الحلقة الأربعون – طلوع فجر جديد!
صرت عضوًا في فريق جريندايزر أخيرًا، هذا ليس حلمًا أو وهمًا، قررت أن أكون تحت تصرف دايسكي، هو صديقي وحبيبي ومعلمي وقائدي أيضًا، تركت مصيري ومستقبلي بين يديه بلا خوف أو تردد، ولم يخيب دايسكي آمالي به! ومنذ اللحظة التي بارك فيها انضمامي للفريق تغير كل شيء بيننا! ودخلنا مرحلة جديدة كنا فيها أكثر قربًا عن كل أيامنا السابقة.
صباح اليوم التالي لانضمامي للفريق وبينما نتناول إفطارنا، التفت إلي دايسكي قائلًا بنبرة حازمة:
علينا أن نذهب لمركز الأبحاث فلدينا عمل كثير ننجزه اليوم.
كانت فرحتي لا توصف في تلك اللحظة، سأبدأ اليوم أولى مهامي، وسيصحبني دايسكي معه وبموافقته لمركز الأبحاث، لا خلافات بعد اليوم دايسكي! لا مخططات أو تدريبات سرية! ولا أحلام وطموحات ستبقى حبيسة صدري! صَدَقَ دايسكي قوله لي، قال ليلة الأمس “سأدربك بنفسي” وها هو يبدأ الطريق معي، يمسك بيدي لنخطوا خطواتنا نحو الأمام معًا، ياله من شعور!
انتهينا من إفطارنا سريعًا، صعدت لغرفتي ووضعت زيي العسكري الجديد في حقيبة صغيرة وقررت حمله معي تحسبًا للظروف، على كل حال مكانه ليس منزلنا بالطبع بل مركز الأبحاث حيث تنطلق أسلحتنا، أنهيت المهمة بسرعة ولحقت بدايسكي في دراجته، اتخذت مقعدي فورًا وانطلقنا صوب المركز، في الطريق سألته بلهجة مازحة نوعًا:
أتظن أني بحاجة لدراجة للتنقل؟
سمعته يجيبني ولم أتمكن بالطبع من رؤية ملامح وجهه، لكن نبرة صوته كانت حازمة إلى حد كبير:
لستِ بحاجة إليها مادمنا سنذهب معًا.
لم يُرحب دايسكي بفكرة امتلاكي دراجة خاصة، ولم يبدُ عليه قبلًا أنه يحب الفكرة بغض النظر عن الهدف منها، يوم دربني على قيادة دراجته كان لتأميني ومساعدتي إن حدث ووقعنا في أزمة أو هددنا خطر ما، ومع ذلك لم يبدُ على دايسكي أنه قد أحب فكرة قيادتي للدراجة بحد ذاتها.
ملت للأمام ووضعت يدي اليسرى قرب كتفه الأيسر وربت على كتفه اليمني بيدي الأخرى وأنا أقول:
أنا أيضًا لا أريد واحدة!
التفت لي ورأيت ابتسامته أعلى كتفه ثم التفت الطريق مجددًا.
وصلنا مركز الأبحاث وأخبرني دايسكي بضرورة حصولي على زي مناسب للقتال، فأجبته بأنني أمتلك واحدًا بالفعل وأن أبي قد أهداه لي بالأمس، طلب مني أن أريه إياه، فذهبت لغرفة أخرى بالمركز وأبدلت ثيابي وعدت إليه، نظر إلي بعمق وهو يقول:
اقتربي.
تقدمت نحوه فأمسك بيدي ورفعها عاليًا ووجدتني أدور رغمًا عني كأني أرقص بخفة، عادت عيوننا تلتقي مجددًا فابتسم وهو يقول:
يناسبكُ تمامًا.
احمرت وجنتاي رغمًا عني، أشار إلي للجلوس مواجهة له حول الطاولة الموجودة بالغرفة:
علينا أن نضع برنامجًا لتدريبك، فهناك الكثير لتتعلميه في الأسابيع المقبلة.
أومأتُ له برأسي موافقة، فاستطرد حديثه:
سنبدأ اليوم بكيفية حماية أنفسنا من الخطر هيكارو، هل استخدمت مسدسات الليزر من قبل؟
لا، لم أفعل دايسكي.
إذن سيكون هذا أول ما سنبدأ به اليوم، عليكِ أن تتعلمي التصويب بدقة وحماية نفسك في حال هاجمك العدو مباشرة.
شرع دايسكي بعدها يشرح الكثير من الأمور الهامة، وضع قائمة طويلة من الدروس التي علي إتمامها وبدأنا بالفعل، ثم فاجأني في اليوم التالي بهدية مغلفة، طلب مني أن أفتح الصندوق ففعلت، كان بداخل الصندوق خوذة تجمع بين اللونين الأبيض والأحمر ومزودة بجهاز اتصال مدمج، كانت الخوذة جميلة ومتوافقة مع زيي العسكري كثيرًا، طلب مني دايسكي أن أخلع قلادتي التي أرتديها دومًا ولا تفارقني فتعجبت من طلبه، ومع ذلك فقد ناولته إياها، رأيته يخرج علبة صغيرة من جيبه ويلتقط منها جهازًا منمنمًا راح يثبته بقلادتي بعناية:
ما هذا دايسكي؟
جهاز اتصال لاسلكي حتى تتمكني من الاتصال بي في أي وقت هيكارو.
تعني جهازًا كالمدمج بساعتك؟
أعرف أنكِ تحبين قلادتكِ وأنها ستناسبكِ بأكثر من الساعة.. هل أقول الحقيقة؟
أومأتُ له برأسي إيجابًا، دايسكي يعرف الكثير عني بالفعل، عرفتُ أنه كان على علم بكل ما علمني كوجي إياها، أي الموضوعات درست، وإلى أي مدى قام كوجي بتدريبي، كان على اطلاع بكل ما يخصني، ولا أعرف كيف؟ لكن لم يكن دايسكي غائبًا أو بعيدًا أبدًا، عرفت من دكتور أمون أنه كان فخورًا بنجاحي في القتال والخروج بسبيزر حتى في تلك الأيام التي كنا فيها على خلاف، لا زال دايسكي قريبًا إلى قلبي ويزداد قربًا يومًا بعد يوم!
تعهد دايسكي بتدريبي، كان يشاركني الكثير من المعلومات، وتوجب علي حضور درس يومي في مكتبة المركز بخلاف درس الفضاء العادي، في ذلك الدرس الجديد كان دايسكي هو معلمي، قال أن أول ما يجب علي تعلمه هو الالتزام بالتعليمات، علي ألا أخرج للقتال بدون إذن الدكتور أمون أو توجيهه هو لي، علي أن أطيع أوامر القائد في ساحة المعركة، علي أن أحافظ على هدوئي وأن أحاول السيطرة على مشاعري الخاصة قدر الإمكان، تلا ذلك درس شديد الأهمية حول وضعنا الراهن، شرح لي دايسكي ما أقدمت عليه قوات فيجا مؤخرًا، قال بأنهم بدؤوا بمهاجمة مخازن السوبر يورانيوم، وأن هذا قد يشير لوجود أزمة طاقة بشكل أو بآخر لديهم، لهذا بدأ دايسكي يشرح لي على الخريطة المواقع المحتملة لظهور قوات فيجا المتحالفة، أشار لمخازن اليورانيوم المشبع ومحطات توليد الطاقة النووية وحقول السوبر يورانيوم، شرح لي المخاطر التي يمكن أن يسببها التعرض للإشعاع وكذلك الاحتياطات التي يتوجب مراعاتها عند الاقتراب من تلك المواقع، حدثني كذلك عن قوانين الطيران والأماكن التي لا يسمح بالطيران فيها دون تراخيص أمنية، شرح لي كيفية التعامل مع أجهزة الاتصال وأنواع الموجات المختلفة، دربني على استخدام الأجهزة والمعدات الموجودة في غرفة الرصد: المنظار الإلكتروني، الرادار وأجهزة المراقبة وجمع المعلومات وغيرها من الأجهزة الكثيرة التي تملأ المكان، شرح لي الكثير من الخطط والمناورات العسكرية الشهيرة، دربني على استخدام مسدسات الليزر والتصويب بها بدقة، وحملتُ سلاحًا خاصًا بي لأول مرة بحياتي، دربني كذلك على الالتحام بجريندايزر وفق النموذج الثاني الذي لم أجربه في ساحة المعركة من قبل.
كان دايسكي جادًا ومخلصًا في تعليمي رغم التوتر الذي لم يفارق ملامحه، وكنت أحاول استيعاب كل ما يشرحه لي رغم ضيق الوقت وكثافة المعلومات، خرجنا أكثر من مرة في تدريبات حية، قمنا ببعض المناورات معًا وتحديد المواقع، زرنا المواقع الهامة في اليابان بعد أن درسناها نظريًا على الخريطة: المناطق الصناعية والعسكرية، أماكن وجود السوبر يورانيوم وغيرها الكثير، وعدنا نزور المركز سوية كالأيام الخوالي، نذهب معًا ونقضي الساعات الطويلة في الدراسة والتدريب، وكانت تلك الساعات من أجمل ساعات عمري، كنت أتعلم وأتغير في كل يوم، وكان دايسكي يزداد ثقة بي وبإمكانياتي، شيئًا فشيئًا زال توتره الذي لازمه كثيرًا وعلت البسمة شفتيه حتى خلال الدرس.
خصص لي دكتور أمون غرفة داخل مركز الأبحاث كحال دايسكي وكوجي، كنا ننهمك في العمل والدراسة لساعات طويلة ولهذا كنا نقضي ليالينا أو بعضها هناك.
كذلك طور الدكتور أمون سبيزر، وصارت مزودة بمقعدي قيادة لا مقعدًا واحدًا، وتم تزويد المقعد الخلفي بشاشات خاصة للمراقبة وتلك كانت مهمتي، لا زلت أنا جندي الاحتياط في المعركة، وأضيفت لي مهمة مساعد الطيار.
***
لكن وعلى عكس كل توقعاتنا واستعدادتنا جاءت المعركة الأخيرة مختلفة تمامًا، استدعانا دكتور أمون إلى غرفة الرصد، بدأ يستعرض أمامنا الكثير من المعلومات الهامة، لقد ثار بركان مائي قرب سهل كانتو، المشكلة تكمن في قرب هذا البركان من حقول اليورانيوم في قاع البحر، وهذا يعني قربه من جزيرة معزولة مُقام عليها محطة توليد ضخمة للطاقة النووية ومزودة بخزان ضخم لليورانيوم المشبع، انفجار البركان أشعل النار في حقول اليورانيوم وأخذت الانفجارات تتوالى على نحو مرعب وأصبح خزان اليورانيوم في الجزيرة في خطر حقيقي، لهذا تم حشد كل القوات، وطلبت قوات الدفاع من كل الجهات العلمية أن تتعاون معًا للخروج من تلك الأزمة بأسرع وقت ممكن.
قال دكتور أمون أن انفجار خزان اليورانيوم سيحدث كارثة بيئية، ستختفي الحياة بأكملها في دائرة قطرها مائة كيلو متر، وستنتشر الإشعاعات النووية المدمرة وتلوث الجو في مقاطعة كانتو، وهذا يعني خرابًا يمتد لعشرات السنين، كان الموقف مروعًا بحق، قال دكتور أمون أن علينا أن نحمي خزان اليورانيوم وأن ننقله لمكان آمن، سأل دايسكي بوضوح إن كان يوافق على القيام بتلك العملية أم لا؟
نَقْلُ خزان اليورانيوم الضخم ليس أمرًا سهلًا على الإطلاق؛ بل إن الذهاب إلى هناك يكاد يكون عملًا إنتحاريًا في ذلك الوقت، لهذا ترك دكتور أمون لدايسكي حرية اتخاذ القرار بنفسه، استبسل دايسكي وأعرب عن موافقته دون تفكير وانطلق، تبعه كوجي بسبيزر وبالطبع رافقت كوجي، أردت القيام بدوري على أكمل وجه، وقررت أن أنضم لدايسكي وكوجي في تلك العملية رغم خطورتها.
تقدمنا دايسكي بجريندايزر، انطلق بسرعته القصوى، بلغ الجزيرة قبلنا، حال وصولنا كان هو قد هبط بدايزر على أرض الجزيرة وجعل يحاول جاهدًا تحرير خزان اليورانيوم مستخدمًا الرزة المفردة، جغل يحفر بعمق حول الخزان، وفي تلك الأثناء كانت الانفجارات تتوالي على نحو عنيف ومتسارع، كانت ألسنة اللهب ترتفع هنا وهناك وأرض الجزيرة تتشقق على نحو مرعب.
فزع كوجي وطلب من دايسكي الإسراع، لكن دايسكي كان متماسكًا على نحو مذهل، طلب من كوجي ألا يجزع مما يحدث وأن ينتظر تعليماته، إلا أن الأوضاع كانت تزداد سوءًا، تمكن دايسكي أخيرًا من تحرير الخزان وقبض عليه بقبضتي دايزر وأخذ يحاول انتزاعه من الأرض، استغرقت محاولاته الكثير من الوقت كنا فيه نعاني من أعصاب محترقة من الانفعال والتوتر والخوف، كنا على شفا الموت ولا يفصلنا عنه سوى شعرة، أخيرًا تحرر الخزان وقفز به دايزر وانفجرت الجزيرة بعنف فور قفزته.. لطفك يارب!
التحم دايزر بسبيزر المزدوج وهو لا يزال ممسكًا بالخزان، لم يكن من الممكن أن يدخل دايزر لسبيزر ويداه ممسكتان به، لهذا لم بكن هناك بد من التحامه بسبيزر المزدوج، أخبرنا دكتور أمون بأن علينا أن نتوجه للقاعدة العلمية حيث سنضع الخزان في مكان آمن وبالفعل انطلقنا.
حاول كوجي طمأنة دايسكي قائلًا: “نحن في مأمن، خذ الأمور ببساطة”، لكن كان لدايسكي رأي مختلف، رآى أنه من الأفضل أن نستعجل، وكان يخشى مهاجمة قوات فيجا لنا، أيدتُ مخاوف دايسكي وأعجبني فكره كقائد لنا، لا يتهاون أو تلين عزيمته ما دام في ساحة المعركة، أتعلم من دايسكي أشياء كثيرة على الدوام، ومنذ أن دخل حياتي استطاع أن يغير الكثير فيها بقصد أو بدون.
هذه المرة تحققت مخاوف دايسكي! كانت قوات فيجا تراقب ما يحدث وقد جذبت الانفحارات العنيفة انتباههم لخزان اليورانيوم، فوجئنا بصحنهم المتوحش يهاجمنا، كنا في موقف لا نحسد عليه، دايزر ملتحم بسبيزر المزدوج والخزان بين ذراعيه، وزننا ثقيل وحمولتنا خطرة ولا نملك المرونة الكافية للقتال، كان رأي كوجي أن نهبط ونتفادى الصحن لكن دايسكي قرر مهاجمة الصحن أيًا كانت النتائج، لم أفهم السبب وراء قراره وعقدت العزم على سؤاله عنه حال عودتنا إن قدرت لنا العودة سالمين.
استدعى دايسكي سبيزر وحاول مهاجمة العدو بها قدر الإمكان وبالكاد وصلنا للقاعدة، أنزلنا الخزان في مكانه الجديد، حاول الصحن استهداف الخزان في اللحظة الأخيرة لكن كوة الملجأ الآمن كانت قد أُغلقت بالفعل وصار الخزان في مأمن، والآن صار علينا أن نحارب الصحن المتوحش، لكننا لاحظنا حركة غير طبيعية، لقد توقف الصحن المتوحش عن محاولة سرقة الخزان واندفع في اتجاه آخر، قدر دايسكي أن الوحش ذاهب صوب حقول اليورانيوم في قاع البحر، فانطلقنا إلى هناك.
كان علي تحديد مكان حقل اليورانيوم بقياس الإشعاعات الصادرة منه، وكان دايسكي يراقب الصحن ويحاول تحديد مكانه، حالما وجد دايسكي الصحن كنت أنا قد التقطت إشعاعات اليورانيوم، أخبرتُ دايسكي أن العمق في هذه النقطة هو ستمائة وخمسون قدمًا، قرر دايسكي دخول البحر وراء صحن فيجا، سأله دكتور أمون عن مخزون الطاقة في جريندايزر فأخبره أنه لا زال يملك نصف الطاقة، لقد استنفذ تحرير الخزان وحمله الكثير من طاقة دايزر، طلب منا دكتور أمون التروي نظرًا لخطورة الأمر، نبه دايسكي لتناقص قوته على هذا العمق، لكن دايسكي أصر على موقفه، كان يحاول باستماتة أن يحول بين قوات فيجا وبين الحصول على الطاقة، فصل دايزر واندفع صوب البحر بسرعة، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان، لقد رأينا الوحش يخرج من الماء فجأة ويجذب دايزر إليه بعنف، غطس دايزر واختفى عن أعيننا وغاب طويلًا، كاد قلبي أن يتوقف عن النبض في تلك اللحظة، طاقة دايسكي ليست على ما يرام، وتحذيرات دكتور أمون خطيرة، والوحش كان ينتظر دايزر في البحر، وهو الآن وحيد هناك، يا إلهي!
بقينا نحوم بسبيزر فوق سطح البحر وقد تملكنا اليأس من عدم قدرتنا على اللحاق بدايسكي
ومع طول غيابه ازدادت مخاوفنا عليه بشأن نقص الطاقة والأكسجين، كنا نحاول الاتصال به دون جدوى، قفز دايسكي للبحر وأغلق أجهزة الاتصال لديه وصار معزولًا تمامًا، في لحظة شاهدت ما أثار رعبي، رأيت ظل دايزر تحت سطح الماء، كان يطفو صاعدًا على نحو لا يُبشِّر بالخير، أخيرًا تمكنا من سماع دايسكي، كان في حالة سيئة للغاية، صوته منهك تمامًا وقد بدا دايزر عاجزًا عن الحركة، تبادلنا بضع كلمات سريعة نطمئن بها على دايسكي، سألته عن طاقته فأجابني أنه قد بقي لديه القليل منها، كان شعوري بسماع صوت دايسكي مجددًا لا يوصف بحق.. حمدًا لله! دايسكي لا زال حيًا!
رأينا الصحن يخرج من البحر مندفعًا صوب الفضاء
وبدأ الخلاف يدب بيننا، أراد كوجي اللحاق به، ورأيت أنا أن من واجبنا مساعدة دايسكي أولًا والتقاط دايزر بأي ثمن، هتف دايسكي بنا:
لا تقلقوا بشأني.. لا تدعوها تفلت! ماذا لو استولى الأعداء على معدن اليورانيوم؟!
احتدم الموقف، وبدأ كوجي يميل لرأيي، لكن دايسكي تدخل بعنف وصرخ في جهاز الاتصال يطلب منا اللحاق بالصحن ومنعه من الهروب باليورانيوم، انهي صرخته بجملة قاسية: “هذا أمر من القائد” عند هذا الحد أغمضت عيني بألم وتذكرت توجيهات دايسكي لي، علي بإطاعة أوامر القائد مهما كانت، أجابه كوجي: “فهمت أيها القائد” فعرفت أن كوجي يشاركني ألمي.
2023-07-07
مذكرات هيكارو السرية – طلوع فجر جديد!
مذكرات هيكارو السرية
مذكرات خيالية في دفتر يوميات هيكارو ماكيبا
الحلقة الأربعون – طلوع فجر جديد!
صرت عضوًا في فريق جريندايزر أخيرًا، هذا ليس حلمًا أو وهمًا، قررت أن أكون تحت تصرف دايسكي، هو صديقي وحبيبي ومعلمي وقائدي أيضًا، تركت مصيري ومستقبلي بين يديه بلا خوف أو تردد، ولم يخيب دايسكي آمالي به! ومنذ اللحظة التي بارك فيها انضمامي للفريق تغير كل شيء بيننا! ودخلنا مرحلة جديدة كنا فيها أكثر قربًا عن كل أيامنا السابقة.
صباح اليوم التالي لانضمامي للفريق وبينما نتناول إفطارنا، التفت إلي دايسكي قائلًا بنبرة حازمة:
– علينا أن نذهب لمركز الأبحاث فلدينا عمل كثير ننجزه اليوم.
كانت فرحتي لا توصف في تلك اللحظة، سأبدأ اليوم أولى مهامي، وسيصحبني دايسكي معه وبموافقته لمركز الأبحاث، لا خلافات بعد اليوم دايسكي! لا مخططات أو تدريبات سرية! ولا أحلام وطموحات ستبقى حبيسة صدري! صَدَقَ دايسكي قوله لي، قال ليلة الأمس “سأدربك بنفسي” وها هو يبدأ الطريق معي، يمسك بيدي لنخطوا خطواتنا نحو الأمام معًا، ياله من شعور!
***
انتهينا من إفطارنا سريعًا، صعدت لغرفتي ووضعت زيي العسكري الجديد في حقيبة صغيرة وقررت حمله معي تحسبًا للظروف، على كل حال مكانه ليس منزلنا بالطبع بل مركز الأبحاث حيث تنطلق أسلحتنا، أنهيت المهمة بسرعة ولحقت بدايسكي في دراجته، اتخذت مقعدي فورًا وانطلقنا صوب المركز، في الطريق سألته بلهجة مازحة نوعًا:
– أتظن أني بحاجة لدراجة للتنقل؟
سمعته يجيبني ولم أتمكن بالطبع من رؤية ملامح وجهه، لكن نبرة صوته كانت حازمة إلى حد كبير:
– لستِ بحاجة إليها مادمنا سنذهب معًا.
لم يُرحب دايسكي بفكرة امتلاكي دراجة خاصة، ولم يبدُ عليه قبلًا أنه يحب الفكرة بغض النظر عن الهدف منها، يوم دربني على قيادة دراجته كان لتأميني ومساعدتي إن حدث ووقعنا في أزمة أو هددنا خطر ما، ومع ذلك لم يبدُ على دايسكي أنه قد أحب فكرة قيادتي للدراجة بحد ذاتها.
ملت للأمام ووضعت يدي اليسرى قرب كتفه الأيسر وربت على كتفه اليمني بيدي الأخرى وأنا أقول:
– أنا أيضًا لا أريد واحدة!
التفت لي ورأيت ابتسامته أعلى كتفه ثم التفت الطريق مجددًا.
وصلنا مركز الأبحاث وأخبرني دايسكي بضرورة حصولي على زي مناسب للقتال، فأجبته بأنني أمتلك واحدًا بالفعل وأن أبي قد أهداه لي بالأمس، طلب مني أن أريه إياه، فذهبت لغرفة أخرى بالمركز وأبدلت ثيابي وعدت إليه، نظر إلي بعمق وهو يقول:
– اقتربي.
تقدمت نحوه فأمسك بيدي ورفعها عاليًا ووجدتني أدور رغمًا عني كأني أرقص بخفة، عادت عيوننا تلتقي مجددًا فابتسم وهو يقول:
– يناسبكُ تمامًا.
احمرت وجنتاي رغمًا عني، أشار إلي للجلوس مواجهة له حول الطاولة الموجودة بالغرفة:
– علينا أن نضع برنامجًا لتدريبك، فهناك الكثير لتتعلميه في الأسابيع المقبلة.
أومأتُ له برأسي موافقة، فاستطرد حديثه:
– سنبدأ اليوم بكيفية حماية أنفسنا من الخطر هيكارو، هل استخدمت مسدسات الليزر من قبل؟
– لا، لم أفعل دايسكي.
– إذن سيكون هذا أول ما سنبدأ به اليوم، عليكِ أن تتعلمي التصويب بدقة وحماية نفسك في حال هاجمك العدو مباشرة.
راح دايسكي بعدها يشرح الكثير من الأمور الهامة، وضع قائمة طويلة من الدروس التي علي إتمامها وبدأنا بالفعل، ثم فاجأني في اليوم التالي بهدية مغلفة، طلب مني أن أفتح الصندوق ففعلت، كان بداخل الصندوق خوذة تجمع بين اللونين الأبيض والأحمر ومزودة بجهاز اتصال مدمج، كانت الخوذة جميلة ومتوافقة مع زيي العسكري كثيرًا، طلب مني دايسكي أن أخلع قلادتي التي أرتديها دومًا ولا تفارقني فتعجبت من طلبه، ومع ذلك فقد ناولته إياها، رأيته يخرج علبة صغيرة من جيبه ويلتقط منها جهازًا منمنمًا راح يثبته بقلادتي بعناية:
– ما هذا دايسكي؟
– جهاز اتصال لا سلكي حتى تتمكني من الاتصال بي في أي وقت هيكارو.
– تعني جهازًا كالمدمج بساعتك؟
– أعرف أنكِ تحبين قلادتكِ وأنها ستناسبكِ بأكثر من الساعة.. هل أقول الحقيقة؟
أومأتُ له برأسي إيجابًا، دايسكي يعرف الكثير عني بالفعل، عرفتُ أنه كان على علم بكل ما علمني كوجي إياها، أي الموضوعات درست، وإلى أي مدى قام كوجي بتدريبي، كان على اطلاع بكل ما يخصني، ولا أعرف كيف؟ لكن لم يكن دايسكي غائبًا أو بعيدًا أبدًا، عرفت من دكتور أمون أنه كان فخورًا بنجاحي في القتال والخروج بسبيزر حتى في تلك الأيام التي كنا فيها على خلاف، لا زال دايسكي قريبًا إلى قلبي ويزداد قربًا يومًا بعد يوم!
تعهد دايسكي بتدريبي، كان يشاركني الكثير من المعلومات، وتوجب علي حضور درس يومي في مكتبة المركز بخلاف درس الفضاء العادي، في ذلك الدرس الجديد كان دايسكي هو معلمي، قال أن أول ما يجب علي تعلمه هو الالتزام بالتعليمات، علي ألا أخرج للقتال بدون إذن الدكتور أمون أو توجيهه هو لي، علي أن أطيع أوامر القائد في ساحة المعركة، علي أن أحافظ على هدوئي وأن أحاول السيطرة على مشاعري الخاصة قدر الإمكان، تلا ذلك درس شديد الأهمية حول وضعنا الراهن، شرح لي دايسكي ما أقدمت عليه قوات فيجا مؤخرًا، قال بأنهم بدؤوا بمهاجمة مخازن السوبر يورانيوم، وأن هذا قد يشير لوجود أزمة طاقة بشكل أو بآخر لديهم، لهذا بدأ دايسكي يشرح لي على الخريطة المواقع المحتملة لظهور قوات فيجا المتحالفة، أشار لمخازن اليورانيوم المشبع ومحطات توليد الطاقة النووية وحقول السوبر يورانيوم، شرح لي المخاطر التي يمكن أن يسببها التعرض للإشعاع وكذلك الاحتياطات التي يتوجب مراعاتها عند الاقتراب من تلك المواقع، حدثني كذلك عن قوانين الطيران والأماكن التي لا يسمح بالطيران فيها دون تراخيص أمنية، شرح لي كيفية التعامل مع أجهزة الاتصال وأنواع الموجات المختلفة، دربني على استخدام الأجهزة والمعدات الموجودة في غرفة الرصد: المنظار الإلكتروني، الرادار وأجهزة المراقبة وجمع المعلومات وغيرها من الأجهزة الكثيرة التي تملأ المكان، شرح لي الكثير من الخطط والمناورات العسكرية الشهيرة، دربني على استخدام مسدسات الليزر والتصويب بها بدقة، وحملتُ سلاحًا خاصًا بي لأول مرة بحياتي، دربني كذلك على الالتحام بجريندايزر وفق النموذج الثاني الذي لم أجربه في ساحة المعركة من قبل.
كان دايسكي جادًا ومخلصًا في تعليمي رغم التوتر الذي لم يفارق ملامحه، وكنت أحاول استيعاب كل ما يشرحه لي رغم ضيق الوقت وكثافة المعلومات، خرجنا أكثر من مرة في تدريبات حية، قمنا ببعض المناورات معًا وتحديد المواقع، زرنا المواقع الهامة في اليابان بعد أن درسناها نظريًا على الخريطة: المناطق الصناعية والعسكرية، أماكن وجود السوبر يورانيوم وغيرها الكثير، وعدنا نزور المركز سوية كالأيام الخوالي، نذهب معًا ونقضي الساعات الطويلة في الدراسة والتدريب، وكانت تلك الساعات من أجمل ساعات عمري، كنت أتعلم وأتغير في كل يوم، وكان دايسكي يزداد ثقة بي وبإمكانياتي، شيئًا فشيئًا زال توتره الذي لازمه كثيرًا وعلت البسمة شفتيه حتى خلال الدرس.
خصص لي دكتور أمون غرفة داخل مركز الأبحاث كحال دايسكي وكوجي، كنا ننهمك في العمل والدراسة لساعات طويلة ولهذا كنا نقضي ليالينا أو بعضها هناك.
كذلك طور الدكتور أمون سبيزر، وصارت مزودة بمقعدي قيادة لا مقعدًا واحدًا، وتم تزويد المقعد الخلفي بشاشات خاصة للمراقبة وتلك كانت مهمتي، لا زلت أنا جندي الاحتياط في المعركة، وأضيفت لي مهمة مساعد الطيار.
***
لكن وعلى عكس كل توقعاتنا واستعدادتنا جاءت المعركة الأخيرة مختلفة تمامًا، استدعانا دكتور أمون إلى غرفة الرصد، بدأ يستعرض أمامنا الكثير من المعلومات الهامة، لقد ثار بركان مائي قرب سهل كانتو، المشكلة تكمن في قرب هذا البركان من حقول اليورانيوم في قاع البحر، وهذا يعني قربه من جزيرة معزولة مُقام عليها محطة توليد ضخمة للطاقة النووية ومزودة بخزان ضخم لليورانيوم المشبع، انفجار البركان أشعل النار في حقول اليورانيوم وراحت الانفجارات تتوالى على نحو مرعب وأصبح خزان اليورانيوم في الجزيرة في خطر حقيقي، لهذا تم حشد كل القوات وطلبت قوات الدفاع من كل الجهات العلمية أن تتعاون معًا للخروج من تلك الأزمة وبأسرع وقت ممكن.
قال دكتور أمون أن انفجار خزان اليورانيوم سيحدث كارثة بيئية، ستختفي الحياة بأكملها في دائرة قطرها مائة كيلو متر، وستنتشر الإشعاعات النووية المدمرة وتلوث الجو في مقاطعة كانتو، وهذا يعني خرابًا يمتد لعشرات السنين، كان الموقف مروعًا بحق، قال دكتور أمون أن علينا أن نحمي خزان اليورانيوم وأن ننقله لمكان آمن، سأل دايسكي بوضوح إن كان يوافق على القيام بتلك العملية أم لا؟
نَقْلُ خزان اليورانيوم الضخم ليس أمرًا سهلًا على الإطلاق؛ بل إن الذهاب إلى هناك يكاد يكون عملًا إنتحاريًا في ذلك الوقت، لهذا ترك دكتور أمون لدايسكي حرية اتخاذ القرار بنفسه، استبسل دايسكي وأعرب عن موافقته دون تفكير وانطلق، تبعه كوجي بسبيزر وبالطبع رافقت كوجي، أردت القيام بدوري على أكمل وجه، وقررت أن أنضم لدايسكي وكوجي في تلك العملية رغم خطورتها.
تقدمنا دايسكي بجريندايزر، انطلق بسرعته القصوى، بلغ الجزيرة قبلنا، حال وصولنا كان هو قد هبط بدايزر على أرض الجزيرة وراح يحاول جاهدًا تحرير خزان اليورانيوم مستخدمًا الرزة المفردة، جغل يحفر بعمق حول الخزان، وفي تلك الأثناء كانت الانفجارات تتوالي على نحو عنيف ومتسارع، كانت ألسنة اللهب ترتفع هنا وهناك وأرض الجزيرة تتشقق على نحو مرعب.
فزع كوجي وطلب من دايسكي الإسراع، لكن دايسكي كان متماسكًا على نحو مذهل، طلب من كوجي ألا يجزع مما يحدث وأن ينتظر تعليماته، إلا أن الأوضاع كانت تزداد سوءً، تمكن دايسكي أخيرًا من تحرير الخزان وقبض عليه بقبضتي دايزر وأخذ يحاول انتزاعه من الأرض، استغرقت محاولاته الكثير من الوقت كنا فيه نعاني من أعصاب محترقة من الانفعال والتوتر والخوف، كنا على شفا الموت ولا يفصلنا عنه سوى شعرة، أخيرًا تحرر الخزان وقفز به دايزر وانفجرت الجزيرة بعنف فور قفزته.. لطفك يارب
التحم دايزر بسبيزر المزدوج وهو لا يزال ممسكًا بالخزان، لم يكن من الممكن أن يدخل دايزر لسبيزر ويداه ممسكتان به، لهذا لم بكن هناك بد من التحامه بسبيزر المزدوج، أخبرنا دكتور أمون بأن علينا أن نتوجه للقاعدة العلمية حيث سنضع الخزان في مكان آمن وبالفعل انطلقنا.
حاول كوجي طمأنة دايسكي قائلًا: “نحن في مأمن، خذ الأمور ببساطة”، لكن كان لدايسكي رأي مختلف، رآى أنه من الأفضل أن نستعجل، وكان يخشى مهاجمة قوات فيجا لنا، أيدتُ مخاوف دايسكي وأعجبني فكره كقائد لنا، لا يتهاون أو تلين عزيمته ما دام في ساحة المعركة، أتعلم من دايسكي أشياء كثيرة على الدوام، ومنذ أن دخل حياتي استطاع أن يغير الكثير فيها بقصد أو بدون.
هذه المرة تحققت مخاوف دايسكي! كانت قوات فيجا تراقب ما يحدث وقد جذبت الانفحارات العنيفة انتباههم لخزان اليورانيوم، فوجئنا بصحنهم المتوحش يهاجمنا، كنا في موقف لا نحسد عليه، دايزر ملتحم بسبيزر المزدوج والخزان بين ذراعيه، وزننا ثقيل وحمولتنا خطرة ولا نملك المرونة الكافية للقتال، كان رأي كوجي أن نهبط ونتفادى الصحن لكن دايسكي قرر مهاجمة الصحن أيًا كانت النتائج، لم أفهم السبب وراء قراره وعقدت العزم على سؤاله عنه حال عودتنا إن قدرت لنا العودة سالمين.
استدعى دايسكي سبيزر وحاول مهاجمة العدو بها قدر الإمكان وبالكاد وصلنا للقاعدة، أنزلنا الخزان في مكانه الجديد، حاول الصحن استهداف الخزان في اللحظة الأخيرة لكن كوة الملجأ الآمن كانت قد أُغلقت بالفعل وصار الخزان في مأمن، والآن صار علينا أن نحارب الصحن المتوحش، لكننا لاحظنا حركة غير طبيعية، لقد توقف الصحن المتوحش عن محاولة سرقة الخزان واندفع في اتجاه آخر، قدر دايسكي أن الوحش ذاهب صوب حقول اليورانيوم في قاع البحر، فانطلقنا إلى هناك.
كان علي تحديد مكان حقل اليورانيوم بقياس الإشعاعات الصادرة منه، وكان دايسكي يراقب الصحن ويحاول تحديد مكانه، حالما وجد دايسكي الصحن كنت أنا قد التقطت إشعاعات اليورانيوم، أخبرتُ دايسكي أن العمق في هذه النقطة هو ستمائة وخمسون قدمًا، قرر دايسكي دخول البحر وراء صحن فيجا، سأله دكتور أمون عن مخزون الطاقة في جريندايزر فأخبره أنه لا زال يملك نصف الطاقة، لقد استنفذ تحرير الخزان وحمله الكثير من طاقة دايزر، طلب منا دكتور أمون التروي نظرًا لخطورة الأمر، نبه دايسكي لتناقص قوته على هذا العمق، لكن دايسكي أصر على موقفه، كان يحاول باستماتة أن يحول بين قوات فيجا وبين الحصول على الطاقة، فصل دايزر واندفع صوب البحر بسرعة، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان، لقد رأينا الوحش يخرج من الماء فجأة ويجذب دايزر إليه بعنف، غطس دايزر واختفى عن أعيننا وغاب طويلًا، كاد قلبي أن يتوقف عن النبض في تلك اللحظة، طاقة دايسكي ليست على ما يرام، وتحذيرات دكتور أمون خطيرة، والوحش كان ينتظر دايزر في البحر، وهو الآن وحيد هناك، يا إلهي!
بقينا نحوم بسبيزر فوق سطح البحر وقد تملكنا اليأس من عدم قدرتنا على اللحاق بدايسكي.
ومع طول غيابه ازدادت مخاوفنا عليه بشان نقص الطاقة والأكسجين، كنا نحاول الاتصال به دون جدوى، قفز دايسكي للبحر وأغلق أجهزة الاتصال لديه وصار معزولًا تمامًا، في لحظة شاهدت ما أثار رعبي، رأيت ظل دايزر تحت سطح الماء، كان يطفو صاعدًا على نحو لا يُبشِّر بالخير، أخيرًا تمكنا من سماع دايسكي، كان في حالة سيئة للغاية، صوته منهك تمامًا وقد بدا دايزر عاجزًا عن الحركة، تبادلنا بضع كلمات سريعة نطمئن بها على دايسكي، سألته عن طاقته فأجابني أنه قد بقي لديه القليل منها، كان شعوري بسماع صوت دايسكي مجددًا لا يوصف بحق.. حمد لله! دايسكي لا زال حيًا!
رأينا الصحن يخرج من البحر مندفعًا صوب الفضاء.
بدأ الخلاف يدب بيننا، أراد كوجي اللحاق به، ورأيت أنا أن من واجبنا مساعدة دايسكي أولًا والتقاط دايزر بأي ثمن، هتف دايسكي بنا:
– لا تقلقوا بشأني.. لا تدعوها تفلت! ماذا لو استولى الأعداء على معدن اليورانيوم؟!
احتدم الموقف، وبدأ كوجي يميل لرأيي، لكن دايسكي تدخل بعنف وصرخ في جهاز الاتصال يطلب منا اللحاق بالصحن ومنعه من الهروب باليورانيوم، انهي صرخته بجملة قاسية: “هذا أمر من القائد” عند هذا الحد أغمضت عيني بألم وتذكرت توجيهات دايسكي لي، علي بإطاعة أوامر القائد مهما كانت، أجابه كوجي: “فهمت أيها القائد” فعرفت أن كوجي يشاركني ألمي.
انطلقنا نحو الصحن نطارده بإصرار واشتبكنا معه، فجأة غير الصحن توجهه من جديد، واندفع نحو دايزر الذي استطاع الوصول لجزيرة صغيرة في البحر، هاجم الصحن دايزر وهو في أضعف حالاته، تضافرت جهودنا معًا، استخدم دايسكي رعد الفضاء مستنفذًا آخر ما بقي لديه من طاقة وقمنا نحن يشن هجومًا بالصواريخ والإعصار والقاطع المزدوج ونجحتا في القضاء على الصحن أخيرًا.
هبط كوجي بسبيزر وحاول الالتحام بدايزر بصعوبة بعد أن فقد الأخير كامل طاقته، وعدنا لمركز الأبحاث تتبعنا سبيزر لكننا كنا قد نجونا جميعًا والحمد لله، أنقذنا الخزان وعدنا أحياء وهذا يكفي.
ليلًا عاتبني دايسكي، قال أن علي أن أكون أكثر حرصًا وقدرة على عزل مشاعري في المعركة، قال أن علي ألا أقلق بشأن حياته إن كان المقابل هو سلام الأرض، كان الكلام ثقيلًا على نفسي رغم تيقني من صوابه، اعتذرت له وأكدت على استيعابي لما يقول جيدًا ووعدته بعدم تكرار ما حدث، لكن ظل سؤال يحيرني فطرحته عليه، سألته عن موقفه من دكتور أمون، ولماذا أصر على دخول البحر رغم تحذيراته له، أحببتُ موقف دايسكي كثيرًا في تلك اللحظة! ابتسم لي بخجل وهو يصارحني بأنه قد أخطأ أيضًا اليوم، قال أنه أراد أن يحول بين الصحن ومعدن اليورانيوم، لكن حال نزوله للبحر أدرك أن دكتور أمون كان على صواب، وأنه ربما كان من الأفضل أن ينتظر معنا خروج الصحن من البحر ومن ثم الانقضاض عليه، أخبرني أن دايزر بدا عاجزًا جدًا في الماء خاصة مع نزوله وهو ليس بكامل طاقته، قال أن الوحش كان يهاجمه بشراسة وأنه كاد أن يقضي عليه لولا تغير موقف الصحن فجأة وكأن الأوامر التي ترد إليه كانت متضاربة نوعًا أو أن خللُا ما أصابه، قال أنه لولا ذلك لكان الآن ميتًا في قاع البحر.
شعرت بالانقباض، وبدأت أعي أكثر فأكثر قسوة الحرب، الحقيقة، إن استيائي من موقف دايسكي السابق من رغبتي في المشاركة في الحرب وخوفه – المبالغ فيه من وجهة نظري – قد قل كثيرًا، كان لديه ما يخشاه فعلًا، لا تكمن خطورة الحرب في فقداننا لحياتنا فقط، بل في فقدان من نحبهم أمام أعيننا ونحن عاجزون بحكم الواجب عن مد يد العون لهم!
عدت أسأل دايسكي مجددًا عن قراره بمهاجمة الوحش ونحن ممسكون بالخزان، أخبرني أننا لو انخفضتا هاربين لكان من اليسير على الصحن توجيه الضربات لنا من الخلف، قال أن المواجهة كانت خطيرة لكن الانسحاب ربما جلب مخاطر أكبر، بالرغم من ذلك شرح لي دايسكي أنه في أحيان أخرى يصبح الانسحاب هو الحل الأمثل، قال أن الحرب جولات ومن الممكن أن نخسر أو ننسحب في جولة لننتصر في غيرها، لا زلت أتعلم أشياء جديدة علي بالفعل!
بعد دلك اليوم بأسبوع فاجأنا دكتور أمون وعرض علينا تصميمًا لسلاح جديد قادر على الطيران في الجو والغوص في الماء، أطلق عليه اسم السلاح الملاحي، قال أنه بهذا السلاح لن يُهزم جريندايزر حتى في البحر، لقد درس دكتور أمون ما حدث في المعركة الأخيرة بدقة، استنتج نقطة ضعف جريندايزر وهي الماء، دايزر يضعُف في الماء كثيرًا، تنخفض قوته للنصف ولا يمكنه النزول لمسافات عميقة، حدد المشكلة وجعل يبحث عن حل لها، ليس من الممكن إدخال تحسينات على دايزر، لكن من الممكن دعمه بسلاح جديد،، كانت طريقة دكتور أمون في إدارة الأزمات رائعة، أستاذ حقيقي! يغمرني الفخر وأنا أنتمي لمركز يديره شخص مثله حقًا!
فاجأتني جملة دكتور أمون وقتها، نظر إلي وهو يقول: “هيكارو هذه ستكون لك” لم أصدق أذني، السلاح الملاحي سيكون هو سلاحي في المعركة! لقد تم ترقيتي من مساعد طيار لطيار حقيقي، بل لطيار مسؤول عن سلاح غاية في الأهمية، سلاح يحمي جريندايزر في البحر! رائع!
تلا هذه الأحداث دروس جديدة ومكثفة حول قواعد الغوص واجراءات السلامة في البحر واستخدام جهاز السونار وغيرها من الأمور المتعلقة بالملاحة، كما كان علي أن أرتب تحركاتي مع دايسكي لأن السلاح الملاحي سيوجه دايزر في البحر، لهذا كنا ندرس الكثير من الخطط معًا، نضع سيناريوهات كثيرة لمعارك محتملة، كيف سنتحرك؟ كيف سنهاجم؟ كيف سنتواصل معًا بسرعة في ساحة المعركة؟ ورغم ما ترتب على ذلك من إجهاد فقد كنت أشعر بالكثير من السعادة والرضا، أخيرًا ستتاح لي الفرصة لأكون نافعة! وكما وعد دايسكي بحماية حياتي فقد بت الآن مسؤولة عن سلاح مهمته حماية حياته هو في البحر.
اترك تعليقًا