مذكرات هيكارو السرية – طريق واحد!

مذكرات هيكارو السرية – طريق واحد!

الحلقة الثامنة والثلاثونطريق واحد!

بعد أن قدت سييزر لأول مرة في حياتي لم أعد لهيكارو التي عرفتها لما يقرب من عشرين عامًا، تغيرت حياتي كليًا، بدأت أرسم أهدافًا جديدة، وبت أكثر يقينًا من قدرتي على تحقيقها، ما حدث في مدرسة واي زادني تصميمًا أيضًا، فما حدث بشأن بطولة الجمباز يعني أن الظروف التي نراها مستحيلة ليست دومًا كذلك، يمكن لكل شيء أن يتغير، وأنا لا أُسْتَثنى من ذلك، ومحاولة دايسكي إثنائي عن تكرار ما حدث أيضًا لا تُستثنى من ذلك.
دائمًا ما يروي أبي عن تاريخ أسرتنا، ولطالما كان فخورًا بهذا التاريخ الذي شارك فيه أجدادي في الحروب، يقول أبي أنه ليس المهم أن تكسب الحرب في نهايتها، أو أن تعيش حتى ترى النصر بعينيك، المهم هو ألا تقف مكتوف الأيدي تشاهد أحداثها عن بعد، لهذا قررت أن أقتدي بأجدادي وأن أشارك في هذه الحرب حتى لو كان المقابل حياتي، إن كانت حياتي مقابل حياة أسرتي وأمن وطني والأرض بأكملها فلا تهمني حياتي!
ما الذي يمكن أن يعوقني عن تحقيق ذلك؟ كوني فتاة مثلًا؟ لا، فلست أنا الفتاة التي ترضى بالمكوث في البيت وادعة منذ طفولتي، تعلمت ركوب الخيل وشاركت في فريق الجمباز وتفوقت فيه لأغدو قوية وها أنا الآن فعلًا قوية بما يكفي، أستطيع السيطرة على توازن جسدي في الظروف الصعبة، وأستطيع التحكم بعضلاتي وأعصابي والقفز لمسافات عالية، ما الذي يمكن أن يعوقني إذن؟ نقص الخبرة القتالية وفنون الطيران مثلًا؟ بإمكاني التدرب ليل نهار إن تطلب الأمر ذلك، أستطيع أن أفعل ذلك كما استطعت من قبل أن ألتزم بحضور درس الفضاء وبقراءة الكتب التي أوصاني بها دكتور أمون ودايسكي لأزيد من معرفتي بالكون وما فيه، التدريب المستمر يمكن أن يحقق أهدافي كما حققها منذ أسابيع في مدرستي! لا يتبقى أمامي سوى عقبتين فقط: خوف دايسكي ومحاولته انتزاع وعد مني بالعدول عما حدث، وضرورة إخبار أبي بقراري وإقناعه به، الطريقة الوحيدة لتجاوز هاتين العقبتين هي التدريب لإثبات قدرتي على القتال، بالضبط كما فعلت في مدرسة واي، إذن لأعيد الكرة!
لهذا قررت أن أبدأ تدريباتي الخاصة، جعلت أفكر في الطريقة التي يتبعها دايسكي للحفاظ على لياقته وقوته، إنه يتدرب يوميًا في المزرعة، يخرج بحصانه ويعدو به بأقصى ما يملك لفترة طويلة وفي طرق وعرة، تدرب دايسكي على كل خيول المزرعة حتى أكثرها شراسة وأصعبها مراسًا، لهذا قررت أن أفعل مثله كخطوة أولى.
هناك دكتور أمون أيضًا، لماذا لا أصارح دكتور أمون وأطلب منه تدريبي على قيادة سبيزر؟ ربما وافق دكتور أمون على ذلك، وهذا يعني فرصة رائعة لتعلم فنون الطيران والقتال، إذن لأتحدث للدكتور أمون بعد درس الفضاء التالي.
كانت تلك الأفكار تزدحم بعقلي طيلة الليلة التي تلت خروجي بسبيزر، وكان ذلك منذ ثلاثة أسابيع مضت، في صباح اليوم التالي رافقت دايسكي لمركز الأبحاث كالعادة لحضور درس الفضاء لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، لقد أخذ كوجي يتحدث بحماس عما حدث أمس ذلك اليوم، قال مازحًا أن بإمكاني أن أصبح مقاتلة جيدة، غمرتني الحماسة فقلت له:
لما لا تعلمني كيف أقود سبيزر يا كوجي؟
أنا موافق، لنبدأ من الآن إن كنتِ جادة.
كان الحديث إيجابيًا ومبشرًا لكن دايسكي لم يرحب بالفكرة ولو قليلًا، فقد تبدلت ملامحه وانعقد حاجباه:
أنا لا أوافق على هذا!
قالها بحدة وانصرف دون أن يضيف شيئًا، أطرقت برأسي وقد شملني الإحباط:
انسَ الأمر كوجي!
عندها تدخل دكتور أمون:
ما الذي حدث يا هيكارو؟
طلب مني دايسكي بالأمس أن أعده بألا أعيدها مرة ثانية.
هذه المرة أجابني كوجي بتلقائية:
هو خائف عليكِ يا هيكارو، أنت تعرفين ذلك.
نعم كوجي، أعرف! لكني لم أستطع أن أعده بشيء.
واستدرت أواجه دكتور أمون:
أنا لا أطيق البقاء مكتوفة الأيدي يا عمي!
بدا أن دكتور أمون يفهم ما يدور بداخلي، نهض من مقعده وربت على كتفي وهو يقول:
التزمي بتدريبات كوجي يا هيكارو، لا أحد يعرف ما يمكن أن تقدم عليه قوات فيجا، وأنا سأحادث دايسكي!
شكرت دكتور أمون بحرارة، وشعرت بالراحة بعد وعده لي بالحديث مع دايسكي حول الموضوع، يستطيع دكتور أمون إقناع دايسكي بلا شك!
أخذ كوجي يحدد لي أوقاتًا للتدريب، واتفقنا ألا أخرج بسبيزر للقتال في الوقت الحالي، فقيادة سبيزر هي مسؤولية كوجي على كل حال، سأكون أنا جندي الاحتياط مؤقتًا ولا أحد يدري.


لكن بعد تلك الحادثة توترت علاقتي بدايسكي كثيرًا، كان يبدو عليه التأزم والرفض، وفي بعض الأحيان بدا متفهمًا، لكنه ظل ودودًا على كل حال، صار كل منا يذهب للمركز وحده عكس ما اعتدنا عليه، كنت أذهب للتدريب في الوقت الذي لا يتواجد فيه دايسكي هناك، نلتقي في درس الفضاء، ثم نعود للمزرعة، وأحيانًا كنت أبقى في مكتبة المركز وحدي أنتظر دروس كوجي النظرية عن مبادئ الطيران.
علمني كوجي كيف أقرأ العدادات الكثيرة بسبيزر، شرح لي كيف يعمل الرادار، علمني تحديد المواقع على الخريطة، كذلك كيف أضبط خط سير سبيزر لنقطة محددة، شرح لي كل ما يتعلق بتسليح سبيزر، وشرح لي إجراءات الأمان والخروج منها في الحالات الخطرة والتي توشك فيها الطائرة على التحطم أو الانفجار، شيء واحد لم يتمكن كوجي من تدريبي عليه بشكل جيد هو الالتحام بجريندايزر، شرح لي كيف يجري الأمر على نحو نظري، ووعدني بتدريب عملي في ساحة التدريب الموجودة بالمركز، هي نفس التدريبات التي خاضها كوجي مع دايسكي منذ فترة، أذكر أن كوجي أرهق في التدريب الذي استمر لقرابة الخمس ساعات دون إحراز نجاح، كان هذا هو التدريب الأصعب، ومع ذلك فقد بت قريبة منه.
لكن البوم وقبل أن أتم تدريب الالتحام تغيرت الأمور كثيرًا، استيقظت صباحًا وارتديت ثيابي متوجهة صوب الإسطبل بحماس، اليوم سأحاول الخروج بأشرس حصان في مزرعتنا، أخرجت الحصان من الإسطبل بصعوبة، حاولت السيطرة عليه في ساحة المزرعة لكنه كان عنيدًا وثائرًا، تطلب مني الأمر الكثير من الجهد والتصميم، وفي غمرة محاولاتي وجدتني أنادي أبي دون أن أشعر، لا زال أبي قريبًا إلى قلبي رغم خلافاتنا التي زادت مؤخرًا، فقد أدى طموحي الجديد لتقصيري في الكثير من مهام العمل في المزرعة للأسف، لكن كان هذا الطموح فوق قدرتي على مقاومته


على كل حال لحظة وصول أبي كنت قد سيطرت على الحصان بالفعل، كان أبي يهتف منزعجًا بأن الحصان فوق طاقتي وأنه شرس للغاية، لهذا سألته بدلال بعد أن هدأ الحصان:
فخور بي با أبي؟!


أجابني أبي بالإيجاب فامتلأ قلبي حماسة، قفزت على ظهر الحصان وشددت اللجام وانطلقت مسرعة، سمعت صوت أبي يناديني لنقل الحليب لكني لم أكن قادرة على الرجوع، تمنيت في أعماق قلبي أن يسامحني أبي وأن يتفهم موقفي، تمنيت لو بإمكاني مشاركته بما يحدث معي، لكن هذا صعب الآن!


انطلقت بالحصان الشرس مسرعة، كانت روح التحدي تسري في عروقي، بلحظة سمعت صوت حوافر حصان يركض بالقرب مني، التفت فرأيت دايسكي على حصانه الأبيض وسمعته يهتف بي:
هيكارو.. ما معنى هذا الركض السريع؟ ألا تدركين الخطر!


خففت من سرعة حصاني قليلًا فصار دايسكي مجاورًا لي، وجدتني أجيبه بصراحة ودون مراوغة:
لا أخشى شيئًا! أستطيع ترويض حتى سبيزر المزدوج.


سمعته يتمتم بشيء ما فأردفت:
لأن كوجي علمني كيف أفعله، علي أن أتعلم كيف أفعل ذلك وحدي، وهذا تدريب من أجل ذلك.
لا أعرف من أين أتتني تلك الرغبة في مصارحة دايسكي بما يحدث؟! أحب دايسكي وأقدر خوفه ولا أرغب بالكذب عليه أو إخفاء طموحي عنه، هذه المرة بدرت منه ردة فعل مختلفة وسألني:
أهو تدريب من أجل القتال؟
طبعًا!
حسنًا! اتبعيني لا تستسلمي.. هيا!


قالها وشد لجام حصانه وانطلق أمامي، لو تعرف دايسكي حجم فرحتي في ذلك اليوم وأنت تدربني بنفسك على القتال؟! أنا فعلًا بحاجة لثقتك ودعمك وتشجيعك!
موقف دايسكي زادني إصرارًا، تدفق الدم في عروقي وجعلت أتبعه فعلًا رغم الطرق الصعبة والمسارات التي كان يختارها وسرعته في الركض بحصانه، خطرت ببالي لمحات من أيام قديمة حين كان يعلمني دايسكي كيف أقود الجيب، وكذلك دراجته النارية، تذكرت تشجيعه ودعمه لي، زاد حماسي وتفاؤلي كثيرًا، كان كل شيء يسير على ما يرام حتى أتت تلك اللحظة، فجأة رأيت دايسكي يقفز بحصانه وصار الطريق مفتوحًا أمامي، لكني وجدت نفسي على حافة صخرية وأمامي نهر عريض هو ما اجتازه دايسكي بقفزته، لم يكن أمامي خيار سوى شد اللجام وإيقاف حصاني في اللحظة الأخيرة.


شعرت بالألم يعتصر قلبي، لست كفئًا كما تصورت! لم أنجح في تدريبي مع دايسكي للأسف! أنا أقف على حافة وهو على حافة أخرى وبيننا النهر الذي بدا كالحاجز الذي بُنِيَ بيننا منذ أن قررت أنا أن أسلك هذا الطريق الجديد، وجدت نفسي أبكي بمرارة! أبكي من أعماق قلبي! المنكسر!

2023-06-02

مذكرات هيكارو السرية – طريق واحد!

  مذكرات هيكارو السرية

مذكرات خيالية في دفتر يوميات هيكارو ماكيبا

الحلقة الثامنة والثلاثون – طريق واحد!

بعد أن قدت سييزر لأول مرة في حياتي لم أعد لهيكارو التي عرفتها لما يقرب من عشرين عامًا، تغيرت حياتي كليًا، بدأت أرسم أهدافًا جديدة، وبت أكثر يقينًا من قدرتي على تحقيقها، ما حدث في مدرسة واي زادني تصميمًا أيضًا، فما حدث بشأن بطولة الجمباز يعني أن الظروف التي نراها مستحيلة ليست دومًا كذلك، يمكن لكل شيء أن يتغير، وأنا لا أستثنى من ذلك، ومحاولة دايسكي إثنائي عن تكرار ما حدث أيضًا لا تستثنى من ذلك.

دائمًا ما يروي أبي عن تاريخ أسرتنا، ولطالما كان فخورًا بهذا التاريخ الذي شارك فيه أجدادي في الحروب، يقول أبي أنه ليس المهم أن تكسب الحرب في نهايتها، أو أن تعيش حتى ترى النصر بعينيك، المهم هو ألا تقف مكتوف الأيدي تشاهد أحداثها عن بعد، لهذا قررت أن أقتدي بأجدادي وأن أشارك في هذه الحرب حتى لو كان المقابل حياتي، إن كانت حياتي مقابل حياة أسرتي وأمن وطني والأرض بأكملها فلا تهمني حياتي!

ما الذي يمكن أن يعوقني عن تحقيق ذلك؟ كوني فتاة مثلًا؟ لا، فلست أنا الفتاة التي ترضى بالمكوث في البيت وادعة منذ طفولتي، تعلمت ركوب الخيل وشاركت في فريق الجمباز وتفوقت فيه لأغدو قوية وها أنا الآن فعلًا قوية بما يكفي، أستطيع السيطرة على توازن جسدي في الظروف الصعبة، وأستطيع التحكم بعضلاتي وأعصابي والقفز لمسافات عالية، ما الذي يمكن أن يعوقني إذن؟ نقص الخبرة القتالية وفنون الطيران مثلًا؟ بإمكاني التدرب ليل نهار إن تطلب الأمر ذلك، أستطيع أن أفعل ذلك كما استطعت من قبل أن ألتزم بحضور درس الفضاء وبقراءة الكتب التي أوصاني بها دكتور أمون ودايسكي لأزيد من معرفتي بالكون وما فيه، التدريب المستمر يمكن أن يحقق أهدافي كما حققها منذ أسابيع في مدرستي! لا يتبقى أمامي سوى عقبتين فقط: خوف دايسكي ومحاولته انتزاع وعد مني بالعدول عما حدث، وضرورة إخبار أبي بقراري وإقناعه به، الطريقة الوحيدة لتجاوز هاتين العقبتين هي التدريب لإثبات قدرتي على القتال، بالضبط كما فعلت في مدرسة واي، إذن لأعيد الكرة!

لهذا قررت أن أبدأ تدريباتي الخاصة، رحت أفكر في الطريقة التي يتبعها دايسكي للحفاظ على لياقته وقوته، إنه يتدرب يوميًا في المزرعة، يخرج بحصانه ويعدو به بأقصى ما يملك لفترة طويلة وفي طرق وعرة، تدرب دايسكي على كل خيول المزرعة حتى أكثرها شراسة وأصعبها مراسًا، لهذا قررت أن أفعل مثله كخطوة أولى.

هناك دكتور أمون أيضًا، لماذا لا أصارح دكتور أمون وأطلب منه تدريبي على قيادة سبيزر؟ ربما وافق دكتور أمون على ذلك، وهذا يعني فرصة رائعة لتعلم فنون الطيران والقتال، إذن لأتحدث للدكتور أمون بعد درس الفضاء التالي.

 كانت تلك الأفكار تزدحم بعقلي طيلة الليلة التي تلت خروجي بسبيزر، وكان ذلك منذ ثلاثة أسابيع مضت، في صباح اليوم التالي رافقت دايسكي لمركز الأبحاث كالعادة لحضور درس الفضاء لكن حدث مالم يكن في الحسبان، لقد راح كوجي يتحدث بحماس عما حدث أمس ذلك اليوم، قال مازحًا أن بإمكاني أن أصبح مقاتلة جيدة، غمرتني الحماسة فقلت له:

–     لما لا تعلمني كيف أقود سبيزر يا كوجي؟

–     أنا موافق، لنبدأ من الآن إن كنتِ جادة.

كان الحديث إيجابيًا ومبشرًا لكن دايسكي لم يرحب بالفكرة ولو قليلًا، فقد تبدلت ملامحه وانعقد حاجباه:

–     أنا لا أوافق على هذا!

قالها بحدة وانصرف دون أن يضيف شيئًا، أطرقت برأسي وقد شملني الإحباط:

–     انسَ الأمر كوجي!

عندها تدخل دكتور أمون:

–     ما الدي حدث يا هيكارو؟

–     طلب مني دايسكي بالأمس أن أعده بألا أعيدها مرة ثانية.

هذه المرة أجابني كوجي بتلقائية:

–     هو خائف عليكِ يا هيكارو، أنت تعرفين ذلك.

–     نعم كوجي، أعرف! لكني لم أستطع أن أعده بشيء.

واستدرت أواجه دكتور أمون:

–     أنا لا أطيق البقاء مكتوفة الأيدي يا عمي!

بدا أن دكتور أمون يفهم ما يدور بداخلي، نهض من مقعده وربت على كتفي وهو يقول:

–     التزمي بتدريبات كوجي يا هيكارو، لا أحد يعرف ما يمكن أن تقدم عليه قوات فيجا، وأنا سأحادث دايسكي!

شكرت دكتور أمون بحرارة، وشعرت بالراحة بعد وعده لي بالحديث مع دايسكي حول الموضوع، يستطيع دكتور أمون إقناع دايسكي بلا شك!

أخذ كوجي يحدد لي أوقاتًا للتدريب، واتفقنا ألا أخرج بسبيزر للقتال في الوقت الحالي، فقيادة سبيزر هي مسؤولية كوجي على كل حال، سأكون أنا جندي الاحتياط مؤقتًا ولا أحد يدري.

***

لكن بعد تلك الحادثة توترت علاقتي بدايسكي كثيرًا، كان يبدو عليه التأزم والرفض، وفي بعض الأحيان بدا متفهمًا، لكنه ظل ودودًا على كل حال، بات كل منا يذهب للمركز وحده عكس ما اعتدنا عليه، كنت أذهب للتدريب في الوقت الذي لا يتواجد فيه دايسكي هناك، نلتقي في درس الفضاء، ثم نعود للمزرعة، وأحيانًا كنت أبقى في مكتبة المركز وحدي أنتظر دروس كوجي النظرية عن مبادئ الطيران.

علمني كوجي كيف أقرأ العدادات الكثيرة بسبيزر، شرح لي كيف يعمل الرادار، علمني تحديد المواقع على الخريطة، كذلك كيف أضبط خط سير سبيزر لنقطة محددة، شرح لي كل ما يتعلق بتسليح سبيزر، وشرح لي إجراءات الأمان والخروج من سبيزر في الحالات الخطرة والتي توشك فيها الطائرة على التحطم أو الانفجار، شيء واحد لم يتمكن كوجي من تدريبي عليه بشكل جيد هو الالتحام بجريندايزر، شرح لي كيف يجري الأمر على نحو نظري، ووعدني بتدريب عملي في ساحة التدريب الموجودة بالمركز، هي نفس التدريبات التي خاضها كوجي مع دايسكي منذ فترة، أذكر أن كوجي أرهق في التدريب الذي استمر لقرابة الخمس ساعات دون إحراز نجاح، كان هذا هو التدريب الأصعب، ومع ذلك فقد بت قريبة منه.

لكن البوم وقبل أن أتم تدريب الالتحام تغيرت الأمور كثيرًا، استيقظت صباحًا وارتديت ثيابي متوجهة صوب الإسطبل بحماس، اليوم سأحاول الخروج بأشرس حصان في مزرعتنا، أخرجت الحصان من الإسطبل بصعوبة، حاولت السيطرة عليه في ساحة المزرعة لكنه كان عنيدًا وثائرًا، تطلب مني الأمر الكثير من الجهد والتصميم، وفي غمرة محاولاتي وجدتني أنادي أبي دون أن أشعر، لازال أبي قريبًا إلى قلبي رغم خلافاتنا التي زادت مؤخرًا، فقد أدى طموحي الجديد لتقصيري في الكثير من مهام العمل في المزرعة للأسف، لكن كان هذا الطموح فوق قدرتي على مقاومته

على كل حال لحظة وصول أبي كنت قد سيطرت على الحصان بالفعل، كان أبي يهتف منزعجًا بأن الحصان فوق طاقتي وأنه شرس للغاية، لهذا سألته بدلال بعد أن هدأ الحصان:

–     فخور بي با أبي؟!

أجابني أبي بالإيجاب فامتلأ قلبي حماسة، فقفزت على ظهر الحصان وشددت اللجام وانطلقت مسرعة، سمعت صوت أبي يناديني لنقل الحليب لكني لم أكن قادرة على الرجوع، تمنيت في أعماق قلبي أن يسامحني أبي وأن يتفهم موقفي، تمنيت لو بإمكاني مشاركته بما يحدث معي، لكن هذا صعب الآن!

رحت أركض بالحصان الشرس مسرعة، كانت روح التحدي تسري في عروقي، بلحظة سمعت صوت حوافر حصان يركض بالقرب مني، التفت فرأيت دايسكي على حصانه الأبيض وسمعته يهتف بي:

–     هيكارو.. ما معنى هذا الركض السريع؟ ألا تدركين الخطر!

خففت من سرعة حصاني قليلًا فصار دايسكي مجاورًا لي، وجدتني أجيبه بصراحة ودون مراوغة:

–     لا أخشى شيئًا! أستطيع ترويض حتى سبيزر المزدوج.

 سمعته يتمتم بشيء ما فأردفت:

–     لأن كوجي علمني كيف أفعله، علي أن أتعلم كيف أفعل ذلك وحدي، وهذا تدريب من أجل ذلك.

لا أعرف من أين أتتني تلك الرغبة في مصارحة دايسكي بما يحدث؟! أحب دايسكي وأقدر خوفه ولا أرغب بالكذب عليه أو إخفاء طموحي عنه، هذه المرة بدرت منه ردة فعل مختلفة وسألني:

–     أهو تدريب من أجل القتال؟

–     طبعًا!

–     حسنًا! اتبعيني لا تستسلمي.. هيا!

 قالها وشد لجام حصانه وانطلق أمامي، لو تعرف دايسكي حجم فرحتي في ذلك اليوم وأنت تدربني بنفسك على القتال؟! أنا فعلًا بحاجة لثقتك ودعمك وتشجيعك!

موقف دايسكي زادني إصرارًا، تدفق الدم في عروقي ورحت أتبعه فعلًا رغم الطرق الصعبة والمسارات التي كان يختارها وسرعته في الركض بحصانه، خطرت ببالي لمحات من أيام قديمة حين كان يعلمني دايسكي كيف أقود الجيب، وكذلك دراجته النارية، تذكرت تشجيعه ودعمه لي، زاد حماسي وتفاؤلي كثيرًا، كان كل شيء يسير على ما يرام حتى أتت تلك اللحظة، فجأة رأيت دايسكي يقفز بحصانه وصار الطريق مفتوحًا أمامي، لكني وجدت نفسي على حافة صخرية وأمامي نهر عريض هو ما اجتازه دايسكي بقفزته، لم يكن أمامي خيار سوى شد اللجام وإيقاف حصاني في اللحظة الأخيرة.

شعرت بالألم يعتصر قلبي، لست كفء كما تصورت! لم أنجح في تدريبي مع دايسكي للأسف! أنا أقف على حافة وهو على حافة أخرى وبيننا النهر الذي بدا كالحاجز الذي بني بيننا منذ أن قررت أنا أن أسلك هذا الطريق الجديد، وجدت نفسي أبكي بمرارة! أبكي من أعماق قلبي! المنكسر!


أكمل دايسكي طريقه وعدت أنا أدراجي للمزرعة أجر أذيال الخيبة وبقايا قلبي المحترق.


وجدت أبي بانتظاري، كان ثائرًا، لقد نفذ صبره وبدأ يفرغ غضبه في وجهي لومًا وعتابًا، لم أستطع الإجابة على اسئلته، هو مستاء من تخلي عن مسؤولياتي في المزرعة، مستاء من علاقتي بدايسكي، يرى دايسكي مقارنة بكوجي شاب بلا عمل أو هدف، يظن أن وجودي معه ليس إلا إضاعة للوقت لا أكثر، كان يتساءل عما يجذبني إليه وأي ميزة فيه، وَصَفَه بالكسول، قال أنه لا يصلح لشيء، أعرف أن هذا ليس رأي أبي الصادق في دايسكي، وأثق من حبه له واعتماده عليه كثيرًا، وأدرك أنه يقول ما يقول بدافع الثورة والغضب والاستياء؛ لكن كيف أجيبه عن كل ذلك والجواب هو كشف سر دايسكي؟ كيف؟


كنت في موقف لا أحسد عليه، كيف أخبره بأني أنا من تشعر بأنها عديمة القيمة اليوم؟ وأني أنا من لا تصلح لشيء؟ كيف أخبره بأني أتمنى لو كنت مكان دايسكي اليوم؟ أحارب لأحل وطني وأهلي؟ أملك ما يؤهلني لتقدير ذاتي واحترامها؟ كيف أشرح له سبب هذا الدمار والحطام الذي يملأ نفسي؟ كيف؟
كان الألم يعتصرني لدرجة لم أكن قادرة على تحملها، إلا أن تدخل جورو المفاجئ وفقدانه لصوابه والذي جعله مقدمًا على البوح بكل شيء دفاعًا عن دايسكي جعلني أستفيق من ألمي، وبالكاد نجحت في إيقافه في اللحظة الأخيرة.


في النهاية هدأ أبي فجأة كما ثار فجأة، نهضت من مكاني أنظر من النافذة، بإمكاني رؤية مركز الأبحاث من هنا، المبنى الرئيسي، البرج المحطم والهوائي.


في لحظة شعرت أنني بت أشبه دايسكي منذ سنوات، الأسرار تدفعنا للصمت، الألم والعزلة، منذ أن صار قلبي يحمل أسرارًا جديدة صرت غريبة عن الكل، حتى عن نفسي، أخشى مواجهة دايسكي بدواخلي، أرغب بذلك وأحجم عنه، أنسى الكثير من واجباتي ومسؤولياتي في البيت والمزرعة، أشرد كثيرًا، أصمت لأنصت لصوت نفسي الذي يتعالى يومًا بعد يوم رافضًا ما أنا فيه ودافعًا إياي للمضي قدمًا، أتحمس وحدي، أفرح بالنجاح وحدي، أيأس وأعاني الإحباط وحدي، أبكي وحدي! أدركت الآن مصدر شجاعتي اليوم وأنا أخبر دايسكي عن الغرض الحقيقي وراء ركضي بالحصان بهذه السرعة ودون خوف، لو لم يلحق بي دايسكي لما سعيت لأن أقول له شيئًا مشابهًا، كنت كالغريق في بحر العزلة الذي يتمسك بيد صديق ممدودة إليه، لكن ما حدث اليوم أغرقني أكثر فأكثر في عزلتي، وكما فصل النهر بيننا فقد فصلتنا المسافات ولو لم تكن واسعة، دايسكي في المركز وأنا في المزرعة، لكني أخشى مواجهته بعد ما حدث، استطاع دايسكي أن يدعمني من قبل، علمني كيف أقود سيارة لأول مرة في حياتي حين طلبت منه ذلك، حدث ذلك بعد أن مرض تارو وغادر كلًا من دايسكي وكوحي، يومها شعرت بالعجز وقلة الحيلة، لم أكن أعرف شيئًا وقتها عن ماضي دايسكي ولا حقيقة أنه رجل جاء من كوكب مختلف، كل ما كنت أعرفه أنه صديق أحبه وأثق به، صديق ينبض قلبي لأجله، لم يخيب هو آمالي وقتها، علمني لأسابيع، خرجنا في جولات كثيرة، كان صبورًا وداعمًا، ساعدني على التغلب على خوفي مرارًا، خفت الانهيارات الثلجية، الطرق الوعرة، القيادة ليلًا، لكني نجحت في النهاية.

بريشة سحر خواتمي

وحين صارحت دايسكي برغبتي في قيادة دراجته علَّها تعينني يومًا ما كان جوابه جميلًا، قلتها ولم تمض ساعة حتى كنا معًا في دراجته، لا زلت أذكر جلوسي على مقعد القيادة وهو في المقعد الخلفي الأيسر، ذراعه اليمنى تطوق كتفي، يده اليسرى تعدل من إمساكي لمقبض الدراجة، يومها علمني الكثير ومنحني من الثقة والحب والدعم ما هو أكثر، خلال فترة قصيرة كنت قادرة على الانطلاق والقفز بالدراجة، بل كنت قادرة على استخدامها كسلاح أيضًا، كان دايسكي وقتها راضيًا عن تدريبي، ولا أعرف ما الذي حدث هذه المرة؟ ترى هل أراد هو فعلًا تدريبي اليوم وأخفقت أنا مخيبة آماله؟ هل سيعيد الكرة كما كان يفعل سابقًا؟
أفتقد دايسكي كثيرًا هذه الأيام، وأشعر بالوحدة وأنا أمضي قدمًا في طريقي الجديد الذي اخترته بدونه، اليوم بدت لي بارقة أمل جديدة لكن ما لبثت أن انطفأت سريعًا، ليتني تمكنت من القفز خلفك دايسكي! لكن بماذا ينفع التمني؟ لم أرَ النهر إلا وهو أمامي مباشرة، لم يكن لدي خيار، ماذا علي أن أفعل الآن؟ هل أعيد المحاولة وحدي؟ هل أذهب بحصاني في الطريق ذاته وأجتاز النهر كما اجتزته أنت؟ هل هذا كافٍ لأسترد ثقتي بنفسي؟ أنا بحاجة لنصحك.. إرشادك وتوجيهك لي، بحاجة لسماع كلماتك: “تستطيعين هيكارو” “كوني شجاعة” “عامليها كالحصان وستقدرين”، هل يكفي أن أرددها داخلي لأنجح؟ هذه العزلة الإجبارية تمزقني دايسكي! لا أريد أن أنهار.. لا أريد أن أتراجع.. لا أريد أن أضعف.. لدي واجب لابد أن أؤديه.. ساعدني يارب!

2023-06-02

مذكرات هيكارو السرية – طريق واحد!

  مذكرات هيكارو السرية

مذكرات خيالية في دفتر يوميات هيكارو ماكيبا

الحلقة الثامنة والثلاثون – طريق واحد!

بعد أن قدت سييزر لأول مرة في حياتي لم أعد لهيكارو التي عرفتها لما يقرب من عشرين عامًا، تغيرت حياتي كليًا، بدأت أرسم أهدافًا جديدة، وبت أكثر يقينًا من قدرتي على تحقيقها، ما حدث في مدرسة واي زادني تصميمًا أيضًا، فما حدث بشأن بطولة الجمباز يعني أن الظروف التي نراها مستحيلة ليست دومًا كذلك، يمكن لكل شيء أن يتغير، وأنا لا أستثنى من ذلك، ومحاولة دايسكي إثنائي عن تكرار ما حدث أيضًا لا تستثنى من ذلك.

دائمًا ما يروي أبي عن تاريخ أسرتنا، ولطالما كان فخورًا بهذا التاريخ الذي شارك فيه أجدادي في الحروب، يقول أبي أنه ليس المهم أن تكسب الحرب في نهايتها، أو أن تعيش حتى ترى النصر بعينيك، المهم هو ألا تقف مكتوف الأيدي تشاهد أحداثها عن بعد، لهذا قررت أن أقتدي بأجدادي وأن أشارك في هذه الحرب حتى لو كان المقابل حياتي، إن كانت حياتي مقابل حياة أسرتي وأمن وطني والأرض بأكملها فلا تهمني حياتي!

ما الذي يمكن أن يعوقني عن تحقيق ذلك؟ كوني فتاة مثلًا؟ لا، فلست أنا الفتاة التي ترضى بالمكوث في البيت وادعة منذ طفولتي، تعلمت ركوب الخيل وشاركت في فريق الجمباز وتفوقت فيه لأغدو قوية وها أنا الآن فعلًا قوية بما يكفي، أستطيع السيطرة على توازن جسدي في الظروف الصعبة، وأستطيع التحكم بعضلاتي وأعصابي والقفز لمسافات عالية، ما الذي يمكن أن يعوقني إذن؟ نقص الخبرة القتالية وفنون الطيران مثلًا؟ بإمكاني التدرب ليل نهار إن تطلب الأمر ذلك، أستطيع أن أفعل ذلك كما استطعت من قبل أن ألتزم بحضور درس الفضاء وبقراءة الكتب التي أوصاني بها دكتور أمون ودايسكي لأزيد من معرفتي بالكون وما فيه، التدريب المستمر يمكن أن يحقق أهدافي كما حققها منذ أسابيع في مدرستي! لا يتبقى أمامي سوى عقبتين فقط: خوف دايسكي ومحاولته انتزاع وعد مني بالعدول عما حدث، وضرورة إخبار أبي بقراري وإقناعه به، الطريقة الوحيدة لتجاوز هاتين العقبتين هي التدريب لإثبات قدرتي على القتال، بالضبط كما فعلت في مدرسة واي، إذن لأعيد الكرة!

لهذا قررت أن أبدأ تدريباتي الخاصة، رحت أفكر في الطريقة التي يتبعها دايسكي للحفاظ على لياقته وقوته، إنه يتدرب يوميًا في المزرعة، يخرج بحصانه ويعدو به بأقصى ما يملك لفترة طويلة وفي طرق وعرة، تدرب دايسكي على كل خيول المزرعة حتى أكثرها شراسة وأصعبها مراسًا، لهذا قررت أن أفعل مثله كخطوة أولى.

هناك دكتور أمون أيضًا، لماذا لا أصارح دكتور أمون وأطلب منه تدريبي على قيادة سبيزر؟ ربما وافق دكتور أمون على ذلك، وهذا يعني فرصة رائعة لتعلم فنون الطيران والقتال، إذن لأتحدث للدكتور أمون بعد درس الفضاء التالي.

 كانت تلك الأفكار تزدحم بعقلي طيلة الليلة التي تلت خروجي بسبيزر، وكان ذلك منذ ثلاثة أسابيع مضت، في صباح اليوم التالي رافقت دايسكي لمركز الأبحاث كالعادة لحضور درس الفضاء لكن حدث مالم يكن في الحسبان، لقد راح كوجي يتحدث بحماس عما حدث أمس ذلك اليوم، قال مازحًا أن بإمكاني أن أصبح مقاتلة جيدة، غمرتني الحماسة فقلت له:

–     لما لا تعلمني كيف أقود سبيزر يا كوجي؟

–     أنا موافق، لنبدأ من الآن إن كنتِ جادة.

كان الحديث إيجابيًا ومبشرًا لكن دايسكي لم يرحب بالفكرة ولو قليلًا، فقد تبدلت ملامحه وانعقد حاجباه:

–     أنا لا أوافق على هذا!

قالها بحدة وانصرف دون أن يضيف شيئًا، أطرقت برأسي وقد شملني الإحباط:

–     انسَ الأمر كوجي!

عندها تدخل دكتور أمون:

–     ما الدي حدث يا هيكارو؟

–     طلب مني دايسكي بالأمس أن أعده بألا أعيدها مرة ثانية.

هذه المرة أجابني كوجي بتلقائية:

–     هو خائف عليكِ يا هيكارو، أنت تعرفين ذلك.

–     نعم كوجي، أعرف! لكني لم أستطع أن أعده بشيء.

واستدرت أواجه دكتور أمون:

–     أنا لا أطيق البقاء مكتوفة الأيدي يا عمي!

بدا أن دكتور أمون يفهم ما يدور بداخلي، نهض من مقعده وربت على كتفي وهو يقول:

–     التزمي بتدريبات كوجي يا هيكارو، لا أحد يعرف ما يمكن أن تقدم عليه قوات فيجا، وأنا سأحادث دايسكي!

شكرت دكتور أمون بحرارة، وشعرت بالراحة بعد وعده لي بالحديث مع دايسكي حول الموضوع، يستطيع دكتور أمون إقناع دايسكي بلا شك!

أخذ كوجي يحدد لي أوقاتًا للتدريب، واتفقنا ألا أخرج بسبيزر للقتال في الوقت الحالي، فقيادة سبيزر هي مسؤولية كوجي على كل حال، سأكون أنا جندي الاحتياط مؤقتًا ولا أحد يدري.

***

لكن بعد تلك الحادثة توترت علاقتي بدايسكي كثيرًا، كان يبدو عليه التأزم والرفض، وفي بعض الأحيان بدا متفهمًا، لكنه ظل ودودًا على كل حال، بات كل منا يذهب للمركز وحده عكس ما اعتدنا عليه، كنت أذهب للتدريب في الوقت الذي لا يتواجد فيه دايسكي هناك، نلتقي في درس الفضاء، ثم نعود للمزرعة، وأحيانًا كنت أبقى في مكتبة المركز وحدي أنتظر دروس كوجي النظرية عن مبادئ الطيران.

علمني كوجي كيف أقرأ العدادات الكثيرة بسبيزر، شرح لي كيف يعمل الرادار، علمني تحديد المواقع على الخريطة، كذلك كيف أضبط خط سير سبيزر لنقطة محددة، شرح لي كل ما يتعلق بتسليح سبيزر، وشرح لي إجراءات الأمان والخروج من سبيزر في الحالات الخطرة والتي توشك فيها الطائرة على التحطم أو الانفجار، شيء واحد لم يتمكن كوجي من تدريبي عليه بشكل جيد هو الالتحام بجريندايزر، شرح لي كيف يجري الأمر على نحو نظري، ووعدني بتدريب عملي في ساحة التدريب الموجودة بالمركز، هي نفس التدريبات التي خاضها كوجي مع دايسكي منذ فترة، أذكر أن كوجي أرهق في التدريب الذي استمر لقرابة الخمس ساعات دون إحراز نجاح، كان هذا هو التدريب الأصعب، ومع ذلك فقد بت قريبة منه.

لكن البوم وقبل أن أتم تدريب الالتحام تغيرت الأمور كثيرًا، استيقظت صباحًا وارتديت ثيابي متوجهة صوب الإسطبل بحماس، اليوم سأحاول الخروج بأشرس حصان في مزرعتنا، أخرجت الحصان من الإسطبل بصعوبة، حاولت السيطرة عليه في ساحة المزرعة لكنه كان عنيدًا وثائرًا، تطلب مني الأمر الكثير من الجهد والتصميم، وفي غمرة محاولاتي وجدتني أنادي أبي دون أن أشعر، لازال أبي قريبًا إلى قلبي رغم خلافاتنا التي زادت مؤخرًا، فقد أدى طموحي الجديد لتقصيري في الكثير من مهام العمل في المزرعة للأسف، لكن كان هذا الطموح فوق قدرتي على مقاومته

على كل حال لحظة وصول أبي كنت قد سيطرت على الحصان بالفعل، كان أبي يهتف منزعجًا بأن الحصان فوق طاقتي وأنه شرس للغاية، لهذا سألته بدلال بعد أن هدأ الحصان:

–     فخور بي با أبي؟!

أجابني أبي بالإيجاب فامتلأ قلبي حماسة، فقفزت على ظهر الحصان وشددت اللجام وانطلقت مسرعة، سمعت صوت أبي يناديني لنقل الحليب لكني لم أكن قادرة على الرجوع، تمنيت في أعماق قلبي أن يسامحني أبي وأن يتفهم موقفي، تمنيت لو بإمكاني مشاركته بما يحدث معي، لكن هذا صعب الآن!

رحت أركض بالحصان الشرس مسرعة، كانت روح التحدي تسري في عروقي، بلحظة سمعت صوت حوافر حصان يركض بالقرب مني، التفت فرأيت دايسكي على حصانه الأبيض وسمعته يهتف بي:

–     هيكارو.. ما معنى هذا الركض السريع؟ ألا تدركين الخطر!

خففت من سرعة حصاني قليلًا فصار دايسكي مجاورًا لي، وجدتني أجيبه بصراحة ودون مراوغة:

–     لا أخشى شيئًا! أستطيع ترويض حتى سبيزر المزدوج.

 سمعته يتمتم بشيء ما فأردفت:

–     لأن كوجي علمني كيف أفعله، علي أن أتعلم كيف أفعل ذلك وحدي، وهذا تدريب من أجل ذلك.

لا أعرف من أين أتتني تلك الرغبة في مصارحة دايسكي بما يحدث؟! أحب دايسكي وأقدر خوفه ولا أرغب بالكذب عليه أو إخفاء طموحي عنه، هذه المرة بدرت منه ردة فعل مختلفة وسألني:

–     أهو تدريب من أجل القتال؟

–     طبعًا!

–     حسنًا! اتبعيني لا تستسلمي.. هيا!

 قالها وشد لجام حصانه وانطلق أمامي، لو تعرف دايسكي حجم فرحتي في ذلك اليوم وأنت تدربني بنفسك على القتال؟! أنا فعلًا بحاجة لثقتك ودعمك وتشجيعك!

موقف دايسكي زادني إصرارًا، تدفق الدم في عروقي ورحت أتبعه فعلًا رغم الطرق الصعبة والمسارات التي كان يختارها وسرعته في الركض بحصانه، خطرت ببالي لمحات من أيام قديمة حين كان يعلمني دايسكي كيف أقود الجيب، وكذلك دراجته النارية، تذكرت تشجيعه ودعمه لي، زاد حماسي وتفاؤلي كثيرًا، كان كل شيء يسير على ما يرام حتى أتت تلك اللحظة، فجأة رأيت دايسكي يقفز بحصانه وصار الطريق مفتوحًا أمامي، لكني وجدت نفسي على حافة صخرية وأمامي نهر عريض هو ما اجتازه دايسكي بقفزته، لم يكن أمامي خيار سوى شد اللجام وإيقاف حصاني في اللحظة الأخيرة.

شعرت بالألم يعتصر قلبي، لست كفء كما تصورت! لم أنجح في تدريبي مع دايسكي للأسف! أنا أقف على حافة وهو على حافة أخرى وبيننا النهر الذي بدا كالحاجز الذي بني بيننا منذ أن قررت أنا أن أسلك هذا الطريق الجديد، وجدت نفسي أبكي بمرارة! أبكي من أعماق قلبي! المنكسر!

أكمل دايسكي طريقه وعدت أدراجي للمزرعة أجر أذيال الخيبة وبقايا قلبي المحترق.

وجدت أبي بانتظاري، كان ثائرًا، لقد نفذ صبر أبي وبدأ يفرغ غضبه في وجهي لومًا وعتابًا، لم أستطع الإجابة على اسئلته، هو مستاء من تخلي عن مسؤولياتي في المزرعة، مستاء من علاقتي بدايسكي، يرى دايسكي مقارنة بكوجي شاب بلا عمل أو هدف، يظن أن وجودي معه ليس إلا إضاعة للوقت لا أكثر، كان يتساءل عما يجذبني إليه وأي ميزة فيه، وصفة بالكسول، قال أنه لا يصلح لشيء، أعرف أن هذا ليس رأي أبي الصادق في دايسكي، وأثق من حبه له واعتماده عليه كثيرًا، وأدرك أنه يقول ما يقول بدافع الثورة والغضب والاستياء، لكن كيف أجيبه عن كل ذلك والجواب هو كشف سر دايسكي؟ كيف؟

 كنت في موقف لا أحسد عليه، كيف أخبره بأني أنا من تشعر بأنها عديمة القيمة اليوم؟ وأني أنا من لا يصلح لشيء؟ كيف أخبره بأني أتمنى لو كنت مكان دايسكي اليوم؟ أحارب لأحل وطني وأهلي؟ أملك ما يؤهلني لتقدير ذاتي واحترامها؟ كيف أشرح له سبب هذا الدمار والحطام الذي يملأ نفسي؟ كيف؟

كان الألم يعتصرني لدرجة لم أكن قادرة على تحملها، إلا أن تدخل جورو، المفاجئ وفقدانه لصوابه والذي جعله مقدمًا على البوح بكل شيء دفاعًا عن دايسكي جعلني أستفيق من ألمي، وبالكاد نجحت في إيقافه في اللحظة الأخيرة.

 في النهاية هدأ أبي فجأة كما ثار فجأة، نهضت من مكاني أنظر من النافذة، بإمكاني رؤية مركز الأبحاث من هنا، المبنى الرئيسي، البرج المحطم والهوائي.

في لحظة شعرت أنني بت أشبه دايسكي منذ سنوات، الأسرار تدفعنا للصمت، الألم والعزلة، منذ أن صار قلبي يحمل أسرارًا جديدة صرت غريبة عن الكل، حتى عن تفسي، أخشى مواجهة دايسكي بدواخلي، أرغب بذلك وأحجم عنه، أنسى الكثير من واجباتي ومسؤولياتي في البيت والمزرعة، أشرد كثيرًا، أصمت لأنصت لصوت نفسي الذي يتعالى يومًا بعد يوم رافضًا ما أنا فيه ودافعًا إياي للمضي قدمًا، أتحمس وحدي، أفرح بالنجاح وحدي، أيأس وأعاني الإحباط وحدي، أبكي وحدي! أدركت الآن مصدر شجاعتي اليوم وأنا أخبر دايسكي عن الغرض الحقيقي وراء ركضي بالحصان بهذه السرعة ودون خوف، لو لم يلحق بي دايسكي لما سعيت لأن أقول له شيئًا مشابهًا، كنت كالغريق في بحر العزلة الذي يتمسك بيد صديق ممدودة إليه، لكن ما حدث اليوم أغرقني أكثر فأكثر في عزلتي، وكما فصل النهر بيننا فقد فصلتنا المسافات ولو لم تكن واسعة، دايسكي في المركز وأنا في المزرعة، لكني أخشى مواجهته بعد ما حدث، استطاع دايسكي أن يدعمني من قبل، علمني كيف أقود سيارة لأول مرة في حياتي حين طلبت منه ذلك، حدث ذلك بعد أن مرض تارو وغادر كلًا من دايسكي وكوحي، يومها شعرت بالعجز وقلة الحيلة، لم أكن أعرف شيئًا وقتها عن ماضي دايسكي ولا حقيقة أنه رجل جاء من كوكب مختلف، كل ما كنت أعرفه أنه صديق أحبه وأثق به، صديق ينبض قلبي لأجله، لم يخيب هو آمالي وقتها، علمني لأسابيع، خرجنا في جولات كثيرة، كان صبورًا وداعمًا، ساعدني على التغلب على خوفي مرارًا، خفت الانهيارات الثلجية، الطرق الوعرة، القيادة ليلًا، لكني نجحت في النهاية.

بريشة سحر خواتمي

وحين صارحت دايسكي برغبتي في قيادة دراجته علَّها تعينني يومًا ما كان جوابه جميلًا، قلتها ولم تمض ساعة حتى كنا معًا في دراجته، لازلت أذكر جلوسي على مقعد القيادة وهو في المقعد الخلفي الأيسر، ذراعه اليمنى تطوق كتفي، يده اليسرى تعدل من إمساكي لمقبض الدراجة، يومها علمني الكثير ومنحني من الثقة والحب والدعم ما هو أكثر، خلال فترة قصيرة كنت قادرة على الانطلاق والقفز بالدراجة، بل كنت قادرة على استخدامها كسلاح أيضًا، كان دايسكي وقتها راضيًا عن تدريبي، ولا أعرف ما الذي حدث هذه المرة؟ ترى هل أراد هو فعلًا تدريبي اليوم وأخفقت أنا مخيبة آماله؟  هل سيعيد الكرة كما كان يفعل سابقًا؟

أفتقد دايسكي كثيرًا هذه الأيام، وأشعر بالوحدة وأنا أمضي قدمًا في طريقي الجديد الذي اخترته بدونه، اليوم بدت لي بارقة أمل جديدة لكن ما لبثت أن انطفأت سريعًا، ليتني تمكنت من القفز خلفك دايسكي! لكن بماذا ينفع التمني؟ لم أر النهر إلا وهو أمامي مباشرة، لم يكن لدي خيار، ماذا علي أن أفعل الآن؟ هل أعيد المحاولة وحدي؟ هل أذهب بحصاني في الطريق ذاته وأجتاز النهر كما اجتزته أنت؟ هل هذا كافٍ لأسترد ثقتي بنفسي؟ أنا بحاجة لنصحك.. إرشادك وتوجيهك لي، بحاجة لسماع كلماتك: “تستطيعين هيكارو” “كوني شجاعة” “عامليها كالحصان وستقدرين”، هل يكفي أن أرددها داخلي لأنجح؟ هذه العزلة الإجبارية تمزقني دايسكي! لا أريد أن أنهار.. لا أريد أن أتراجع.. لا أريد أن أضعف.. لدي واجب لابد أن أؤديه.. ساعدني يارب!


أنتزعني جورو من شرودي، سألني إن كنت بخير، فطمأنته أني بخير، بالضبط كما طمأنني دايسكي عشرات المرات من قبل، كان يتألم.. يصارع.. ثم يخبرني أنه بخير، كنت واثقة من أنه لا يقول الحقيقة وقتها، وواثقة من أنه لا يتعمد الكذب علي، اليوم أفعل مثله، لست بخير أبدًا لكني أقولها لجورو مبتسمة: “أنا بخير جورو، لا تقلق”.
خرجت أنهي أعمالي في المزرعة كي أخفف من استياء أبي، ثم قررت الذهاب للمركز، روحي تحلق هناك ولم أعد أملك القدرة على كبحها، قررت الذهاب دون خطة واضحة، ليس هذا الوقت المعتاد لدرس الفضاء، فاليوم هو يوم عطلة، لا دروس نظرية أو عملية وفق جدولي الذي وضعه كوجي مؤخرًا، إذن لماذا سأذهب بالضبط؟ علَّه دكتور أمون يخفف بعض معاناتي برؤيته، بإمكاني البوح له بما حدث اليوم ومن يدري! أصر جورو على أن أصحبه معي ففعلت.


في مركز الأبحاث عرفت أن شيئًا لا يبشر بالخير يحدث بالفعل! لم أجد دايسكي وكوجي، أخبرني دكتور أمون أنه صنع جهازًا لجمع ما يعرف بوحدات الطاقة المماثلة أو الفوتوسكوانتوم وهي وحدات الطاقة التي يستخدمها جريندايزر، قال أن جهاز جمع تلك الوحدات قد ثُبِّت على سبيزر وأن كوجي خرج في مهمة لجمع تلك الوحدات، كذلك خرج دايسكي للتمويه وحماية كوجي، لكنه للأسف اضطر لخوض حرب شرسة في الفضاء، ولأن دايسكي يحاول منح كوجي الوقت والفرصة فقد اعتمد على المناورة والمراوغة لا القضاء على عدوه مباشرة.


وقفت أراقب شاشة المنظار الإلكتروني بيأس، أرى نقطتين تتصارعان وتدوران حول بعضهما البعض، إحداهما لجريندايزر والأخرى لوحش فيجا، كان جورو متحمسًا لما يحدث وكنت أنا غارقة في الخوف والإحباط، خائفة على مصير دايسكي، أشعر بالإحباط لبعده وكونه وحيدًا في الفضاء، وحيدًا في مكان لا يمكنني حتى بلوغه بسبيزر، أشعر بالإحباط بعد فشلي صباح اليوم وعدم قدرتي على القفز خلفه ومواصلة الطريق، سالت دموعي رغمًا عني، أغمضت عيني وقلبي يصلي، يصلي بكل ما فيه من خشوع ورجاء، لكن هذا لم يكن كافيًا! وازداد الموقف تعقيدًا!


أصيب كوجي في طريق عودته، وبالكاد وصل للمركز، حال خروجه من سبيزر سقط أرضًا خائر القوى وهو يشكو من شعور مشابه للشلل.


نقل دكتور أمون كوجي للمركز الطبي الملحق بمركز الأبحاث وقدم له العلاج المناسب لحالته لكنه بقي غائبًا عن الوعي، طلب مني دكتور أمون أن أبقى جوار كوجي وأعلمه بما يستجد بشأنه ففعلت.

2023-06-02

مذكرات هيكارو السرية – طريق واحد!

  مذكرات هيكارو السرية

مذكرات خيالية في دفتر يوميات هيكارو ماكيبا

الحلقة الثامنة والثلاثون – طريق واحد!

بعد أن قدت سييزر لأول مرة في حياتي لم أعد لهيكارو التي عرفتها لما يقرب من عشرين عامًا، تغيرت حياتي كليًا، بدأت أرسم أهدافًا جديدة، وبت أكثر يقينًا من قدرتي على تحقيقها، ما حدث في مدرسة واي زادني تصميمًا أيضًا، فما حدث بشأن بطولة الجمباز يعني أن الظروف التي نراها مستحيلة ليست دومًا كذلك، يمكن لكل شيء أن يتغير، وأنا لا أستثنى من ذلك، ومحاولة دايسكي إثنائي عن تكرار ما حدث أيضًا لا تستثنى من ذلك.

دائمًا ما يروي أبي عن تاريخ أسرتنا، ولطالما كان فخورًا بهذا التاريخ الذي شارك فيه أجدادي في الحروب، يقول أبي أنه ليس المهم أن تكسب الحرب في نهايتها، أو أن تعيش حتى ترى النصر بعينيك، المهم هو ألا تقف مكتوف الأيدي تشاهد أحداثها عن بعد، لهذا قررت أن أقتدي بأجدادي وأن أشارك في هذه الحرب حتى لو كان المقابل حياتي، إن كانت حياتي مقابل حياة أسرتي وأمن وطني والأرض بأكملها فلا تهمني حياتي!

ما الذي يمكن أن يعوقني عن تحقيق ذلك؟ كوني فتاة مثلًا؟ لا، فلست أنا الفتاة التي ترضى بالمكوث في البيت وادعة منذ طفولتي، تعلمت ركوب الخيل وشاركت في فريق الجمباز وتفوقت فيه لأغدو قوية وها أنا الآن فعلًا قوية بما يكفي، أستطيع السيطرة على توازن جسدي في الظروف الصعبة، وأستطيع التحكم بعضلاتي وأعصابي والقفز لمسافات عالية، ما الذي يمكن أن يعوقني إذن؟ نقص الخبرة القتالية وفنون الطيران مثلًا؟ بإمكاني التدرب ليل نهار إن تطلب الأمر ذلك، أستطيع أن أفعل ذلك كما استطعت من قبل أن ألتزم بحضور درس الفضاء وبقراءة الكتب التي أوصاني بها دكتور أمون ودايسكي لأزيد من معرفتي بالكون وما فيه، التدريب المستمر يمكن أن يحقق أهدافي كما حققها منذ أسابيع في مدرستي! لا يتبقى أمامي سوى عقبتين فقط: خوف دايسكي ومحاولته انتزاع وعد مني بالعدول عما حدث، وضرورة إخبار أبي بقراري وإقناعه به، الطريقة الوحيدة لتجاوز هاتين العقبتين هي التدريب لإثبات قدرتي على القتال، بالضبط كما فعلت في مدرسة واي، إذن لأعيد الكرة!

لهذا قررت أن أبدأ تدريباتي الخاصة، رحت أفكر في الطريقة التي يتبعها دايسكي للحفاظ على لياقته وقوته، إنه يتدرب يوميًا في المزرعة، يخرج بحصانه ويعدو به بأقصى ما يملك لفترة طويلة وفي طرق وعرة، تدرب دايسكي على كل خيول المزرعة حتى أكثرها شراسة وأصعبها مراسًا، لهذا قررت أن أفعل مثله كخطوة أولى.

هناك دكتور أمون أيضًا، لماذا لا أصارح دكتور أمون وأطلب منه تدريبي على قيادة سبيزر؟ ربما وافق دكتور أمون على ذلك، وهذا يعني فرصة رائعة لتعلم فنون الطيران والقتال، إذن لأتحدث للدكتور أمون بعد درس الفضاء التالي.

 كانت تلك الأفكار تزدحم بعقلي طيلة الليلة التي تلت خروجي بسبيزر، وكان ذلك منذ ثلاثة أسابيع مضت، في صباح اليوم التالي رافقت دايسكي لمركز الأبحاث كالعادة لحضور درس الفضاء لكن حدث مالم يكن في الحسبان، لقد راح كوجي يتحدث بحماس عما حدث أمس ذلك اليوم، قال مازحًا أن بإمكاني أن أصبح مقاتلة جيدة، غمرتني الحماسة فقلت له:

–     لما لا تعلمني كيف أقود سبيزر يا كوجي؟

–     أنا موافق، لنبدأ من الآن إن كنتِ جادة.

كان الحديث إيجابيًا ومبشرًا لكن دايسكي لم يرحب بالفكرة ولو قليلًا، فقد تبدلت ملامحه وانعقد حاجباه:

–     أنا لا أوافق على هذا!

قالها بحدة وانصرف دون أن يضيف شيئًا، أطرقت برأسي وقد شملني الإحباط:

–     انسَ الأمر كوجي!

عندها تدخل دكتور أمون:

–     ما الدي حدث يا هيكارو؟

–     طلب مني دايسكي بالأمس أن أعده بألا أعيدها مرة ثانية.

هذه المرة أجابني كوجي بتلقائية:

–     هو خائف عليكِ يا هيكارو، أنت تعرفين ذلك.

–     نعم كوجي، أعرف! لكني لم أستطع أن أعده بشيء.

واستدرت أواجه دكتور أمون:

–     أنا لا أطيق البقاء مكتوفة الأيدي يا عمي!

بدا أن دكتور أمون يفهم ما يدور بداخلي، نهض من مقعده وربت على كتفي وهو يقول:

–     التزمي بتدريبات كوجي يا هيكارو، لا أحد يعرف ما يمكن أن تقدم عليه قوات فيجا، وأنا سأحادث دايسكي!

شكرت دكتور أمون بحرارة، وشعرت بالراحة بعد وعده لي بالحديث مع دايسكي حول الموضوع، يستطيع دكتور أمون إقناع دايسكي بلا شك!

أخذ كوجي يحدد لي أوقاتًا للتدريب، واتفقنا ألا أخرج بسبيزر للقتال في الوقت الحالي، فقيادة سبيزر هي مسؤولية كوجي على كل حال، سأكون أنا جندي الاحتياط مؤقتًا ولا أحد يدري.

***

لكن بعد تلك الحادثة توترت علاقتي بدايسكي كثيرًا، كان يبدو عليه التأزم والرفض، وفي بعض الأحيان بدا متفهمًا، لكنه ظل ودودًا على كل حال، بات كل منا يذهب للمركز وحده عكس ما اعتدنا عليه، كنت أذهب للتدريب في الوقت الذي لا يتواجد فيه دايسكي هناك، نلتقي في درس الفضاء، ثم نعود للمزرعة، وأحيانًا كنت أبقى في مكتبة المركز وحدي أنتظر دروس كوجي النظرية عن مبادئ الطيران.

علمني كوجي كيف أقرأ العدادات الكثيرة بسبيزر، شرح لي كيف يعمل الرادار، علمني تحديد المواقع على الخريطة، كذلك كيف أضبط خط سير سبيزر لنقطة محددة، شرح لي كل ما يتعلق بتسليح سبيزر، وشرح لي إجراءات الأمان والخروج من سبيزر في الحالات الخطرة والتي توشك فيها الطائرة على التحطم أو الانفجار، شيء واحد لم يتمكن كوجي من تدريبي عليه بشكل جيد هو الالتحام بجريندايزر، شرح لي كيف يجري الأمر على نحو نظري، ووعدني بتدريب عملي في ساحة التدريب الموجودة بالمركز، هي نفس التدريبات التي خاضها كوجي مع دايسكي منذ فترة، أذكر أن كوجي أرهق في التدريب الذي استمر لقرابة الخمس ساعات دون إحراز نجاح، كان هذا هو التدريب الأصعب، ومع ذلك فقد بت قريبة منه.

لكن البوم وقبل أن أتم تدريب الالتحام تغيرت الأمور كثيرًا، استيقظت صباحًا وارتديت ثيابي متوجهة صوب الإسطبل بحماس، اليوم سأحاول الخروج بأشرس حصان في مزرعتنا، أخرجت الحصان من الإسطبل بصعوبة، حاولت السيطرة عليه في ساحة المزرعة لكنه كان عنيدًا وثائرًا، تطلب مني الأمر الكثير من الجهد والتصميم، وفي غمرة محاولاتي وجدتني أنادي أبي دون أن أشعر، لازال أبي قريبًا إلى قلبي رغم خلافاتنا التي زادت مؤخرًا، فقد أدى طموحي الجديد لتقصيري في الكثير من مهام العمل في المزرعة للأسف، لكن كان هذا الطموح فوق قدرتي على مقاومته

على كل حال لحظة وصول أبي كنت قد سيطرت على الحصان بالفعل، كان أبي يهتف منزعجًا بأن الحصان فوق طاقتي وأنه شرس للغاية، لهذا سألته بدلال بعد أن هدأ الحصان:

–     فخور بي با أبي؟!

أجابني أبي بالإيجاب فامتلأ قلبي حماسة، فقفزت على ظهر الحصان وشددت اللجام وانطلقت مسرعة، سمعت صوت أبي يناديني لنقل الحليب لكني لم أكن قادرة على الرجوع، تمنيت في أعماق قلبي أن يسامحني أبي وأن يتفهم موقفي، تمنيت لو بإمكاني مشاركته بما يحدث معي، لكن هذا صعب الآن!

رحت أركض بالحصان الشرس مسرعة، كانت روح التحدي تسري في عروقي، بلحظة سمعت صوت حوافر حصان يركض بالقرب مني، التفت فرأيت دايسكي على حصانه الأبيض وسمعته يهتف بي:

–     هيكارو.. ما معنى هذا الركض السريع؟ ألا تدركين الخطر!

خففت من سرعة حصاني قليلًا فصار دايسكي مجاورًا لي، وجدتني أجيبه بصراحة ودون مراوغة:

–     لا أخشى شيئًا! أستطيع ترويض حتى سبيزر المزدوج.

 سمعته يتمتم بشيء ما فأردفت:

–     لأن كوجي علمني كيف أفعله، علي أن أتعلم كيف أفعل ذلك وحدي، وهذا تدريب من أجل ذلك.

لا أعرف من أين أتتني تلك الرغبة في مصارحة دايسكي بما يحدث؟! أحب دايسكي وأقدر خوفه ولا أرغب بالكذب عليه أو إخفاء طموحي عنه، هذه المرة بدرت منه ردة فعل مختلفة وسألني:

–     أهو تدريب من أجل القتال؟

–     طبعًا!

–     حسنًا! اتبعيني لا تستسلمي.. هيا!

 قالها وشد لجام حصانه وانطلق أمامي، لو تعرف دايسكي حجم فرحتي في ذلك اليوم وأنت تدربني بنفسك على القتال؟! أنا فعلًا بحاجة لثقتك ودعمك وتشجيعك!

موقف دايسكي زادني إصرارًا، تدفق الدم في عروقي ورحت أتبعه فعلًا رغم الطرق الصعبة والمسارات التي كان يختارها وسرعته في الركض بحصانه، خطرت ببالي لمحات من أيام قديمة حين كان يعلمني دايسكي كيف أقود الجيب، وكذلك دراجته النارية، تذكرت تشجيعه ودعمه لي، زاد حماسي وتفاؤلي كثيرًا، كان كل شيء يسير على ما يرام حتى أتت تلك اللحظة، فجأة رأيت دايسكي يقفز بحصانه وصار الطريق مفتوحًا أمامي، لكني وجدت نفسي على حافة صخرية وأمامي نهر عريض هو ما اجتازه دايسكي بقفزته، لم يكن أمامي خيار سوى شد اللجام وإيقاف حصاني في اللحظة الأخيرة.

شعرت بالألم يعتصر قلبي، لست كفء كما تصورت! لم أنجح في تدريبي مع دايسكي للأسف! أنا أقف على حافة وهو على حافة أخرى وبيننا النهر الذي بدا كالحاجز الذي بني بيننا منذ أن قررت أنا أن أسلك هذا الطريق الجديد، وجدت نفسي أبكي بمرارة! أبكي من أعماق قلبي! المنكسر!

أكمل دايسكي طريقه وعدت أدراجي للمزرعة أجر أذيال الخيبة وبقايا قلبي المحترق.

وجدت أبي بانتظاري، كان ثائرًا، لقد نفذ صبر أبي وبدأ يفرغ غضبه في وجهي لومًا وعتابًا، لم أستطع الإجابة على اسئلته، هو مستاء من تخلي عن مسؤولياتي في المزرعة، مستاء من علاقتي بدايسكي، يرى دايسكي مقارنة بكوجي شاب بلا عمل أو هدف، يظن أن وجودي معه ليس إلا إضاعة للوقت لا أكثر، كان يتساءل عما يجذبني إليه وأي ميزة فيه، وصفة بالكسول، قال أنه لا يصلح لشيء، أعرف أن هذا ليس رأي أبي الصادق في دايسكي، وأثق من حبه له واعتماده عليه كثيرًا، وأدرك أنه يقول ما يقول بدافع الثورة والغضب والاستياء، لكن كيف أجيبه عن كل ذلك والجواب هو كشف سر دايسكي؟ كيف؟

 كنت في موقف لا أحسد عليه، كيف أخبره بأني أنا من تشعر بأنها عديمة القيمة اليوم؟ وأني أنا من لا يصلح لشيء؟ كيف أخبره بأني أتمنى لو كنت مكان دايسكي اليوم؟ أحارب لأحل وطني وأهلي؟ أملك ما يؤهلني لتقدير ذاتي واحترامها؟ كيف أشرح له سبب هذا الدمار والحطام الذي يملأ نفسي؟ كيف؟

كان الألم يعتصرني لدرجة لم أكن قادرة على تحملها، إلا أن تدخل جورو، المفاجئ وفقدانه لصوابه والذي جعله مقدمًا على البوح بكل شيء دفاعًا عن دايسكي جعلني أستفيق من ألمي، وبالكاد نجحت في إيقافه في اللحظة الأخيرة.

 في النهاية هدأ أبي فجأة كما ثار فجأة، نهضت من مكاني أنظر من النافذة، بإمكاني رؤية مركز الأبحاث من هنا، المبنى الرئيسي، البرج المحطم والهوائي.

في لحظة شعرت أنني بت أشبه دايسكي منذ سنوات، الأسرار تدفعنا للصمت، الألم والعزلة، منذ أن صار قلبي يحمل أسرارًا جديدة صرت غريبة عن الكل، حتى عن تفسي، أخشى مواجهة دايسكي بدواخلي، أرغب بذلك وأحجم عنه، أنسى الكثير من واجباتي ومسؤولياتي في البيت والمزرعة، أشرد كثيرًا، أصمت لأنصت لصوت نفسي الذي يتعالى يومًا بعد يوم رافضًا ما أنا فيه ودافعًا إياي للمضي قدمًا، أتحمس وحدي، أفرح بالنجاح وحدي، أيأس وأعاني الإحباط وحدي، أبكي وحدي! أدركت الآن مصدر شجاعتي اليوم وأنا أخبر دايسكي عن الغرض الحقيقي وراء ركضي بالحصان بهذه السرعة ودون خوف، لو لم يلحق بي دايسكي لما سعيت لأن أقول له شيئًا مشابهًا، كنت كالغريق في بحر العزلة الذي يتمسك بيد صديق ممدودة إليه، لكن ما حدث اليوم أغرقني أكثر فأكثر في عزلتي، وكما فصل النهر بيننا فقد فصلتنا المسافات ولو لم تكن واسعة، دايسكي في المركز وأنا في المزرعة، لكني أخشى مواجهته بعد ما حدث، استطاع دايسكي أن يدعمني من قبل، علمني كيف أقود سيارة لأول مرة في حياتي حين طلبت منه ذلك، حدث ذلك بعد أن مرض تارو وغادر كلًا من دايسكي وكوحي، يومها شعرت بالعجز وقلة الحيلة، لم أكن أعرف شيئًا وقتها عن ماضي دايسكي ولا حقيقة أنه رجل جاء من كوكب مختلف، كل ما كنت أعرفه أنه صديق أحبه وأثق به، صديق ينبض قلبي لأجله، لم يخيب هو آمالي وقتها، علمني لأسابيع، خرجنا في جولات كثيرة، كان صبورًا وداعمًا، ساعدني على التغلب على خوفي مرارًا، خفت الانهيارات الثلجية، الطرق الوعرة، القيادة ليلًا، لكني نجحت في النهاية.

بريشة سحر خواتمي

وحين صارحت دايسكي برغبتي في قيادة دراجته علَّها تعينني يومًا ما كان جوابه جميلًا، قلتها ولم تمض ساعة حتى كنا معًا في دراجته، لازلت أذكر جلوسي على مقعد القيادة وهو في المقعد الخلفي الأيسر، ذراعه اليمنى تطوق كتفي، يده اليسرى تعدل من إمساكي لمقبض الدراجة، يومها علمني الكثير ومنحني من الثقة والحب والدعم ما هو أكثر، خلال فترة قصيرة كنت قادرة على الانطلاق والقفز بالدراجة، بل كنت قادرة على استخدامها كسلاح أيضًا، كان دايسكي وقتها راضيًا عن تدريبي، ولا أعرف ما الذي حدث هذه المرة؟ ترى هل أراد هو فعلًا تدريبي اليوم وأخفقت أنا مخيبة آماله؟  هل سيعيد الكرة كما كان يفعل سابقًا؟

أفتقد دايسكي كثيرًا هذه الأيام، وأشعر بالوحدة وأنا أمضي قدمًا في طريقي الجديد الذي اخترته بدونه، اليوم بدت لي بارقة أمل جديدة لكن ما لبثت أن انطفأت سريعًا، ليتني تمكنت من القفز خلفك دايسكي! لكن بماذا ينفع التمني؟ لم أر النهر إلا وهو أمامي مباشرة، لم يكن لدي خيار، ماذا علي أن أفعل الآن؟ هل أعيد المحاولة وحدي؟ هل أذهب بحصاني في الطريق ذاته وأجتاز النهر كما اجتزته أنت؟ هل هذا كافٍ لأسترد ثقتي بنفسي؟ أنا بحاجة لنصحك.. إرشادك وتوجيهك لي، بحاجة لسماع كلماتك: “تستطيعين هيكارو” “كوني شجاعة” “عامليها كالحصان وستقدرين”، هل يكفي أن أرددها داخلي لأنجح؟ هذه العزلة الإجبارية تمزقني دايسكي! لا أريد أن أنهار.. لا أريد أن أتراجع.. لا أريد أن أضعف.. لدي واجب لابد أن أؤديه.. ساعدني يارب!

أنتزعني جورو من شرودي، سألني إن كنت بخير، فطمأنته أني بخير، بالضبط كما طمأنني دايسكي عشرات المرات من قبل، كان يتألم.. يصارع.. ثم يخبرني أنه بخير، كنت واثقة من أنه لا يقول الحقيقة وقتها، وواثقة من أنه لا يتعمد الكذب علي، اليوم أفعل مثله، لست بخير أبدًا لكني أقولها لجورو مبتسمة: “أنا بخير جورو، لا تقلق”.

خرجت أنهي أعمالي في المزرعة كي أخفف من استياء أبي، ثم قررت الذهاب للمركز، روحي تحلق هناك ولم أعد أملك القدرة على كبحها، قررت الذهاب دون خطة واضحة، ليس هذا الوقت المعتاد لدرس الفضاء، فاليوم هو يوم عطلة، لا دروس نظرية أو عملية وفق جدولي الذي وضعه كوجي مؤخرًا، إذن لماذا سأذهب بالضبط؟ علَّه دكتور أمون يخفف بعض معاناتي برؤيته، بإمكاني البوح له بما حدث اليوم ومن يدري! أصر جورو على أن أصحبه معي ففعلت.

***

في مركز الأبحاث عرفت أن شيئًا لا يبشر بالخير يحدث بالفعل! لم أجد دايسكي وكوجي، أخبرني دكتور أمون أنه صنع جهازًا لجمع ما يعرف بوحدات الطاقة المماثلة أو الفوتوسكوانتوم وهي وحدات الطاقة التي يستخدمها جريندايزر، قال أن جهاز جمع تلك الوحدات قد ثبُت على سبيزر وأن كوجي خرج في مهمة جمع تلك الوحدات، كذلك خرج دايسكي للتمويه وحماية كوجي، لكنه للأسف اضطر لخوض حرب شرسة في الفضاء، ولأن دايسكي يحاول منح كوجي الوقت والفرصة فقد اعتمد على المناورة والمراوغة لا القضاء على عدوه مباشرة.

وقفت أراقب شاشة المنظار الإلكتروني بيأس، أرى نقطتين تتصارعان وتدوران حول بعضهما البعض، إحداهما لجريندايزر والأخرى لوحش فيجا، كان جورو متحمسًا لما يحدث وكنت أنا غارقة في الخوف والإحباط، خائفة على مصير دايسكي، أشعر بالإحباط لبعده وكونه وحيدًا في الفضاء، وحيدًا في مكان لا يمكنني حتى بلوغه بسبيزر، أشعر بالإحباط بعد فشلي صباح اليوم وعدم قدرتي على القفز خلفه ومواصلة الطريق، سالت دموعي رغمًا عني، أغمضت عيني وقلبي يصلي، يصلي بكل ما فيه من خشوع ورجاء، لكن هذا لم يكن كافيًا! وازداد الموقف تعقيدًا!

 أصيب كوجي في طريق عودته، وبالكاد وصل للمركز، حال خروجه من سبيزر سقط أرضًا خائر القوى وهو يشكو من شعور مشابه للشلل.

 نقل دكتور أمون كوجي للمركز الطبي الملحق بمركز الأبحاث وقدم له العلاج المناسب لحالته لكنه بقي غائبًا عن الوعي، طلب مني دكتور أمون أن أبقى جوار كوجي وأعلمه بما يستجد بشأنه ففعلت.


لا زال جورو يرافقني وهذه المرة يشاهد شاشة المنظار الإلكتروني التي أخذت تعرض أمامنا عراك جريندايزر مع وحش فيجا على الأرض.


في تلك الأثناء سمعت دكتور أمون عبر جهاز الاتصال يسألني عن كوجي، فأجبته أنه ليس على ما يرام فأجاب بخيبة أمل:
أوه، إذن لا فائدة من سبيزر!


كلمة دكتور أمون أيقظتني مما كنت فيه، بلحظة انتزعت كل شعوري بالإحباط والخيبة، تذكرت تدريباتي السابقة، تذكرت نجاحي في ساحة القتال من قبل، تذكرت دوري كجندي احتياط أشرف كوجي على تدريبه، تذكرت أن لدي ما أقدمه لدايسكي فعلًا، تذكرت أن دايسكي قد يكون بحاجة إلي، فلماذا أبقى هنا مكتوفة الأيدي؟! قلتها له سابقًا: “أعرف أنك قد تقتل في المعركة ولا تعود، ولكن يؤسفني أنه ليس باليد حيلة” اليوم أنا أستطيع أن أفعل شيئًا لإنقاذه، أستطيع أن أفعل ذلك وحدي، سأضع خطة عمل بنفسي هذه المرة وسأنجح، لهذا نهضت بحزم واندفعت نحو سبيزر.
دخلت كابينة سبيزر وأدرت المحرك وارتفعت الطائرة حتى خرجت من مركز الأبحاث، حدثت نفسي في محاولة لشحذ كل قواي :
أقدر أن أفعل ذلك! لابد من ذلك!


قلتها لنفسي أجمع بها كل شتات طاقتي وطموحي، وأشعلت الصواريخ النفاثة وانطلق سبيزر المزدوج يشق الهواء، ضبطت أجهزتي لتتبع جريندايزر حتى وجدته فعلًا، كان الوحش يستعد لهجوم جديد على دايزر الذي سقط أرضًا، فأصبته بالإعصار عن بعد، تدحرج الوحش من على سفح الجبل لمسافة كبيرة،

سمعت صوت دايسكي يهتف بي في جهاز الاتصال:
هيا يا كوجي الآن وإلا فلا؟


خفق قلبي بقوة، دايسكي يطلب الالتحام، دايسكي يظنني كوجي أتى لمساعدته وهو بحاجة للمساعدة! لم أستطع الرد عليه، اعتصرت ذهني أستعيد كل ما قاله كوجي عن عملية الالتحام، التوقيت، الزاوية، الارتفاع، لكن عدم خوضي التدريب العملي للأسف تسبب في فشلي في الالتحام الأول، سمعت دايسكي يتساءل:
ماذا حدث يا كوجي؟


قالها وقفز بدايزر مجددًا، هو إذن بحاجة ماسة للالتحام بسبيزر الآن، نعم الآن وإلا فلا، قلت لنفسي بصمت:
دايسكي! حياتي معكم!


هذه المرة استبسلت وأصررت على النجاح، لن أشد لجام حصاني وأقف على حافة الجبل، لن يفصل النهر بيني وبينك دايسكي، سألحق بك مهما كانت صعوبة الطريق، لو أني وثقت صباحًا وقفزت خلفك دون تفكير لما وصلت إلى هنا، إذن سأتبعك ولن أستسلم، سأتبعك ولو كان المجهول هو ما ينتظرني، وبالتركيز والإرادة والحب والشعور المتعاظم بالمسؤولية تجاه دايسكي ومصيره في المعركة وحاجته لي انطلقت، سرت في عروقي طاقة رهيبة لم أعهدها من قبل ونجحت، بالفعل تمكنت من الالتحام بدايزر!


استطعنا مع التحامنا مهاجمة الوحش الذي صعد لتوه من أسفل الجبل، وتمكننا من القضاء عليه معًا، هذه المرة كنا معًا يا دايسكي! سالت دموعي من الفرحة والانفعال، بدأت أنتحب على نحو مسموع دون أن أنطق بكلمة، “نجحنا.. نجحنا” كانت كلمة واحدة تتردد داخلي ولم تجد طريقها لشفتي، أخيرًا نحن معًا على ضفة واحدة دايسكي، لقد قفزت النهر، نعم اجتزته خلفك، نجحت دايسكي!


وعلى عكس المرة السابقة لم أفقد وعيي، وعدت مع دايزر لمركز الأبحاث تتبعنا سبيزر، انفصلنا قرب المركز وغادرت أنا سبيزر المزدوج بسرعة متجهة صوب المزرعة، كنت أخشى مواجهة دايسكي، لم أمنحه الوعد الذي أراد! وخرجت للقتال للمرة الثانية رغم رفضه! ماذا سيكون رد فعله بعد ما حدث؟! لا أعرف! لهذا عدت للمزرعة وأسرعت لأحد الخيول وجعلت أركض به منفسة عن توتري ومحاولة استعادة نفسي وتركيزي، كانت أنفاسي متلاحقة، لم أنتبه لغياب أبي وجورو وقتها، توجهت مباشرة صوب الإسطبل، أخرجت الحصان وانطلقت، تجتاحني عواصف فكرية رهيبة، وأمواج تسونامي من عواطف جديدة علي، أحتاج للهدوء، مجددًا عدت أشبه دايسكي، أريد أن ألوذ بالصمت وحدي لأعيد ترتيب كل تلك الفوضى بداخلي، مع ذلك أشتاق إليك يا عزيزي! أشتاق إليك كثيرًا!


انتهى اليوم دون أن أتبادل مع دايسكي حرفًا، لم أحاول رؤيته ولم يحضر هو للعشاء أيضًا، وكان حديث الليلة مع أبي هذه المرة، عرفت أن أبي اطلع أخيرًا على سر دايسكي، دكتور أمون قام بذلك بعد خروجي بسبيزر، فقد أخبرني أبي أن جورو عاد للمزرعة وحاول امتطاء أحد الخيول للحاق بي، وبطبيعة الحال أخبر جورو أبي أني خرجت بسبيزر وأن دايسكي في خطر، فما كان من أبي إلا أن ذهب لمركز الأبحاث ليفهم ما يحدث، وعندها اضطر دكتور أمون لكشف كل الأوراق، كان أبي فخورًا بي في ذلك اليوم، اعتذر لي عما قاله بخصوص علاقتي بدايسكي، لامني على عدم إخباره فقلت له بأني قطعت وعدًا لدايسكي بالحفاظ على سره، تفهم موقفي وأثنى على تصرفي وأمانتي، مازحني بقوله: “ألم أقل لك يا هيكارو بأن رجال الفضاء أصدقائي”، ضحكت بعفوية من قوله، أبي لا يعرف على الأغلب أن جورو كان هناك وقد رآي ما حدث ورواه لي، اعتبر أبي كتمان دايسكي لسره عنه دليلًا على عدم ثقته به، وأخرج سكينه يريد بها إنهاء حياته، تدخل كوجي ومر الموقف بسلام.


عرف أبي برغبتي في القتال وبدا فخورًا بذلك، قال أنه سيدعمني ابتداء من اليوم، أخبرته أن الأمر ليس سهلًا وأنني غير جاهزة بعد، أحتاج للكثير من التدريب، أخبرته أن دايسكي أيضًا يرفض مشاركتي في القتال، لكنه جعل يطمئنني بأنه لا مشكلة في ذلك، أثني أبي على ما استطعت فعله اليوم، روى لي ما قاله له كوجي عني: “لقد شاركتنا هيكارو كعضو ممتاز، إنها عظيمة، عليك أن تفخر بهيكارو يا سيد دانبي”، احمرت وجنتاي خجلًا، استطرد أبي حديثه يخبرني بأنه فخور بي بالفعل، كنت سعيدة بموقف أبي، سعيدة بمصارحته وبموافقته ومباركته لأهدافي الجديدة.


تمنيت لو كان بإمكاني أن أعيش تلك اللحظات مع دايسكي! أخبرني جورو أن دايسكي عاد للمزرعة بعدي بوقت قصير، وأنه التقاه فور وصوله وسأله عني، استغل دايسكي انشغال أبي بكوجي وانسحب من حديثهما كما روى جورو، رآه جورو على التل البعيد جالسًا ينظر تجاه ساحة المزرعة حيث كنت أركض بحصاني أحاول تهدئة أعصابي، لم أكن أعرف أن عيني دايسكي تراقبانني في ذلك الوقت، لو عرفت لتغيرت أشياء كثيرة في تلك الليلة، لكن لماذا غادر دايسكي المزرعة بعدها ولم يحضر للعشاء؟ لا زالت هناك أشياء يجب أن تُحسم، وقد قررت أن أحسمها في القريب، القريب جدًا، إذن سأصارح دايسكي غدًا وليكن ما سيكون!
الآن علي ألا أفقد تركيزي فاستعراض الجمباز بعد غد، يجب أن أستعد لذلك! هذه مفاجأة أخرى سأخبر بها الجميع غدًا صباحًا.. إلى الغد إذن!

قيم الموضوع
  • مذكرات هيكارو السرية – طريق واحد!

    الحلقة الثامنة والثلاثون – طريق واحد! بعد أن قدت سييزر لأول مرة في حياتي لم أعد لهيكارو التي عرفتها لما يقرب من عشرين عامًا، تغيرت حياتي كليًا، بدأت أرسم أهدافًا جديدة، وبت أكثر يقينًا من قدرتي على تحقيقها، ما حدث في مدرسة واي زادني تصميمًا أيضًا، فما حدث بشأن بطولة الجمباز يعني أن الظروف التي…

اترك تعليقًا

هيكارو ماكيبا

موضوع هذه المدونة هو الأنمي الياباني الشهير UFO Robot Grendizer والذي أنتج بين عام 1975 و 1977 ودبلج للعربية في مطلع الثمانينات باسم “مغامرات الفضاء جريندايزر” ، كما دبلج لغيرها من اللغات مثل الفرنسية والإيطالية والإنجليزية.

Translate »