل حال، الفارق الأكبر يكمن في طول العشرة، أعتقد ذلك، أنا أعرف دايسكي منذ سنوات، وباعتقادي هذا كافٍ لجعلنا أكثر قدرة على الفهم والتفهم، مع ذلك أعود بذاكرتي لسنين مضت، فأجد أننا لم نختلف كثيرًا عن اليوم، صحيح أن كل ما كان جميلًا قد صار أجمل، وكل عميق صار أعمق، لكن لم يتغير شيء أو يتحول إلى نقيضه.
أثرثر كثيرًا على أوراقي اليوم رغم أننا لسنا في أيام هادئة كما يبدو، فبعد ما واجهناه في سويسرا الأسبوع الماضي.. لا أريد أن أستبق الأحداث أو أن أشتت ذهني، لقد حظيتُ أخيرًا ببضع ساعات للكتابة وعلي الإفادة من تلك الساعات على النحو الأمثل، إذن لأعود للبداية، نعم، بعد قضائنا على وحش فيجا، تلك هي.
منذ شهر مضى أو يزيد، بتنا مكلفين بحراسة وتأمين مواقع محددة، كان هذا نتيجة لتحركات دكتور أمون مؤخرًا وتنسيقاته مع وكالة الدفاع، كنا نغطي دائرة واسعة من أرض اليابان مركزها هو مركز الأبحاث التابعين له، نراقب الجو، البحر والجبال، كنا نخرج للدورية على نحو منتظم ولو لم تلتقط أجهزتنا ما يريب، وفي ذلك اليوم ظهر وحش فيجا فجأة وقد عبر غلافنا الجوي والتقطه رادارنا، المُلاحظ على وحش فيجا هذا وما تلاه خلال الأسابيع الماضية هو أننا بتنا نواجه وحوشًا حية على ما يبدو، أو هي مزيج بين هذا وذاك، ذكرتني تلك الوحوش بزاري زاري عصفور دايسكي في صباه الذي ضخمه الإشعاع، لكن يبدو أن هذه الوحوش التي واجهناها مؤخرًا قد عُدِّلَت وراثيًا، كما تم تطبيق تكنولوجيا خاصة عليها لمزجها بالآلات والتحكم بها، لهذا تحتفظ تلك الوحوش ببعض الخصائص الحية كالتنفس مثلًا، وتملك كذلك القدرة على إطلاق الأشعة أو النيران، لكن المميز فيها هو استخدامها لجسدها بأكثر من الأسلحة، تمامًا كالغوريلا المتوحشة إياها.
على كل حال ظهر وحش فيجا هذا وخرجنا لملاقاته، أكد علينا دكتور أمون استنتاجاته بشأن وحوش فيجا الحالية، قال أن كل وحش يختلف عن غيره، وأن لكل وحش عقله الخاص، لهذا يفكر كل وحش ويتصرف بطريقة مختلفة، طلب منا الحذر، وعلى هذا الأساس انطلقنا.
بحثنا عن وحش فيجا، والتقاه دايسكي قبل وصولنا، وأكد لنا أنه مختلف بالفعل عن غيره وأنه شرس، كان الوحش مزيجًا من الأفعي ونوع ما من الطيور لم أتعرف إليه، كان له جناحان ومنقار وساقا طائر، وكان له ذنب أفعى، خرجت قوات الميني فو كالعادة لتعطيلنا واضطررنا للاشتباك معها، ومن ثم لاذت بالفرار على نحو غير مفهوم، كما نجح الوحش بالفرار هو الآخر فجعلنا نطارده ونبحث عنه هنا وهناك حتى وجدناه، كان الوحش يشن هجومه على مجمع صناعي على إحدى الجزر، وكانت ماريا هي الأقرب إليه، وقد استطاع الوحش إسقاط سلاحها لكنها لم تصب بأذى والحمد لله، أطلق الوحش ذنبه الطويل واعتصر به دايزر فقطعت الذنب بالقاطع الملاحي، ثم وجهتُ الصواريخ صوب الوحش الذي قفز للماء هاربًا، التحم دايزر مع السلاح الملاحي وتبعنا الوحش حتى وجدناه في قاع البحر، حينها تعرضنا لهجوم بالصواريخ فاضطررنا للانسحاب مؤقتًا، ومن ثم عاودنا الهجوم عازمين على إيجاد القاعدة التي أطلقت الصواريخ علينا، ونجحنا بالفعل في إيجادها ولكن الوحش كان هناك لحمايتها، استغل دايسكي الجانب الحي في الوحش وطلب مني التصويب معه على وسط الوحش ليضطر للصعود للأعلى للتنفس، وبالفعل نجحت الخطة، صعد الوحش مرغمًا وتولينا نحن نسف القاعدة، في حين شن كوجي وماريا هجومهما المفاجئ على الوحش وتمكنا منه.
لكن تلك الحادثة لم تمر مرور الكرام، وإنما أثارت مخاوف دكتور أمون كثيرًا، لهذا كان علينا أن نسير في خطين متوازيين في آن واحد: أولهما أن نكثف من دورياتنا لمنع قوات فيجا من التسلل أو بناء قاعدة لهم على الأرض، والثاني بأن نكثف من الرقابة على غلافنا الجوي وما حوله، ولأجل تحقيق المحور الثاني عكف دكتور أمون على دراسة كل ما توصل إليه العقل الإلكتروني من معلومات مخزنة في ذاكرة جريندايزر، كان يبحث عن طوق نجاة، شيء جديد يمكن بواسطته حماية الأرض من تسلل قوات فيجا، شيء غير الرادار أو المنظار الإلكتروني، واستمرت بحوثه وكُللت بالنجاح لولا ما حدث في سويسرا، أسفي عليك يا عمي! أنتَ لا تستحق هذا أبدًا!
في تلك الأثناء وقع ما أكد مخاوفنا وقوى من عزيمة دكتور أمون وإصراره، لقد اجتاح فيضان مجهول المصدر المنطقة الصناعية ودمرها، لهذا طلب مني دكتور أمون تحري الأمر، وبقي الفريق على أهبة الاستعداد، حال وصولي لمنطقة الحادث لاحظت اختفاء المصنع تقريبًا، كذلك اختفاء خزان البنزين الذي كان موجودًا هناك، أبلغتُ دكتور أمون بالأمر وأعلمته أنني سأغطس لمزيد من التحري، استوقفني حينها وأبلغني بأن أسطول الميني فو متوجه نحوي، هذه المرة كنتُ وحدي في مواجهة الميني فو لأول مرة، وكان علي التصدي لهم، وهذا يعني مفاداتهم وقصفهم ومراوغتهم، لم يكن الأمر سهلًا لكني استطعتُ الصمود حتى وصل دايسكي والبقية، قضينا على الميني فو وعدنا، الغريب أنه لم يظهر أي وحش من فيجا حينها، لم نستطع تفسير ذلك، وكان علينا اتخاذ الحيطة والحذر.
صباح اليوم التالي وبينما نحتسي قهوتنا كان دايسكي منهمكًا بقراءة خبر في الصحيفة، كان الخبر يخص منطادًا مجهول المصدر، ظهر المنطاد عند مصب نهر شينانو ثم اختفى ولم يترك أثرًا، بقي هذا الخبر يشغل بال دايسكي، يغلق الصحيفة لبرهة، ثم يعود إليها مجددًا، أخيرًا أخبرنا بما يدور برأسه، قال أنه يشعر بأن في الأمر سرًا وأن ثمة صلة بين الفيضان والمنطاد، قال أن علينا أن نبحث عن دليل، اعترض كوجي بحجة اختفاء المصنع جراء الفيضان وكذلك المنطاد بعد انفجاره المباغت، من وجهة نظر كوجي لا يوجد شيء لنتأكد منه، تساءلت ماريا عن الصلة بين المنطاد والفيضان، فأجابها دايسكي بأنه لا يعرف بالضبط لكن الأمر يثير قلقه، خاصة وأننا لم نعرف حتى الآن الجهة التي يتبعها ذلك المنطاد أو التي أرسلته ولماذا، إنه المجهول يا صديقي، أنا أعرف ذلك جيدًا، نحن نضطرب من قلة المعرفة، نشعر بالخطر ولا نعرف كيف نتصدى له أو نتفاداه، لذلك أيدتُ موقف دايسكي، كنتُ أرى أن لا ضير في مزيد من التحري، حتى لو لم نعثر على دليل فسننجوا من القلق المفرط.
اصطففنا جميعًا أمام شاشة الاتصال، وطلب دايسكي من دكتور أمون أن يعطينا الإذن بالخروج، كانت المفاجأة في رفض دكتور أمون لخروجنا رفضًا قاطعًا، قال أنه لو كان الأمر فخًا أعدته لنا قوات فيجا فالأمر رهيب، كان علينا الانصياع لقرار دكتور أمون بالبقاء، ولكننا قررنا البقاء على أهبة الاستعداد، ظل دايسكي منشغل البال بالأمر، يحاول إيجاد تفسير يجمع الفيضان والمصنع بالمنطاد دون جدوى حتى جاءنا الاتصال الحاسم.
اسندعانا دكتور أمون وأبلغنا بأن وحشًا من فيجا ظهر قرب النهر المؤدي إلينا، وهو نهر متصل بنهر شينانو حيث اختفى المنطاد، عرفتُ فيما بعد أن أبي هو من رآه وأبلغ دكتور أمون بأمره، كم أنا فخورة بك يا أبي؟! خرجنا لملاقاة الوحش الذي بدا كسمكة عملاقة سابحة، فور هجومنا عليه قذف بثلاثة طوربيدات بحرية جعلت تشق النهر بسرعة، اشتبك دايسكي وكوجي مع الوحش وصدرت لنا الأوامر – ماريا وأنا – بمراقبة الطوربيدات، كانت الطوربيدات تتجه صوب السد حيث يقع مركز الأبحاث، لهذا توجب علينا نسفها بأي ثمن، حاولت ماريا نسف الطوربيدات بالقاذف المشع لكنها غطست في الماء، لذا حاولتُ أنا التصويب عليها بالصواريخ الغاطسة لنسفها تحت الماء، لكنها فقفزت عاليًا وكأنها سمكة طائرة، كنا في حيرة من أمرنا لا ندري ما يتوجب علينا فعله لتدميرها، وكان اقترابها من السد يزيد من توترنا، اقترحت ماريا أن نصوب معًا وأن نحافظ على نفس السرعة، وبالفعل نجحت الخطة، غطستُ بسلاحي وأطلقتُ القاطع البحري لتقفز الطوربيدات عاليًا في الوقت الذي أطلقت فيه ماريا سلاحها وبالكاد نجحت الخطة، نجحت على بعد أمتار من السد ونجا المركز والحمد لله، أما دايسكي وكوجي فقد تغلبا على الوحش بعد صراع مرير.
ما حدث أكد مخاوف دكتور أمون بشأن نجاح قوات فيجا في التسلل، فهذه المرة لم يلتقط الرادار شيئًا ومع ذلك فقد ظهر وحش فيجا وهذا مؤكد، زاد هذا الأمر من حماسة دكتور أمون وواصل أبحاثه دون ملل، في حين كثفنا نحن من دورياتنا أكثر فأكثر حتى جاء اليوم المشهود.
نجحت أبحاث الدكتور أمون في التوصل لطريقة للمراقبة من خارج غلاف الأرض، حيث يقوم القمر الصناعي بالكشف عن الأجسام الطائرة بتحليل الحرارة الصادرة منها مستخدمًا الأشعة تحت الحمراء، أطلق دكتور أمون قمرًا تجريبيًا بالتنسيق مع وكالة الدفاع الوطنية والجامعة في طوكيو، وبدأت النتائج تصل إلينا على هيئة صور، تبين لنا من الصور أن قوات فيجا قد نجحت فعلًا في التسلل وأنهم يتحركون عبر ممر جبلي متصل بمنخفض في بحر اليابان، لهذا قدَّر دكتور أمون أن تكون القاعدة هناك في قاع البحر، وصدرت الأوامر صريحة بنسف قاعدة فيجا تمامًا.
انطلقنا فورًا لتنفيذ المهمة، تولى كوجي وماريا أمر الممر الجبلي، ونزلنا دايسكي وأنا في الماء لنسف القاعدة ذاتها، نجح هجومنا رغم مهاجمة وحش فيجا لنا، وتمكننا من تدمير الممر والمستودع وعدنا فرحين بالنصر.
ما حدث شجع دكتور أمون على إلقاء خطاب في المؤتمر العلمي الدولي الذي كان مقررًا له حضوره في سويسرا، كان ذلك الأسبوع الماضي، أراد دكتور أمون أن يدعو العلماء من كل الدول المشاركة لتبني مشروعه الجديد لمراقبة الغلاف الجوي للأرض، بحيث تطلق كل دولة قمرًا صناعيًا فنتمكن من بناء شبكة مراقبة محكمة حول الأرض، كان دكتور أمون قد طرح الفكرة بشكل شخصي على صديقه السويسري وهو الدكتور شبيلر، وكان لتأييد الدكتور شبيلر أثره القوي على الدكتور أمون الذي بدا متفائلًا جدًا بهذا المؤتمر، وبالفعل سافرنا جميعًا باستثناء دايسكي مع دكتور أمون لجنيف حيث سيقام المؤتمر هناك، ذهبنا باعتبارنا حرس خاص في حين بقي دايسكي لإدارة المركز، حاولنا زيارة دكتور شبيلر فور وصولنا بناء على طلبه لكننا لم نتمكن من ذلك، لقد فتحت لنا زوجته الباب واعتذرت ولم نفهم السبب، لكننا التقيناه في المؤتمر فعلًا، وبعد أن ألقى الدكتور أمون خطابه الرائع والذي نال الاستحسان والتصفيق من الكل – بعدها وقف دكتور شبيلر ليتحدث، وعلى عكس كل التوقعات فقد غير الرجل رأيه وبقوة، وجه اتهاماته للدكتور أمون علانية، قال أن ما يقترحه الدكتور أمون هو التجسس على الأوضاع العسكرية لكل دولة في العالم، وأنه متآمر مع رجال الفضاء وأنه يحاول السيطرة على الأرض، كان ما يقوله غريبًا وصادمًا ولم يتمالك الدكتور أمون أعصابه، رد على الدكتور شبيلر معترضًا وطلب منه دليلًا على ما يقول، بدأت الجلبة تدب في المكان ووقف دكتور شبيلر عاجزًا عن الإتيان بدليل يؤيد موقفه الغريب، لكن وفي تلك الأثناء ارتجت القاعة وتشقق السقف، زعم دكتور شبيلر أن هذا هجوم مُدَبَّر من فيجا بإيعاز من الدكتور أمون، عند هذا الحد اضطررنا لمغادرة المكان واندفعنا نحو أسلحتنا في محاولة للسيطرة على الموقف.
كان وحش فيجا بانتظارنا فعلًا في جنيف، وقد وجه ضرباته العنيفة لنا وبقوة، أطلق نيرانه على سلاحي فآصبت بعنف، لحق بنا دايسكي في المعركة وتكاتفنا جميعًا لتدمير الوحش والنيل منه، لكن هذا النصر ذاب في مرارة ما أخبرنا به دكتور أمون، فلقد صادق الكل على ادعاءات الدكتور شبيلر وتم اتخاذ القرار بإسقاط القمر الصناعي الذي أطلقه دكتور أمون بالفعل وكان السبب في كشف مكان قاعدة فيجا، حاول دايسكي استدراك الموقف لكن دكتور أمون أكد لنا بأن الوقت قد فات لإصلاح الأمر، أغمض عينيه بقوة متألمًا ثم فتحهما فجأة على معلومة هامة، اشتبه دكتور أمون في تصرفات دكتور شبيلر فجأة، قال أن دكتور شبيلر أعسر وأنه يمسك غليونه بيده اليسرى، كما أن له عادة خلع نظارته وهو متوتر، ولا شيء من هذا حدث في المؤتمر، أخبرنا كذلك أن دكتور شبيلر قد أشار لرحيل وحش فيجا بعد مغادرتنا، فكيف علم بأمره دون أن يراه؟ وبناء على تلك الشكوك الخطرة كان علينا التوجه لبيت الدكتور شبيلر للتثبت من الأمر.
هناك تبين أن شكنا كان في محله، لقد وجدنا الدكتور وزوجته مقيدين، قالا أن هناك من شن هجومًا عليهما وقيدهما، وأن هذا الشخص قد هدد إيلزا بقتل زوجها عندما جئنا لزيارتهم صباحًا لهذا تذرعت برفض الدكتور شبيلر لرؤية أحد، راقبت الدكتور شبيلر جيدًا خلال تلك الدقائق واتضح لي أن دكتور أمون على حق، وأنه رجل شديد الملاحظة بحق، لقد كان الدكتور أعسر يمسك غليونه بيسراه، ويرفع نظارته كلما كان متوترًا فعلًا.
عدنا من سويسرا بنفوس غائمة، لم ينجح جمال سويسرا أو طبيعتها الخلابة في التخفيف من شعورنا بالألم، حاول دكتور أمون شد عزمنا، وبدا أننا مقبلون على رعب لا يعلم مداه إلا الله، قوات فيجا تحاول التسلل وربما هي هنا، من يدري؟! ونحن بدون حماية أو مراقبة ولا نملك غير دورياتنا ورادارنا، فهل يكفي هذا؟
اسم آخر عرفته منذ أيام ولأول مرة، إنه “زوريل”، أخبرني دايسكي بالاسم بعد عودتنا من سويسرا، قال أن أوصاف الرجل التي أدلت بها زوجة الدكتور شبيلر تنطبق على زوريل، سألته من يكون، فأجابني بأن زوريل هذا هو وزير العلوم في كوكب فيجا، إذن وزير العلوم موجود بشخصه على الأرض، وقد رأينا بأنفسنا كيف تحولت الأرض لساحة من التجارب منذ أسابيع، وشهدنا تطور وحوش فيجا، والآن تَحُول قوات فيجا دون تقدمنا، ما الذي يمكن أن يعنيه ذلك سوى المزيد من الخطر والتهديد لأمننا وسلامتنا؟! بل وحاجتنا كذلك للعلم بأكثر من غيره؟! لقد جاءت ذاكرة جريندايزر في وقتها فعلًا، عدا عن ذلك، فقد صرتُ أعرف المزيد من الأسماء عن أناس بعينهم في جيش فيجا، عرفتُ بلاكي من قبل، قبض علي يومًا، وخدعته في غيره، وحاول قتلي، وقضى عليه دايسكي، وعرفتُ جاندال ذو البشرة الزرقاء، ورأيته في مركبته حين وشى بي لبلاكي وأفسد خطتي، واليوم أعرف بزوريل، أتخيله دون أن أراه، وبالطبع أنا أعرف فيجا الكبير، وأعرف ابنته من قبل… ما هذا؟
قطع أزيز قلادتي انشغالي بالكتابة، لقد كان دكتور أمون يطلب مني الحضور فورًا لمركز الأبحاث، لم يكن هناك وقت للتساؤل، انطلقتُ فورًا إلى هناك، عرفتُ أن وحشًا قد ظهر في طوكيو وأن دايسكي خرج لملاقاته، وأنه قد حمل معه سبيزر المزدوج والسلاح الثاقب، طلب مني دكتور أمون أن أبقى على أهبة الاستعداد لحماية المركز وتحسبًا لظهور قوات فيجا في نقطة بعيدة عن طوكيو، بقيتُ في المركز أتابع ما يحدث حتى أخبرنا دايسكي بأنه قد نجح بالقضاء على الوحش وأنه في طريقه للمركز، هدأ بالنا وجعلنا نتبادل أطراف الحديث معًا – دكتور أمون وأنا – بشرني دكتور أمون بأن التحسينات التي يجريها على جريندايزر قد نجحت أخيرًا وأنه قد صار ممكنًا استعادة جريندايزر من ساحة المعركة إذا تعرض دايسكي لخطر ما أو فقد وعيه، كان هذا التطور مطمئنًا بالنسبة لي، وقد أراحني كثيرًا ورفع من معنوياتي.
عند عودة الجميع من طوكيو اجتمعنا في الاستراحة حيث قص علينا كوجي وماريا ما حدث لهما هناك، لقد أقدمت قوات فيجا هذه المرة على ارتكاب جريمة حقيقية بحق طفل لا ذنب له، كيوشي الفتى الصغير الذي يعيش وحيدًا مع أمه ويضطر لقضاء معظم ساعات يومه بدونها، ويؤنس وحدته بخنفس صغير أسماه بودو بودو، هذا الصغير كان يحلم بأن يصبح خنفسه قويًا، ويبدو أنه وقع في قبضة رجال فيجا الذين استغلوا حلمه لصالحهم، لقد سيطروا على الصبي، وحولوا خنفسه لوحش كبير، كان كيوشي مغيبًا بحق، رأته ماريا يقف في ساحة المعركة ويحدث الوحش ويناديه ويحثه على الدمار، ثم تغير سلوك الصغير حين سقط على الأرض، يبدو أن الصبي أفاق مما هو فيه، جعل يصرخ وينادي على خنفسه ويحاول إيقافه دون جدوى، بكى كيوشي على خنفسه الذي انفجر أمامه، بكى وتألم حين حاول كوجي إفهامه أن هذا لم يعد خنفسه الذي يحبه، أراه كوجي الجهاز الصغير الذي وجده في قبعته الصغيرة، يالهؤلاء الفيجا! يكررون أفعالهم الشنيعة مرة تلو المرة، أذكر يوم وضعوا جهازًا كهذا في حلية شعر كاوري، أذكر ما دفعوها لفعله، كادت كاوري أن تقتل دكتور أمون ودايسكي والسيد هياشي يومها، مسكينة كاوري ومسكين كيوشي! مع ذلك لم يكن كيوشي هو الطفل الوحيد الذي وقع ضحية لقوات فيجا، سبقته ميرانا وشينشي ومانكيتشي وكثيرون لم نعرف عنهم شيئًا، قلبي يؤلمني جراء ذلك، ما ذنب هؤلاء الأطفال فيما يحدث؟ يا إلهي! متى تنتهي الحرب وننعم بالسلام؟ متى؟
اترك تعليقًا