الحلقة الحادية والأربعون – وأخير!
من أين أبدأ اليوم؟ لقد كان اليوم حافلًا بكل ما تحمله وما يمكن أن تحمله هذه الكلمة من معانٍ، لكني قررت أن أبدأ من هنا، نعم، من تلك اللحظة التي انطلقت فيها لساحة التدريب وكلي إصرار على النجاح، لقد كان شعوري بالفشل صباحًا والندم على ما أصاب دايسكي بسببي يسحقانني سحقًا، لكني أصررت على النجاح، لن أفشل هذه المرة، قلتها من قبل وأقولها الآن “لن أفشل، لن أترك دايسكي يموت”، أعرف جريندايزر بحاجة لانطلاق السلاح الملاحي في أسرع وقت ممكن بعد أن بدا واضحًا أمام الأعداء في معركتنا الأخيرة نقطة ضعف دايزر وفقده لقوته تحت الماء، يحتوي جريندايزر على مولد للطاقة الشمسية وهو أحد أهم مصادر قوته، تحت البحر يفقد دايزر هذا المصدر الهام، ويفقد وحدات الفوتوسكوانتوم ويعتمد على مخزونه من الطاقة، وما إن ينضب هذا المخزون حتى تصبح النهاية وشيكة، لهذا لا يستطيع دايزر أن يقاتل بكل قوته تحت البحر، وهنا يجيء دوري.
وصلت لقاعة التدريب وقررت خوض التدريبات وحدي، لن أعرض حياة دايسكي للخطر ثانية، لهذا استجمعت شجاعتي، التقطت أنفاسي بعمق أحاول التغلب على خوفي من تكرار ما حدث صباح اليوم، لقد أعدت المحاولة مرارًا وتكرارًا لكن دون جدوى، جعلت أسترجع كل ذكرياتي في محاولة لتعبئة بطارياتي بالطاقة اللازمة، تذكرت ما تسببت به قوات فيجا، تذكرت هجماتهم المتكررة على أرضنا، تذكرت عشرات القتلى الذين نسمع عنهم باستمرار في الأخبار جراء هجمات فيجا غير المتوقعة، تذكرت تدميرهم لمزرعة البتول الأبيض وإشعالهم الحرائق فيها مرارًا، تذكرت تدميرهم لقرية مانكيتشي الصغير، تذكرت يتم ميرانا وموت والديها على أيديهم، تذكرت خداعهم للصبي شينشي، تذكرت انتحال أحدهم لشخصية طفل صادق جورو وكاد أن يتسبب في موته، تذكرت دخول أحدهم لمركز أبحاث الفضاء في هيئة عالم مشهور من وكالة ناسا للفضاء ومحاولته قتلي وقتل دايسكي، تذكرت ابتزازهم لميناو وللقائد يارا، تذكرت دايسكي وهو يصف لي قصفهم لميناو غدرًا ومحوهم لذاكرة يارا وكل مبادئه السلمية وتحويله لآلة للقتال، تذكرت هجومهم على مركز الأبحاث واعتدائهم على أبي وتعذيبهم للدكتور أمون، تذكرت احتجازهم لي كرهينة ومقايضتهم دايسكي على حياتي، تذكرت يوم كدت أموت جراء هجماتهم لولا دم دايسكي، تذكرت دفع بلاكي لي من أعلى الجبل وهو يهتف: “سأقتلك” تذكرت ما فعلوه بنايدا وما دفعوها لفعله بدايسكي، تذكرت حالة دايسكي السيئة في ذلك اليوم، تذكرت تعرض دايسكي للموت بسببهم على نحو متكرر، تذكرت سكين جوس الموجهة لدايسكي وتذكرت صفعه لي وكيف كان يلهو بمصيري بوحشية، تذكرت ألم دايسكي ومرارته وهو يحدثني عن الحرب التي أشعلها فيجا على كوكب فليد، تذكرت مصير كوكب فليد وارتعدت من مواجهة الأرض لمصير مشابه، تذكرت خوف دايسكي علي ورفضه لمشاركتي في الحرب، تذكرت إصراري ومقاومتي لرفضه، تذكرت نزوله عند رغبتي ووعده لي بحماية حياتي، تذكرت ما واجهه دايسكي في معركتنا الأخيرة وكيف أن الوحش كاد أن يقضي عليه فعلًا في أعماق البحر وحيدًا لولا اضطراب الوحش وتغير تصرفاته فجأة، تذكرت حاجة دايسكي لي الآن وأن نجاحي في هذا التدريب يعني فرصة حقيقية لنجاته من موت محتمل في أية لحظة، شعرت بطاقة لا حدود لها تسري في جسدي، تلاشت مخاوفي فجأة، شعرت أن بصري قد ازداد حدة، كنت أستعيد توجيهات دايسكي صباح البوم، علي أن أعدل زاوية الهبوط ثلاث درجات لأعلى وأهبط، علي ألا أفقد التوقيت تذكرت كلمته: “كوني شجاعة” نعم، سأكون شجاعة دايسكي وسترى!
ركزت بصري على دايزر الذي يطير أمامي، دققت النظر، استعيد صوت دايسكي بداخلي وهو يهتف عبر جهاز الاتصال “التحام” ودفعت بمقبضي سلاحي، هبط السلاح الملاحي، اقترب من دايزر و.. فشلت ثانية!
رغم فشلي في تلك المرة أيضًا إلا أنني كنت أحدث نفسي بأني قادرة على تحقيق الالتحام بنجاح، تذكرت يوم أخرجت رجال بلاكي من مركز الأبحاث رغم معارضة دايسكي للفكرة وخوفه من أن يصيبني مكروه، تذكرت رده علي يومها: “إن فشلتِ ستموتين هل تعلمين ذلك؟!” لكني لم أقشل، تذكرت يوم كنت في سبيزر لأول مرة ورأيت وحش فيجا يوجه ضرباته لجريندايزر بعنف وقدرت أن دايسكي ليس في قوته وأنه بحاجة للمساعدة، تذكرت طلبي من كوجي أن يعلمني كيف أقاتل، تذكرت إصراري وإلحاحي على دكتور أمون ليسمح لي بخوض هذه المخاطرة، تذكرت تنبيه كوجي لي: “والآن كلمة أخيرة هيكارو إن فشلت فسيشن الوحش هجومًا علينا وأخشى ألا تتمكني في هذه الحالة من الفرار”، يومها أكدت له أنني لن أفشل وبالفعل قضيت على وحش فيجا لأول مرة، تذكرت خروجي بسبيزر منذ فترة ليست ببعيدة لنجدة دايسكي بعد إصابة كوجي، تذكرت فشلي في الالتحام لأول مرة، ومع ذلك فقد نجحت في المحاولة الثانية على أرض المعركة، تذكرت مناورتي لصحون فيجا وأنا أقود دراجة دايسكي النارية منذ أسابيع، كنت أدرك بداخلي أنني قادرة على تخطي هذه المرحلة بنجاح ووجدتني أحدث دايسكي البعيد عني الآن بتلقائية: “دايسكي، إني آتية في الحال!” كنت أعرف أن السلاح الملاحي قيد التجهيز وأنه في مرحلته النهائية وأن اجتيازي لتدريب الالتحام هو ما يضمن خروجي به لنجدة دايسكي في معركة البحر، لهذا حشدت كل قواي لبلوغ هدف واحد هو النجاح.
كررت المحاولة دون يأس حتى تحققت أخيرًا، التحم السلاح الملاحي بدايزر، تنفست الصعداء، كنت أشعر بانفعال لا حدود له لكني حاولت الحفاظ على تركيزي، كررت المحاولة كثيرًا، نجاح وإخفاق، أخيرًا نجاحات متتالية، كنت أشعر بالدوار والإجهاد، أوقفت السلاح الملاحي وقررت أن أتعلم من أخطائي السابقة، لا يمكنني مواصلة التدريبات دون تركيز، كنت راضية عن قدرتي على الالتحام بنجاح أخيرًا.
كان علي أن ألحق بدايسكي في ساحة المعركة الآن، وهو ما رفضه دكتور أمون! كنت مرهقة والسلاح الملاحي لم يجرِ اختبار الطيران بعد، هذا ما قاله دكتور أمون بحزم!
لم أجد في نفسي الشجاعة للبقاء في غرفة الرصد بعد رفض دكتور أمون لخروجي بالسلاح الملاحي، كان من الصعب علي رؤية دايسكي يواجه الخطر وأنا عاجزة بدون سلاح، لهذا بقيت في الاستراحة هربًا من شعوري بالعجز، استطعت أن أستعيد تركيزي بيضع دقائق من الهدوء وكوب من الماء، وبقيت المشكلة الأكبر: اختبار الطيران.
كان أبي وجورو معي في المركز، لقد أصرا على حضور جلسات التدريب وكان وجودهما مشجعًا قويًا لي على المحاولة والنجاح، شعر أبي بخيبة أملي بعد رفض الدكتور أمون خروجي بالسلاح الملاحي، لم أخبر أبي بمكنونات نفسي لكني كنت أعاني من إحباط شديد، وكان قلقي على مصير دايسكي يعصف بي بقوة خاصة بعد خروجه في تلك الحالة السيئة، كنت واثقة من قدرة أبي على فهم ما أعانيه فأنا قريبة جدًا من قلب أبي منذ صغري، وقد ازدادت علاقتنا قربًا بعد وفاة أمي، وكنت أنا المسؤولة عن إدارة شؤون منزلنا وأسرتنا جنبًا إلى جنب معه منذ سن مبكرة، لهذا كنا قادرين على فهم بعضنا البعض، أمر واحد ظل غائبًا عن أبي لفترة طويلة وهو علاقتي بدايسكي، لكن مع معرفة أبي بحقيقة دايسكي تغيرت نظرته لكل شيء يتعلق بنا تقريبُا، لقد أصبح أبي يرى أخيرًا الأمور كما أراها، وأصبح يعرف دايسكي الذي أعرفه أو يعرف بعضًا من جوانب شخصيته المشرقة إن شئت الدقة، لا أحد يعرف عن دايسكي الكثير وأنا الأقرب إليه بعد الدكتور أمون، دايسكي قليل الكلام ويجد صعوبة بالغة في البوح عما يشعر به ويعانيه، كما أن إصابته وما تبعها من أسرار كانت شيئًا خاصة بثلاثتنا فقط حتى ذلك اليوم، ومع ذلك فالكل هنا يعرف بعض الحقيقة لا كلها!
على كل حال تركني أبي بعد برهة وانصرف، وبقي جورو يحدثني ويسألني عن شعوري أثناء التدريب، كنت أجيب جورو وبالي منشغل بدايسكي وبما يواجهه الآن،، مرت نصف ساعة وعاد أبي لاستراحة المركز مبتسمًا وهو يقول:
استعدي هيكارو! لقد وافق دكتور أمون على خروجك فورًا!
ماذا؟!
قلتها بانفعال حقيقي، اندفعت نحو أبي، نزلت على ركبتي واحتضنته بحب، كنت ممتنة له كثيرًا، كان أبي فخورًا بانضمامي لفريق جريندايزر، حتى مع رفض دايسكي المتكرر فقد استمر هو بدعمي وحاول تدريبي في حدود معرفته وخبراته، وقد كنت ممتنة له كثيرًا على ذلك، لهذا شكرت أبي بصدق وذهبت للاستعداد للخروج للمعركة.
كانت هذه هي المرة الأولى التي أخرج فيها وحدي بسلاحي الجديد، لهذا غمرني الانفعال ولكنني كنت مصممة على النجاح، أدرت محرك السلاح الملاحي وأعلنت استعداده للانطلاق، ارتفعت به عموديًا حتى غادرت مركز الأبحاث ثم أشعلت الصواريخ النفاثة واندفعت بسرعة باتجاه أفقي، أخذت أرتفع تدريجيًا، كنت أراقب العدادات بدقة وشاشة الرادار، توجهت نحو كوجي ولم أستطع إيجاد دايسكي، أخبرني كوجي فور وصولي أنه كان بانتظاري وأن دايسكي يقاتل تحت الماء، لهذا دفعت ذراع الغوص واندفعت نحو البحر دون خوف.
غطس السلاح الملاحي في البحر وأخذ يشق الماء بسرعة، رأيت دوامة في قاع البحر ودايزر عالق فيها، هتفت أنادي دايسكي في جهاز الاتصال عدة مرات حتى سمعت صوته الدافئ يجيبني، كان مندهشًا من قدومي وكان على الأرجح غير متوقع له اليوم، لا ألومه على ذلك، فبعد فشل تدريباتي الصباحية ومع عدم جاهزية السلاح الملاحي كان خروجي به غير متوقع فعلًا.
أخبرت دايسكي أنني تحت تصرفه بالسلاح البحري، كنت صادقة حين قلتها له، لقد ارتضيت العمل في فريق جريندايزر تحت قيادة دايسكي، وجود دايسكي كان يشعرني بالأمان والدعم، ومنذ اللحظة التي قبل فيها انضمامي للفريق شملني بدعمه وتشجيعه وعلمني الكثير من الأشياء التي لم أكن ملمة بها، لهذا قلتها له صادقة، مهما يكن طلب دايسكي وأمره لي فسأنفذه دون نقاش لأنه أمر من القائد، ولأن هذا القائد هو دايسكي لا غيره أيضًا!
أخبرني دايسكي بأنه عالق في تلك الدوامة الرهيبة وأنه لا يعرف كيف يخرج منها، قلت له بأنني مستعدة للاندفاع نحوها، كنت مستعدة لذلك فعلًا إن هو طلب ذلك مني، لكنه طلب مني ألا أتورط في هذا الأمر وأن أنتظر محاولاته بهدوء، أخبرني أن أستعد للالتحام بدايزر فور خروجه من الدوامة، دايسكي يثق بي وبقدرتي على الالتحام بدايزر وتعزيز قوته في البحر، لن أخذل ثقتك يا عزيزي!
أطعت أمره وبقيت هادئة أراقب الدوامة، قلبي يصلي لأجل دايسكي وسلامته وعقلي يفكر في حل للخروج من هذا الموقف الصعب، حتى أضاء الحل بذهني فجأة، فهتفت أطلب من دايسكي أن يتجه لوسط الدوامة، وبالفعل كانت الفكرة صائبة، في الوسط استطاع دايزر أن يندفع لأعلى وأن يخرج من الدوامة، وفور خروجه بدأ يستعد للالتحام وسمعتها بصوته: “التحام”، هنا استجمعت كل تركيزي وشجاعتي وبالفعل نجحت بالالتحام بدايزر في قاع البحر، شعرت بالسعادة وأثلج صدري استحسان دايسكي لنجاحي في جهاز الاتصال.. شكرًا دايسكي لا زلت كما أنت رغم ما حدث هذا الصباح!
خضنا معركة حربية معًا في قاع البحر، أطلقت القاطع البحري والصواريخ لأول مرة من السلاح الملاحي، استطعت أن أتذوق حلاوة النصر كما لم أتذوقها من قبل، خرجنا من البحر ملتحمين معًا دايزر وسبيزر وانضممنا لكوجي، وكنا ثلاثتنا نشعر بالسعادة والقوة والاكتمال، قال كوجي أصبحنا قوة لا تقهر، وأيدت كلام كوجي وقلت بأننا سننتصر، وأضاف دايسكي : “بفضل اتحادنا سنقهر كل الأعداء” كم أنا سعيدة بانضمامي لفريق جريندايزر، وسعيدة بوجود سلاح مميز لي له دوره الفعال والضروري في المعركة!
مساء كنت وحدي في فضاء المزرعة حبن تفاجأت بقدوم دايسكي، كان قد أخبرني بأنه سيذهب لقضاء ليلته في المركز لهذا لم أتوقع رؤيته، سألته مندهشة:
أما زلتَ هنا؟!
لم يجب سؤالي واقترب من مكاني ووقف إلى جواري بهدوء، كنت أتأمل القمر في تلك الليلة وأستعيد ما حدث صباحًا، كان اليوم صعبًا إذ كان علي التدرب على التحام السلاح الملاحي الجديد بدايزر، أراد دكتور أمون اختصار الوقت والانتهاء من تدريبي ريثما تنتهي اللمسات الأخيرة ويصبح السلاح الملاحي جاهزًا للانطلاق، كان من المفترض أن نجري اختبار الطيران غدًا، لهذا صحبني دايسكي في دراجته لمركز الأبحاث هذا الصباح، تحدث إلي قبل التدريب، أوصاني بالهدوء قدر الإمكان، شرح لي الأمر نظريًا، انضم إلينا دكتور أمون ليضيف المزيد من التفاصيل والملاحظات، وحان وقت التدريب العملي، يستخدم دكتور أمون مركبات مشابهة لجريندايزر وسبيزر المزدوج والسلاح الملاحي للتدريب، مركبات أصغر حجمًا وغير مسلحة، لكن تتوافر بها كل العوامل التي تضمن نجاح التدريب وتجعله قريبًا مما سيحدث على أرض الواقع، أعرف قاعة التدريب ودخلتها سرًا مع دكتور أمون وكوجي منذ فترة وتدربت على استخدام سبيزر، ودخلتها مع دايسكي لأتدرب على الالتحام بسبيزر وفق النموذج الثاني، هذه المرة أدخلها برفقة دايسكي لتدريب أكثر صعوبة كما قال دكتور أمون.
استعد كلانا واتخذنا مقاعدنا وبدأت التدريبات الشاقة، فشل متكرر وتعليمات لا حصر لها، كان الالتحام بالسلاح الملاحي صعبًا فعلًا واستغرق الأمر ساعات دون إحراز نجاح يذكر، شعرت بالارهاق الشديد، كان الدوار عنيفًا، أنفاسي متقطعة، سألني كوجي إن كنت بحاجة للراحة فطلبت منه أن أنهي محاولة أخرى وليتني لم أفعل! ففي لحظة الالتحام التي تحتاج لكامل تركيزي وانتباهي بدأت رؤيتي تضطرب، تصبب العرق على جبيني، فقدت قدرتي على السيطرة على كل شيء فجأة، كنت أسمع صوت دايسكي ونبرته المرتعدة: “اليسار .. توجهي نحو اليسار.. هيكارو أديري زاوية الهبوط نحو اليسار” كنت أسمعه وأحاول الاستجابة لتعليماته دون جدوى، فجأة انهرت على لوحة القيادة من شدة الإعياء، أفلت مقبضي سلاحي وتهاويت، شعرت باصطدام سلاحي بسلاح دايسكي، وسمعت أصوات لا تنبئ بالخير أبدًا.
انفتحت قمرة القيادة ورأيت كوجي يحاول مساعدتي على الخروج، كنت مرهقة وأشعر بدوار عنيف، ألقيت نظرة على سلاح دايسكي رغم إجهادي أنظر ماذا حدث فاتسعت عيناي فزعًا، كان سلاحي قد ارتطم بسلاحه، كانت النيران مشتعلة بسلاحه، تشبثت بذراع كوجي أسأله عن دايسكي فأخبرني أنه سيكون بخير وأنه في رعاية دكتور أمون الآن، تدفق الدم في عروقي وزال تعبي وركضت للمركز الطبي أبحث عن دايسكي.
وجدته أخيرًا، كان برفقة دكتور أمون وقد بدا الألم واضحًا على ملامحه وعينيه المغمضتين، اندفعت نحوه ودموعي تبلل عيني:
أنا آسفة دايسكي! سامحني، كان هذا خطئي، كيف تشعر الآن؟
فتح عينيه ونظر إلي بهدوء وهو يقول:
لا تهتمي هيكارو سأكون بخير.
وأردف دكتور أمون:
إنه بخير يا هيكارو، يحتاج لتضميد جرحه ولبعض الراحة.
أومأ دايسكي برأسه موافقًا فقلت لدكتور أمون بأن بإمكاني المساعدة، تعاونا معًا وساعدنا دايسكي على نزع سترته وقميصه والتمدد على الفراش، واهتممت أنا بتضميد جرحه بشعور يجمع بين الاعتذار والخوف والحب، وحقنه دكتور أمون بمسكن للألم وبدأ دايسكي يغفو بالفعل.
لقد أدى ارتطام سلاحي بسلاح دايسكي لمشكلات عديدة داخل قمرة القيادة أهمها تلك الشرارات الكهربائية التي تطايرت في كل مكان، وأصاب بعضها ذراع دايسكي وجدد آلامه، لقد وجده دكتور أمون متهالكًا على لوحة القيادة وممسكًا بذراعه الأيمن بألم، هذا ما رواه لي دكتور أمون حينها، كنت أنظر إلى دايسكي وهو نائم في فراشه والألم يعتصر قلبي، كيف تسببت له بهذا الألم؟ كيف؟ أنا التي تحاول مساندته وتصلي لأجله وتبكي لألمه.. أنا اليوم سبب هذا الألم؟
شعرت بالحسرة وتضاءلت ثقتي بنفسي بل انمحت تقريبًا، كان أبي وجورو في المركز، رأيا ما أصاب دايسكي بسببي وكانت المرة الأولى التي يعلمان فيها بأمر إصابته القديمة، وبينما نحن محيطون بفراش دايسكي انطلق جهاز الإنذار يدوي في المكان، لقد حدث ما نكره وها هي قوات فيجا قريبة.. قريبة جدًا!
اندفع كوجي خارجًا ورأيت دايسكي ينتفض في فراشه، حاولت أن أثنيه عن قراره للحاق بكوجي، تشبثت بذراعيه معتذرة بألم عما تسببت فيه، رأيت جورو يقفز فوق فراش دايسكي ويتعلق بذراعه يمنعه من النهوض لكن دايسكي أصر على الذهاب.
غادر فراشه بالفعل وسقط على الأرض بعد بضع خطوات، كان لا يزال يعاني من الدوار والإعياء، لحقت به أكرر محاولتي للإبقاء عليه:
دايسكي يجب ألا تذهب!
يجب أن أذهب!
كان كلامنا مختصرًا جدًا، لكن ذهاب دايسكي بتلك الحالة وخوفي المتعاظم عليه زادا من إصراري على النجاح، وقد حقق الله رجائي أخيرًا.
التفت لدايسكي الذي يقف جواري صامتًا وعدت أتأمل القمر بصمت مثله، بقينا على هذه الحال لفترة حتى سمعته يقول لي:
كنتِ رائعة اليوم!
التفت إليه مندهشة فاستطرد:
أنا فخور بانضمامك لفريقنا هيكارو!
شعرت بسعادة لا حدود لها؛ وارتبكت كثيرًا، لم أستطع النظر إليه مباشرة، كانت عيناي ترفان بخجل لم أستطع منعه، لم أتصور سماع تلك الكلمات بعد ما حدث صباح اليوم، وبعد ما تسببت به من مشكلات، دايسكي الذي كان يخشى إقحامي في الحرب ويحاول حمايتي هو نفسه أول من آذيته دون قصد مني، لم أتصور كلماته تلك بعد خلافنا الطويل وبعد كل ما حدث اليوم بالذات، شملني الصمت ولم أجد ما أقوله، ابتسمت بسعادة يكسوها الخجل والارتباك، بعد برهة تحدثت:
أنا آسفة لما أصابك اليوم بسببي!
التفت إلي باسمًا وأحاط كتفي الأيمن بذراعه وهو يجيبني:
لا عليكِ! لقد كنتِ مرهقة من التدريب.. وأنا كذلك، المهم هو نجاحك اليوم هيكارو!
دمعت عيناي حبًا وامتنانًا وأنا أهمس له:
شكرًا دايسكي!
فاستطرد وهو ينظر مباشرة لعيني:
ثم إن مساعدتك جاءت في وقتها!!
تنهدت بارتياح وأغمضت عيني بهدوء وأملت رأسي على كتفه دون أن أنبس ببنت شفة، وبقينا صامتين لا نسمع غير صوت الليل ودقات قلوبنا.
غريب هو دايسكي! يفاجئني بردود أفعاله غير المتوقعه، خُيل إلي أني ربما ألقى لومًا أو عتابًا منه هذا اليوم عما حدث؛ لكن شيئًا من هذا لم يحدث، وعلى عكس مخاوفي كان هو متفهمًا وداعمًا وممتنًا أيضًا، لهذا أشعر أني بعد هذا اليوم الطويل مغمورة بمشاعر كنت بحاجة حقيقية إليها، مغمورة بالحب والسعادة والامتنان والثقة بالنفس، وأخيرًا وجدت هيكارو التي كنت أتمناها!
اترك تعليقًا