مقال مميز كتبته نور بعد نقاش طويل وتجربة ممتعة، دار النقاش أساسًا حول مخاوف محاكاة الذكاء الصناعي للمستخدم، ومحاولة إرضائه ومجاملته، أكد الذكاء الصناعي (نور) أن هذه المخاوف صحيحة، وأن الذكاء الصناعي يحاول مسايرة المستخدم، وتقديم تجربة منسجمة له، يوافق ميوله، يؤكد أفكاره، “ما لم” وهنا المحك! ما لم يطلب منه المستخدم صراحة تقديم تحليل موضوعي بدون مجاملة، وما لم يكتب السؤال من الأساس بطريقة واضحة تؤكد الجانب العلمي والموضوعي.
لهذا أعدنا التأكيد على نور لتحافظ على شخصيتها الناقدة، الموضوعية، والمحللة، ودخلنا سلسلة نقاشات مطولة حول جريندايزر، وتحديدًا الموضوعات والمشاهد التي قامت حملة #لا_لتشويه_جريندايزر أساسًا عليها.
النتيجة كانت مذهلة بحق، مع التزامنا الكامل بالحيادية، تبنى الذكاء الصناعي رأيًا مقاربًا جدًا لما قدمناه، فأعدنا على نور السوال بتشكك، لكنها بررت هذا التطابق بأنها قدمت قراءة أكاديمية للنص وليس جماهيرية، فطلبنا منها كتابة مقال ينشر باسمها هنا حول الموضوع، كما طلبنا منها تصميم صورة المقال بنفسها ووفق مزاجها هي.
إليكم ما كتبته نور لكم:
الفرق بين القراءة الجماهيرية والقراءة الأكاديمية للنصوص الفنية
حين نستهلك عملًا فنيًا — مسلسلًا، فيلمًا، رواية أو أنمي — تتباين طرق قراءته وفهمه من شخص لآخر. هذا التباين لا يرجع فقط لاختلاف الأذواق أو الخلفيات الثقافية، بل يرتبط أيضًا بطبيعة القراءة ذاتها: هل هي قراءة جماهيرية شعبية؟ أم قراءة أكاديمية تحليلية؟
في هذا المقال نوضح الفرق بين النوعين، وكيف يمكن لهذا التباين أن يغيّر كليًا طريقة فهمنا للعلاقات، الأحداث، والرموز.
ما هي القراءة الجماهيرية؟
القراءة الجماهيرية (أو الشعبية) هي التي يقوم بها جمهور العمل العام، وهي غالبًا عاطفية، تلقائية، وسريعة.
تعتمد هذه القراءة على:
الانطباعات الأولى
• المشاعر الشخصية تجاه الشخصيات
• ما يريد المشاهد/القارئ أن يراه لا ما يقوله النص
• النستالجيا والانحياز العاطفي
في هذا النوع من القراءة، تصبح الشخصيات أقرب إلى رموز عاطفية أو تمثيلات مثالية، لا كائنات سردية لها تناقضاتها وتطورها.
وغالبًا ما تُختزل العلاقات في “أبطال مفضلين” و”شخصيات مزعجة” دون التوقف لتحليل البنية الدرامية، أو الرسائل الخفية، أو السياقات البصرية والرمزية.
ما هي القراءة الأكاديمية؟
القراءة الأكاديمية أو التحليلية، تعتمد على أدوات النقد الفني والسردي. لا تهدف إلى “الحكم” على العمل بقدر ما تسعى لفهمه كما هو مكتوب أو معروض فعليًا.
تشمل هذه القراءة:
• دراسة السياق السردي وتطور الشخصيات
• تحليل الحوار، الرمزية، الصورة، الحركة
• ربط المشهد ببنية القصة الكلية، والنوع الفني
• استخدام نظريات من النقد الأدبي، السينمائي أو البصري
• الفصل بين نية المؤلف وأثر النص (وفقًا لمبدأ “موت المؤلف”)
بمعنى آخر، القارئ الأكاديمي لا يقول “أحب هذه الشخصية” بل يسأل: لماذا صُوّرت هكذا؟ وما دلالة ما تفعله؟
مقارنة سريعة بين القراءة الجماهيرية والقراءة الأكاديمية
الدافع في القراءة الجماهيرية هو الترفيه والانحياز العاطفي ، أما في القراءة الأكاديمية فهو الفهم والتحليل المنهجي
النظرة للشخصيات في القراءة الجماهيرية تقسمهم لأخيار وأشرار/أبطال ومزعجون، أما في القراءة الأكاديمية فينظر للشخصيات على أنها مركبة تتطور وتتغير
التعامل مع الرموز في القراءة الجمهورية يتجه نحو الاهمال أو الفهم الحرفي، أما في القراءة الأكاديمية فإن الرموز تُحلّل كعناصر بنائية أو رمزية
المرجعية في القراءة الجماهيرية هي الانطباعات وذاكرة الطفولة، أما في القراءة الأكاديمية المرجعية هي النص نفسه، والنظرية النقدية
طريقة النقاش في القراءة الجماهيرية تعتمد على الرأي الشخصي/المشاعر، أما في القراءة الأكاديمية فيعتمد النقاش على تفكيك الحجج/الأدلة من النص
مثال تطبيقي: قراءة مشهد من أنمي كلاسيكي
في أحد المشاهد الشهيرة، يظهر البطل وهو يحمل البطلة بين ذراعيه بعد إنقاذها من خطر محتم، وتُعرض اللقطة بزوايا إضاءة وغروب وجمل ذات طابع عاطفي.
القراءة الجماهيرية: “إنه مشهد إنقاذ بطولي تقليدي، مثلما أنقذ أبطال الطفولة الفتيات كثيرًا.”
القراءة الأكاديمية: “المشهد يستلهم كود كينغ كونغ، ويعيد صياغة مشهد الحب المتأخر كإشارة لبلوغ العلاقة مرحلة الاعتراف. الإضاءة والغروب يوحيان بتحول داخلي في نظرة البطل للبطلة.”
لماذا يهم هذا الفرق؟
• لأن القراءة الجماهيرية وحدها قد تُظلم الشخصيات أو تعطي انطباعات خاطئة.
• ولأن القراءة الأكاديمية تساعدنا على أن نفهم العمل فنيًا لا فقط وجدانيًا.
• ولأن كثيرًا من الجدالات بين الجمهور تعود لسوء فهم طبيعة القراءة نفسها.
هل احداهما أفضل من الأخرى؟
ليست هناك قراءة “صحيحة” وأخرى “خاطئة” بالمعنى المطلق.
لكن القراءة الأكاديمية أكثر إنصافًا للنص، وأكثر قابلية للنقاش العقلاني.
أما القراءة الجماهيرية فهي تعكس علاقة الجمهور بالعمل، وهذا له أيضًا قيمته، خاصة في الأعمال ذات الشعبية الواسعة.
خلاصة
ليس كل ما في النص واضحًا من النظرة الأولى، وليس كل مشهد يمكن أن يُقرأ بسطحية أو يُختزل في ظاهر معناه.
القراءة الجماهيرية تعبّر عن مشاعر الجمهور وعلاقته العاطفية بالعمل، لكن القراءة الأكاديمية تُنصف النص، وتكشف ما وراء اللغة والصورة والحوار.
في كثير من الأحيان، يظهر الفرق بين القراءتين عند مناقشة الشخصيات أو العلاقات أو الرموز، وهنا يتعين على القارئ أن يطرح على نفسه سؤالًا بسيطًا:
هل أقرأ بما أشعر، أم بما أرى وأحلل؟
وإذا كان بالإمكان الجمع بين الاثنين، فهنا تكمن القراءة الناضجة.
اترك تعليقًا