مذكرات هيكارو السرية – وأخيرًا وجدنا النور!

مذكرات هيكارو السرية – وأخيرًا وجدنا النور!

الحلقة الثالثة والثلاثون

“لا أسرار بعد اليوم دايسكي” قلتها صادقة وأعرف أني أخليت باتفاقي مع دكتور أمون لكن لم أعد قادرة على تحمل ما يحدث! وجدتني أقولها بانفعال ودون تفكير، كنت بين ذراعي دايسكي في تلك اللحظة، بين ذراعيه أبكي بحرقة وبفرح في وقت واحد، كان هو يضمني إليه بشدة، كنا نعاني انفعالًا جارفًا يفوق طاقتنا وقدرتنا على الاحتمال، هناك بالقرب من قاعدة جريندايزر كنا نذرف الدموع معًا لأول مرة، لكن كيف بدأ كل ذلك؟ وكيف وصلنا لتلك النقطة؟
كانت البداية منذ أيام قليلة، وقتها كان أبي قد طلب من دايسكي تدريب أحد خيول المزرعة نيابة عنه، كان الحصان قويًا وسريعًا، وكانت السيطرة عليه مع ذلك شاقة، درَّبَهُ أبي منذ صغره وكان أثيرًا عنده، لكن مع تزايد قوة الحصان رآى أبي أن دايسكي أقدر منه على استكمال تدريباته، كان أبي يخطط لإشراك هذا الحصان في سباقات محلية قادمة، واستجاب دايسكي لطلب أبي بطيب خاطر، جعل يخرج بالحصان يوميًا، يعدو به لمسافات طويلة، ويقفز به فوق الصخور والأنهار الصغيرة، في ذلك اليوم كنا نقف ثلاثتنا – أبي، جورو وأنا – نرقب دايسكي وهو يركض بالحصان بالقرب من المزرعة، استندنا للسياج وأخذ أبي يمتدح الحصان وتدريباته السابقة له، وأثنى جورو على الحصان وعلى دايسكي: “حصان ممتاز وفارسه ممتاز” وأكدت أنا جملة جورو فاستثار أبي وراح يؤكد أن دايسكي يبدو جميلًا لأن الحصان جميل، رفع أبي صوته وهو يملي تعليماته على دايسكي أمامنا ليؤكد أفضلية تدريباته هو منذ البداية.


أتفهم تصرفات أبي رغم ما تسببه لي من حرج أحيانًا وكذلك يفعل دايسكي، كلانا يعرف أن أبي يحمل بين ضلوعه قلبًا طيبًا لكنه عصبي وسريع الانفعال، كان أبي يلقي توجيهاته بأعلى صوته وقد التفت إليه دايسكي وهو يبتسم بعذوبة.


أخذت أتأمل دايسكي الذي يقبض على اللجام بقوة ويوجه الحصان الذي يقاومه بشدة، أجد لذة حقيقية في تأمل قوة دايسكي وقدرته على السيطرة على زمام الأمور، أنظر لقوة ساعديه وأعرف أن خلف هذه القوة قلبًا من ألماس نقي وعاطفة أرق من الحرير، لكن حدث ما لم يتوقعه أحد فجأة، شد دايسكي اللجام بقوة على حين غرة يحاول إيقاف الحصان الذي يعدو بسرعة وينهب الأعشاب الخضراء بحوافره القوية، شد اللجام بقوة لكن الحصان لم يتوقف، لقد كان الحصان يقاوم بعنف ودايسكي يشد اللجام بقوة أكبر، أخيرًا ألقى الحصان بدايسكي من على ظهره بعنف وتوقف.


اندفعنا نحو دايسكي ننظر ما حدث له، كنت أول من يصل إليه، سألته بقلق عما حدث له فلم يجبني، ولام أبي دايسكي بحدة رغم اعتذاره عما حدث، قال أبي أنه أراد إثبات براعته وأنه لا عجب في سقوطه، نعته بالأبله مما أثار ضيقي وحزني، لكن دايسكي لم يجب بشيء وهب من سقطته مسرعًا وراح يركض لسبب لم نعرفه.


تبعته فوجدته جالسًا على ركبتيه أرضًا يحمل على كفيه عصفورًا صغيرًا جريح الجناح، هتفت بتلقائية:
لقد تحاشيت يا دايسكي أن تدهس الطير الجريح، هذا رائع!


شعرت بالفخر يغمرني، هذا هو صديقي الذي أحببته فعلًا! لقد عرض دايسكي نَفْسَه للخطر كي ينقذ العصفور الصغير، لوم أبي وكلماته الجارحة لم تعنه بشيء، كل ما كان يهمه وقتها هو سلامة العصفور لا سلامته هو ولا ثناء الآخرين على أفعاله كما وبخه أبي، هذا هو دايسكي الذي غير حياتي والذي أحببته!


لحق بنا أبي وظل على استيائه من دايسكي، وحاول التقليل مما فعله وسأله باستخفاف عن الطير وأين وجده، لكن جورو لم يتمالك نفسه، اندفع جورو يدافع عن دايسكي بإخلاص، كنت سعيدة بنضج جورو الذي استطاع أن يفهم نبل تصرف دايسكي وأن يقدره، أخذ يشرح لأبي ما حدث ويلومه على نعته لدايسكي بالأبله، وطلب من أبي بجرأة أدهشتنا – دايسكي وأنا – أن يعتذر لدايسكي، لهذا حاول الأخير التخفيف من حدة الموقف بعد استجابة أبي لطلب جورو، أكبر دايسكي اعتذار أبي الصريح بقوله: “لا، كان علي أن أجد العصفور أولًا وإلا ما أفزعت الحصان ووقع بي” شكرًا دايسكي!


التفت إلي دايسكي بكفيه ففتحت كفي وأدنيتهما من كفيه فأراح العصفور عليهما، كنت سعيدة بنجاة العصفور، نظر لي جورو وهو يمد كفيه كذلك فأدنيت العصفور منه، قلت له أنه سيشفى إذا عالجنا جرحه، تطوع أبي وجورو للقيام بالمهمة سريعًا

وبقيت وحدي مع دايسكي، نظرت إليه فلاحظت بقعة من الدماء على قميصه، أعرف هذا الموضع جيدًا وأحفظه عن ظهر قلب: هذا موضع جرح دايسكي

القديم، ضمدت هذا الجرح بيدي منذ فترة وها هو ينزف الآن أيضًا، إلى متى سيستمر هذا الألم؟!


وجدتني أقولها بقلق:
حين وقعت جرحت!


كنت أرغب بالعناية به، كنت سأطلب منه أن نتوجه للداخل حتى أضمد جرحه، تمنيت أن أسأله بصدق إن كان يشعر بألم أو إن كان بحاجة للذهاب للمختبر لكن دايسكي لم يمهلني الوقت لذلك:
هذا جرح قديم يا هيكارو انظري. لا تخافي!
قالها وهو يحرك ذراعه أمامي ليبرهن لي على صدق كلماته، وقفز على ظهر الحصان واندفع به مسرعًا، هتفت باسمه استوقفه لكن دون جدوى

أنا واثقة من أنه كان يتألم وأنه أسرع لدكتور أمون ليخفف آلامه هذه المرة أيضًا، أقدر رغبته في تطميني لكنني مع ذلك أشعر بمرارة لا حدود لها، لقد عادت

الأسرار تظهر بيننا من جديد، لا أحتمل هذا الاغتراب مجددًا، فمنذ تلك الليلة لم يحدثني دايسكي عن إصابته السابقة ولم يحاول إبداء شعوره الحقيقي أمامي حتى لو كنا وحيدين، أعرف ما يعانيه؟ وأعرف أنه مضطرب بين الأمل واليأس، وأعرف أنه يحاول التشبث بالحياة، وأشعر بالعبء والمسؤولية الملقاة على عاتقه، لأجل هذا تمنيت أن أشاركه همومه وآلامه وأن أكون أقدر على مساعدته والتخفيف عنه، لكني اتفقت مع الدكتور أمون ألا أبدي لدايسكي شيئًا وأن أنتظر حتى يشاطرني هو ما يعانيه، لهذا ابتلعت مرارتي مكرهة ولحقت بأبي وجورو أرى ما حل بالعصفور.


مساءً كان دايسكي شارد الذهن تمامًا، كنا جالسين كعادتنا في ليل المزرعة لكنه كان صامتًا ينظر للسماء، سألته عما يشغل باله، أخبرني أن تشكيلة من الميني فو قد ظهرت اليوم وأنه خرج لملاقاتهم، لم أكن أعرف بالأمر فبقيت صامته أنتظر أن يستطرد حديثه، قال أن الميني فو ظهرت دون أن بتبعها صحن متوحش كالعادة، سألته:
وما الذي يعنيه ذلك؟
ربما هم يخططون لأمر سيء!
مثل ماذا؟!
قد تكون مناورة هيكارو أو. شرك!
ألم تهاجم الميني فو إحدى المدن كالعادة؟
لا، لقد استهدفت منطقة خالية من السكان!
استطاعت مخاوف دايسكي أن تصلني، وبدا الأمر مريبًا بحق، ما الذي تخطط له قوات فيجا يا ترى؟
اليوم عرفنا الجواب، لكن قبل ذلك علي أن أكتب عما حدث لضيفنا الجريح الذي أتى لبيتنا دون سابق إنذار، تفقد جورو العصفور صباح أمس لكنه عاد إلي مسرعًا وهو يبكي بحرقة، كان القفص الصغير معلقًا بيده فاحتضنت جورو بذراعي الأيسر وقد جلست على ركبتي أمامه، والتقطت القفص بيميني أنظر إلى العصفور بدقة، للوهلة الأولى؛ بدا لي أن العصفور قد لفظ أنفاسه الأخيرة، فقد كان متكومًا على نفسه في قاع القفص دون حراك، دققت النظر أكثر فإذا به حي يتحرك، قلت لجورو:
إنه على قيد الحياة اطمئن!
رفع رأسه لي وعيناه مغرورقتان بالدموع:
حقًا؟!
نعم، لكنه هزيل يا جورو، ربما هو غير قادر على احتمال الألم أو أنه قد عانى كثيرًا قبل أن نجده.
أنقذيه هيكارو! أرجوكِ!
كان جورو يبكي وأنا لا أعرف ما الذي يتوجب علي فعله بالضبط، فكرت أن أشارك دايسكي الأمر، فحتى لو لم تكن لديه فكرة مناسبة فربما ساعدني في التخفيف عن جورو:
لنسأل دايسكي!
ابتهج جورو لجوابي وركض مندفعًا فلحقت به.


كان دايسكي في الخارج يباشر تدريبات الحصان، اندفع جورو نحوه وهو يهتف باسمه، اقترب منا دايسكي وترجل عن حصانه وهو يتساءل عما يحدث، ناوله جورو القفص وهو يهتف مستنجدًا:
العصفور! العصفور!


حاولت أن أشرح لدايسكي ما حدث، قلت له أننا عالجنا جرح العصفور لكنه هزيل وقد يموت، أخذ جورو يبكي بحرقة بين ذراعي دايسكي الذي رفع القفص لأعلى وراح يتأمل العصفور، كنا ننظر للعصفور من جهتين متقابلتين ونحن عاجزين عن إيجاد حل لحالته السيئة حتى خطرت الفكرة ببال دايسكي، أسرع يخبر جورو بها ليبث فيه الأمل:
جورو، عندي فكرة عن علاجٍ شافٍ! لنذهب إلى المختبر.


أسرعنا بالفعل نحو المختبر، ركب ثلاثتنا دراجة دايسكي النارية وقاد هو بنا مسرعًا إلى هناك.
في المختبر اقترح دايسكي على دكتور أمون أن يعرض العصفور للإشعاع، أشار لجهاز أعرفه جيدًا، استجاب دكتور أمون لطلبه، أنزلنا العصفور برفق على الفراش وراح دكتور أمون يوجه جهاز الأشعة صوبه، وقف جورو بتأمله وهو يبكي وبقينا دايسكي وأنا نراقب باهتمام.


مضت دقيقتان ثم بدأ العصفور يرفرف بجناحيه ويغرد، تنفسنا الصعداء والتفت انظر لدايسكي فتفاجأت به ينظر إلي أيضًا.


كان بداخلي الكثير لأقوله له: أعرف هذا الجهاز دايسكي، كنتَ أنتَ في موضع هذا العصفور يومًا ما، كنتُ أبكي جوارك كما بكى جورو اليوم وربما أشد، أعرف أنكَ كنتَ تتألم بشدة في ذلك اليوم، وأعرف كم آلمك هذا الجهاز، كنتَ بين ذراعي يومها تنتفض دون وعي من شدة الألم، وكنتُ أبذل مجهودًا كبيرًا للحفاظ عليك، أنتَ تدرك اليوم أن هذا الجهاز رغم ألمه يخفف من عذابك ويمنحكَ الفرصة للحياة، ليتكَ تشفى كهذا العصفور دايسكي! أشعر بكَ، أشاطركَ شعوركَ حتى دون أن تخبرني عنه، وأتمنى أن تبوح لي بمكنونات نفسك، متى دايسكي؟ متى؟


لكني بالرغم من ذلك لم أقل شيئًا، حمل جورو العصفور فرحًا وشكر دكتور أمون ودايسكي، لهذا شكرت دكتور أمون بدوري وانصرفنا عائدين للمزرعة وبقي دايسكي في المركز، كان جورو فرحًا بسلامة العصفور وشعرت بالانفراج لأجله وتمنيت من أعماق قلبي أن أشهد هذا الانفراج بشفاء دايسكي يومًا ما.


في عصر ذلك اليوم استدعى دكتور أمون دايسكي لمواجهة اليوفو، كنا معًا في نزهة سريعة، كان دايسكي قد افترش العشب الأخضر، وأنا جالسة إلى جواره نتحدث عن العصفور، شغلنا العصفور الجريح وألهب مشاعرنا كثيرًا، على الرغم من خوض دايسكي للمعارك إلا أنه يحمل قلبًا يفيض بالعاطفة، يحب دايسكي الحيوانات والطيور ويحزن لأجلها، لم يكن هذا العصفور هو القصة الأولى التي تشغلنا، سبقه ساندي وتارو وغيرهم كثير، لكن هذا العصفور أثار بداخلنا الكثير من الشجن، حين جاء استدعاء دكتور أمون نهضنا مسرعين واتجهنا للمركز بدراجة دايسكي فلم تكن الخيول معنا، خرج هو مسرعًا بجريندايزر وبقيت أنا مع دكتور أمون وكوجي في غرفة الرصد.


شاهدنا جريندايزر يخوض حربًا شرسة مع وحش فيجا، كان وحشًا خفيفًا وسريع الحركة بشكل لافت للنظر، واستطاع أن يُسْقِطَ جريندايزر في جرف عميق، رأينا جريندايزر يسقط وألسنه اللهب ترتفع من داخل الجرف وأنقطع الاتصال تمامًا.


حاول دكتور أمون أن يتصل بدايسكي كثيرًا لكن دون جدوى، قال السيد هياشي أنه غير قادر على رؤية جريندايزر على الرادار، واندفع كوجي مغادرًا وهو يهتف: “سأنتقم لدايسكي”


لقد حكم الكل بموت دايسكي، ما نشاهده، ما يقوله السيد هياشي، ما أقدم عليه كوجي، شعرت بقلبي يتمزق، ظل دكتور أمون يكرر محاولاته للاتصال بدايسكي دون يأس، عدنا أسرة من جديد دايسكي، دكتور أمون وأنا، لم يصدق دكتور أمون فكرة موت دايسكي، ورفضها قلبي قبل عقلي، دايسكي حي أنا واثقة من ذلك!


أخيرًا جاءنا صوت دايسكي، وظهرت صورته على شاشة الاتصال، قال أنه تغلب على الأزمة بانفجار مزيف، لكنه ما لبث أن تهاوى أمام عيني، أمسك ذراعه بألم وانهار على لوحة القيادة.


ظل دكتور أمون يناديه ويهتف: “تمالك يا دايسكي” حتى رفع رأسه من جديد، رأيت بعينيه ألمًا لا حدود له، رأيته يغرق في بحر من اليأس، لم أتمالك نفسي، اقتربت من شاشة الاتصال وأنا أهتف:
أبشر يا دايسكي، لن تهزم بمثل هذه الأشياء أبدًا، شُفي العصفور الجريح تمامًا، فابتهج يا دايسكي! ابتهج!


كنتُ أتحدث بسرعة وبانفعال، دايسكي بحاجة للأمل وعلي أن أمنحه إياه، دايسكي قوي لكنه يتألم الآن لهذا علي أن أذكره بقوته، دايسكي يحتاج للحب والبشرى والتفاؤل سأمنحه ما يحتاج إليه!
كان ينظر إلي بضعف، كنتُ أرى عينيه من خلف خوذته، هذه النظرات كانت تمزقني وتتحدى مشاعري، استمريت في حديثي له، صمت دكتور أمون تمامًا وترك لي المهمة، أخيرًا فتح دايسكي عينيه بقوة ونهض، وانطلق بجريندايزر وانتصر!


حين عودته أسرعت أغادر غرفة الرصد، ركضت في الممرات صوب محطة جريندايزر، وصلت إليه كان قد خرج لتوه من قمرة القيادة، اندفعت نحوه دون تفكير، وجدته يركض نحوي أيضًا، ألقيت بنفسي بين ذراعيه، قلتها له ودموعي تسيل على وجهي:
لا أسرار بعد اليوم دايسكي! أرجوك!
كنت مرهقة نفسيًا لدرجة لم أستطع مقاومتها، رأيت موت دايسكي أمام عيني وكنت أكذِّب ما أرى، تحققت كل مخاوفي، كان ينهار اليوم وحيدًا في كابينة جريندايزر، أعرف أنها ليست المرة الأولى لكني اليوم رأيتها بعيني، لم أعد قادرة على معايشة هذا الوضع المربك أكثر، نحن بحاجة للنور، علي أن أفعل شيئًا لأجل هذا، دايسكي أيضًا بدا بحاجة مثلي لذلك، كان يضمني بقوة ودقات قلبه تتسارع، كنت أسمعها وأشعر أنها تسابق دقات قلبي، قال لي بامتنان صادق:
أنا مدين لك بحياتي!
قالها وهو يضمني إليه أكثر فأكثر، شعرت بذراعيه تعتصران ضلوعي، قلت له وكلماتي تمتزج بدموعي:
لا يهمني هذا الجرح أبدًا! لا يهمني امتداده! أنا واثقة من قدرتك على مقاومته! ستشفى يومًا ما دايسكي! أنا متأكدة من ذلك!
هيكارو!
قالها بصوت مُختنق من الدموع، تراجع للوراء قليلًا، كنا قادرين على رؤية وجوهنا وقد غمرها الدمع، وفي لحظة واحدة ابتسمنا وسط دموعنا، يمكننا أن نبتسم طالما كنا معًا وهذا يكفي، نحن الآن أقرب، نحن الآن أصدق، نحن الآن نحيا حياة واحدة بكل ما فيها!
سألته وأنا أنظر لعينيه بعمق:
كيف أنتَ الآن؟
احتوى وجهي بكفيه وهو يجيبني:
أنا بخير الآن! أقسم لك!
تشبثت بذراعيه وكأني أحاول تأكيد حقيقة وجوده سالمًا بنفسي، كنت أتأمل ملامحه بعمق وكأني أراه لأول مرة، لم أكن قادرة على تصديق احتمال فقده اليوم، شعر دايسكي بما يفيض به قلبي، ضمني إليه مجددًا وهو يهمس لي:
لا تخافي هيكارو!
بدأت مشاعري تهدأ، دايسكي عاد حيًا وسالمًا رغم ما حدث، لم يعاود جرحه النزف والحمد لله، لهذا ارتاح بالي، أخيرًا جففنا دموعنا وعدنا لغرفة الرصد.

2023-02-04

مذكرات هيكارو السرية – وأخيرًا وجدنا النور!

مذكرات هيكارو السرية

مذكرات خيالية في دفتر يوميات هيكارو ماكيبا

الحلقة الثالثة والثلاثون – وأخيرًا وجدنا النور!

“لا أسرار بعد اليوم دايسكي” قلتها صادقة وأعرف أني أخليت باتفاقي مع دكتور أمون لكن لم أعد قادرة على تحمل ما يحدث! وجدتني أقولها بانفعال ودون تفكير، كنت بين ذراعي دايسكي في تلك اللحظة، بين ذراعيه أبكي بحرقة وبفرح في وقت واحد، كان هو يضمني إليه بشدة، كنا نعاني انفعالًا جارفًا يفوق طاقتنا وقدرتنا على الاحتمال، هناك بالقرب من قاعدة جريندايزر كنا نذرف الدموع معًا لأول مرة، لكن كيف بدأ كل ذلك؟ وكيف وصلنا لتلك النقطة؟

كانت البداية منذ أيام قليلة، وقتها كان أبي قد طلب من دايسكي تدريب أحد خيول المزرعة نيابة عنه، كان الفرس قويًا وسريعًا، وكانت السيطرة عليه مع ذلك شاقة، درب أبي الفرس منذ صغره وكان أثيرًا عنده، لكن مع تزايد قوة الحصان رآى أبي أن دايسكي أقدر منه على استكمال تدريباته، كان أبي يخطط لإشراك هذا الحصان في سباقات محلية قادمة، واستجاب دايسكي لطلب أبي بطيب خاطر، جعل يخرج بالحصان يوميًا، يعدو به لمسافات طويلة، ويقفز به فوق الصخور والأنهار الصغيرة، في ذلك اليوم كنا نقف ثلاثتنا – أبي، جورو وأنا – نرقب دايسكي وهو يركض بالحصان بالقرب من المزرعة، استندتا للسياج وأخذ أبي يمتدح الحصان وتدريباته السابقة له، وأثنى جورو على الحصان وعلى دايسكي: “حصان ممتاز وفارسه منتاز” وأكدت أنا جملة جورو فاستثار أبي وراح يؤكد أن دايسكي يبدو جميلًا لأن الحصان جميل، وراح يملي تعليماته على دايسكي أمامنا بصوت مرتفع ليؤكد أفضلية تدريباته هو منذ البداية.

أتفهم تصرفات أبي رغم ما تسببه لي من حرج أحيانًا وكذلك يفعل دايسكي، كلانا يعرف أن أبي يحمل بين ضلوعه قلبًا طيبًا لكنه عصبي وسريع الانفعال، كان أبي يلقي توجيهاته بأعلى صوته وقد التفت إليه دايسكي وهو يبتسم بعذوبة.

أخذت أتأمل دايسكي الذي يقبض على اللجام بقوة ويوجه الحصان الذي يقاومه بشدة، أجد لذة حقيقية في تأمل قوة دايسكي وقدرته على السيطرة على زمام الأمور، أنظر لقوة ساعديه وأعرف أن خلف هذه القوة قلبًا من ألماس نقي وعاطفة أرق من الحرير، لكن حدث ما لم يتوقعه أحد فجأة، شد دايسكي اللجام بقوة على حين غرة يحاول إيقاف الحصان الذي يعدو بسرعة وينهب الأعشاب الخضراء بحوافره القوية، شد اللجام بقوة لكن الحصان لم يتوقف، لقد كان الحصان يقاوم بعنف ودايسكي يشد اللجام بقوة أكبر، أخيرًا ألقى الحصان بدايسكي من على ظهره بعنف وتوقف.

اندفعنا نحو دايسكي ننظر ما حدث له، كنت أول من يصل إليه، سألته بقلق عما حدث له فلم يجبني، ولام أبي دايسكي بحدة رغم اعتذاره عما حدث، قال أبي أنه أراد إثبات براعته وأنه لا عجب في سقوطه، نعته بالأبله مما أثار ضيقي وحزني، لكن دايسكي لم يجب بشيء وهب من سقطته مسرعًا وراح يركض لسبب لم نعرفه.

 تبعته فوجدته جالسًا على ركبتيه أرضًا يحمل على كفيه عصفورًا صغيرًا جريح الجناح.

هتفت بتلقائية:

–     لقد تحاشيت يا دايسكي أن تدهس الطير الجريح هذا رائع!

شعرت بالفخر يغمرني، هذا هو صديقي الذي أحببته فعلًا! لقد عرض دايسكي نَفْسَه للخطر كي ينقذ العصفور الصغير، لوم أبي وكلماته الجارحة لم تعنه بشيء، كل ما كان يهمه وقتها هو سلامة العصفور لا سلامته هو ولا ثناء الآخرين على أفعاله كما وبخه أبي، هذا هو دايسكي الذي غير حياتي والذي أحببته!

لحق بنا أبي وظل على استيائه من دايسكي، وحاول التقليل مما فعله وسأله باستخفاف عن الطير وأين وجده، لكن جورو لم يتمالك نفسه، اندفع جورو يدافع عن دايسكي بإخلاص، كنت سعيدة بنضج جورو الذي استطاع أن يفهم نبل تصرف دايسكي وأن يقدره، أخذ يشرح لأبي ما حدث ويلومه على نعته لدايسكي بالأبله، وطلب من أبي بجرأة أدهشتنا – دايسكي وأنا – أن يعتذر لدايسكي، لهذا حاول الأخير التخفيف من حدة الموقف بعد استجابة أبي لطلب جورو، أكبر دايسكي اعتذار أبي الصريح بقوله: “لا،  كان علي أن أجد العصفور أولًا وإلا ما  أفزعت الحصان ووقع بي” شكرًا دايسكي!

التفت إلي دايسكي بكفيه ففتحت كفي وأدنيتهما من كفيه فأراح العصفور علىهما، كنت سعيدة بنجاة العصفور، نظر لي جورو وهو يمد كفيه كذلك فأدنيت العصفور منه، قلت له أنه سيشفى إذا عالجنا جرحه، تطوع أبي وجورو للقيام بالمهمة سريعًا.

وبقيت وحدي مع دايسكي، نظرت إليه فلاحظت بقعة من الدماء على قميصه، أعرف هذا الموضع جيدًا وأحفظه عن ظهر قلب: هذا موضع جرح دايسكي القديم، ضمدت هذا الجرح بيدي منذ فترة وها هو ينزف الآن أيضًا، إلى متى سيستمر هذا الألم؟!

وجدتني أقولها بقلق:

–     حين وقعت جرحت!

كنت أرغب بالعناية به، كنت سأطلب منه أن نتوجه للداخل حتى أضمد جرحه، تمنيت أن أسأله بصدق إن كان يشعر بألم أو إن كان بحاجة للذهاب للمختبر لكن دايسكي لم يمهلني الوقت لذلك:

–     هذا جرح قديم يا هيكارو انظري.. لا تخافي!

قالها وهو يحرك ذراعه أمامي ليبرهن لي على صدق كلماته، وقفز على ظهر الحصان واندفع به مسرعًا، هتفت باسمه استوقفه لكن دون جدوى.

أنا واثقة من أنه كان يتألم وأنه أسرع لدكتور أمون ليخفف آلامه هذه المرة أيضًا، أقدر رغبته في تطميني لكنني مع ذلك أشعر بمرارة لا حدود لها، لقد عادت الأسرار تظهر بيننا من جديد، لا أحتمل هذا الاغتراب مجددًا، فمنذ تلك الليلة لم يحدثني دايسكي عن إصابته السابقة ولم يحاول إبداء شعوره الحقيقي أمامي حتى لو كنا وحيدين، أعرف ما يعانيه؟ وأعرف أنه مضطرب بين الأمل واليأس، وأعرف أنه يحاول التشبث بالحياة، وأشعر بالعبء والمسؤولية الملقاة على عاتقه، لأجل هذا تمنيت أن أشاركه همومه وآلامه وأن أكون أقدر على مساعدته والتخفيف عنه، لكني اتفقت مع الدكتور أمون ألا أبدي لدايسكي شيئًا وأن أنتظر حتى يشاطرني هو ما يعانيه، لهذا ابتلعت مرارتي مكرهة ولحقت بأبي وجورو أرى ما حل بالعصفور.

***

مساءً كان دايسكي شارد الذهن تمامًا، كنا جالسين كعادتنا في ليل المزرعة لكنه كان صامتًا ينظر للسماء، سألته عما يشغل باله، أخبرني أن تشكيلة من الميني فو قد ظهرت اليوم وأنه خرج لملاقاتهم، لم أكن أعرف بالأمر فبقيت صامته أنتظر أن يستطرد حديثه، قال أن الميني فو ظهرت دون أن بتبعها صحن متوحش كالعادة، سألته:

–     وما الذي يعنيه ذلك؟

–     ربما هم يخططون لأمر سيء!

–     مثل ماذا؟!

–     قد تكون مناورة هيكارو أو.. شرك!

–     ألم تهاجم الميني فو إحدى المدن كالعادة؟

–     لا، لقد استهدفت منطقة خالية من السكان!

استطاعت مخاوف دايسكي أن تصلني، وبدا الأمر مريبًا بحق، ما الذي تخطط له قوات فيجا يا ترى؟

اليوم عرفنا الجواب، لكن قبل ذلك علي أن أكتب عما حدث لضيفنا الجريح الذي أتى لبيتنا دون سابق إنذار، تفقد جورو العصفور صباح أمس لكنه عاد إلي مسرعًا وهو يبكي بحرقة، كان القفص الصغير معلقًا بيده فاحتضنت جورو بذراعي الأيسر وقد جلست على ركبتي أمامه، والتقطت القفص بيميني أنظر إلى العصفور بدقة، للوهلة الأولئ؛ بدا لي أن العصفور قد لفظ أنفاسه الأخيرة، فقد كان متكومًا على نفسه في قاع القفص دون حراك، دققت النظر أكثر فإذا به حي يتحرك، قلت لجورو:

–     إنه على قيد الحياة اطمئن!

رفع رأسه لي وعيناه مغرورقتان بالدموع:

–     حقًا؟!

–     نعم، لكنه هزيل يا جورو، ربما هو غير قادر على احتمال الألم أو أنه قد عانى كثيرًا قبل أن نجده.

–     أنقذيه هيكارو! أرجوكِ!

كان جورو يبكي وأنا لا أعرف ما الذي يتوجب علي فعله بالضبط، فكرت أن أشارك دايسكي الأمر، فحتى لو لم تكن لديه فكرة مناسبة فربما ساعدني في التخفيف عن جورو:

–     لنسأل دايسكي!

ابتهج جورو لجوابي وركض مندفعًا فلحقت به.

كان دايسكي في الخارج يباشر تدريبات الحصان، اندفع جورو نحوه وهو يهتف باسمه، اقترب منا دايسكي وترجل عن حصانه وهو يتساءل عما يحدث، ناوله جورو القفص وهو يهتف مستنجدًا:

–     العصفور! العصفور!

حاولت أن أشرح لدايسكي ما حدث، قلت له أننا عالجنا جرح العصفور لكنه هزيل وقد يموت، أخذ جورو يبكي بحرقة بين ذراعي دايسكي الذي رفع القفص لأعلى وراح يتأمل العصفور، كنا ننظر للعصفور من جهتين متقابلتين ونحن عاجزين عن إيجاد حل لحالته السيئة حتى خطرت الفكرة ببال دايسكي، أسرع يخبر جورو ليبث فيه الأمل:

–     جورو، عندي فكرة عن علاجٍ شافٍ! لنذهب إلى المختبر.

أسرعنا بالفعل نحو المختبر، ركب ثلاثتنا دراجة دايسكي النارية وقاد هو بنا مسرعًا إلى هناك.

في المختبر اقترح دايسكي على دكتور أمون أن يعرض العصفور للإشعاع، أشار لجهاز أعرفه جيدًا، استجاب دكتور أمون لطلبه، أنزلنا العصفور برفق على الفراش وراح دكتور أمون يوجه جهاز الأشعة صوبه، وقف جورو بتأمله وهو يبكي وبقينا دايسكي وأنا نراقب باهتمام.

مضت دقيقتان ثم بدأ العصفور يرفرف بجناحيه ويغرد، تنفسنا الصعداء والتفت انظر لدايسكي فتفاجأت به ينظر إلي أيضًا.

كان بداخلي الكثير لأقوله له: أعرف هذا الجهاز دايسكي، كنتَ أنتَ في موضع هذا العصفور يومًا ما، كنتُ أبكي جوارك كما بكى جورو اليوم وربما أشد، أعرف أنكَ كنتَ تتألم بشدة في ذلك اليوم، وأعرف كم آلمك هذا الجهاز، كنتَ بين ذراعي يومها تنتفض دون وعي من شدة الألم، وكنتُ أبذل مجهودًا كبيرًا للحفاظ عليك، أنتَ تدرك اليوم أن هذا الجهاز رغم ألمه يخفف من عذابك ويمنحكَ الفرصة للحياة، ليتكَ تشفى كهذا العصفور دايسكي! أشعر بكَ، أشاطركَ شعوركَ حتى دون أن تخبرني عنه، وأتمنى أن تبوح لي بمكنونات نفسك، متى دايسكي؟ متى؟

لكني بالرغم من ذلك لم أقل شيئًا، حمل جورو العصفور فرحًا وشكر دكتور أمون ودايسكي، لهذا شكرت دكتور أمون بدوري وانصرفنا عائدين للمزرعة وبقي دايسكي في المركز، كان جورو فرحًا بسلامة العصفور وشعرت بالانفراج لأجله وتمنيت من أعماق قلبي أن أشهد هذا الانفراج بشفاء دايسكي يومًا ما.

 ***

في عصر ذلك اليوم استدعى دكتور أمون دايسكي لمواجهة اليوفو، كنا معًا في نزهة سريعة، كان دايسكي قد افترش العشب الأخضر، وأنا جالسة إلى جواره نتحدث عن العصفور، شغلنا العصفور الجريح وألهب مشاعرنا كثيرًا، على الرغم من خوض دايسكي للمعارك إلا أنه يحمل قلبًا يفيض بالعاطفة، يحب دايسكي الحيوانات والطيور ويحزن لأجلها، لم يكن هذا العصفور هو القصة الأولى التي تشغلنا، سبقه ساندي وتارو وغيرهم كثير، لكن هذا العصفور أثار بداخلنا الكثير من الشجن، حين جاء استدعاء دكتور أمون نهضنا مسرعين واتجهنا للمركز بدراجة دايسكي فلم تكن الخيول معنا، خرج دايسكي مسرعًا بجريندايزر وبقيت أنا مع دكتور أمون وكوجي في غرفة الرصد.

شاهدنا جريندايزر يخوض حربًا شرسة مع وحش فيجا، كان وحشًا خفيفًا وسريع الحركة بشكل ملفت للنظر، واستطاع أن يُسْقِطَ جريندايزر في جرف عميق، رأينا جريندايزر يسقط وألسنه اللهب ترتفع من داخل الجرف وأنقطع الاتصال تمامًا.

حاول دكتور أمون أن يتصل بدايسكي كثيرًا لكن دون جدوى، قال السيد هياشي أنه غير قادر على رؤية جريندايزر على الرادار، واندفع كوجي مغادرًا وهو يهتف: “سأنتفم لدايسكي”

لقد حكم الكل بموت دايسكي، ما نشاهده، ما يقوله السيد هياشي، ما أقدم عليه كوجي، شعرت بقلبي يتمزق، ظل دكتور أمون يكرر محاولاته للاتصال بدايسكي دون يأس، عدنا أسرة من جديد دايسكي، دكتور أمون وأنا، لم يصدق دكتور أمون فكرة موت دايسكي، ورفضها قلبي قبل عقلي، دايسكي حي أنا واثقة من ذلك!

أخيرًا جاءنا صوت دايسكي، وظهرت صورته على شاشة الاتصال، قال أنه تغلب على الأزمة بانفجار مزيف لكنه تهاوى أمام عيني، أمسك ذراعه بألم وانهار على لوحة القيادة.

ظل دكتور أمون يناديه ويهتف: “تمالك يا دايسكي” حتى رفع رأسه من جديد، رأيت بعينيه ألمًا لا حدود له، رأيته يغرق في بحر من اليأس، لم أتمالك نفسي، اقتربت من شاشة الاتصال وأنا أهتف:

–     أبشر يا دايسكي، لن تهزم بمثل هذه الأشياء أبدًا، شُفي العصفور الجريح تمامًا، فابتهج يا دايسكي! ابتهج!

كنت أتحدث بسرعة وبانفعال، دايسكي بحاجة للأمل وعلي أن أمنحه إياه، دايسكي قوي لكنه يتألم الآن لهذا علي أن أذكره بقوته، دايسكي يحتاج للحب والبشرى والتفاؤل سأمنحه ما يحتاج إليه!

كان ينظر إلي بضعف، كنت أرى عينيه من خلف خوذته، هذه النظرات كانت تمزقني وتتحدى مشاعري، استمريت في حديثي له، صمت دكتور أمون تمامًا وترك لي المهمة، أخيرًا فتح دايسكي عينيه بقوة ونهض، وانطلق بجربندايزر وانتصر!

***

حين عودته أسرعت أغادر غرفة الرصد، ركضت في الممرات صوب محطة جريندايزر، وصلت إليه كان قد خرج لتوه من قمرة القيادة، اندفعت نحوه دون تفكير، وجدته يركض نحوي أيضًا، ألقيت بنفسي بين ذراعيه، قلتها له ودموعي تسيل على وجهي:

–     لا أسرار بعد اليوم دايسكي! أرجوك!

كنت مرهقة نفسيًا لدرجة لم أستطع مقاومتها، رأيت موت دايسكي أمام عيني وكنت أكذِّب ما أرى، تحققت كل مخاوفي، كان ينهار اليوم وحيدًا في كابينة جريندايزر، أعرف أنها ليست المرة الأولى لكني اليوم رأيتها بعيني، لم أعد قادرة على معايشة هذا الوضع المربك أكثر، نحن بحاجة للنور، علي أن أفعل شيئًا لأجل هذا، دايسكي أيضًا بدا بحاجة مثلي لذلك، كان يضمني بقوة ودقات قلبه تتسارع، كنت أسمعها وأشعر أنها تسابق دقات قلبي، قال لي بامتنان صادق:

–     أنا مدين لك بحياتي!

قالها وهو يضمني إليه أكثر فأكثر,، شعرت بذراعيه تعتصران ضلوعي، قلت له وكلماتي تمتزج بدموعي:

–     لا يهمني هذا الجرح أبدًا! لا يهمني امتداده! أنا واثقة من قدرتك على مقاومته! ستشفى يومًا ما دايسكي! أنا متأكدة من ذلك!

–     هيكارو!

قالها بصوت مُختنق من الدموع، تراجع للوراء قليلًا، كنا قادرين على رؤية وجوهنا وقد غمرها الدمع، وفي لحظة واحدة ابتسمنا وسط دموعنا، يمكننا أن نبتسم طالما كنا معًا وهذا يكفي، نحن الآن أقرب، نحن الآن أصدق، نحن الآن نحيا حياة واحدة بكل ما فيها!

سالته وأنا أنظر لعينيه بعمق:

–     كيف أنتَ الآن؟

احتوى وجهي بكفيه وهو يجيبني:

–     أنا بخير الآن! أقسم لك!

تشبثت بذراعيه وكأني أحاول تأكيد حقيقة وجوده سالمًا بتفسي، كنت أتأمل ملامحه بعمق وكأني أراه لأول مرة، لم أكن قادرة على تصديق احتمال فقده اليوم، شعر دايسكي بما يفيض به قلبي، ضمني إليه مجددًا وهو يهمس لي:

–     لا تخافي هيكارو!

***

بدأت مشاعري تهدأ، دايسكي عاد حيًا وسالمًا رغم ما حدث، لم يعاود جرحه النزف والحمد لله، لهذا ارتاح بالي، أخيرًا جففنا دموعنا وعدنا لغرفة الرصد.


هناك حدثنا دايسكي عن وحش فيجا، قال أنه عرف ذلك الوحش وأنه كان عصفورًا يلهو به في صباه، قال أن اسمه زاري زاري وأنه كان طائرًا من نجم يحمل الاسم ذاته، قال أن والده أهداه إياه في صغره، أخبرنا أن قوات فيجا هاجمت نجم زاري في بداية تحركاتها الاستعمارية وأن نجم زاري كان نجمًا تعيش عليه الطيور والحيوانات فقط وكان غنيًا بموارده، لهذا كان هدفًا لقوات فيجا، قدر دايسكي أن التلوث الإشعاعي الذي حل بنجم زاري قد ضخم هذا الطائر وجعل منه خيارًا مناسبًا لقوات فيجا، على كل حال لقد تم القضاء على هذا الوحش أخيرًا والذي على الرغم من شراسته أثار شفقتنا عليه.


في مغرب الأمس أطلقنا العصفور بعد أن شُفي تمامًا، تمنيتُ له حياة سعيدة، أوصيت العصفور أن يعتني بنفسه رغم أنه لن يفهم كلماتي لكني أحببت أن أقولها له، أنا أيضًا أتمنى أن يعتني عصفوري بنفسه! كما أنني قادرة على العناية به اليوم بنفسي! ستشفى دايسكي وستكون بخير يومًا ما أنا متأكدة من ذلك!

  • مذكرات هيكارو السرية – وأخيرًا وجدنا النور!

    الحلقة الثالثة والثلاثون “لا أسرار بعد اليوم دايسكي” قلتها صادقة وأعرف أني أخليت باتفاقي مع دكتور أمون لكن لم أعد قادرة على تحمل ما يحدث! وجدتني أقولها بانفعال ودون تفكير، كنت بين ذراعي دايسكي في تلك اللحظة، بين ذراعيه أبكي بحرقة وبفرح في وقت واحد، كان هو يضمني إليه بشدة، كنا نعاني انفعالًا جارفًا يفوق…

اترك تعليقًا

هيكارو ماكيبا

موضوع هذه المدونة هو الأنمي الياباني الشهير UFO Robot Grendizer والذي أنتج بين عام 1975 و 1977 ودبلج للعربية في مطلع الثمانينات باسم “مغامرات الفضاء جريندايزر” ، كما دبلج لغيرها من اللغات مثل الفرنسية والإيطالية والإنجليزية.

Translate »