الحلقة الرابعة والسبعون – فيجا الكبير
استيقظتُ متأخرة صباح ذلك اليوم، كنتُ أشعر بإرهاق نفسي لا حدود له، هربتُ من أفكاري بالنوم، كنتُ أبحث عن ملاذ هادئ يحميني من كل ما يحدث، استيقظتُ على صوت جورو جوار فراشي:
استيقظي هيكارو، الكل بانتظارك هناك.
فتحتُ عيني ببطء واستغرقتُ بضع ثوانٍ حتى استوعبتُ ما يحدث، اعتدلتُ في فراشي أسأله:
ما الذي يحدث؟
اتصل دايسكي من مركز الأبحاث، قال أنه بانتظارك هناك مع الآخرين لأمر طارئ.
كم الساعة الآن؟
إنها التاسعة.
انتفضتُ فزعة، يا إلهي! كيف استغرقتُ في النوم لهذا الحد، سألته وأنا متوجهة صوب دولابي:
لماذا لم توقظني قبل ذلك؟
طلب مني دايسكي ألا أفعل، قال بأنكِ مرهقة وبحاجة للراحة.
غادر جورو الغرفة وارتديتُ ملابسي ومشطتُ شعري على عجل، امتطيتُ أحد الخيول مسرعة صوب المركز، هناك وجدتُ الجميع بانتظاري فعلًا في مكتب الدكتور أمون، كنتُ مرتبكة بعض الشيء، ألقيتُ عليهم التحية، سألني دايسكي بلطف:
كيف صرتِ اليوم؟
ابتسمتُ بخجل وأجبته:
أنا بخير الآن، شكرًا دايسكي.
عرفتُ أنه يحاول التخفيف من ارتباكي، لقد كانت تلك هي المرة الأولى التي أصل فيها لمركز الأبحاث متأخرة منذ انضمامي للفريق، قاطع دكتور أمون أفكاري قائلًا:
اجلسي هيكارو فلدي ما أناقشه معكم اليوم.
التففنا جميعًا حول الطاولة الموجودة بالغرفة، أضاء دكتور أمون شاشة العرض أمامنا وهو يتحدث:
لقد أبلغت الأميرة روبينا دايسكي أمس الأول بمعلومات مهمة ستغير موقفنا الحالي في الحرب، لهذا علينا دراسة الوضع الجديد والاستعداد له.
أشار لدايسكي بيده ليكمل الحديث:
وفق رواية روبينا فإن قاعدة فيجا تقع على الجانب الآخر للقمر.
لم يكن الأمر جديدًا بالنسبة لي، لكني لاحظتُ اندهاش كوجي وماريا وبدا أن الاثنين يتلقيان الخبر للمرة الأولى، هتف كوجي:
هذا يعني أنهم قريبون؟
أومأ دايسكي له برأسه إيجابًا وهو يقول:
هذا صحيح كوجي.
صمت لبضع ثوان ثم استطرد:
قالت كذلك أن نجم فليد عاد للحياة وأن إشعاعات فيجاترون التي أحاطت بكوكب فليد قد زالت.
قالها وهو يخرج صورة الكوكب فليد من جيبه ويضعها على الطاولة أمامنا، فمدت ماريا يدها تلتقطها وتتأملها بصمت، عاد دكتور أمون يتحدث:
نحتاج أولًا للتأكد من صحة ما أخبرت به الأميرة روبينا، هذا يعني حاجتنا لإطلاق قمر صناعي مزود بأجهزة تصوير بالأشعة تحت الحمراء، نحتاج كذلك للانتهاء من مشروع الكوزمو الخاص سريعًا خوفًا من أن تفاجئنا قوات فيجا.
غمر الحماس كوجي واندفع قائلًا:
لمَ لا نطلق القمر الصناعي فورًا؟
يحتاج الأمر لبعض الترتيبات والموافقات الأمنية يا كوجي.
تدخلتُ قائلة:
ما الذي يتوجب علينا البدء به الآن؟
أجابني دكتور أمون:
سأسافر إلى طوكيو اليوم لمناقشة ما يتعلق بإطلاق القمر الصناعي، وستخرجون للدورية كالمعتاد، ولكن سيبقى دايسكي لحماية المركز وسيلحق بكم إن حدث طارئ ما.
أومأ دايسكي برأسه، ثم سال دكتور أمون:
ماذا عن الكوزمو الخاص؟
يلزمنا أسبوعين للانتهاء منه دايسكي، سأحاول الاستعانة بخبراء جدد للانضمام لفريق العمل ومحاولة الانتهاء منه في وقت أقل.
أجابه دايسكي بقلق:
أرجو ذلك.
أشار لنا دكتور أمون بيده:
والآن استعدوا للدورية.
تفرقنا جميعًا، وانطلق دكتور أمون لطوكيو بسيارة المركز يصحبه السيد ياماذا، وخرجنا بالفعل للدورية وبقي دايسكي في المركز كما هو مقرر.
بعد ثلاثة أيام تمكن دكتور أمون من إطلاق القمر الصناعي بنجاح، لم تشن قوات فيجا هجماتها خلال الأيام الثلاث، وكان هذا من حسن حظنا، اجتمعنا في غرفة الرصد جميعًا نراقب عملية الإطلاق، كان الوقت ليلًا، وسهرنا في مركز الأبحاث حتى وقت متأخر، كان النشاط يغمر المكان، وفريق العمل المسؤول عن إنهاء الكوزمو الخاص يعمل على مدار أربع وعشرين ساعة بلا توقف، تناوب فريقان على العمل في محاولة لتقليص الوقت قدر المُستطاع، أما عن القمر الصناعي فقد بدأ رحلته صعودًا صوب القمر، غادر الغلاف الجوي للأرض واتخذ مساره الجديد، كان الموقف موترًا وكلنا في حالة ترقب، أخيرًا أصبح القمر جاهزًا، أعطى دكتور أمون الأمر بتشغيل آلة التصوير بالأشعة تحت الحمراء وبدأت الصور تظهر على الشاشة الرئيسية، كنا نرى القمر بحجمه الطبيعي تقريبًا، رأينا الفجوات الكبيرة التي صنعتها ولا زالت تصنعها النيازك على سطحه، رأينا الجبال والبحار القمرية، ثم ظهرت قاعدة فيجا بالفعل، كانت كبيرة للغاية، كبيرة على نحو فاق توقعاتنا جميعًا، طلب دكتور أمون توجيه القمر ليقترب أكثر من القاعدة، قال أن علينا أن نختبر مدى قوتهم، ويبدو أن قوات فيجا لم تكن تتوقع بلوغنا هذا الحد من المعرفة من قبل، كان القمر يقترب وصورة القاعدة تملأ الشاشة أكثر فأكثر حتى انقطع البث فجأة، وقفنا مشدوهين، سمعتُ دكتور أمون يهتف:
يبدو أنه قد نُسف.
بدا كوجي مستاءً وهو يهتف: “اللعنة لقد اكتشفوه”، لكن دكتور أمون رد عليه بحزم:
ربما من الأفضل أنه نُسف، بهذا لن يعرفوا بأنه كان تابعًا تجسسيًا.
معك حق دكتور، نظرتُ لدايسكي فرأيته مطرق الرأس وقد أغمض عينيه بقوة، سألته برفق:
ما الأمر؟
فتح عينيه وأجابني:
لا شيء، لا تهتمي.
كان كوجي متحمسًا للغاية، عبر بانفعال عن رغبته في الهجوم على القاعدة ونسفها، مازحته ماريا وهي تذكره بأن طائراتنا لا يمكنها مغادرة الغلاف الجوي، ضحك خجلًا من حماسه الزائد والتفت يسأل دكتور أمون مجددًا عن الكوزمو الخاص، هنا رد دكتور أمون باقتضاب:
يجري تجهيزه بعناية، واصل دوريتك في الوقت الحالي.
وعلى هذا النحو عدنا لما قبل ثلاثة أيام مع فارق واحد هو أننا بتنا نعرف مكان قاعدة فيجا، وأن القاعدة قريبة جدًا.
مرت الأيام التالية بثقل شديد، كان ترقبنا وخوفنا كبيرًا، عاد دايسكي ينضم إلينا في أعمال الدورية، لكن في ذلك اليوم وبينما نحن على وشك الخروج، بحثنا عن دايسكي في مركز الأبحاث فلم نجده، حاولنا الاتصال به فلم يجب، لهذا خرجتُ بالجيب أبحث عنه، ذهبتُ للمزرعة فعرفتُ أنه كان هناك، أخبرني جورو أنه شاركه غسل الأحصنة اليوم ثم مضى، كنتُ مندهشة من ذلك، مر وقت طويل دون أن نعمل في المزرعة، كنا بالكاد نجد الوقت للراحة، ما الذي دفع دايسكي لذلك اليوم؟ على كل حال لم يكن لدي وقت للتفكير وانطلقتُ للبحث عنه في الجوار، بحثتُ في الأماكن المحببة إلى قلبه حتى وجدته، لم يكن بعيدًا عن المزرعة، كان يجلس وحده في حقل الزهور، ناديته فهب واقفًا فسألته معبرة عن اندهاشي:
غريب أن أجدك هنا، إنه موعد الدورية!
2023-12-08
مذكرات هيكارو السرية – فيجا الكبير
مذكرات هيكارو السرية
مذكرات خيالية في دفتر يوميات هيكارو ماكيبا
الحلقة الرابعة والسبعون – فيجا الكبير
استيقظتُ متأخرة في صباح ذلك اليوم، بعد أحداث ذلك اليوم العصيب، كنتُ أشعر بإرهاق نفسي لا حدود له، هربتُ من أفكاري بالنوم، كنتُ أبحث عن ملاذ هادئ يحميني من كل ما يحدث، استيقظتُ على صوت جورو جوار فراشي:
– استيقظي هيكارو، الكل بانتظارك هناك.
فتحتُ عيني ببطء واستغرقتُ بضع ثوانٍ حتى استوعبتُ ما يحدث، اعتدلتُ في فراشي اسأله:
– ما الذي يحدث؟
– اتصل دايسكي من مركز الأبحاث، قال أنه بانتظارك هناك مع الآخرين لأمر طارئ.
– كم الساعة الآن؟
– إنها التاسعة.
انتفضتُ فزعة، يا إلهي! كيف استغرقتُ في النوم لهذا الحد، سألته وأنا متوجهة صوب دولابي:
– لماذا لم توقظني قبل ذلك؟
– طلب مني دايسكي ألا أفعل، قال بأنكِ مرهقة وبحاجة للراحة.
غادر جورو الغرفة وارتديتُ ملابسي ومشطتُ شعري على عجل، امتطيتُ أحد الخيول مسرعة صوب المركز، هناك وجدتُ الجميع بانتظاري فعلًا في مكتب الدكتور أمون، كنتُ مرتبكة بعض الشيء، ألقيتُ عليهم التحية، سألني دايسكي بلطف:
– كيف صرتِ اليوم؟
ابتسمتُ بخجل وأجبته:
– أنا بخير الآن، شكرًا دايسكي.
عرفتُ أنه يحاول التخفيف من ارتباكي، لقد كانت تلك هي المرة الأولى التي أصل فيها لمركز الأبحاث متأخرة منذ انضمامي للفريق، قاطع دكتور أمون أفكاري قائلًا:
– اجلسي هيكارو فلدي ما أناقشه معكم اليوم.
التففنا جميعًا حول الطاولة الموجودة بالغرفة، أضاء دكتور أمون شاشة العرض أمامنا وهو يتحدث:
– لقد أبلغت الأميرة روبينا دايسكي أمس الأول بمعلومات مهمة ستغير موقفنا الحالي في الحرب، لهذا علينا دراسة الوضع الجديد والاستعداد له.
أشار لدايسكي بيده ليكمل الحديث:
– وفق رواية روبينا فإن قاعدة فيجا تقع على الجانب الآخر للقمر.
لم يكن الأمر جديدًا بالنسبة لي، لكني لاحظتُ اندهاش كوجي وماريا وبدا أن الاثنين يتلقيان الخبر للمرة الأولى، هتف كوجي:
– هذا يعني أنهم قريبون؟
أومأ دايسكي له برأسه إيجابًا وهو يقول:
– هذا صحيح كوجي.
صمت لبضع ثوان ثم استطرد:
– قالت كذلك أن نجم فليد عاد للحياة وأن إشعاعات فيجا ترون التي أحاطت بكوكب فليد قد زالت.
قالها وهو يخرج صورة الكوكب فليد من جيبه ويضعها على الطاولة أمامنا، فمدت ماريا يدها تلتقطها وتتأملها بصمت، عاد دكتور أمون يتحدث:
– نحتاج أولًا للتأكد من صحة ما أخبرت به الأميرة روبينا، هذا يعني حاجتنا لإطلاق قمر صناعي مزود بأجهزة تصوير بالأشعة تحت الحمراء، نحتاج كذلك للانتهاء من مشروع الكوزمو الخاص سريعًا خوفًا من أن تفاجئنا قوات فيجا.
غمر الحماس كوجي واندفع قائلًا:
– لمَ لا نطلق القمر الصناعي فورًا؟
– يحتاج الأمر لبعض الترتيبات والموافقات الأمنية يا كوجي.
تدخلتُ قائلة:
– ما الذي يتوجب علينا البدء به الآن؟
أجابني دكتور أمون:
– سأسافر إلى طوكيو اليوم لمناقشة ما يتعلق بإطلاق القمر الصناعي، وستخرجون للدورية كالمعتاد، ولكن سيبقى دايسكي لحماية المركز وسيلحق بكم إن حدث طارئ ما.
أومأ دايسكي برأسه، ثم سال دكتور أمون:
– ماذا عن الكوزمو الخاص؟
– يلزمنا أسبوعين للانتهاء منه دايسكي، سأحاول الاستعانة بخبراء جدد للانضمام لفريق العمل ومحاولة الانتهاء منه في وقت أقل.
أجابه دايسكي بقلق:
– أرجو ذلك.
أشار لنا دكتور أمون بيده:
– والآن استعدوا للدورية.
تفرقنا جميعًا، وانطلق دكتور أمون لطوكيو بسيارة المركز يصحبه السيد ياماذا، وخرجنا بالفعل للدورية وبقي دايسكي في المركز كما هو مقرر.
***
بعد ثلاثة أيام تمكن دكتور أمون من إطلاق القمر الصناعي بنجاح، لم تشن قوات فيجا هجماتها خلال الأيام الثلاثة، وكان هذا من حسن حظنا، اجتمعنا في غرفة الرصد جميعًا نراقب عملية الإطلاق، كان الوقت ليلًا، وسهرنا في مركز الأبحاث حتى وقت متأخر من الليل، كان النشاط يغمر المكان، وفريق العمل المسؤول عن إنهاء الكوزمو الخاص يعمل على مدار الأربع والعشرين ساعة بلا توقف، تناوب فريقان على العمل في محاولة لتقليص الوقت قدر المُستطاع، أما عن القمر فقد بدأ رحلته صعودًا صوب القمر، غادر الغلاف الجوي للأرض واتخذ مساره الجديد، كان الموقف موترًا وكلنا في حالة ترقب، أخيرًا أصبح القمر جاهزًا، أعطى دكتور أمون الأمر بتشغيل آلة التصوير بالأشعة تحت الحمراء وبدأت الصور تظهر على الشاشة الرئيسية، كنا نرى القمر بحجمه الطبيعي تقريبًا، رأينا الفجوات الكبيرة التي صنعتها ولا زالت تصنعها النيازك على سطحه، رأينا الجبال والبحار القمرية، ثم ظهرت قاعدة فيجا بالفعل، كانت كبيرة للغاية، كبيرة على نحو فاق توقعاتنا جميعًا، طلب دكتور أمون توجيه القمر ليقترب أكثر من القاعدة، قال أن علينا أن نختبر مدى قوتهم، ويبدو أن قوات فيجا لم تكن تتوقع بلوغنا هذا الحد من المعرفة من قبل، كان القمر يقترب وصورة القاعدة تملأ الشاشة أكثر فأكثر حتى انقطع البث فجأة، وقفنا مشدوهين، سمعتُ دكتور أمون يهتف:
– يبدو أنه قد نُسف.
بدا كوجي مستاءً وهو يهتف: “اللعنة لقد اكتشفوه”، لكن دكتور أمون رد عليه بحزم:
– ربما من الأفضل أنه نُسف، بهذا لن يعرفوا بأنه كان تابعًا تجسسيًا.
معك حق دكتور، نظرتُ لدايسكي فرأيته مطرق الرأس وقد أغمض عينيه بقوة، سألته برفق:
– ما الأمر؟
فتح عينيه وأجابني:
– لا شيء، لا تهتمي.
كان كوجي متحمسًا للغاية، عبر بانفعال عن رغبته في الهجوم على القاعدة ونسفها، مازحته ماريا وهي تذكره بأن طائراتنا لا يمكنها مغادرة الغلاف الجوي، ضحك خجلًا من حماسه الزائد والتفت يسأل دكتور أمون مجددًا عن الكوزمو الخاص، هنا رد دكتور أمون باقتضاب:
– يجري تجهيزه بعناية، واصل دوريتك في الوقت الحالي.
وعلى هذا النحو عدنا لما قبل ثلاثة أيام مع فارق واحد هو أننا بتنا نعرف مكان قاعدة فيجا، وأن القاعدة قريبة جدًا.
***
مرت الأيام التالية بثقل شديد، كان ترقبنا وخوفنا كبيرًا، عاد دايسكي ينضم إلينا في أعمال الدورية، لكن في ذلك اليوم وبينما نحن على وشك الخروج، بحثنا عن دايسكي في مركز الأبحاث فلم نجده، حاولنا الاتصال به فلم يجب، لهذا خرجتُ بالجيب أبحث عنه، ذهبتُ للمزرعة فعرفتُ أنه كان هناك، أخبرني جورو أنه شاركه غسل الأحصنة اليوم ثم مضى، كنتُ مندهشة من ذلك، مر وقت طويل دون أن نعمل في المزرعة، كنا بالكاد نجد الوقت للراحة، ما الذي دفع دايسكي لذلك اليوم؟ على كل حال لم يكن لدي وقت للتفكير وانطلقتُ للبحث عنه في الجوار، بحثتُ في الأماكن المحببة إلى قلبه حتى وجدته، لم يكن بعيدًا عن المزرعة، كان يجلس وحده في حقل الزهور، ناديته فهب واقفًا فسألته معبرة عن اندهاشي:
– غريب أن أجدك هنا، إنه موعد الدورية!
رد على سؤالي بسؤال مماثل:
أهو موعدها؟
غريب هو دايسكي هذا اليوم، ما الذي قد اعتراه يا ترى؟ لكنه استطرد بسرعة:
حسنًا لنذهب.
انطلقتُ نحو السيارة لكنه استوقفني، تقدمني في ركضه ووقف أمامي قائلًا بابتسامة:
هيكارو، لنذهب على حصان.
أنا لا أفهم ما الذي يحدث اليوم، هل أنا في حلم؟ دايسكي يتصرف على نحو أعادني لسنين مضت، مرت أشهر طويلة لم نخرج فيها بالخيول معًا، وربما كان خروجنا ليلة أن قبض علي الوحش هو الأخير فعلًا، سألته وكأنني أحاول التثبت مما سمعت:
حصان؟
لم نفعل ذلك منذ زمن.
أنتَ محق دايسكي، محق تمامًا، أغمضتُ عيني وأنا أتمتم بانسجام:
صحيح!
أنساني اقتراح دايسكي ما نحن فيه، بلحظة عاد بي لسنوات ولَّت كنا فيها خالية البال، لهذا توجهنا بالجيب صوب المرزعة، تركناها هناك وامتطينا جوادين وانطلقنا بهما، كان الطقس جميلًا فزاد من انسجامي، كنتُ أركض مسرعة وأنا مبتهجة، تقدمتُ دايسكي بحصاني، التفتُ برأسي إليه قائلة بامتنان:
مضى وقت طويل منذ أن ذهبنا معًا آخر مرة دايسكي.
رد علي باسمًا:
تبدين هكذا أجمل هيكارو!
كان رده مفاجئًا لي، شعرتُ بالخجل والارتباك من جملته فشددتُ لجام حصاني وتوقفتُ، قلت له:
ماذا قلت دايسكي؟
رغم خجلي إلا أن إطراءه قد مس أعماق قلبي، وجدتني راغبة بمعرفة ما يدور بخلده في تلك اللحظة بالذات، أجابني ببساطة وقد أوقف حصانه قبالتي:
قلتُ تبدين أفضل على الحصان، أفضل بكثير من لباسك العسكري، أحب هذا اللباس عندما لا تكون هناك حاجة للقتال، صدقيني هيكارو، أعني ما أقوله.
آه دايسكي! الحرب تبدو وشيكة وأنتَ اليوم تعيدني لأيام تهز مشاعري، ليتنا ننعم بالسلام دايسكي، شعرتُ في نبراته اعتذارًا عما حدث في ذلك اليوم المؤلم لكني لم أبدها له، لكزتُ حصاني وأنا أهتف: “هيا”.
وصلنا إلى مركز الأبحاث، كان كوجي وماريا يتابعان ما يجري في مشروع الكوزمو الخاص فلحقنا بهما، وقف دكتور أمون بين العاملين يملي عليهم توجيهاته، كان الكوزمو الخاص قد انتهى تقريبًا، حدث ذلك في وقت قياسي وبسرعة غير متوقعة، رائع هو دكتور أمون! رائع في تصميمه وإنجازه وقدرته على تحمل المسؤولية، يعمل بهمة ودون كلل، رجل يستحق الاحترام والتقدير، يصعب إنكار ذلك أو التغاضي عنه.
وقفنا نتأمل الكوزمو الخاص وهتف كوجي متحمسًا:
عندما يكتمل سلاح الكوزمو الخاص سأتمكن من الطيران خارج الغلاف الجوي، سأسحق قاعدة فيجا المختبئة وراء القمر، سأطارد أولئك الأشرار أينما ذهبوا.
كان كوجي منفعلًا، يتحدث عن قوات فيجا وقاعدتهم وكأن الأمر هين، على رسلك يا كوجي، قوات فيجا أذاقتنا المرار طويلًا، دمرت كوكبًا بأكلمه ألا تذكر؟ في تلك اللحظة سمعتُ ماريا تقول:
كوجي، بهذه الآلة نصل للكوكب فليد أيضًا.
أجابها وهو لا يزال متحمسًا:
سيكون شيئًا مضمونًا مع سلاح الكوزمو الخاص.
ذِكْرُ كوكب فليد جدد شعوري بالألم فجأة، شعرتُ بوخزة في قلبي فصمتُّ ولم أشاركهم الحديث، رأيتُ دايسكي يلتفتُ لكوجي قائلًا:
كوجي, هل ستذهب مع ماريا عندما تزور الكوكب فليد؟
كانت جملة دايسكي مربكة بالنسبة لي، أنا أعلم مقدار حنينه لفليد، وأعلم شوقه الغامر إليه، وأعلم كذلك حبه للأرض ورغبته بالبقاء فيها، كان من الممكن أن أفهم ما قاله لكوجي منذ أشهر مضت، لكن اليوم دايسكي بعد أن شُفيت من جرحك، ماذا تعني بقولك هذا؟ ماذا؟
هتف دايسكي يخرجني من أفكاري:
هيا! وقت الدورية قد حان.
انطلقنا فورًا نحو مركباتنا، سمعتُ دايسكي يستوقف ماريا فأخبرتها بأني سأتقدمها، وتركتُ لهما متسعًا من الوقت معًا، خرجنا بالفعل كلٌ في سلاحه، طلب منا دايسكي أن نتفرق بحيث يغطي كلٌ منا مساحة بعينها ففعلنا، طال الوقت وانقطع الاتصال بيننا وبين دايسكي وكوجي، لهذا حاولنا – ماريا وأنا – الاقتراب من المكان المحدد لهما، كررنا محاولاتنا للاتصال بهما حتى رد علينا كوجي، أخبرنا بأن دايسكي يُقاتل وحش فيجا هنا فلحقنا به، بدا أن دايزر في حالة سيئة وأن خطبًا ما قد أصاب دايسكي، كانت تسديداته غير موفقة والوحش شرس وضرباته قوية، حاول دايسكي وكوجي الالتحام وشن الوحش هجومه عليهما ففشلا، عند وصولنا كررا محاولة الالتحام وكان علينا تأمين التحامهما معًا، مع تكاتفنا كفريق استطعنا القضاء على وحش فيجا وعدنا.
عرفت ليلتها أن وحش فيجا قد أطلق أشعته صوب جريندايزر، وأن هذه الأشعة قد آذت دايسكي بصريًا، احتاج لبضع ساعات حتى استعاد صفاء رؤيته تمامًا، لكن بينما نحن في استراحة المركز نتحدث استدعانا دكتور أمون لأمر عاجل، قال أنه قد تلقى اتصالًا من السيدة جاندال، “السيدة جاندال” من تكون؟ هذا سؤال طرحته على دايسكي فيما بعد، وعرفتُ أن السيدة جاندال هي قائدة شرسة في جيش فيجا، وأنها كانت على متن الوحش الذي قاتلناه اليوم، لقد نجت إذن.
قال دكتور أمون بأنها أبلغته رسالة لدايسكي مفادها بأنها ستقتل فيجا الكبير وأنها تريد العيش بسلام، قالت: “أريد جزء من الأرض مكافأة، لا نجم لي أعيش عليه”، كانت رسالتها محيرة في كل جملة وكل كلمة تفوهت بها، هل ستقتل فيجا حقًا؟ هل هي راغبة فعلًا في السلام؟ هل ستنجح؟ ماذا عن طلبها؟ ماذا نفعل إن أردنا الرد عليها؟ هي لم تنتظر ردنا على أي حال، وماذا عن جملتها: “لا نجم لي أعيش عليه” أليست السيدة جاندال من كوكب فيجا؟ ترى ما الذي حل بكوكب فيجا؟ كانت الأسئلة كثيرة ومتزاحمة، التزمتُ الصمت وكذلك دايسكي، في حين أبدى كوجي وماريا تشككهما من رسالة السيدة جاندال، التفتا إلي ينتظران ردي على ما يبدو فصمتُّ، أخيرًا اندفع الاثنان للحاق بفريق الكوزمو الخاص لإنهائه، وقفتُ جوار دايسكي أتأمل السماء من قبة المركز، تحدثتُ وكأني أتحدث إلى نفسي:
أظنها تريد العيش بسلام لهذا ستقتل فيجا!
شيء ما جعلني أميل لهذا الاعتقاد، شيء لا أعرفه ولا أستطيع تمييزه، لا دليل لدي لكنه شعور خاص، ربما هو حدسي ولا شيء أكثر.
في اليوم التالي كنا نشهد اللمسات الأخيرة في مشروع الكوزمو الخاص حين سمعنا دوي الإنذار فأسرعنا لغرفة الرصد، عرفنا أن يوفو قد اخترق الغلاف الجوي وأن دايسكي قد لحق به، ذهب دايسكي للتأكد مما إذا كانت السيدة جاندال قد برَّت بوعدها فعلًا أم لا، طلب منا دكتور أمون أن نبقى على أهبة الاستعداد، بعدها بفترة أبلغنا دايسكي بأن اليوفو كان يحمل القائد جاندال، وأن السيدة جاندال قد فشلت في تحقيق مهمتها وقُتِلَت، لهذا أصدر إلينا الدكتور أمون الأمر بالخروج، لكن هذه المرة بالكوزمو الخاص لا بطائراتنا، غمرنا الحماس، كانت التجربة مهيبة بحق.
يتكون الكوزمو الخاص من ثلاث مركبات تلتحم معًا ويمكنها أيضًا الانفصال لمركبات صغيرة تناور بسرعة ومهارة في الفضاء الخارجي، اتخذ كل منا مقعده وانطلق الكوزمو الخاص يشق فضاء الأرض، لحقنا بدايسكي وغادرنا الغلاف الجوي بأقصى سرعة، كانت تلك تجربتي الأولى في الفضاء الخارجي، لم أكن أتصور أن تكون تجربتي الأولى بهذا القدر من الحماس والزخم والإثارة.
اقتربنا من القمر فهاجمتنا حشود الميني فو، انفصلنا عن بعضنا البعض وجعلنا نسقطها الواحدة تلو الأخرى، لمح دايسكي سفينة كبيرة تستغل مناوراتنا مع الميني فو وتتجه نحو الأرض فانفصل عنا لمطاردتها.
كانت السفينة كبيرة الحجم واسطوانية الشكل وقد غلفتها مادة غريبة أخفت ملامحها تمامًا، أصاب دايسكي السفينة فزالت عنها الطبقة التي كانت تخفيها، أطلقت السفينة أشعتها نحو جريندايزر، كان شعاعها قويًا وذو قطر كبير حتى أنه غمر جريندايزر بأكمله.
كان الشعاع يجذب جريندايزر للسفينة، صرخ دايسكي مستنجدًا بنا لإنقاذه، قال أنه سيرتطم بالسفينة، لهذا طلب منا كوجي الالتحام معًا، انطلقنا صوب السفينة التي حمت نفسها بطبقة واقية من الطاقة، جعلنا نوجه لها ضرباتنا حتى انهارت، ثم اندفعنا صوب المدفع في مقدمتها والذي يطلق الشعاع، تحطم المدفع وارتطم دايسكي بطرف السفينة لكنه لم يصب بسوء، جعلت السفينة تطلق أشعتها علينا من مدافعها العلوية فقفز دايسكي على ظهرها ووجه لها ضربة قاضية بالرزة المزدوجة، قفز بعدها ملتحمًا بسبيزر وانفجرت السفينة بعنف في الفضاء، انفجرت وعلى متنها فيجا الكبير الذي سمعناه في أجهزتنا يهتف بجمل يصعب نسيانها: “أنا كبير السلطة، ابتعد عن طريقي” ، “هيا إلى الأرض ننشر رماد الموت عليها” يالا بشاعة هذا الرجل! أي مجرم أنت يا فيجا الكبير؟ من أعطى لك الحق لتتلاعب بمصير الملايين من البشر؟ من؟
لم نصدق ما رأيناه بأعيننا، سالت الدموع رغمًا عنا، هتف دايسكي: “دمرنا الشيطان”، هتفتُ باسم دايسكي غير مصدقة، كذلك كوجي وماريا، اجتاحنا شعور غريب حينها، هل هو الفرح؟ الخوف؟ النصر؟ لا أدري لكنه شعور غريب يصعب وصفه، طلب منا دكتور أمون تفقد الجانب الآخر من القمر ومن ثم العودة، وجدنا قاعدة فيجا قد دُمِّرت تمامًا، الشيطان نسف القاعدة لكي لا يبقى له خيار سوى الأرض، اللعنة عليك يا فيجا الكبير!
عدنا للأرض واستقبلنا دكتور أمون بفرحة الأب، احتضننا الواحد تلو الآخر، أثنى على جهودنا، قال لنا جملة لم نسمعها منذ سنوات:
الآن بإمكانكم أن تناموا بأمان، تحدثوا عن مستقبلكم يا أبنائي، حان الوقت أن تحلموا به!
كانت كلماته مفعمة بالحنان، عدنا يومها لبيت المزرعة جميعًا، شاركنا دكتور أمون السهرة، كان أبي وجورو في غمرة سعادتهما، قال جورو لدايسكي: “قلتَ لي لا حروب بعد اليوم جورو وقد صدقت يا دايسكي”، سألت جورو: “متى قال لك ذلك؟” فأجابني بأنه قالها صباح أمس، عدت أذكر الأمس بتفاصيله، ماذا كان يدور بعقلك دايسكي وقتها؟ ماذا؟
اترك تعليقًا