مذكرات هيكارو السرية – خفايا!

مذكرات هيكارو السرية – خفايا!

الحلقة 45 – خفايا!

دكتور أمون عالم عظيم ورجل يستحق التقدير والاحترام، أعرف دكتور أمون منذ زمن بعيد، هو صديق قديم لوالدي رغم اختلاف طبائع الاثنين على نحو حاد، لكن ثمة روابط عميقة تربط بينهما، تشارك الاثنان في مزرعة البتول الأبيض منذ سنوات، وبنى دكتور أمون مركز الأبحاث جوار المزرعة، ترك شؤون المزرعة لأبي راضيًا وواثقًا بحسن تدبيره لأمرها، وتفرغ هو لأبحاثه ودراساته، يشاركنا دكتور أمون معظم مناسباتنا الاجتماعية، يأتي لبيتنا في العطل والأعياد، يشرب الشاي مع أبي ويتحدثان لوقت طويل.
في صغري تساءلت عن غياب أسرة دكتور أمون، لا زوجة أو أبناء له، ولا حتى أشقاء أو شقيقات، لا يتحدث أبدًا عن ماضيه أو حياته الخاصة، لكنه يسمع من أبي ويسدي له الرأي والنصح حين يطلب منه ذلك، سألت أبي ذات مرة عن هذا الأمر لكنه أجابني بأنه من العيب أن نسأل عن خصوصيات شخص اختار عدم الحديث عنها، كنت وقتها صغيرة وتعلمت من موقف أبي وصمت سنينًا.


حين قدَّم لنا دكتور أمون دايسكي باعتباره ولدًا له كنت سعيدة لوجود أسرة لهذا الرجل، لم أسأل عن والدة دايسكي؟ وأين كان طوال تلك السنين؟ ولماذا لم يذكره دكتور أمون قبلًا؟ ورغم تصرفات دايسكي التي كانت تثير فضولي إلا أنني أيضًا لم أسأله عن ماضيه، تركت له حرية البوح عملًا بنصيحة أبي، وقدرت أنه ربما يحمل طباع والده المتحفظة، ولا يحب الحديث عن خصوصياته.
لكن ما لبثت أن تبينت الحقيقة، لقد أمضى دكتور أمون سنوات عمره التي قاربت على الخمسين وحيدًا دون زوجة أو أبناء، كرس كل وقته وجهده للعلم، وعندما التقى بدايسكي اتخذه ولدًا بحق، منحه اسمه وحبه وثقته أيضًا، دايسكي قريب جدًا لقلب دكتور أمون، يستطيع أن يلمس مشاعره وآلامه، لم أرَ دكتور أمون يبكي في حياتي إلا حين بكى على دايسكي ذات يوم ونحن نتحدث عن حالته الصحية، سالت دمعة على خده اهتز لها قلبي، دمعة أب حقيقي على ابن من صلبه حقًا، وحين تناقشت معه مؤخرًا حول تردي أوضاع دايسكي النفسية ومعاناته كان مهتمًا كأب حقيقي، ولم يدخر وسعًا في إيجاد حل لتلك المشكلة.


دايسكي كذلك يحب دكتور أمون كثيرًا وينصاع لآرائه ويحترم قراراته، حين غضب دايسكي من تصرف كوجي ذات يوم لخروجه على تعليماته – لم يستطع حينها غض الطرف عن قلق دكتور أمون حول مصير كوجي الذي خرج وانقطع الاتصال به لساعات، ظل دكتور أمون ساهرًا يحاول الاتصال بكوجي دون كلل بعد أن رفض دايسكي الخروج والبحث عنه، لكن قلق دكتور أمون حرك شعور دايسكي بالذنب، لم يشعر بالذنب تجاه كوجي وإنما شعر به تجاه دكتور أمون، قالها وهو يروي لي ما حدث في ذلك اليوم: “كنت قد قررت الذهاب للنوم، كنت غاضبًا من تصرف كوجي، أشعر بحماقته، ولا بهمني ما سيناله، قلتُ لأبي حين طلب مني البحث عنه “لينم في السرير الذي صنع”، لكن حين مررتُ بغرفة المراقبة ووجدت أبي ساهرًا ينادي كوجي في جهاز الاتصال شعرت بالذنب، لم أستطع إلا أن أخرج للبحث عن كوجي ليطمئن قلب أبي أمون”، كم هو رائع أن يجمع القدر رجلين مثلهما معًا كأب وابنه!


في الشهرين الماضيين تعرفت على دكتور أمون عن قرب، تصورت أني أعرفه حقًا، لكن بدا لي بوضوح بالغ في هاذين الشهرين أني لم أكن أعرف عنه سوى القليل، يحترم دكتور أمون العلم لدرجة يصعب وصفها، لا يمل الدراسة ويفتح الباب لكل من يرغب بالنيل من علمه، جاءه كوجي ليستكمل دراسته وأبحاثه في المركز فرحب به، منحه الفرصة لتطوير سلاحه الخاص، فتح لي الباب لحضور درس الفضاء منذ أشهر طويلة، سمح لي بزيارة مكتبة المركز في أي وقت أشاء، أرشدني لما يجب أن أقرأ ومن أين علي أن أبدأ، وحين صرت عضوًا في فريق جريندايزر زاد دعمه وتشجيعه لي.
عامل دكتور أمون ثلاثتنا كأبناء له، قال لدايسكي واصفًا كوجي ذات يوم: “أنتَ تعرف كوجي مثل ابني”، تولى مهمة بناء قيمنا وغرْس روح العمل الجماعي في نفوسنا، رأيته يعامل العاملين في المركز بلطف ومحبة دون تمييز، سيد هياشي، سيد أوي، سيد ياماذا وسيد سائيكي، وفوق هذا هو عالم عظيم كما قال عنه كوجي.


يتبع دكتور أمون النهج العلمي في حل كل المشكلات التي تواجهه، يتحلى بالهدوء ويسيطر على أعصابه، يحدد المشكلة بدقة ويدرس الحلول الممكنة ويسعى لتطبيق أفضلها، بالضبط كما فعل في تمكين دايزر من الالتحام بسبيزر المزدوج، وكما فكر في تصميم وإنتاج السلاح الملاحي، لكنه لم يتوقف عند هذا الحد، رآى دكتور أمون الحرب تزداد شراسة فطوَّر الكثير في مركز الأبحاث، زوَّد المركز مؤخرًا بمصدر عظيم للطاقة يعتمد على وحدات الطاقة المماثلة أو الفوتوسكوانتوم، أحضر ما أسماه بالعقل الإلكتروني ليدير وحدة المراقبة بكفاءة عالية، صمم سلاحًا جديدًا ليزيد من كفاءة جريندايزر ويضاعف من إمكانياته، يستطيع دايزر الدخول في باطن الأرض باستخدام اللولب الثاقب، لكن مع السلاح الثاقب الجديد الذي ابتكره دكتور أمون مؤخرًا تضاعفت هذه القدرة كثيرًا، أصبحت سرعة جريندايزر في الأرض خارقة، كما أن قدرة المخروط المخصص للحفر في مقدمة السلاح الجديد كانت هائلة، ومع السلاح الثاقب أصبح بمقدور دايزر الحفر وثقب حتى أشد الصخور صلابة.

2023-09-02

مذكرات هيكارو السرية – خفايا!

 مذكرات هيكارو السرية

مذكرات خيالية في دفتر يوميات هيكارو ماكيبا

الحلقة 45 – خفايا!

دكتور أمون عالم عظيم ورجل يستحق التقدير والاحترام، أعرف دكتور أمون منذ زمن بعيد، هو صديق قديم لوالدي رغم اختلاف طبائع الاثنين على نحو حاد، لكن ثمة روابط عميقة تربط بينهما، تشارك الاثنان في مزرعة البتول الأبيض منذ سنوات، وبنى دكتور أمون مركز الأبحاث جوار المزرعة، ترك شؤون المزرعة لأبي راضيًا وواثقًا بحسن تدبيره لأمرها، وتفرغ هو لأبحاثه ودراساته، يشاركنا دكتور أمون معظم مناسباتنا الاجتماعية، يأتي لبيتنا في العطل والأعياد، يشرب الشاي مع أبي ويتحدثان لوقت طويل.

في صغري تساءلت عن غياب أسرة دكتور أمون، لا زوجة أو أبناء له، ولا حتى أشقاء أو شقيقات، لا يتحدث أبدًا عن ماضيه أو حياته الخاصة، لكنه يسمع من أبي ويسدي له الرأي والنصح حين يطلب منه ذلك، سألت أبي ذات مرة عن هذا الأمر لكنه أجابني بأنه من العيب أن نسأل عن خصوصيات شخص اختار عدم الحديث عنها، كنت وقتها صغيرة وتعلمت من موقف أبي وصمت سنينًا.

حين قدم لنا دكتور أمون دايسكي باعتباره ولدًا له كنت سعيدة لوجود أسرة لهذا الرجل، لم أسأل عن والدة دايسكي؟ وأين كان طوال تلك السنين؟ ولماذا لم يذكره دكتور أمون قبلًا؟ ورغم تصرفات دايسكي التي كانت تثير فضولي إلا أنني أيضًا لم أسأله عن ماضيه، تركت له حرية البوح عملًا بتصيحة أبي، وقدرت أنه ربما يحمل طباع والده المتحفظة، ولا يحب الحديث عن خصوصياته.

لكن ما لبثت أن تبينت الحقيقة، لقد أمضى دكتور أمون سنوات عمره التي قاربت على الخمسين وحيدًا دون زوجة أو أبناء، كرس كل وقته وجهده للعلم، وعندما التقى بدايسكي اتخذه ولدًا بحق، منحه اسمه وحبه وثقته أيضًا، دايسكي قريب جدًا لقلب دكتور أمون، يستطيع أن يلمس مشاعره وآلامه، لم أرَ دكتور أمون يبكي في حياتي إلا حين بكى على دايسكي ذات يوم ونحن نتحدث عن حالته الصحية، سالت دمعة على خده اهتز لها قلبي، دمعة أب حقيقي على ابن من صلبه حقًا، وحين تناقشت معه مؤخرًا حول تردي أوضاع دايسكي النفسية ومعاناته كان مهتمًا كأب حقيقي، ولم يدخر وسعًا في إيجاد حل لتلك المشكلة.

دايسكي كذلك يحب دكتور أمون كثيرًا وينصاع لآرائه ويحترم قراراته، حين غضب دايسكي من تصرف كوجي ذات يوم لخروجه على تعليماته – لم يستطع حينها غض الطرف عن قلق دكتور أمون حول مصير كوجي الذي خرج وانقطع الاتصال به لساعات، ظل دكتور أمون ساهرًا يحاول الاتصال بكوجي دون كلل بعد أن رفض دايسكي الخروج والبحث عنه، لكن قلق دكتور أمون حرك شعور دايسكي بالذنب، لم يشعر بالذنب تجاه كوجي وإنما شعر به تجاه دكتور أمون، قالها وهو يروي لي ما حدث في ذلك اليوم: “كنت قد قررت الذهاب للنوم، كنت غاضبًا من تصرف كوجي، أشعر بحماقته، ولا بهمني ما سيناله، قلتُ لأبي حين طلب مني البحث عنه “لينم في السرير الذي صنع”، لكن حين مررتُ بغرفة المراقبة ووجدت أبي ساهرًا ينادي كوجي في جهاز الاتصال شعرت بالذنب، لم أستطع إلا أن أخرج للبحث عن كوجي ليطمئن قلب أبي أمون”، كم هو رائع أن يجمع القدر رجلين مثلهما معًا كأب وابنه!

في الشهرين الماضيين تعرفت على دكتور أمون عن قرب، تصورت أني أعرفه حقًا، لكن بدا لي بوضوح بالغ في هاذين الشهرين أني لم أكن أعرف عنه سوى القليل، يحترم دكتور أمون العلم لدرجة يصعب وصفها، لا يمل الدراسة ويفتح الباب لكل من يرغب بالنيل من علمه، جاءه كوجي ليستكمل دراسته وأبحاثه في المركز فرحب به، منحه الفرصة لتطوير سلاحه الخاص، فتح لي الباب لحضور درس الفضاء منذ أشهر طويلة، سمح لي بزيارة مكتبة المركز في أي وقت أشاء، أرشدني لما يجب أن أقرأ ومن أين علي أن أبدأ، وحين صرت عضوًا في فريق جريندايزر زاد دعمه وتشجيعه لي.

عامل دكتور أمون ثلاثتنا كأبناء له، قال لدايسكي واصفًا كوجي ذات يوم: “أنتَ تعرف كوجي مثل ابني”، تولى مهمة بناء قيمنا وغرْس روح العمل الجماعي في نفوسنا، رأيته يعامل العاملين في المركز بلطف ومحبة دون تمييز، سيد هياشي، سيد أوي، سيد ياماذا وسيد سائيكي، وفوق هذا هو عالم عظيم كما قال عنه كوجي.

يتبع دكتور أمون النهج العلمي في حل كل المشكلات التي تواجهه، يتحلى بالهدوء ويسيطر على أعصابه، يحدد المشكلة بدقة ويدرس الحلول الممكنة ويسعى لتطبيق أفضلها، بالضبط كما فعل في تمكين دايزر من الالتحام بسبيزر المزدوج، وكما فكر في تصميم وإنتاج السلاح الملاحي، لكنه لم يتوقف عند هذا الحد، رآى دكتور أمون الحرب تزداد شراسة فطوَّر الكثير في مركز الأبحاث، زوَّد المركز مؤخرًا بمصدر عظيم للطاقة يعتمد على وحدات الطاقة المماثلة أو الفوتوسكوانتوم، أحضر ما أسماه بالعقل الإلكتروني ليدير وحدة المراقبة بكفاءة عالية، صمم سلاحًا جديدًا ليزيد من كفاءة جريندايزر ويضاعف من إمكانياته، يستطيع دايزر الدخول في باطن الأرض باستخدام اللولب الثاقب، لكن مع السلاح الثاقب الجديد الذي ابتكره دكتور أمون مؤخرًا تضاعفت هذه القدرة كثيرًا، أصبحت سرعة جريندايزر في الأرض خارقة، كما أن قدرة المخروط المخصص للحفر في مقدمة السلاح الجديد كانت هائلة، ومع السلاح الثاقب أصبح بمقدور دايزر الحفر وثقب حتى أشد الصخور صلابة.


منذ أسابيع مضت كنت في مكتبة المركز أقرأ المزيد عن فنون القتال تحت سطح البحر حين دخل دايسكي إلى المكتبة، جلس مواجهًا لي بصمت، أسند مرففيه للطاولة وشبك أصابع كفيه مغمضًا عينيه بانزعاج، لم يبدُ عليه أنه بخير، ناديته فلم يجبني فشعرت بالقلق، نهضت من مكاني ووقفت خلف مقعده، أسندت كفيَّ لكتفيه وأنا أسأله بهدوء:
هل أنتَ بخير؟ تشعر بألم ما؟
هز رأسه نفيًا ولم يجبني، عدتُ أسأله مجددًا:
ما الأمر دايسكي؟
تنهد و:
أبي يرفض تشغيل العقل الإلكتروني الجديد لوحدة المراقبة.
تفاجأتُ من رده، سحبتُ المقعد وجلستُ مجاورة له أنظر إليه:
لماذا؟
استدار بوجهه يحدثني:
يقول بأن هذا المركز تحول لأداة حرب وأنه سيضع حدًا لهذا إن أمكن، ولن يقبل بتشغيل العقل الإلكتروني بهذه السهولة.
بدأتُ أخمن السبب وراء انزعاج دايسكي، هو يشعر بالذنب، ليست هذه المرة الأولى التي يعاني فيها من شعور مشابه، كلما اشتدت الحرب شعر دايسكي أنه مُلام على ذلك، يعتقد كثيرًا بأن وجوده على الأرض هو السبب في كل ما بحدث، لهذا أجبته بصراحة:
هو منزعج من الحروب التي نخوضها دايسكي، لكنه لن يتراجع، أنا واثقة من ذلك!
لو لم..
قاطعته وأنا أحتضن كفيه وأنظر لعينيه مباشرة:
لا تفكر بهذا! تعلم جيدًا أن الحرب كانت ستقع حتى لو لم تكن هنا، ناقشنا هذا الموضوع من قبل، علينا أن نواجه الحرب دايسكي أيًا كان سبب اشتعالها، لو لم تكن هنا لكنَّا في وضع أسوأ بكثير، لن نكون قادرين على مواجهة قوات فيجا بدون جريندايزر، أنت تعلم ذلك!
أعلم!


تنهد وشرد ببصره قلبلًا، ثم نهض من مكانه واستند لجدار الغرفة عاقدًا ساعديه أمام صدره وهو يستطرد:
قال أبي أنه من الصعب عليه أن ينسى حلمًا قديمًا، وأن أحدًا ما يجب أن يواجه قوات فيجا، طلب مني مساعدته، لكن كيف؟
نهضت بدوري واتجهت نحوه:
لا شيء، تفهم موقفه ولا تلم نفسكَ، وابذل أقصى ما لديكَ كما تفعل دومًا.
انتهى حديثنا عند هذا الحد، وقد أشفقت على دكتور أمون كثيرًا، هو عالم يعشق العلم، ويجذبه الفضاء، وقد بنى مركزه ليستزيد من هذا العلم ويلبي شغفه المتزايد إليه، لكن الحرب أبت إلا أن تسرق منه حلمه للأسف!


لم يدم هذا الوضع طويلًا، فبعدها بأسبوع كنا في المزرعة حين استدعانا دكتور أمون لأمر عاجل، ذهبنا معًا لمركز الأبحاث نرى ما يحدث، لقد ظهرت قوات ميني فو وخرج كوجي لصدها، حال وصولنا كان كوجي يخبر دكتور أمون بأن الهجوم الثاني الذي يضم الصحن المتوحش قد بدأ، طلب دكتور أمون من دايسكي الخروج فورًا ففعل، قضى دايسكي وكوجي على قوات ميني ف، ثم انطلق دايسكي يطارد وحش فيجا، طلب دكتور أمون من كوجي الرجوع لحماية المركز، فبعد الهجوم الذي حدث مؤخرًا على مركز الأبحاث يوم تم قبولي في الفريق – بات دكتور أمون يخشى مهاجمة المركز غدرًا، لكن لم يذعن كوجي لطلب دكتور أمون للأسف، أبلغنا دايسكي في جهاز الاتصال أن الوحش مريب وأنه غير فعال، راح الوحش يبتعد ودايسكي يلاحقه دون أن يشن هحومًا عليه حتى غطس الوحش في الماء فصدرت لي الأوامر بالخروج.


لحقت بجريندايزر والتحمنا معًا وجعلنا نسبح على وجه البحيرة الكبيرة حيث غطس الوحش، كانت البحيرة عميقة وكان علي إيجاد الوحش، طلب مني دايسكي أن أنظر بدقة لشاشة السونار نظرًا لعمق البحيرة الكبير.


تندى جبيني وسالت قطرة عرق على عيني فمددت أصابعي أفرك عيني وأعيد لهما صفاءهما، في تلك اللحظة وجدت الوحش، كان تحتنا تمامًا ويندفع لأعلى بسرعة كبيرة، أعلمتُ دايسكي فورًا بأني قد وجدت الوحش وأنه تحتنا تمامًا لكن كان الأوان قد فات، ففي لحظات أمسك بنا الوحش وجذبنا للعمق، كانت السرعة التي نغطس بها كبيرة وشعرنا بالارتجاج، وصلنا أخيرًا للقاع، سمعت دايسكي يناديني في جهاز الاتصال ويطمئن لكوني بخير، طمأنته لكوني كذلك، لكن كنا في حيرة من أمرنا، كان الوحش يمسك بنا بقوة ويمنعنا من الحركة، بعد برهة سمعت دايسكي في جهاز الاتصال يطلب من كوجي العودة فورًا لمركز الأبحاث، قال أننا وقعنا في فخ وأن الوحش كان طعمًا لإبعاد جريندايزر، عاود الاتصال بالدكتور أمون يبلغه بالأمر، توتر الموقف كله، نحن عاجزان في الماء وكوجي وحده مسؤول عن حماية المركز الذي بقي بلا دفاعات مطلقًا.
أخذ دايسكي يفكر في حل للخروج من هذا المأزق، طلب مني أن أطلق الصواريخ النفاثة لنهوي أكثر لقاع البحيرة حيث يمكن أن يصطدم الوحش بإحدى صخور القاع، نفذتُ أمره على الفور، طلب مني أن نعيد الكرة، مرة ثانية ثالثة ورابعة، أخيرًا أفلتنا الوحش وانطلقنا، خرجنا من الماء بسرعة واتفصلنا، سبقني دايسكي لمركز الأبحاث، حالما لحقت به كان المنظر مروعًا، هناك سفينة فضاء ضخمة تصوب باتجاه المركز، ينطلق شعاعها الضخم نحو المركز الذي غاصت أبنيته في الأرض، رأينا الركام يغطي كل شيء.


حطم دايسكي المدفع الذي تدلى من السفينة، وخضنا حربًا شرسة مع السفينة ووحش فيجا وقوات ميني فو، في تلك الأثناء رأينا شيئًا مذهلًا، لقد صعدت أبنية المركز فجأة من تحت الركام وقد غطاها درع قوي وضخم، فُتح الدرع وظهرت قاعدة إطلاق بها العديد من مدافع الليزر، جعلت المدافع تصوب على قوات ميني فو بدقة وتسقطها الواحدة تلو الأخرى، عرفتُ أن دكتور أمون قد اتخذ قراره أخيرًا وشغل العقل الإلكتروني.. حمدًا لله! وأسفي على حلمك الضائع دكتور!


خسر دكتور أمون حلمه لكنه استطاع إنقاذ أرواح الجميع، انتهت المعركة ووقفنا وسط الركام مع دكتور أمون سعداء بنجاته هو والآخرين وفخورين بإنجازه، قال لنا بأبوية: “هل ترون، أعدت بناء المركز سرًا، آسف لما سببته لكم من متاعب”، لم تسبب لنا متاعبًا يا عمي أبدًا، كنا قلقين بشأنك، نشعر بمعاناتك، نأسف للحرب التي اضطرتك لفعل ما لا تريد، لكن كما قالها دايسكي من قبل: “هذه هي الحرب يا هيكارو!”.


تعلمتُ من هذه الحادثة أشياء كثيرة، تعلمت أن أتمسك بحلمي حتى آخر لحظة، تعلمتُ كيف أقرر أولوياتي وأكون مرنة في تقديرها، تعلمتُ أن أتحمل مشقة الاختيار، وأن أضحي بالفرد لصالح المجموعة إذا لزم الأمر، تعلمتُ ألا أيأس أو أضطرب في ساحة المعركة مهما بدا الخلاص مستحيلًا، تعلمتُ أن الحل قد يكون بسيطًا لكنه في زاوية لم تلحظها أعيننا.


لكن لم تكن هذه هي الحادثة الوحيدة التي تعلمت منها أشياء مهمة وألهمتني من المعاني والأفكار الشيء الوفير؛ فقد مررنا منذ فترة بظروف قاسية كدنا أن نفقد فيها كوجي وللأبد، رصدت أجهزتنا في مركز الأبحاث شيئًا كالنيزك يندفع في الهواء، كان حجم النيزك كبيرًا مما أثار شكوك دكتور أمون، خرج كوجي لتحري أمر النيزك وبقينا دايسكي وأنا على أهبة الاستعداد، أخبرنا كوجي أن النيزك يندفع نحو البحر بين جزر أوجاساوارا و أوكينوثيما لكن الاتصال انقطع مع كوجي، رأيناه يغمض عينيه ويترنح في كابينة القيادة، ثم بدا أنه فقد وعيه أو أوشك على ذلك، كان من الواضح أن كوجي قد تعرض لإصابة ما، أخذت سبيزر ترتفع في السماء، اقتربت كثيرًا من حد الخطر وأوشكت على التحطم، ظل دكتور أمون يكرر محاولة الاتصال بكوجي ويطالبه بضغط زر الاختناق دون جدوى، توتر الموقف كثيرًا وفزع دايسكي لأجل كوجي، نادى على دكتور أمون بكلمة واحدة حملت كل مخاوفه وتساؤلاته ورجائه: “أبي!”، فهم دكتور أمون المعنى لكنه لم يجب بحرف، أغمض عينيه وأطرق برأسه آسفًا.


موقف الدكتور أمون أشعرنا باليأس، كان من المستحيل علينا اللحاق بكوجي في الوقت المناسب حتى لو خرج دايسكي من فوره بجريندايزر بسرعته القصوى، أو خرجت أنا بسلاحي الملاحي بسرعة الصوت، لن نتمكن من بلوغ كوجي قبل أن تتحطم سبيزر، بقينا نصلي لأحل كوجي ونحن مكتوفي الأيدي حتى حدثت المعجزة وشملتنا الرحمة الإلهية، وجدنا سبيزر تنخفض من جديد وتعود للمركز، تنفسنا الصعداء وحمدنا الله.
حال وصول سبيزر كان كوجي فاقدًا لوعيه تمامًا، لكن معدلاته الحيوية كانت على ما يرام، بقينا محيطين به لبعض الوقت حتى استعاد وعيه، أفاق وأخذ يكرر جملة غريبة: “أقدر أن أرى.. إني أرى جيدًا” لم نفهم قصده من هذه الجملة، لكننا مع ذلك كنا نشعر بالانفراج، أراد كوجي بحماس الخروج مجددًا للتحقق من النيزك فاستوقفته وأنا أمسك بكتفيه أمنعه من النهوض وأعيده لمكانه، اعتذر كوجي وضحك دايسكي بعفوية وكذلك أنا، لا زلت أذكر ما قاله دكتور أمون في ذلك الوقت: “دعونا نغتنم الفرصة لأجلكم، التفكير الجماعي أهم شيء، بدون أي منكم لا أحد له قوة كاملة، لا تنسوا أنكم فريق واحد تحت قيادة دايسكي، العمل الجماعي بحتاج لتعاون وثيق”، كانت كلمات دكتور أمون تعيد رسم الإطار الذي يجب أن نتحرك فيه جميعًا، نحن فريق وله قائد، وعلينا أن نلتزم بتعليمات القائد وأن نطيعها، كما أن القائد لا يملك القوة الكاملة بدوننا، لهذا فنحن متكاملون وعلينا أن نحافظ على هذه الروح بيننا، نحن لا نتنافس في ساحة المعركة، ولا نحاول إثبات من منَّا الأفضل أو الأقوى أو الأشجع، حتى خطأ الواحد منا هو خطأ الفريق بأسره، وهذا ما حاول شرحه دكتور أمون لكوجي ولنا وقتها، تحدث عن التفكير الجماعي والعمل الجماعي، كانت كلماته من ذهب، دكتور أمون هو أب ومعلم رائع أنا سعيدة أن منحني القدر فرصة النيل من بحره!


استوعبنا ما قاله دكتور أمون ولكن كوجي بقي يصارع شعورًا داخليًا بالفشل، انفجر شعور كوجي حين وصلتنا أخبار جديدة بعد عدة أيام عن فقدان أحد قوارب الدورية قرب جزيرة مايوجين، جزيرة مايوجين هي جزيرة بركانية تكونت إثر انفجار بركان مائي، لكن وعلى الرغم من أن البركان هناك خامد تمامًا إلا أن الجزيرة مهجورة ولا حياة فيها، ولأن الجزيرة قريبة نوعًا من المكان الذي اختفى فيه النيزك فقد صار علينا الخروج مجددًا للتثبت من الأمر، رفض كوجي خروجنا كفريق وأصر على الخروج وحده، اصطدم بدايسكي وقتها بعنف، قال دايسكي له بصرامة: “لا يليق بك هذا التصرف، علينا ألا نكون أنانيين!”، أشعلت جملة دايسكي غضب كوجي وداست على شعوره بالذنب، قبض بيده على سترة دايسكي وهو يقول بعصبية أن هذا خطأه لأنه لم يحسن التحري في المرة الأولى، كان انفعاله حادًا وغريبًا إلى حد كبير، بدا أن كوجي يعاني من شيء لا نفهمه بالضبط، أبعد دايسكي يده عن سترته وهو يجيبه بقوله: “لا أحد يلومك، فلقد مررت بظروف قاسية”، كان دايسكي محقًا، ففي المرة الأولى تعرض كوجي لومضة قوية حين واجه النيزك، وقد أفقدته تلك الومضة الشعاعية القدرة على الرؤية، لهذا كان يكرر جملته الغريبة عندما استعاد وعيه: “أقدر أن أرى، إني أرى جيدًا”، لهذا لم يكن أي منا يلوم كوجي فعلًا، لا دكتور أمون ولا دايسكي ولا أنا، وحده كوجي كان يشعر بالذنب.

2023-09-02

مذكرات هيكارو السرية – خفايا!

 مذكرات هيكارو السرية

مذكرات خيالية في دفتر يوميات هيكارو ماكيبا

الحلقة 45 – خفايا!

دكتور أمون عالم عظيم ورجل يستحق التقدير والاحترام، أعرف دكتور أمون منذ زمن بعيد، هو صديق قديم لوالدي رغم اختلاف طبائع الاثنين على نحو حاد، لكن ثمة روابط عميقة تربط بينهما، تشارك الاثنان في مزرعة البتول الأبيض منذ سنوات، وبنى دكتور أمون مركز الأبحاث جوار المزرعة، ترك شؤون المزرعة لأبي راضيًا وواثقًا بحسن تدبيره لأمرها، وتفرغ هو لأبحاثه ودراساته، يشاركنا دكتور أمون معظم مناسباتنا الاجتماعية، يأتي لبيتنا في العطل والأعياد، يشرب الشاي مع أبي ويتحدثان لوقت طويل.

في صغري تساءلت عن غياب أسرة دكتور أمون، لا زوجة أو أبناء له، ولا حتى أشقاء أو شقيقات، لا يتحدث أبدًا عن ماضيه أو حياته الخاصة، لكنه يسمع من أبي ويسدي له الرأي والنصح حين يطلب منه ذلك، سألت أبي ذات مرة عن هذا الأمر لكنه أجابني بأنه من العيب أن نسأل عن خصوصيات شخص اختار عدم الحديث عنها، كنت وقتها صغيرة وتعلمت من موقف أبي وصمت سنينًا.

حين قدم لنا دكتور أمون دايسكي باعتباره ولدًا له كنت سعيدة لوجود أسرة لهذا الرجل، لم أسأل عن والدة دايسكي؟ وأين كان طوال تلك السنين؟ ولماذا لم يذكره دكتور أمون قبلًا؟ ورغم تصرفات دايسكي التي كانت تثير فضولي إلا أنني أيضًا لم أسأله عن ماضيه، تركت له حرية البوح عملًا بتصيحة أبي، وقدرت أنه ربما يحمل طباع والده المتحفظة، ولا يحب الحديث عن خصوصياته.

لكن ما لبثت أن تبينت الحقيقة، لقد أمضى دكتور أمون سنوات عمره التي قاربت على الخمسين وحيدًا دون زوجة أو أبناء، كرس كل وقته وجهده للعلم، وعندما التقى بدايسكي اتخذه ولدًا بحق، منحه اسمه وحبه وثقته أيضًا، دايسكي قريب جدًا لقلب دكتور أمون، يستطيع أن يلمس مشاعره وآلامه، لم أرَ دكتور أمون يبكي في حياتي إلا حين بكى على دايسكي ذات يوم ونحن نتحدث عن حالته الصحية، سالت دمعة على خده اهتز لها قلبي، دمعة أب حقيقي على ابن من صلبه حقًا، وحين تناقشت معه مؤخرًا حول تردي أوضاع دايسكي النفسية ومعاناته كان مهتمًا كأب حقيقي، ولم يدخر وسعًا في إيجاد حل لتلك المشكلة.

دايسكي كذلك يحب دكتور أمون كثيرًا وينصاع لآرائه ويحترم قراراته، حين غضب دايسكي من تصرف كوجي ذات يوم لخروجه على تعليماته – لم يستطع حينها غض الطرف عن قلق دكتور أمون حول مصير كوجي الذي خرج وانقطع الاتصال به لساعات، ظل دكتور أمون ساهرًا يحاول الاتصال بكوجي دون كلل بعد أن رفض دايسكي الخروج والبحث عنه، لكن قلق دكتور أمون حرك شعور دايسكي بالذنب، لم يشعر بالذنب تجاه كوجي وإنما شعر به تجاه دكتور أمون، قالها وهو يروي لي ما حدث في ذلك اليوم: “كنت قد قررت الذهاب للنوم، كنت غاضبًا من تصرف كوجي، أشعر بحماقته، ولا بهمني ما سيناله، قلتُ لأبي حين طلب مني البحث عنه “لينم في السرير الذي صنع”، لكن حين مررتُ بغرفة المراقبة ووجدت أبي ساهرًا ينادي كوجي في جهاز الاتصال شعرت بالذنب، لم أستطع إلا أن أخرج للبحث عن كوجي ليطمئن قلب أبي أمون”، كم هو رائع أن يجمع القدر رجلين مثلهما معًا كأب وابنه!

في الشهرين الماضيين تعرفت على دكتور أمون عن قرب، تصورت أني أعرفه حقًا، لكن بدا لي بوضوح بالغ في هاذين الشهرين أني لم أكن أعرف عنه سوى القليل، يحترم دكتور أمون العلم لدرجة يصعب وصفها، لا يمل الدراسة ويفتح الباب لكل من يرغب بالنيل من علمه، جاءه كوجي ليستكمل دراسته وأبحاثه في المركز فرحب به، منحه الفرصة لتطوير سلاحه الخاص، فتح لي الباب لحضور درس الفضاء منذ أشهر طويلة، سمح لي بزيارة مكتبة المركز في أي وقت أشاء، أرشدني لما يجب أن أقرأ ومن أين علي أن أبدأ، وحين صرت عضوًا في فريق جريندايزر زاد دعمه وتشجيعه لي.

عامل دكتور أمون ثلاثتنا كأبناء له، قال لدايسكي واصفًا كوجي ذات يوم: “أنتَ تعرف كوجي مثل ابني”، تولى مهمة بناء قيمنا وغرْس روح العمل الجماعي في نفوسنا، رأيته يعامل العاملين في المركز بلطف ومحبة دون تمييز، سيد هياشي، سيد أوي، سيد ياماذا وسيد سائيكي، وفوق هذا هو عالم عظيم كما قال عنه كوجي.

يتبع دكتور أمون النهج العلمي في حل كل المشكلات التي تواجهه، يتحلى بالهدوء ويسيطر على أعصابه، يحدد المشكلة بدقة ويدرس الحلول الممكنة ويسعى لتطبيق أفضلها، بالضبط كما فعل في تمكين دايزر من الالتحام بسبيزر المزدوج، وكما فكر في تصميم وإنتاج السلاح الملاحي، لكنه لم يتوقف عند هذا الحد، رآى دكتور أمون الحرب تزداد شراسة فطوَّر الكثير في مركز الأبحاث، زوَّد المركز مؤخرًا بمصدر عظيم للطاقة يعتمد على وحدات الطاقة المماثلة أو الفوتوسكوانتوم، أحضر ما أسماه بالعقل الإلكتروني ليدير وحدة المراقبة بكفاءة عالية، صمم سلاحًا جديدًا ليزيد من كفاءة جريندايزر ويضاعف من إمكانياته، يستطيع دايزر الدخول في باطن الأرض باستخدام اللولب الثاقب، لكن مع السلاح الثاقب الجديد الذي ابتكره دكتور أمون مؤخرًا تضاعفت هذه القدرة كثيرًا، أصبحت سرعة جريندايزر في الأرض خارقة، كما أن قدرة المخروط المخصص للحفر في مقدمة السلاح الجديد كانت هائلة، ومع السلاح الثاقب أصبح بمقدور دايزر الحفر وثقب حتى أشد الصخور صلابة.

***

منذ أسابيع مضت كنت في مكتبة المركز أقرأ المزيد عن فنون القتال تحت سطح البحر حين دخل دايسكي إلى المكتبة، جلس مواجهًا لي بصمت، أسند مرففيه للطاولة وشبك أصابع كفيه مغمضًا عينيه بانزعاج، لم يبد عليه أنه بخير، ناديته فلم يجبني فشعرت بالقلق، نهضت من مكاني ووقفت خلف مقعده، أسندت كفيَّ لكتفيه وأنا أسأله بهدوء:

–     هل أنت بخير؟ تشعر بألم ما؟

هز رأسه نفيًا ولم يجبني، عدتُ أسأله مجددًا:

–     ما الأمر دايسكي؟

تنهد و:

–     أبي يرفض تشغيل العقل الإلكتروني الجديد لوحدة المراقبة.

تفاجأتُ من رده، سحبتُ المقعد وجلستُ مجاورة له أنظر إليه:

–     لماذا؟

استدار بوجهه يحدثني:

–     يقول بأن هذا المركز تحول لأداة حرب وأنه سيضع حدًا لهذا إن أمكن، ولن يقبل بتشغيل العقل الإلكتروني بهذه السهولة.

بدأتُ أخمن السبب وراء انزعاج دايسكي، هو يشعر بالذنب، ليست هذه المرة الأولى التي يعاني فيها من شعور مشابه، كلما اشتدت الحرب شعر دايسكي أنه مُلام على ذلك، يعتقد كثيرًا بأن وجوده على الأرض هو السبب في كل ما بحدث، لهذا أجبته بصراحة:

–     هو منزعج من الحروب التي نخوضها دايسكي، لكنه لن يتراجع، أنا واثقة من ذلك!

–     لو لم..

قاطعته وأنا أحتضن كفيه وأنظر لعينيه مباشرة:

–     لا تفكر بهذا! تعلم جيدًا أن الحرب كانت ستقع حتى لو لم تكن هنا، ناقشنا هذا الموضوع من قبل، علينا أن نواجه الحرب دايسكي أيًا كان سبب اشتعالها، لو لم تكن هنا لكنَّا في وضع أسوأ بكثير، لن نكون قادرين على مواجهة قوات فيجا بدون جريندايزر، أنت تعلم ذلك!

–     أعلم!

تنهد وشرد ببصره قلبلًا، ثم نهض من مكانه واستند لجدار الغرفة عاقدًا ساعديه أمام صدره وهو يستطرد:

–     قال أبي أنه من الصعب عليه أن ينسى حلمًا قديمًا، وأن أحدًا ما يجب أن يواجه قوات فيجا، طلب مني مساعدته، لكن كيف؟

نهضت بدوري واتجهت نحوه:

–     لا شيء، تفهم موقفه ولا تلم نفسكَ، وابذل أقصى ما لديكَ كما تفعل دومًا.

انتهى حديثنا عند هذا الحد، وقد أشفقت على دكتور أمون كثيرًا، هو عالم يعشق العلم، ويجذبه الفضاء، وقد بنى مركزه ليستزيد من هذا العلم ويلبي شغفه المتزايد إليه، لكن الحرب أبت إلا أن تسرق منه حلمه للأسف!

***

لم يدم هذا الوضع طويلًا، فبعدها بأسبوع كنا في المزرعة حين استدعانا دكتور أمون لأمر عاجل، ذهبنا معًا لمركز الأبحاث نرى ما يحدث، لقد ظهرت قوات ميني فو وخرج كوجي لصدها، حال وصولنا كان كوجي يخبر دكتور أمون بأن الهجوم الثاني الذي يضم الصحن المتوحش قد بدأ، طلب دكتور أمون من دايسكي الخروج فورًا ففعل، قضى دايسكي وكوجي على قوات ميني فو وراح دايسكي يطارد وحش فيجا، طلب دكتور أمون من كوجي الرجوع لحماية المركز، فبعد الهجوم الذي حدث مؤخرًا على مركز الأبحاث يوم تم قبولي في الفريق – بات دكتور أمون يخشى مهاجمة المركز غدرًا، لكن لم يذعن كوجي لطلب دكتور أمون للأسف، أبلغنا دايسكي في جهاز الاتصال أن الوحش مريب وأنه غير فعال، راح الوحش يبتعد ودايسكي يلاحقه دون أن يشن هحومًا عليه حتى غطس الوحش في الماء فصدرت لي الأوامر بالخروج.

لحقت بجريندايزر والتحمنا معًا وجعلنا نسبح على وجه البحيرة الكبيرة حيث غطس الوحش، كانت البحيرة عميقة وكان علي إيجاد الوحش، طلب مني دايسكي أن أنظر بدقة لشاشة السونار نظرًا لعمق البحيرة الكبير.

تندى جبيني وسالت قطرة عرق على عيني فمددت أصابعي أفرك عيني وأعيد لهما صفاءهما، في تلك اللحظة وجدت الوحش، كان تحتنا تمامًا ويندفع لأعلى بسرعة كبيرة، أعلمتُ دايسكي فورًا بأتي قد وجدت الوحش وأنه تحتنا تمامًا لكن كان الأوان قد فات، ففي لحظات أمسك بنا الوحش وراح يجذبنا للعمق، كانت السرعة التي نغطس بها كبيرة وشعرنا بالارتجاج، وصلنا أخيرًا للقاع، سمعت دايسكي يناديني في جهاز الاتصال ويطمئن لكوني بخير، طمأنته لكوني كذلك لكن كنا في حيرة من أمرنا، كان الوحش يمسك بنا بقوة ويمنعنا من الحركة، بعد برهة سمعت دايسكي في جهاز الاتصال يطلب من كوجي العودة فورًا لمركز الأبحاث، قال أننا وقعنا في فخ وأن الوحش كان طعمًا لإبعاد جريندايزر، عاود الاتصال بالدكتور أمون يبلغه بالأمر، توتر الموقف كله، نحن عاجزان في الماء وكوجي وحده مسؤول عن حماية المركز الذي بقي بلا دفاعات مطلقًا.

أخذ دايسكي يفكر في حل للخروج من هذا المأزق، طلب مني أن أطلق الصواريخ النفاثة لنهوي أكثر لقاع البحيرة حيث يمكن أن يصطدم الوحش بإحدى صخور القاع، نفذتُ أمره على الفور، طلب مني أن نعيد الكرة، مرة ثانية ثالثة ورابعة، أخيرًا أفلتنا الوحش وانطلقنا، خرجنا من الماء بسرعة واتفصلنا، سبقني دايسكي لمركز الأبحاث، حالما لحقت به كان المنظر مروعًا، هناك سفينة فضاء ضخمة تصوب باتجاه المركز، ينطلق شعاعها الضخم نحو المركز الذي غاصت أبنيته في الأرض، رأينا الركام يغطي كل شيء.

حطم دايسكي المدفع الذي تدلى من السفينة، وخضنا حربًا شرسة مع السفينة ووحش فيجا وقوات ميني فو، في تلك الأثناء رأينا شيئًا مذهلًا، لقد صعدت أبنية المركز فجأة من تحت الركام وقد غطاها درع قوي وضخم، فُتح الدرع وظهرت قاعدة إطلاق بها العديد من مدافع الليزر، راحت المدافع تصوب على قوات ميني فو بدقة وأسقطها الواحدة تلو الأخرى، عرفتُ أن دكتور أمون قد اتخذ قراره أخيرًا وشغل العقل الإلكتروني.. حمدًا لله! وأسفي على حلمك الضائع دكتور!

خسر دكتور  أمون حلمه لكنه استطاع إنقاذ أرواح الجميع، انتهت المعركة ووقفنا وسط الركام مع دكتور أمون سعداء بنجاته هو والآخرين وفخورين بإنجازه، قال لنا بأبوية: “هل ترون، أعدت بناء المركز سرًا، آسف لما سببته لكم من متاعب”، لم تسبب لنا متاعبًا يا عمي أبدًا، كنا قلقين بشأنك، نشعر بمعاناتك، نأسف للحرب التي اضطرتك لفعل ما لا تريد، لكن كما قالها دايسكي من قبل: “هذه هي الحرب يا هيكارو!”.

تعلمتُ من هذه الحادثة أشياء كثيرة، تعلمت أن أتمسك بحلمي حتى آخر لحظة، تعلمتُ كيف أقرر أولوياتي وأكون مرنة في تقديرها، تعلمتُ أن أتحمل مشقة الاختيار، وأن أضحي بالفرد لصالح المجموعة إذا لزم الأمر، تعلمتُ ألا أيأس أو أضطرب في ساحة المعركة مهما بدا الخلاص مستحيلًا، تعلمتُ أن الحل قد يكون بسيطًا لكنه في زاوية لم تلحظها أعيننا.

***

لكن لم تكن هذه هي الحادثة الوحيدة التي تعلمت منها أشياء مهمة وألهمتني من المعاني والأفكار الشيء الوفير؛ فقد مررنا منذ فترة بظروف قاسية كدنا أن نفقد فيها كوجي وللأبد، رصدت أجهزتنا في مركز الأبحاث شيئًا كالنيزك يندفع في الهواء، كان حجم النيزك كبيرًا مما أثار شكوك دكتور أمون، خرج كوجي لتحري أمر النيزك وبقينا دايسكي وأنا على أهبة الاستعداد، أخبرنا كوجي أن النيزك يندفع نحو البحر بين جزر أوجاساوارا و أوكينوثيما لكن الاتصال اتقطع مع كوجي، رأيناه يغمض عينيه ويترنح في كابينة القيادة، ثم بدا أنه فقد وعيه أو أوشك على ذلك، كان من الواضح أن كوجي قد تعرض لإصابة ما، أخذت سبيزر ترتفع في السماء، اقتربت كثيرًا من حد الخطر وأوشكت على التحطم، ظل دكتور أمون يكرر محاولة الاتصال بكوجي ويطالبه بضغط زر الاختناق دون جدوى، توتر الموقف كثيرًا وفزع دايسكي لأجل كوجي، نادى على دكتور أمون بكلمة واحدة حملت كل مخاوفه وتساؤلاته ورجائه: “أبي!”، فهم دكتور أمون المعنى لكنه لم يجب بحرف، أغمض عينيه وأطرق برأسه آسفًا.

موقف الدكتور أمون أشعرنا باليأس، كان من المستحيل علينا اللحاق بكوجي في الوقت المناسب حتى لو خرج دايسكي من فوره بحريندايزر بسرعته القصوى، أو  خرجت أنا بسلاحي الملاحي بسرعة الصوت، لن نتمكن من بلوغ كوجي قبل أن تتحطم سبيزر، بقينا نصلي لأحل كوجي ونحن مكتوفي الأيدي حتى حدثت المعجزة وشملتنا الرحمة الإلهية، وجدنا سبيزر تنخفض من جديد وتعود للمركز، تنفسنا الصعداء وحمدنا الله.

حال وصول سبيزر كان كوجي فاقدًا لوعيه تمامًا، لكن معدلاته الحيوية كانت على ما يرام، بقينا محيطين به لبعض الوقت حتى استعاد وعيه، أفاق وأخذ يكرر جملة غريبة: “أقدر أن أرى.. إني أرى جيدًا” لم نفهم قصده من هذه الجملة، لكننا مع ذلك كنا نشعر بالانفراج، أراد كوجي بحماس الخروج مجددًا للتحقق من النيزك فاستوقفته وأنا أمسك بكتفيه أمنعه من النهوض وأعيده لمكانه، اعتذر كوجي وضحك دايسكي بعفوية وكذلك أنا، لا زلت أذكر ما قاله دكتور أمون في ذلك الوقت: “دعونا نغتنم الفرصة لأجلكم، التفكير الجماعي أهم شيء، بدون أي منكم لا أحد له قوة كاملة، لا تنسوا أنكم فريق واحد تحت قيادة دايسكي، العمل الجماعي بحتاج لتعاون وثيق”، كانت كلمات دكتور أمون تعيد رسم الإطار الذي يجب أن نتحرك فيه جميعًا، نحن فريق وله قائد، وعلينا أن نلتزم بتعليمات القائد وأن نطيعها، كما أن القائد لا يملك القوة الكاملة بدوننا، لهذا فنحن متكاملون وعلينا أن نحافظ على هذه الروح بيننا، نحن لا نتنافس في ساحة المعركة، ولا نحاول إثبات من منَّا الأفضل أو الأقوى أو الأشجع، حتى خطأ الواحد منا هو خطأ الفريق بأسره، وهذا ما حاول شرحه دكتور أمون لكوجي ولنا وقتها، تحدث عن التفكير الجماعي والعمل الجماعي، كانت كلماته من ذهب، دكتور أمون هو أب ومعلم رائع أنا سعيدة أن منحني القدر فرصة النيل من بحره!

استوعبنا ما قاله دكتور أمون ولكن كوجي بقي يصارع شعورًا داخليًا بالفشل، انفجر شعور كوجي حين وصلتنا أخبار جديدة بعد عدة أيام عن فقدان أحد قوارب الدورية قرب جزيرة مايوجين، جزيرة مايوجين هي جزيرة بركانية تكونت إثر انفجار بركان مائي، لكن وعلى الرغم من أن البركان هناك خامد تمامًا إلا أن الجزيرة مهجورة ولا حياة فيها، ولأن الجزيرة قريبة نوعًا من المكان الذي اختفى فيه النبزك فقد صار علينا الخروج مجددًا للتثبت من الأمر، رفض كوجي خروجنا كفريق وأصر على الخروج وحده، اصطدم بدايسكي وقتها بعنف، قال دايسكي له بصرامة: “لا يليق بك هذا التصرف، علينا ألا نكون أنانيين!”، أشعلت جملة دايسكي غضب كوجي وداست على شعوره بالذنب، قبض بيده على سترة دايسكي وهو يقول بعصبية أن هذا خطأه لأنه لم يحسن التحري في المرة الأولى، كان انفعاله حادًا وغريبًا إلى حد كبير، بدا أن كوجي يعاني من شيء لا نفهمه بالضبط، أبعد دايسكي يده عن سترته وهو يجيبه بقوله: “لا أحد يلومك، فلقد مررت بظروف قاسية”، كان دايسكي محقًا، ففي المرة الأولى تعرض كوجي لومضة قوية حين واجه النيزك، وقد أفقدته تلك الومضة الشعاعية القدرة على الرؤية، لهذا كان يكرر جملته الغريبة عندما استعاد وعيه: “أقدر أن أرى، إني أرى جيدًا”، لهذا لم يكن أي منا يلوم كوجي فعلًا، لا دكتور أمون ولا دايسكي ولا أنا، وحده كوجي كان يشعر بالذنب.


حين تأزم الموقف على هذا النحو تدخلت بين الاثنين قائلة: “كوجي دعنا نحفظ وحدة الفريق، ألا تذكر؟!”، صمت كلًا من دايسكي وكوجي وقتها، واستدار كوجي وأولانا ظهره، التفت لدايسكي وابتسمت مشجعة أي بادر أرجوك هو يعاني!


كنت قادرة على لمس شعور كوجي بالذنب وحاجته ليد حانية يتمسك بها، فعلًا مد دايسكي يده يربت على كتف كوجي قائلًا: “كوجي هذا لا يعني أنك لا تستطيع الذهاب، فلنذهب معًا!”، كنت سعيدة برد فعل كوجي الذي استدار باسمًا ووضع يده على ذراع دايسكي بامتنان وانطلقنا.


خضنا حربًا شرسة وفتها، فما إن وصلنا لجزيرة مايوجين حتى هاجمتنا الصواريخ من قاع البحر، كانت تتبع أسلحتنا وكأنها تلاحق حرارة المحركات وما يصدر عنها، أنقذ دايسكي كلينا – كوجي وأنا – بصحنه الدوَّار، ثم قررنا العمل كمجموعتين، كان على كوجي أن يبحث عن رادار مختبئ في المنطقة وفقًا لاستنتاجات دايسكي، أما نحن – دايسكي وأنا – فكان علينا الالتحام ودخول البحر وتدمير قاعدة إطلاق الصواريخ.


حال نزولنا هاجمتنا الطوربيدات البحرية، كنا نتفاداها بصعوبة لسرعتها وقربها، وفي كل مرة كان يختل توازنا وترتج أسلحتنا، ورغم دقة الموقف كان دايسكي يبادر بالسؤال عني وعن سلامتي، قلتها من قبل دايسكي لا أخاف على حياتي فأنا أعرف أني بخير طالما كنتُ إلى جواركَ وها أنتَ تؤكد شعوري، شكرًا يا عزيزي!
استطاع دايسكي تحديد نفطة إطلاق الصواريخ ولكننا في تلك اللحظة فوجئنا بصحن فيجا المتوحش أمامنا مباشرة، حاولنا مهاجمته لكننا تعرضنا – دايسكي وأنا – لذات الومضة الشعاعية التي تعرض لها كوجي من قبل، لكن حظنا كان أفضل لأننا أصبنا بها تحت الماء فكان أثرها أخف، لكننا سقطنا للأسف في جرف عميق وقد فقدنا قدرتنا على القيادة وقراءة العدادات، واحتاج منا الخروج لمجهود كبير.


أخيرًا خرجنا من البحر وكان علينا مهاجمة الوحش، أخبرني دايسكي أنه سيفصل دايزر ويبادر بالهجوم، نبهته لاستحالة مهاجمة الوحش دون رؤيته بوضوح لكنه أصر على المواجهة قائلًا بأن علينا أن نفعل ذلك الآن وأنه لا وقت لدينا، وبالفعل انفصلنا وانطلق دايسكي صوب الجزيرة وكنت أطير بسلاحي بقربه احترازيًا.
على الجزيرة اضطر دايسكي لمقاتلة الوحش منفردًا بعد تحدي قائده له ومطالبته بنزال فردي، كان دايسكي يرى بصعوبة ولا يحسن التصويب على الوحش، وكنا نحن نشعر بالعجز والمرارة لعدم قدرتنا على دعمه، أخيرًا انتصر دايسكي واستطاع إسقاط الوحش في جرف أرضي وانفجر بعنف.
في تلك المعركة تبينا أن قوات فيجا كانت تحاول إنشاء قاعدة لها على الأرض، لهذا استغلوا البركان وصنعوا قاعدة مموهة كأنها بحيرة في فوهته.


في طريق عودتنا هتف كوجي يثني على انتصار دايسكي على وحش فيجا، لكن جواب دايسكي عليه كان جميلًا! بل كان أجمل مما كنت أتوقع! أجاب دايسكي: “ليس هذا انجازي، بل انجاز المجموعة” قالها رغم اضطراره لخوض المعركة الأخيرة وحده بعد أن سمعنا جميعًا جملة قائد وحش فيجا : “تعال نقاتل منفردين”، كانت هذه الجملة حاسمة وحولت المعركة لنزال فردي رغمًا عنا، كان شرفنا العسكري يستوجب أن نقف – كوجي وأنا – دون أن نتدخل رغم ما كان دايسكي يعانيه، ومع ذلك فقد أقر دايسكي بأن هذا كان إنجاز المجموعة لا إنجازه وحده، أنت رائع يا عزيزي حقًا!


بعد تلك المعركة أدخل دكتور أمون تعديلًا هامًا على أسلحتنا، تستطيع أسلحتنا العودة للمركز باستخدام الطيار الآلي بالفعل، لكن يتعين على قائد السلاح تشغيل الطيار الآلي بنفسه، ما هدف إليه دكتور أمون هو تمكين جهاز التحكم في المركز من تشغيل الطيار الآلي عن بعد في حالات الطوارئ، بالضبط كما حدث هذه المرة، وبالتالي يصبح بإمكان دكتور أمون استعادتنا – كوجي وأنا – من ساحة المعركة في حالات الطوارئ القصوى، أما دايسكي فقد كان حظه أسوأ منا، فلا زال دكتور أمون يواجه مشكلة في إدخال تحسينات كتلك على جريندايزر، ولا زالت محاولاته مستمرة دون كلل، عالم مثابر حقًا يستحق الإعجاب!
السلاح الثاقب الجديد كان قصة أخرى هزت وجداني من الأعماق، ففي تلك الفترة التي أنتهى فيها دكتور أمون من سلاحه الجديد كان جورو يزداد شفغًا بمركز الأبحاث وما يدور فيه، كان يطلب مني أن أروي له ما يحدث في المعارك وكيف تحاربنا قوات فيجا، بات يسألني كثيرًا عن الكون وما فيه، كنتُ سعيدة بشغف جورو ونضجه، لكن لم أتوقع أن يقدم جورو على خطوة كالتي أقدم عليها في ذلك اليوم.


كنا في المركز مجتمعين نحتسي القهوة معًا ونتحدث حول أمور كثيرة، كان كوجي ملولًا إلى حد كبير، ولم يشترك في معظم الأحاديث، وكان وصول جورو وقتها من حسن حظه، وصل جورو وبيده أسطوانة بدا معتزًا بها، ناول كوجي الأسطوانة وهو يسأله عن رأيه، ما زلنا لا نعرف ما الذي أحضره جورو بالضبط، أخذ كوجي يتفحص الأسطوانة وسمعناه يصفها بالمسدس المائي، لكن جورو غضب من كوجي ورد عليه بأن هذا منظار صنعه خصيصًا للمراقبة وأنه قد قرر المشاركة في المراقبة الليلية منذ الآن.


اتسعت عيوننا من الدهشة دايسكي وأنا، وأجاب كوجي جورو بأن هذا سيكون صعبًا عليه، ولم نكمل حديثنا وقتها واضطرارنا للمغادرة لأجل التدريب.


في تلك الليلة أصر جورو على السهر والمراقبة فعلًا، حاولت إثناءه عن ذلك دون جدوى، كان جورو مثلي حين تملكني الحماس والرغبة في تغيير حياتي فتركت له القرار في النهاية.


صباح اليوم التالي أخبرني جورو بأنه رآى حجرًا نيزكيًا من فيجا يسقط باتجاه الأرض، كنتُ مندهشة من روايته، منظار جورو بدائي جدًا فكيف له أن يرى به شيئًا كهذا؟! كما أن الشهب مألوفة فمن المحتمل أنه قد رآى أحدها، أخبرتُ جورو أننا سنسأل مسؤولي المراقبة في المركز وإن نفوا الأمر فعليه أن ينسى هذه القصة، وعدني بأنه سيفعل، صحبت جورو للمركز واستفسرت عن ليلة الأمس كما وعدته، أتاني الجواب بأنه لم يكن هناك ما يثير الشك، كان من الطبيعي أن يلتزم جورو باتفاقنا إلا أنه حين كان معنا في غرفة الفريق عاد يكرر روايته.


احتدم الموقف بيني وبين جورو وقتها، طلبت منه أن يقول كلامه بمسؤولية خاصة بعد أن نفى مسؤولوا المراقبة روايته، لكنه تمادى أكثر وجعل يتحدث عن لون الضوء ويجزم أنه من فيجا فانفعلت عليه قائلة: “جورو أتريدني أن أغضب؟!”


ارتبكت في ذلك الوقت من تصرف جورو وإصراره رغم عدم وجود أدلة على ما يقول، لهذا التفتُ لدايسكي أطلب مساعدته، قال لي دايسكي حينها: “دعينا نرى ما يقول جورو ثم نحكم على كلامه”.


حاول دايسكي أن يسمع مجددًا من جورو في حين كان كوجي غير مكترث بما بحدث، لكن قطع الموقف بأكمله نداء دكتور أمون لنا للمرة الثانية، يالحظك العاثر يا جورو!


في ذلك الوقت أطلعنا دكتور أمون على السلاح الثاقب الجديد، وطلب من كوجي إجراء اختبار الطيران، وفي تلك التجربة ثبت صدق ما رآه جورو، أصر جورو على إخبار دكتور أمون بما رآى بعد لحاقنا -دايسكي وأنا – بكوجي إثر ظهور الصحن المتوحش، ورغم احتدام الموقف وصعوبة ما كنا نعايشه إلا أن دكتور أمون قد لبَّى طلب جورو واستمع إليه بهدوء كما عرفنا جميعًا فيما بعد، استرجع دكتور أمون شريط مراقبة الليلة الماضية ورآى ما رآه جورو، لكنه قال بأن هذا الحجر الذي انقسم لاثنين أصغر من أن يحمل صحنًا متوحشًا، لكن الأحداث أثبتت أن هذا الحجر كان يحمل وحوشًا صغيرة فعلًا من فيجا، كان يحمل بيض نمل متوحش وهائل الحجم، هاجمتنا مجموعة النمل الأولى، وعرفنا مكان الثانية وبادرنا بهجومنا عليها بتتبع المكان الآخر الذي سقطت فيه الأحجار وفقًا لرواية جورو، وتمكننا من القضاء عليها.
كان هذا الموقف كالصفعة القوية بالنسبة لي، تعلمتُ من موقف عالم بكفاءة وقدر دكتور أمون كثيرًا، تعلمتُ من تواضعه وحسن استماعه للكل، تعلمتُ من احترامه لأي معلومة أو ملاحظة مهما بدت صغيرة وأيًا كان صاحبها، كان علي أن أكون أكثر جدية في التعامل مع رواية جورو، كان علي أن أضع احتمالًا ولو ضئيلًا لكونه قد رآى شيئًا يستدعي الانتباه، رأيتُ دكتور أمون مثلًا حيًا أمام عيني علي أن أقتدي به، وقررتُ أن أتعلم من هذا الرجل أشياء كثيرة لا علاقة لها بعلم الفضاء، ولكن بالأخلاق والإنسانية والسمو.


مساء ذلك اليوم دخلت غرفة جورو، بدا غاضبًا مني، ناديته فلم يرغب بالنظر إلي، كان جالسًا على فراشه فاتجهتُ نحوه، جلستُ على ركبتي كما اعتدتُ لأكون قريبة من وجهه الصغير:
تذكر يوم غضبتَ من دايسكي يا جورو لعدم ضربه بانتا؟
التفتَ إلي مندهشًا فاستطردتُ:
يومها قلتُ لك بأن عليكَ أن تسأله عن السبب، بعدها قررتَ أنتَ منحه ثقتكَ، صحيح؟
واصل صمته وتحديقه لي، فأكملت:
يومها أخبرتني بأنه حدثك عن الشجاعة وأشار لزهرة ووصفها بأنها كانت مريضة تحت الثلج في الشتاء وها هي تزهر الآن، وقال لك بأن الشجاعة الحقيقية تعني شيئًا كهذا.
استطاعت كلماتي أن تجذب انتباه جورو فرد علي باقتضاب:
نعم!
ابتسمتُ له وأنا أستطرد:
لقد كنتَ اليوم شجاعًا كتلك الزهرة يا جورو! أنا آسفة لما فعلت، ألا تعتقد بأن الاعتذار هو أيضًا شجاعة؟!
لم يجبني جورو وإنما مال نحوي وطوق عنقي بذراعيه الصغيرتين، بعد برهة نظر لعيني وهو يبتسم:
قررت أن أمنحكِ ثقتي أنتِ أيضًا يا هيكارو!
شكرًا يا جورو!
كنتُ سعيدة بقدرتي على احتواء جورو في ذلك اليوم، وكنتُ صادقة فعلًا في اعتذاري إليه، وكنتُ أسعد بقبوله لهذا الاعتذار!

  • مذكرات هيكارو السرية – خفايا!

    الحلقة 45 – خفايا! دكتور أمون عالم عظيم ورجل يستحق التقدير والاحترام، أعرف دكتور أمون منذ زمن بعيد، هو صديق قديم لوالدي رغم اختلاف طبائع الاثنين على نحو حاد، لكن ثمة روابط عميقة تربط بينهما، تشارك الاثنان في مزرعة البتول الأبيض منذ سنوات، وبنى دكتور أمون مركز الأبحاث جوار المزرعة، ترك شؤون المزرعة لأبي راضيًا…

اترك تعليقًا

هيكارو ماكيبا

موضوع هذه المدونة هو الأنمي الياباني الشهير UFO Robot Grendizer والذي أنتج بين عام 1975 و 1977 ودبلج للعربية في مطلع الثمانينات باسم “مغامرات الفضاء جريندايزر” ، كما دبلج لغيرها من اللغات مثل الفرنسية والإيطالية والإنجليزية.

Translate »