قبل أن أبدأ بكتابة هذا المنشور دعوني أوجه الشكر لصديقة عزيزة خضت معها أجمل نقاش حول هذا الموضوع، الأروع أن هذه الصديقة حيادية جدًا، هذه الصديقة لا تحب هيكارو لكنها لا تحبها على نحو شخصي ولا تقحم مشاعرها الذاتية في نقاش جاد حول قصة درامية، يمكنكم تخيل مدى حياديتها لو عرفتم بأنها كتبت قصة منذ سنوات حول جريندايزر وقد أدخلت فيها شخصية نسائية جديدة لتدفع دايسكي لحبها، حين تعرفت إليها وشاركتني قصتها وتناقشنا حولها بموضوعية قالت لي رغم عدم حبي لهيكارو وسعيي لدفع دايسكي لحب غيرها إلا أنني اقتنعت بأن دايسكي يحب هيكارو وأنه من المستحيل أن أدفعه لحب غيرها، وإن أصررت على ذلك فإما أنني سأشوه دايسكي ليفعل أو سأضطر لإنهاء حياة هيكارو و بهذا سوف تدمر شخصية دايسكي وأنا لا أستطيع إنهاء حياة هيكارو وهي في عز شبابها، هذه المقدمة ضرورية لتتمكنوا من تخيل كيف دار نقاش حقيقي حول القصة بأسلوب الناضجين بين اثنين لا ينتميان للجمهور نفسه.
والآن دعونا نبدأ:
سوف نقسم موقف هيكارو تجاه روبينا لمشهدين:
الأولى: حين كان الكل في الشرفة ودايسكي مهموم، وقد سمعت هيكارو بأنه التقى بروبينا ثم وصلتهم البرقية.
الثاني: حبن لحق الفريق بدايسكي وشاهدوا بأعينهم موت روبينا وسمعوا صرخة دايسكي.
أعود وأذكركم بأن الموضوع للناضجين فقط، لأننا حاولنا دراسة الموقفين في ضوء الواقع وليس بأسلوب المراهقين أو الحاقدين على هيكارو أو الشامتين والمتنمرين عليها.
المشهد الأول:
تدرج شعور هيكارو في هذا المشهد بين ثلاثة مراحل:
في المرحلة الأولي كانت قلقة على دايسكي وشاركها #كوجي و #ماريا وإن كان قلق هيكارو ذو سمة عاطفية أكثر لكون دايسكي هو حبيبها، فصمت دايسكي وتجهمه وعزلته أثار خوفها عليه وتساؤلها لما قد حدث معه ودفعه لتلك الحالة.
الثاني: حين قال دايسكي مجيبًا على سؤال ماريا: “قابلت روبينا”، هنا التفتت ماريا تنظر لهيكارو وكأن ماريا تعرف بأمر روبينا وماضي دايسكي معها، وتعرف بأن هيكارو على علم بالموضوع، لهذا نظرت إليها نظرة سريعة تشير لحساسية الموقف ولخوفها على شعور هيكارو، في تلك المرحلة يمكن أن نتخيل شعور هيكارو كفتاة سمعت بخبر التقاء حبيبها بفتاة كان من المقرر أن تكون عروسه فيما مضى، كيف يمكن أن تشعر أي فتاة محبة في ذلك الموقف؟ اتقباض مفاجئ، عدم فهم، ريبة، قلق ووخزة قلب طبيعية، بالضبط كما ستشعر أي فتاة حين يذكر حبيبها خطيبته السابقة لو يلتقي بها مصادفة، أو كما ستشعر زوجة حين يضطر زوجها للقاء طليقته لأي سبب كان، حتى لو كانت تثق به وتعرف يقينًا أن كل شيء قد انتهى إلا أنها لن تتمكن من نزع هذا الشعور من قلبها، وهو شعور مختلف تمامًا عن الغيرة والحقد، لكنه الانزعاج من شبح الماضي خاصة لو أن هذا الماضي دفع بحبيبها للعزلة والتفكير، من الطبيعي أن تضطرب، أن يعتريها الفضول لمعرفة ما قد حدث، والأهم أن تشعر بالتهديد وعدم الأمان.
لو لم تكن ماريا تعرف بأن دايسكي يحب هيكارو لما التفتت إليها فور جوابه لخطورة الموقف وتأزمه، ماريا المراهقة كانت تعرف بفطرتها الأنثوية كم هو مؤلم وجارح هذا الموقف، ولم تنظر لهيكارو شامتة مثلًا.
وعلى عكس ماريا تصرف كوجي كرجل، تصرف بعقلانية تامة مركزًا على كون روبينا عدوة مادامت ابنة فيجا، وكون كوجي اتضح فيما بعد أنه لم يكن على علم بالموضوع من الأساس، عدم اهتمام كوجي يشير أيضًا لكون هيكارو لم تكن غيورة في المطلق وأن التقاء دايسكي بفتاة ما لم يكن سيثيرها أو يؤذيها.
أما دايسكي فتصرف كمحب يشعر بأنه في ورطة ويخشى مواجهة حبيبته، بدليل أنه تفاجأ بوجود هيكارو وراء ظهره وكاد أن يصطدم بها وأحنى رأسه كي لا تصطدم عينيه بعينيها كونه في موقف صعب وجارح لها وهو في حالة تشوش واضطراب وغير قادر على المواجهة أو التبرير.
المرحلة الثالثة في هذا المشهد كانت حين وصلت برقية روبينا وسمعها دايسكي وحوله الكل، كانت تؤكد له أنها لم تقصد خداعه وأنها ستنتظر مجيأه، شعر دايسكي وقتها بأنه في ورطة حقيقية، فقبل برقية روبينا كان كوجي يستوقفه وهو يقول: “يبدو أن هناك شيئًا خلف ذلك أطلعنا على الأمر يا دايسكي”، في تأزم دايسكي اختار الرسام أن يدفعنا أكثر للعمق فركز على وجه دايسكي بعد أن منحتا لقطة بعيدة لأماكن وقوف الشخصيات، بحيث جعل دكتور أمون وكوجي وماريا في جهة، وهيكارو في الجهة الأخرى، وأرانا عن قرب عيني دايسكي المتأزمة وهو ينظر لجانب دكتور أمون وكوجي وماريا بنظرة خاطفة، ثم ينظر لجهة هيكارو نظرة أطول، ثم يندفع خارجًا.
نظرة دايسكي لهيكارو كانت تعبر بوضوح عن أنها كانت ضمن تفكيره وأزمته، فهو في موقف لا يحسد عليه، هل يصدق روبينا ويذهب للقائها ويجرح حبيبته ويتركها في حيرتها؟ هل بإمكانه قبول التحالف أو حتى الزواج من روبينا كحل لإنهاء الحرب ويخسر حبيبته للأبد؟
في تلك المرحلة كانت هيكارو تسقط في بئر الشك والحيرة أكثر فأكثر، وربما بدأت تتشاءم، وربما انزعجت من موقف دايسكي وربما هي بدأت تنتظر أي محاولة منه لتطمينها وتفسير الموقف، بكل الأحوال يمكن تصور ليلة هيكارو في ذلك الوقت، ومن المؤكد أنها كانت ليلة طويلة لم تذق فيها طعم النوم أو الراحة، ومن المؤكد أنها كانت تعاني عاطفيًا بشدة، ربما تشككت فيما أخبرها به دايسكي قبلًا، ربما سألت نفسها إن كان دايسكي قد حن لماضيه أيًا كان، لكن المؤكد أنها لم تكن بخير أبدًا.
المشهد الثاني:
أيضًا يتدرج هذا المشهد بين عدة مراحل أولها إخبار كوجي لهيكارو وماريا بأن دايسكي قد خالف تعليمات دكتور أمون وخرج قرابة الفجر ليلتقي بروبينا ويعرف ما حدث، علينا ألا ننسى بأن دايسكي الذي هرب من عيني هيكارو لم يجرؤ على مواجهة عيني كوجي الذي يلومه بقوله: “ألم يخبرك المدير ألا تذهب؟!” فأجابه منشغلًا بارتدائه ثيابه: “أحب أن أصدق روبينا يا كوجي”، دايسكي كان يقول جملة خطيرة ومهمة للغاية: “أحب أن أصدق” وليس “أصدق”، دايسكي كان يعرف يقينًا أن عليه ألا يذهب ولهذا وجه لومه لروبينا فور أن علق في شعاع زوريل: “هل هذه من الثقة؟ أنت خدعتني كنت مجنونًا حين وثقت بك” وكأن ثقة دايسكي كانت هشة لدرجة رهيبة، فهو حتى لم يحاول إيجاد عذر للأميرة وإنما أول ما تبادر لذهنه أنها خدعته وأنه كان أحمقًا لدرجة لم يغفرها لنفسه، عودة لمشهد دايسكي وكوجي، حين أبدا دايسكي رغبته بتصديق روبينا اندهش كوجي من غرابة موقفه فسأله: “ماذا حدث بين الاثنين؟” ولأن دايسكي وكوجي هنا شابين منفردين يتحدثان بحرية فقد أجاب دايسكي: “لو لم نكن في حرب مع كوكب فيجا لكنت أنا وروبينا..” ولم يكمل جملته، لكن من المهم أن نشير لأن دايسكي حتى في ذلك الموقف تحاشى مواجهة كوجي وكأنه يرتكب إثمًا، أغمض عينيه بقوة وهو ينهي جملته، كوجي الذي لم يشاهد وجه دايسكي قال ببرود: “إذن هذا هو الوضع، لنقل أني كنت نائمًا ولم أعرف شيئًا عن ذهابك”، كوجي الذي لم يفسر له دايسكي الأمر فهم من الجملة أن ثمة ماض عاطفي أو ما شابه بين الاثنين، في حين تحتمل جملة دايسكي معان أعمق إذا أضفنا ما نعرفه نحن كمشاهدين من حديث فيجا وزوريل ورد دايسكي على روبينا في القارب، ويمكننا أن نفهم جملة دايسكي على أنها: “لو لم نكن في حرب مع الكوكب فيجا لكنت أنا وروبينا زوجين إتمامًا لرغبة أبي وترسيخًا للسلام”, بالنسبة لكوجي فموقفه معروف وكثير الحدوث، قد يتستر الأصدقاء من الرجال على أخطاء بعضهم العاطفية أحيانًا، ولهذا أوصى كوجي صديقه بالحذر، بالنسبة لدايسكي فقد شكر كوجي ومضى وكأن دايسكي كان ممتنًا في قراره نفسه لصديقه الذي قرر ستر ضعفه وتصرفه الطائش تجاه فتاة من ماضيه رغم ارتباطه بغيرها اليوم.
المرحلة الثانية تبدأ حين لام كوجي نفسه بعد خروج دايسكي وقرر أن يلحق به وقد كان، لكن كوجي لم يخرج بمفرده مع أنه كان بإمكانه أن يفعل لكنه تحرك بكامل الفريق وكأنه يضرب بحماقة دايسكي عرض الحائط.
السؤال: كيف يمكن لفتاة في موقف هيكارو أن تشعر حين يخبرها كوجي بأن دايسكي ذهب للقاء فتاة من ماضيه رغم أنها ابنة عدوه ورغم تحذير دكتور أمون له، ورغم معرفتها بالعلاقة التي جمعت دايسكي وروبينا؟ المنطق العاطفي يقول بأن هيكارو ستنزعج بشدة بغض النظر عن كونها تحب روبينا أو لا، أي فتاة تحب بحق ستنزعج وتستاء وتقلق وتنهك عاطفيًا.
المرحلة الثالثة: الآن نصل للمعركة، حين وصل الفريق رأت هيكارو طائرة روبينا مصابة وجريندايزر يمسك بها كي لا تسقط، هل يمكن أن يظل شعور هيكارو هنا كما هو؟ بالطبع لا، فحتى لو كانت منزعجة من ماضي حبيبها فطيف هذا الماضي يتلاشى الآن ويحل محله شبح الموت، لهذا شلت هيكارو في المعركة، لم تشل حقدًا على روبينا، لم تشارك في القضاء عليها كما يتهمها جمهور روبينا ولكنها شلت ذهنيًا وعاطفيًا، اضطربت مشاعرها بعنف شديد وانقلبت رإسًا على عقب.
نصل للمرحلة الرابعة ونسأل هل أشفقت هيكارو على روبينا في هذه المرحلة؟ محتمل جدًا، فحين أخرج دايسكي روبينا ووضعها على الأرض كان المشهد موجعًا للكل، هيكارو بكت، ماريا حاولت الاندفاع نحو روبينا واستوقفها كوجي، الموقف حساس وملتهب والغموض يكتنفه، لكن أيًا ما كان يخفيه دايسكي وأيًا ما كانت الحماقة التي كان يرتكبها بنظر الكل فالمقاييس الآن قد اختلفت، الفتاة تحتضر وسواء كانت عدوة أو صديقة فللموت الكلمة العليا الآن.
رأت هيكارو روبينا ترفع يديها لدايسكي فالتقطها، رأته يحدثها وهي في النزع الأخير، شعرت بغصة كبيرة وآلمها قلبها، آلمها قلبها ليس لأنها أدركت أنه يحب غيرها أو أن هذا حب أسطوري ولكن لأنها رأت فتاة متيمة برجلها وهو يشفق عليها في موتها، شعرت باعتصار قلبها، فحتي لو كان إشفاق دايسكي على روبينا يثير حفيظتها كامرأة آلا أنها ترى بعينيها هذه المرأة تحتضر، هل من الرحمة أن تمنحها بعض اللحظات مع حبيبها قبل أن تفارق الأخرى هذه الحياة؟ نعم، هل هذا سهل على هيكارو؟ لا، كيف ستشعر هيكارو إذن؟ ستسحق، ستسحق بحق، لكن علينا أن نذكر بدقة ما رأته هيكارو وما بدر من دايسكي تجاه روبينا حتى نتبين إن كانت فعلًا تشعر بأن روبينا هي حبه أو أنه حب أسطوري كما يزعم الجمهور، كل ما فعله دايسكي هو أن أخرج روبينا وأرقدها على الأرض، حتى أنه لم يضمها لصدره مثلًا أو يبقها على ذراعيه، ولم يسند حتى رأسها لذراعه، لم يهم ويقبلها، استجاب ليديها حين رفعتهما إليه، تحدث بهدوء فالفتاة تحتضر، حين فاضت روحها ترك يديها مباشرة على صدرها، نثر الزهور عليها كالمتعارف عليه، ثم بدأ رحلة الانهيار، لم يضمها ويقبلها بهوس عاشق مثلًا بعد موتها، لم يحاول هزها وإفاقتها بفزع وانهيار، بل وقف وتركها وانهار بعيدًا عنها تمامًا، دار حول نفسه، ركض بعيدًا عنها، صرخ فقط باسمها من أعلى الجبل، ثم هدأت ملامحه كأنما اجتاز الأزمة وبقي له أن يجتازها مع حبيبته التي جرح مشاعرها بصمته واندفاعه وحماقته، وبالنسبة لهيكارو فحتى لحظة الانهيار لم تر ما يمكن أن يشعل غيرتها من فتاة تحتضر، ولم تر ما يشير لحب أسطوري مثلًا.
لكن السؤال: حين تموت روبينا وينثر عليها دايسكي الزهور ويدور حول نفسه ويصرخ كيف ستشعر هيكارو؟ هذا هو الشعور الأصعب، هي لم تعرف بعد ما حدث وما أخبرت به روبينا دايسكي، ولا تعرف لماذا كان صامتًا، ولا تعرف لماذا تحاشى عينيها، ولا تعرف ما كان يدور بين الاثنين في اللحظات الأخيرة من حياة روبينا، لكن صرخة دايسكي كفيلة بهز كيانها وتفجير مخاوفها وإثارة رعبها وألمها وفزعها، يمكن أن نقول بأن هيكارو كانت مجروحة ومتألمة في هذا الموقف الأخير.
قالت صديقتي العزيزة في مناقشتها عن هذه اللقطة: “لا أشمت بها مطلقًا، هي حرقت لي قلبي” هذا هو أجمل تعبير يمكن أن تسمعه على هذا المشهد، نعم احترق قلب هيكارو وحرق قلوبنا، احترق بمشاعر كثيرة لا علاقة للغيرة والحقد بها أبدًا، احترق قلبها بقوة لكننا شاهدناها وقد تعافت في الحلقة التالية، وشاهدنا دايسكي يودها ويطيب خاطرها ويودعها بحب، بالطبع ستأتينا هذه التعليقات المكررة: “إذن لماذا تركها ورحل إن كان يحبها؟” فنقول بأن هذه النهاية لها تفسير عميق حسب فكر الناضجين أيضًا، فمن يعجز عن فهم شعور هيكارو في الحلقة 72 فمؤكد سيعجز عن فهم النهاية.
#لا_لتشويه_جريندايزر
اترك تعليقًا