تتعدد الطرق التي يمكن من خلالها إنتاج عمل فتي بالاعتماد على عمل سابق بالفعل، في هذا الموضوع سوف نستعرض أنواع الأعمال الفنية المعتدة على أعمال سابقة، وسوف نناقش الأعمال الفنية المبنية على قصة جريندايزر، ونقوم بحل إشكالية الفيلم التمهيدي جاتايجر أو المعركة الكبرى للصحون الطائرة.
الأعمال الفنية المعتمدة على أعمال سابقة
ما بعد الأحداث Sequel
هذا هو أشهر الأنواع والأكثر تفضيلًا وقبولًا لدى الجمهور، وفيه يتم البدء من حيث انتهت القصة الأصلية مع الحفاظ على كل عناصرها: الجو العام، الشخصيات، الحبكات.
يمكن لهذا النوع من الأعمال تقديم حلول للحبكات التي لم يتم حلها في العمل الأصلي، سد ثغرات، زيادة العمق وهكذا.
يعتمد نجاح هذا النوع من الأعمال على قدرة صناع العمل الجديد على فهم العمل الأصلي، وعلى معرفتهم بالتساؤلات التي تشغل بال الجمهور والتي تعد مادة خصبة للحبكات الجديدة، لكن الخطورة تكمن في إمكانية الوقوع بفخ التكرار، سواء في الحبكات وردود فعل الشخصيات وحتى الحوار.
تمثل الأجزاء المتتالية للأعمال الفنية والمواسم هذا النوع من الإنتاج.
وتعد الكوميكس الفرنسية لجريندايزر أحد هذه الأمثلة بغض التظر عن جودتها ومدى قدرتها على التعامل مع الشخصيات بشكل جيد من عدمه.
ما قبل الأحداث Prequel
هنا يقدم العمل أحداثًا خيالية تنتهي عند النقطة التي بدأت منها القصة الأصلية، لكنها ليست تمهيدًا للقصة وإنما عمل جديد يمكن مشاهدته بشكل منفصل، وفيه يلتزم الكاتب بالجو العام للعمل الأصلي، ويلتزم بأي معلومات تاريخية ذكرت فيه، ويحتاج هذا النوع لفهم عميق للعمل الأصلي وإلمام بالتفاصيل الدقيقة.
يمكن لهذا النوع من الأعمال أن يشبع فضول الجمهور لمعرفة ما حدث في الماضي وأدى لتلك النتيجة، ومن خلاله يمكن بناء دوافع الشخصيات بشكل جيد، ولا يشترط أن يستخدم العمل الجديد تفس شخصيات العمل الأصلي، فمن الممكن أن يستخدم الأسلاف مثلًا.
إعادة التشغيل الناعمة Soft Reboot
هذا النوع من الأعمال يعد مكافأة للجمهور، وفيه يتم إنتاج عمل جديد بروح العمل الأصلي وشخصياته على شكل حلقة إضافية خارج السياق.
من أمثلة هذا النوع فيلم جريندايزر ضد حريت مازينجر، والذي تدمرت فيه التيفو، هذا الفيلم هو حبكة خارج السياق لكنها تحمل نفس روح المسلسل ولا تؤثر عليه، وهذا يفسر وجود التيفو في الحلقة ٢٦ والتي تم بثها بعد الفيلم.
أيضًا فيلم وحش المحيط، وقصة “اسبق العدو بخطوة” التي قدمناها لكم هنا، والكوميكس الإيطالية للوكا بابيو وفق ما نشر عنها.
يمكن اعتبار قصة لعبة جريندايزر وليمة الذئاب شكل من أشكال إعادة التشغيل الناعمة كذلك، خاصة لو اعتبرنا مهامها الفرعية بمثابة حبكات جديدة بالنسبة للجمهور.
إعادة التشغيل Reboot
من أصعب الأنواع وأكثرها خطورة واصطدامًا مع الجمهور، وفيها يعود الكاتب لتقطة البداية ويقوم بإعادة بناء القصة والشخصيات، والأصل فيها أن يحافظ الكاتب على الأفكار الجوهرية وأن يستبعد الحبكات والشخصيات الثانوية، وبالتالي يعيد تقديم القصة بشكل جديد وحيوي.
الهدف من إعادة التشغيل هنا هو تمكين شريحة جديدة من الجمهور من متابعة العمل والتعرف عليه، خذ مثلًا مسلسلًا مثل جريندايزر يضم ٧٤ حلقة، يمكن لإعادة التشغيل أن تغربل العمل وتخرج بعمل قصير ١٣،٢٦،٣٠، الخ حلقة، وبالتالي من سيشاهد العمل الجديد سيكون قادرًا – شأنه شأن من شاهد العمل الأصلي – على متابعة أي عمل لاحق أو سابق والاستمتاع به بلا صعوبات.
لهذا فإن إعادة التشغيل بحد ذلتها ليست سيئة، ويمكن لها أن تدمج شرائح جديدة من الجمهور بالفعل، وأن تلبي الشغف والأذواق المختلفة، كل هذا مشروط ببراعة صناع العمل وقدرتهم على فهم العمل الأصلي بعمق وبدون تحيزات، لأن الهدف هنا ليس تقديم معنى جديد وإنما إعادة القصة بطريقة احترافية وجذابة.
تعتبر مانجا ناجاي ومانجا أوتا، ومانجا جريندايزر جيجا امثلة على إعادة التشغيل لمسلسل حريندايزر، حيث حصل الجمهور في النهاية على أربعة قصص مختلفة في طريقة العرض لكنها تشترك جميعها في عناصرها الأساسية وهي:
العالم التخيلي:
وهو العالم أو الكون الذي يقوم الكاتب ببنائه بنفسه لتدور فيه الأحداث، ولا يشترط أن يكون العالم واقعيًا، فالكاتب هو من يسن قولتين هذا العالم بالكامل، ووفق قوانينه يمكن الحكم على الأحداث إن كانت واقعية أم لا، وفي جريندايزر اتسم هذا العالم بوجود كواكب عديدة مأهولة بالسكان غير الأرض، لا توجد كائنات فضائية وإنما السلالات الموجودة هي بشر وأشباه بشر، لا توجد لغات خاصة لكل كوكب وإنما يستطيع الكل التواصل بسلاسة إما بفضل لغة مشتركة أو بالتخاطر او أو أو، السفر بين الكواكب متاح والتزاوج كذلك بين سكان الكواكب المختلفة، الأرض كوكب يقع في طرف بعيد ويعتبر بدائيًا مقارنة بالكواكب الأخرى، حيث لا يملك أسلحة فضائية ولا مركبات السفر عبر الفضاء.
تدور الأحداث في زمن غير معروف لكنه يبدو مستقبلي ولا حدود فيه للتكنولوجيا.
الشخصيات:
الشخصيات التي ظهرت في النسخ الأربعة هي: دايسكي، هيكارو، دكتور أمون، وماريا فقط، وما عداها كان يظهر في عمل ويختفي في آخر، كوجي هو الشخصية المرشحة للانضمام للقائمة رغم غيابه عن جريندايزر جيجا، وبالنسبة للعدو فالشخصيات المرشحة هي فيجا الكبير، جاندال، زوريل، وبلاكي، ظهرت هذه الشخصيات في أعمال وغابت في أخرى، لكن رصيدها مقارنة بالبقية هو الأكبر.
الحبكات الأساسية:
تشاركت تلك الأعمال في حبكة أساسية هي: تعرض كوكب فليد للدمار على يد قوات فيجا، هرب دوق بجريندايزر، وصوله للأرض وعيشه مع دكتور أمون وأسرة ماكيبا، اشتعال الحرب، رغبة دايسكي بالدفاع عن الأرض والعيش فيها، ومن ثم الانتصار وانتهاء الحرب، أما النهاية فاختلفت من عمل لآخر حتى في تعبيرها عن معنى التصر، تشابهت مانجا ناجاي مع جريندايزر جيجا، وقدم الأنيمي نهاية مختلفة فاضطر دايسكي لمغادرة الأرض ليعود لفليد، وفي مانجا أوتا فنت البشرية عن الأرض ولم يتبق سوى هيكارو وكوجي، بينما ظل دايسكي وماريا وسياكا في سبات صناعي مدفونين في عمق المحيط، في الجهة الأخرى بقي الوزير زوريل فقط.
أشكال أخرى لإعادة التشغيل:
المزج بين القصص والأبطال
مثال على هذا النوع مانجا الديناميك هيروز التي جمعت الكثير من الأبطال من بينهم أبطال جريندايزر.
وأيضًا فيلم وحش المحيط وجريندايزر ضد جريت مازينجر، وبعض أعداد مانجا ناجاي ومانجا أوتا.
العوالم الموازية وتداخلات الخط الزمني.
هذا النوع لم يردد في تاريخ جريندايزر بعد.
التناص Intertextuality.
التناص هو مصطلح نقدي معروف يشير للتداخل بين النصوص الأدبية والفنية، يعتبر استيحاء نص من آخر هو شكل من أشكال التناص بالامتصاص، ويمكن النظر للعلاقة بين مسلسل جريندايزر وفيلم جاتايجر على أنه تناص بالامتصاص، كذلك تعتبر مذكرات هيكارو السرية التي قدمناها لكم هنا بمثابة تناص مباشر بالتآلف، حيث اعتمدت على النص الأصلي ولم تخالفه إلا في النهاية التي جاءت خيالية ولم ترد في المسلسل، كما تناصت الكثير من الحوارات والأحداث كما وردت في المسلسل.
إعادة الإنتاج Remake
هذا هو النوع الأخير من الأعمال المعتمدة على وجود أعمال سابقة، في إعادة الإنتاج تتم إعادة سرد القصة دون تغييرات ولكن باستخدام طرق جديدة للرسم وغالبًا ما تكون أكثر تطورًا، مشكلة هذا النوع من الإنتاج أنه يواجه بالرفض من الجمهور بدافع النوستاليجا والحنين للماضي، إنه شيء مشابه للجدل بين الكتاب الورقي والرقمي.
ألعاب الفيديو هي أكثر الأمثلة عن هذا النوع من الإنتاج، وفيما يتعلق بجريندايزر فإن تصميمات الهواة هي أيضًا أمثلة لهذا النوع.
إشكالية فيلم المعركة الكبرى للصحون الطائرة.
فيلم جاتايجر هو فيلم قصير لا يتجاوز ثلاثين دقيقة، عرض الفيلم وحاز على الاستحسان، ومن ثم تقرر استخدامه لإنتاج مسلسل جريندايزر، العلاقة التي تربط العملين هنا هو الاستلهام، فالمسلسل مستلهم من الفيلم، لكنه ليس إعادة تشغيل له، تم تغيير بعض الأسماء في المسلسل، حتى اسم الروبوت وتصميمه تعرضا للتغير، تم تطوير الشخصيات وادخال شخصيات جديدة لم تكن موجودة بالفيلم، وفي مرحلة متقدمة تم إعادة تشغيل الفيلم في إحدى حلقات المسلسل وهي الحلقة ٧٢، لكن قبل أن نخوض في ذلك علينا أن نذكر أولًا أن الفيلم نفسه تعرص لإعادة تشغيل في مانجا جاتايجر، وأضيفت إليه أحداثًا لم تكن فيه، لهذا حين تمت إعادة التشغيل في المسلسل كان لدى صناع العمل فيلم ومانجا، وهنا تمت غربلة العملين للوصول للحبكة الأساسية للفيلم: أمير يجمعه القدر مع ابنة العدو التي تحبه بجنون، يغدر العدو وتشتعل الحرب، يهرب الأمير، ثم تلحق العاشقة به فيما بعد ، تحاول استعادته لكنها تخسر حبها جراء الحرب التي وقفت كحاجز منيع بينها وبين حبيبها، وتموت العاشقة ويكمل هو حياته، ثم تنجو الأرض في النهاية، هكذا ببساطة يمكن إيجاد الفكرة الجوهرية التي تجمع بين فيلم جاتايجر، مانجا جاتايجر والحلقة ٧٢ من جريندايزر.
هل كانت قصة تيرونا هي الحبكة الأساسية لجريندايزر؟
الإجابة على هذا السؤال بسيطة للغاية، وهي لا، لأن المسلسل استلهم الجو العام والأفكار الرئيسية من الفيلم وأعاد بنائها وتطويرها، لكنه لم يعتمد قصة تيرونا من البداية كعدو أساسي يتم تعقيدها ودفع أحداثها للأمام، النقاط المشتركة بين الفيلم والمانجا والمسلسل هي:
- دايسكي أمير كوكب فليد،
- دمار كوكب فليد ووصول دايسكي للأرض،
- احتواء دكتور أمون وأسرة ماكيبا لدايسكي،
- عدم رغبة دايسكي في القتال بجربندايزر ثم اضطراره لها.
- هجوم قوات العدو على الأرض واستغلالها لطرق التهديد والابتزاز والخديعة لتحقيق مصلحتها،
- حب دايسكي للأرض وتمسكه بها وصموده للدفاع عنها في وجه قوات العدو،
أما الحلقة ٧٢، ففيها تم تكريم شخصية تيرونا وإعادة إظهارها في الأنيمي لكن بعد تنقيتها لتبدو أوضح:
- إنها ابنة العدو فقط ولا توجد صلة أخرى كصداقة الطفولة أو حب المراهقة.
- استبدال علاقتها بدايسكي من صداقة طفولة وود لمخطط زيجة سياسية واضحة ليكون ممكنًا إبراز مشاعر الطرفين بوضوح.
- الحفاظ على صفة الهوس والأنانية، حيث ظهرت روبينا مهووسة بخب دوق بالضبط كتيرونا في مانجا جاتايجر والتي جاء هوسها وغيرتها أوضح بكثير من فيلم جاتايجر.
في النسخ المعاد تشغيلها من جريندايزر استبعدت قصة الأميرة تيرونا أو روبينا مثل مانجا أوتا وجريندايزر جيجا، وظهرت في مانجا ناجاي كصديقة طفولة فقط دون أي وجود لقصة حب أو زيجة سياسية، وطرحت بطريقة أكثر نبلًا.
ولو كان مسلسل جريندايزر هو إعادة تشغيل لفيلم جاتايجر، ولو كانت قصة تيرونا هي الفكرة الرئيسية فيه، لكان من المحتم إظهارها في مانجا ناجاي وأوتا وجيجا والتركيز عليها كذلك، لكن هذا لم يحدث، وتم التعامل معها كفكرة ثانوية أعجبت بعض كتاب ورسامي المانجا، ولم تعجب البعض الآخر.
مؤخرًا حاول صناع العمل في استوديو جاينا تقديم إعادة تشغيل جديدة لجريندايزر تحت اسم جريندايزر يو، لكن العمل كان مفككًا وغير مهني كذلك، وبدا كمحاولة لتجسيد الأهواء الشخصية لا إعادة تشغيل للعمل الأصلي، ويمكن اعتباره إعادة تشغيل رديئة لفيلم جاتايجر أو الحلقة ٧٢ من المسلسل، وتناص العمل الجديد مع المسلسل الأصلي شكليًا وخالفه أكثر مما توافق معه، لذا يعد رؤية ذاتية لا أكثر.
اترك تعليقًا