مذكرات هيكارو السرية – أبواب الجحيم

مذكرات هيكارو السرية – أبواب الجحيم

الحلقة الثالثة والخمسون – أبواب الجحيم

قالها لي دايسكي يومًا: “هذه هي الحرب يا هيكارو” لكن لم أفهم جملته كما فهمتها اليوم فقط، لقد فًتحت أبواب الجحيم ولا أحد يدري متى وكيف ستغلق من جديد، كنتُ أظن أننا شاهدنا وعايشنا من أهوال الحرب ذروتها؛ لكن تبين لي أن جعبة الحرب تخبئ الكثير، وهذا الكثير مرعب وصعب التنبؤ به أو تخيله!
اليوم.. غريبة هي تلك الكلمة “اليوم” وكأني أروي عن أحداث بسيطة جرت في بضع ساعات من نهار؛ ساعات اليوم لم تكن كغيرها من الساعات: طويلة، مخيفة ومنقطعة الرجاء أيضًا، على كل حال لا بديل عن كلمة اليوم، على الأقل هي تصف الزمن بدقة، إذن.. اليوم تمكن دكتور أمون من رصد العربة الأم أو سفينة القيادة أو أي اسم يليق بهذه المركبة الكبيرة ذات التصميم المرعب ذو الأنياب والأطراف البشعة، كانت المركبة على حافة الغلاف الجوي، قدَّر دكتور أمون خط سيرها فأوصلنا لطوكيو، لهذا صدرت لنا الأوامر بالخروج، خرج دايسكي أولًا ولحقنا نحن به، فقد استدعاه دكتور أمون أولًا لمناقشة الأمر وتم اتخاذ القرار بخروج سائر المجموعة ومبادرة العدو قبل أن تتح له الفرصة بشن غاراته علينا، لكن يبدو أن قوات فيجا قد احتاطت لهذا الأمر أو أنها ترتجل سريعًا ولديها دومًا ما يكفي من أسطول ميني فو لإنهاكنا، فما إن ظهرت سفينة فيجا أمامنا حتى انطلقت منها حشود كبيرة من الميني فو، هذه المركبات الصغيرة ليست خطرة كفاية ولكن تنطبق عليها مقولة: “الكثرة تغلب الشجاعة”، دائمًا ما يهاجمون بأعداد كبيرة مما يمكنهم من محاصرتنا وتشتيتنا، ولولا أننا أربعة لكان الأمر صعبًا فعلًا، كنا نسقطهم الواحدة تلو الأخرى، منا من يوجه ضربة مباشرة لصحن أمامه، ومنا من ينسف صحنًا يهاجم غيره من الخلف، في معركة اليوم كان دايسكي يقضي على قوات ميني فو بسرعة ورغم ذلك تسللت بعض الوحدات وحاولت مهاجمته من الخلف فتولينا كوجي وأنا أمرها، أما ماريا فلا زالت تعمل بعشوائية للأسف، تطارد بعض وحدات الميني فو وحدها، تندفع بعيدًا، ولا تصغي جيدًا لتعليمات القائد سواء كان دايسكي كقائد عام للفريق، أو كوجي كقائد لأسلحتنا الثلاث الداعمة لجريندايزر.


خلال محاولتنا لتصفية وحدات الميني فو طلب كوجي من دايسكي أن يشن هجومه مباشرة على سفينة القيادة بينما نتولى نحن مهمة القضاء على الميني فو كمحاولة لإفشال خطة الإنهاك التي اعتمدتها قوات فيجا، وبالفعل انفصل دايسكي عنا واندفع صوب سفينة القيادة، وبقينا نحن نطارد وحدات الميني فو ونسقطها حتى انتهينا منها، كانت ماريا قد ابتعدت كثيرًا بينما رأينا – كوجي وأنا – دايسكي يشتبك مع وحش فيجا بدلًا من سفينة القيادة، عرفتُ بعد ذلك أن وحش فيجا انطلق من سفينة القيادة وصد هجوم جريندايزر، واستطاعت السفينة أن تهرب، لكن هل كان هجومنا ناجحًا؟ في ذلك الوقت لم يكن كذلك، فقد هاجم الوحش دايسكي بشراسة وجعل يطلق الصواريخ تجاهه بسرعة ومرونة، تفادى دايسكي بعضها وأصابه البعض الآخر، رأينا جريندايزر يسقط من عالٍ وهو يطلق رعد الفضاء، فعرفتا أن خطبًا أصاب دايسكي، طلب مني كوجي تغطية دايسكي وحمايته من ضربات العدو أثناء هبوطه ففعلت، كنتُ أنادي دايسكي مرارًا في جهاز الاتصال ورأيته وقد اصطدم رأسه بلوحة القيادة، كان من الواضح أنه قد فقد وعيه، لا أعرف إن كان دايسكي قد فقد وعيه نتيجة هجوم الصواريخ وارتجاج جريندايزر بعنف؟ أم أن الأمر يتعلق بجرحه؟ لكني لم أيأس على أي حال، وكررت محاولاتي لإفاقته، واصل جريندايزر الهبوط حتى اصطدم بالصخور بعنف، فانتفض دايسكي في مكانه، كان وحش فيجا قد هبط مواجهًا له، وجه كوجي صاروخًا نحو الوحش لتشتيته ولكي يمنح دايسكي بعض الوقت، طلب منه أن يلتحم بسبيزر المزدوج ليشنا الهجوم معًا، وكان علي تأمين هذا الالتحام، حالما قفز دايسكي بدايزر كان الوحش يندفع نحوه مجددًا، كان يندفع بقوة وقد أخرج نصله الحاد لإصابة جريندايزر في مقتل، أطلقتُ الصواريخ على الوحش في اللحظة المناسبة فانحرف عن مساره وقفز دايزر والتحم بسبيزر فعلًا، وجه دايسكي ضرباته للوحش وأصاب أحد أجنحته وتمكنت أنا من تدمير الجناح الثاني بالقاطع الملاحي، وتولى دايسكي مهمة القضاء على اليوفو الذي صار عاجزًا إلى حد كبير بالرزة المزدوجة.
انتهينا من وحش فيجا لكننا كنا قد فقدنا سفينة القيادة، في نهاية المعركة أو الجولة كما أخبرني دايسكي الليلة، كان دايسكي قد نجا والحمد لله، وكوجي جرح، ولم تصب إحدانا – ماريا وأنا – بسوء، وعدنا جميعًا للمركز كل بسلاحه الخاص وبدون خسائر في الأرواح.
لكن لم تكن هذه سوى البداية فقط، فخلال ساعات جاءنا استدعاء عاجل من جديد، رأينا جسمًا غريبًا يبدو ككبسولة خضراء مسننة قد حطت في طوكيو، أثارت الكبسولة الفزع ولم يكن أحد يعرف ما الذي تحتويه، ناهيك عن الدمار الذي تسببت به حال هبوطها والذي تهدمت على إثره مبانٍ كثيرة، أما خسائر الأرواح فكانت دومًا في تزايد مرعب.


الحقيقة أن مجرد التفكير في محتوى تلك الكبسولة كان مفزعًا حقًا! أي شر يمكن أن يكون كامنًا داخل كبسولة بشعة بهذا الشكل؟! وعلى الرغم من ذلك كان لا بد من اتخاذ إجراء ما، لهذا صدرت الأوامر من جديد بالتوجه نحو طوكيو.
حال وصولنا كانت الكبسولة لا تزال في مكانها، بدت ساكنة إلى حد مخيف، تعلقنا بأسلحتنا في الهواء نرقبها بحذر، وخلال ذلك أُبلغنا بظهور يوفو جديد، كان اليوفو متوجهًا نحونا لكنه لم يهاجمنا أو يكترث لنا، كان هذا السلوك غريبًا بحق، كان كمن يبحث عن الكبسولة التي نراقبها، أطلق أشعته عليها فانهار غلافها كاشفًا عن وحش رهيب، رهيب لأقصى حد يمكن تخيله، وحش يشبه حيوان الغوريلا لكنه ضخم إلى حد مرعب، لم يبدُ كغوريلا حقيقية وإنما مزيج بين الغوريلا وشيء آخر، أو هو غوريلا مشوهة، أو وحش فقط يتقمص هيئة الغوريلا الغاضبة بشدة، وحش ضخم الكتلة له قرن كبير في منتصف رأسه وذراعان طويلتان كالغوريلا تمامًا، لا صواريخ أو نصل حاد أو أجنحة، لم يبدُ على الوحش أنه يرانا، لقد ركز هجومه على اليوفو الذي فجر كبسولته واستطاع نسفه بسهولة.
كنا مشدوهين مما يحدث، وبدا لنا أننا نشاهد فيلمًا سينمائيًا لا واقعًا نعايشه، عبَّر كوجي عما يجول بخاطرنا جميعًا فأجابه دايسكي: “يبدو أنه قتال بين أسلحة جديدة”
يا إلهي! هل سيحول فيجا الأرض لساحة للتجارب وعقد المباريات بين وحوشه ليختبر قوتها على حساب أرواحنا ومدننا وطبيعتنا؟!
قال دايسكي جملته ثم أعطانا الأمر بالهجوم، قال أن علينا أن نهجم من الجهات الأربعة وبدأنا بالتحرك فعلًا، اتخذت الميمنة وأطلقت الصواريخ، لكن الغوريلا كانت لي بالمرصاد، واستطاع الوحش أن يصيب السلاح الملاحي بسهولة غير متوفعة، لم يصبه بشعاع أو أي سلاح كالمعتاد ولكن بيده، هذا الوحش يستخدم جسده فقط، فظيع!
أصاب الوحش السلاح الملاحي بعنف، فحاولت تفاديه، لكنه استطاع أن يضرب سلاحي ثلاث مرات متتالية بعنف، كانت النتيجة أن اصطدم سلاحي بالأرض بقوة وقد انفتحت كوته، وجدت نفسي ملقاة على الأرض الصلبة، وقبل أن أستوعب ما حدث كنت بين أصابع الوحش، نعم، لقد قبض الوحش على جسدي بكفه الواحدة، كانت لحظة رعب لن أنساها ما حييت، صرخت، صرخت بكل رعبي وفزعي، لم أتخيل يومًا أن أكون في مثل هذا الموقف المرعب، جسدي كله بدا كلعبة أطفال بيد الوحش، حملني دايسكي بين كفي جريندايزر ذات يوم، لا زلت أذكر شعوري يومها، كان كف جريندايزر باردًا وصلبًا ومخيفًا، مع ذلك كنت أشعر بالأمان وأنا أعرف أني بين يدي دايسكي، اليوم أنا بين يدي عدو مريع، يا إلهي! لا زال جسدي يرتجف كلما تذكرت تلك اللحظة، لا زلت أسمع صرختي حينها، إلى أي مدى بلغ صوتي يا ترى؟ هل تراك سمعته يا أبي؟ هل شعرت بي حينها؟ هل خطر لك أنني أواجه الموت بدون ساتر في تلك اللحظة؟


كانت أصابع الوحش ملتفة حول جسدي، حارة وصلبة ومفزعة، سرت القشعريرة في جسدي، هذه الأصابع حية، لا شك في ذلك، ليست معدنية، أكاد أن أقسم بذلك، بدأ قلبي يخفق بعنف، شعرت بالدماء تضرب رأسي بكل ما أوتيت من قوة، رأيتُ كل شيء يدور من حولي، ثمت ثانية واحدة تفصلني عن الموت، كنتُ أدرك ذلك وأشعر به، يكفي أن يقارب الوحش بين أصابعه حتى تتحطم أضلعي كقشة يابسة تطأها قدم عابرة.


كنتُ على ارتفاع شاهق والرؤية مشوشة، بدت كل المعالم من حولي غريبة في أحجامها، رأيتُ طوكيو كما لم أرها من قبل، ورأيتُ دايسكي يقفز بدايزر ويحاول الارتطام بالوحش وإسقاطه، الحقيقة أني لم أرَ دايزر وإنما رأيتُ ظله يغشاني فجأة فتجمدتُ في مكاني، كانت كل الأحجام مفزعة بالنسبة لي، دايزر عملاق بحق والوحش يفوقه حجمًا وأنا كريشة في مهب الريح، ظهر دايزر أمام عيني المعلقتان به وفشل في الارتطام بالوحش الذي تفاداه فاصطدم بالأرض، لكن الوحش لم يرضَ بذلك، كان قد أمسك بذراع دايزر وبلحظه رأيتُ ذراع دايزر بيد الوحش وقد انفصلت عن جسمه، لطفك يارب! أي مصير أسود ينتظرني إذن؟ لا شك أنني سأمزق إربًا وبلا رحمة، حرر الرعب والخوف صوتي، وجدتني أستنجد بخوف أطلب النجدة، دايسكي ساعدني! أنا بحاجة إليك! إني أموت من الرعب، سمعت دايسكي يجيب على استنجادي بتجلد:
هيكارو، لا تثيري ضجة كوني هادئة وانتظري فرصة للهرب.
حاولتُ أن أزدرد لعابي بصعوبة وأجبته:
حسنًا، لكتي خائفة!


كنتُ أرتعد فعلًا، لكن دايسكي محق في قوله، علي ألا أثير ضجة حتى لا يثور الوحش فيأتي بتصرف يضع حدًا لحياتي، علي أن أتحين فرصة للهرب، أنا واثقة من أن دايسكي لن يتخلى عني ولكن الرعب الذي أشعر به كان يزلزل كياني، ومع ذلك حاولتُ أن استجمع شجاعتي، حدثتُ نفسي بضرورة ذلك، وأقسم بالله أني حاولتُ كتم صرخاتي حين رفعني الوحش لمستوى عينيه وحدجني بنظرته الشيطانية، جعل يدق صدره بقبضته فيرتج بعنف، ثم أخذ يتسلق البرج الشاهق وأنا بين أصابعه، غاب دايسكي عن ناظري فتجمد الدم في عروقي، ومع صعود الوحش وارتجاجه كان الدوار هو نصيبي الوحيد.


بلغنا سطح البرج فحررني الوحش أخيرًا، كنتُ أرتجف من الرعب، أحدِّثُ دايسكي بداخلي وأرجوه أن يسرع لنجدتي، أنا أموت من الرعب دايسكي، أين أنت؟! كنتُ أحاول الزحف للوراء ببطء مبتعدة عن الوحش قدر الإمكان، هل كنتُ أتحرك بروية كي لا ألفت انتباه الوحش حقًا أم أني لم أكن أملك الطاقة وقتها للزحف على نحو أسرع؟ لا أعرف، كنتُ أريد الابتعاد عن الوحش، كنتُ أريد التجلد، لكن في تلك اللحظة كنتُ أعاني من مشاعر يصعب علي وصفها، ومع هذا وذاك جاءت حركتي البطيئة بلا جدوى.


وقف الوحش بالقرب من السور وهو يدق صدره بقبضتيه مجددًا ويصرخ بعنف، صرخت السماء بالرعد وانهالت الصواعق والأمطار وكأنها ترد على غضب الوحش الثائر، كنتُ كمن يعيش داخل فيلم سينمائي الرعب هو موضوعه الوحيد والأكيد، أين دايسكي؟ أين البقية؟ لا أعرف شيئًا على الإطلاق.


بدتُ لي الدقائق كساعات طويلة، كنتُ أعلى البرج ولا أستطيع رؤية أحد حتى سمعتُ صوت دايسكي في أذني يناديني باسمي، أجبته بصوت هامس وبكلمة واحدة فقط: “نعم”، فأجابني بالجملة التي أعادت إلي الأمل من جديد: “قادم لمساعدتك، ابتعدي عن الوحش”، صوت دايسكي وعلمي بقدومه لنجدتي أمدانني بالكثير من القوة، أجبته بأنني سأحاول، وأخذتُ أتراجع على نحو أسرع صوب السور، تشجعتُ ونهضتُ واقفة في مكاني وانحنيتُ أنظر للأسفل فرأيته، كان دايسكي على سطح المصعد الخارجي للبناية، وكان المصعد يرتفع باتجاه السطح، اقترب المصعد كثيرًا وتوقف على بعد ثلاثة أمتار تقريبًا، مد دايسكي ذراعيه لي وهو يطلب مني أن أقفز إليه، كان البرج شاهقًا والقفزة مرعبة، وأنا لا زلتُ أعاني من الدوار، وقفتُ على السور أنظر للأسفل بتردد، سمعته يهتف لي:
هيا بسرعة، ولا تخافي!


نظرت لذراعي دايسكي مجددًا واتخذتُ قراري وقفزتُ، تلقاني هو بين ذراعيه وضمني إلى صدره بقوة، كانت ثانية واحدة اضطررنا بعدها للتمسك بسطح المصعد الذي بدأ بالهبوط، كما أن الوحش كان قد انتبه لما يحدث وبدأ باللحاق بنا، هتف دايسكي بماريا يطلب منها أن تلقي بحبال النجاة، كانت ماريا تطير بالقرب منا وبالفعل سقطت حبال النجاة أمامنا فتشبثنا بها، وفي اللحظة التي طرنا فيها في الهواء كانت يد الوحش تطول المصعد وتقذف به من عالٍ، لطفك يارب! الموت يطاردني دون يأس، ماذا علي أن أفعل لتفاديه؟ ماذا؟


ابتعدنا عن الوحش بمسافة كافية، واستدعي دايسكي سبيزر وعدنا بها معًا للمركز، كان بإمكاني العودة بسلاحي الملاحي لكن دايسكي رفض الفكرة تمامًا وقال أن السلاح الملاحي قريب من الوحش وأنه لا يريد أن أتعرض للخطر مجددًا، فاستدعى دكتور أمون سلاحي وأعاده بالطيار الآلي للمركز، وتولت ماريا مهمة رفع ذراع دايزر والعودة بها.
تفاجأتُ أن دايزر كان قد أُعيد أيضًا للمركز وقد بدأت محاولات إصلاح ذراعه، لقد أعطى دايسكي الأمر لكوجي فالتحم بدايزر وعاد به بدون طياره، مجددًا بدا أن جريندايزر يصبح أرضيًا شيئًا فشيئًا.


احتاج إصلاح جريندايزر لبضع ساعات، خلال هذا الوقت كانت اليابان مشتعلة، خرجت قوات الدفاع الوطني لمواجهة وحش فيجا وكانت الخسائر وخيمة، لقد بدت الطائرات والدبابات كالدمى بالنسبة لهذا الوحش هائل الحجم، كان يدهس الدبابات بقدميه دون رحمة، لم تفلح صواريخ الطائرات في شيء ولم يكن نصيب الطائرات بأفضل من الدبابات، لقد تسبب الوحش في دمار هائل في طوكيو وما حولها خلال فترة قصيرة، وكان من الواضح أننا نخوض حربًا غير متكافئة على الإطلاق.


أدت متابعة الأحداث أولًا بأول وترقب الانتهاء من إصلاح جريندايزر إلى إنهاكنا عصبيًا ومعنويًا، وفي خضم ما يحدث أبدت ماريا خوفها وتعاطفها معي للمرة الأولى منذ وصولها، لم يكن من الصعب علي التماس صدق شعور ماريا وقلقها علي، كنا وحدنا في استراحة المركز وقتها، وعلى الرغم من اضطرابي فقد حاولتُ التجلد أمام ماريا، هذا ما تعلمته من دايسكي وعشرتي الطويلة له، تعلمته ومارسته دون إرادة مني، طمأنتُ ماريا التي بدت قلقة بشأني، شكرتُ شعورها واهتمامها وأخبرتها أنها ليست المرة الأولى، أثارت جملتي فضولها فوعدتها بأن أروي لها ما حدث في وقت لاحق، كنتُ مرهقة، تلك الدقائق التي قضيتها بين أصابع الوحش أنتظر فيها موتي المحتم كانت تجثم على صدري، بعد عودتي للمركز ومنذ اللحظة التي ضمني فيها دايسكي إليه لم أعد خائفة، ومع ذلك لم أكن مطمئنة؛ كنتُ في حالة شعور صفرية، لا أشعر بشيء على الإطلاق، أنا مرهقة ومضطربة ولا شيء أكثر.


دوى جرس الإنذار في المكان فأسرعنا لغرفة الرصد، لقد تأزم الموقف مجددًا، كان وحش فيجا يتجه صوب المختبر وجريندايزر لا يزال قيد الإصلاح، كنا بحاجة لأربع ساعات كاملة كي نتمكن من الخروج من جديد، لكن مع تقدم الوحش صوب المختبر بدا أن الساعات الأربعة رفاهية لا يمكننا أن نحلم بها اليوم، تحدث دكتور أمون عن وحش فيجا، وصفه بأنه مختلف وأنه غوريلا متوحشة، أنا أصدقك وأؤكد على صحة ما تقول يا عمي، كنتُ بين أصابعه، أقسم لك أنها حية، صدقني! قال دكتور أمون بأنه قد يكون بإمكان الوحش تتبع رائحة جريندايزر، كان استنتاجه مفزعًا، فهذا يعني أن الوحش سيصل إلينا حتمًا، لذا كان علينا تأخير وصوله ولم نكن نعرف كيف، سمعنا أبي في تلك اللحظة يهتف بأن هناك حلًا، لا أعرف متى وصل أبي وإلى أي مدى كان يشاركنا الإنصات لحديث الدكتور أمون لكن الوقت كان أضيق من السؤال عن تفاصيل كهذه، لهذا سأل كوجي أبي عن الحل، فأجاب بأن الحل يكمن في النار، عقَّب دكتور أمون على الفكرة وأثنى عليها، قال أن الحيوان بطبعه يخاف من النار وأن فكرة إعاقة الوحش باستخدام سياج النار هي فكرة حسنة، وعلى الفور انطلقنا جميعًا لبناء السياج: دايسكي، كوجي، أبي، جورو: ماريا وأنا.
أسرعنا للمزرعة وأخرجنا العربة، حمَّلناها بكمية كبيرة من القش، أحضر دايسكي كمية وافرة من البنزين، وانطلقنا، أخذنا نسير بالحصان ببطء وننزل القش على هيئة سياج، وتولى دايسكي مهمة سكب البنزين على القش، في حين ذهب كوجي بدراجته لاستدراج الوحش إلينا.


وما إن أنهينا السياج، حتى وصل كوجي يخبرنا بأن الوحش يتبعه، حررت الحصان من العربة ودفعته للاحتماء معنا خلف التل، أمسك دايسكي بعصا وساعده كوجي على إشعالها وبقينا نترقب وصول الوحش بحذر، وما إن صار الوحش داخل السياج حتى قذف دايسكي بالشعلة التي كانت بيده فاشتعل السياج كله بالفعل.
وقف الوحش مضطربًا وسط السياج وبدا أن الخطة قد نجحت، لكن ما لبث الوحش أن أمسك بصخرة كبيرة وألقاها على السياج فأطفأ النار، وأزاح المتبقي منها بقدمه بعنف، وأخذ يتقدم صوب المختبر من جديد، وباءت محاولتنا بالفشل للأسف.
طلب دايسكي من أبي وجورو أن يعودا للمزرعة، وكان علينا مراوغة الوحش مجددًا، كنا كمن يسابق الريح وأملنا في بلوغها لا يتعدى الصفر تقريبًا، انطلقنا دايسكي وأنا في دراجته، واستقل كلًا من كوجي وماريا دراجته النارية، تبعنا الوحش وجعلنا نراوغه، استطعنا تعطيل الوحش لبعض الوقت؛ لكن كوجي كان قد أصيب وسقط عن دراجته وكاد الوحش أن يدهسه، هتفت من وراء كتف دايسكي أنبهه بأن كوجي في خطر، فأطلق صواريخ دراجته على الوحش لإبعاده عن كوجي، في حين اندفعت ماريا لالتقاط الأخير، كانت الأمور تسير على ما يرام وقد استدرجنا الوحش بعيدًا عن المركز بمسافة معقولة، لكن ولسوء الحظ فقد توقف الوحش في لحظة وتجاهلنا واستدار صوب المركز من جديد وكأن شيئًا لم يكن.


أسرعنا للحاق بالوحش محاولين بلوغ المركز قبله، وصلنا قبله فعلًا بفترة قصيرة، ولم تكن إصلاحات جريندايزر قد انتهت بعد، مع بلوغ الوحش لمركز الأبحاث زادت الأمور تعقيدًا، لقد دمر الوحش بسهولة مدافع الليزر وبدأ يدق الدرع الواقي بقبضتيه بعنف، كان المركز يرتج والسقف يتشقق وتتهاوى منه الأتربة وكان من الواضح أن نهايتنا جميعًا قريبة وحتمية، هتف دايسكي بانزعاج وقلق: “سيصاب المركز كله بالشلل إن استمر الوضع هكذا” وما إن انتهى من جملته حتى سمعنا خبر انتهاء إصلاحات جريندايزر وأنه جاهز للعمل، نظر دكتور أمون لدايسكي بحزم وهو يهتف باسمه، فهم دايسكي مقصد دكتور أمون والتفت نحو الباب استعدادًا للخروج بجريندايزر في جولة أخرى لا يعلم عاقبتها إلا الله، خروج دايسكي جدد شعوري بالرعب ولم أتمالك أعصابي حينها، حاولتُ إيقافه وأنا أهتف بجزع: “انتظر دايسكي من المؤكد أنك ستقتل، لا أحد يستطيع أن..” ولم يمهلني الوحش الفرصة لإكمال جملتي فقد ارتج المركز بعنف ووجدتني أسقط على كتف دايسكي رغمًا عني، في حين لم يتمالك هو أعصابه وهو يهتف بعصبية: “لم أعد أستطيع احتماله” قالها واندفع مسرعًا فاضطررنا للحاق به.


كان على دايسكي أن يبعد الوحش عن المركز ويؤمن خروجنا، وتمكن بالفعل من إسقاط الوحش في مجرى السد، وعلى الفور فُتح الدرع الواقي وخرجنا بأسلحتنا الثلاث، خلال المعركة هاجمتنا حشود الميني فو فطلبت من كوجي بحزم أن يترك أمرها لي ولماريا، لقد تبدل رعبي لحماسة غير مفهومة فور خروجي لساحة الحرب مجددًا، شعرت بالدم يتدفق في عروقي وزال رعبي أخيرًا، كنت كمن يحاول الخلاص بأية طريقه، وبالفعل تولي دايسكي وكوجي أمر الوحش في حين أسقطنا ماريا وأنا حشود الميني فو وتتبعنا من لاذ منها بالفرار، أثناء ذلك لمحنا سفينة القيادة التي شاهدناها صباحًا، طاردناها حتى اختفت لكننا تفاجأنا بوجود سفينة أخرى مختبئة في منطقة صخرية، أطلقت السفينة مدافعها نحونا فجعلنا نتفاداها وقد قررنا مهاجمتها، طلبت مني ماريا أن أترك لها المهمة واخترقت الأرض بسلاحها الثاقب وأصابت السفينة في منتصفها تمامًا، انفجرت السفينة فتنفسنا الصعداء وقررنا العودة للانضمام لدايسكي وكوجي فقد كان القلق يعصف بي حينها، كيف لا وهما يواجهنا وحشًا لا مثيل له كهذا؟!


لحظة وصولنا كان دايسكي يوجه لوحش فيجا الذي قُطِعَ قرنه الضربة القاضية، وعدنا أدراجنا ونحن بحالة غريبة من الخوف والرضا والاضطراب، لم نتبادل الأحاديث معًا، ولم نسأل عن تفاصيل ما حدث، كان بداخل كل منا ما يكفيه من القلق والتوتر، لهذا اخترنا الصمت وارتضينا بالنصر أيًا كان سببه، وقررنا قضاء الليلة في المزرعة، وكأننا جميعًا نعلن عن رغبتنا في القليل من السلام لنتمكن من تجاوز ما حدث اليوم.
تناول الكل العشاء واعتذرت أنا عن ذلك، لم تكن لدي أي شهية لتناول الطعام، وقد شعرت بعد انقضاء المعركة بأني أنهار على نحو غير مسبوق، لهذا فكرت بالخروج قليلًا على ظهر أحد الخيول على غير عادتي، فقد أظلمت السماء ولم يسبق لي أن تجولت بحصاني ليلًا على ما أذكر، توجهتُ للإسطبل ووقفت أمام سيلفر أنظر إليه، لا أعرف لماذا قادتني قدماي لسيلفر لكني شعرت تجاهه بشعور جميل، مددتُ يدي أداعب وجهه وأنا أهمس له: “تشعر بي سيلفر؟ تفهم ما أعانيه؟” سمعتُ صوت أقدام أحدهم يدخل الإسطبل ففزعت، التفتُ صوب الباب وتفاجأتُ بدايسكي خلفي:
لماذا لا تتناول طعامك؟
ليست لدي شهية.
قالها وهو يقترب مني فابتسمتُ له، هو يردد جملتي منذ قليل، بادرني بسؤاله:
ماذا تفعلين هنا؟
لا شيء.
رغم عزمي على الخروج إلا أنني لم أشارك دايسكي ذلك، وحتى لحظة كتابتي لهذه الأسطر فأنا لا أعرف السبب الذي دفعني لذلك حقًا، اقترب هو ومد يده يداعب سيلفر كذلك وبقينا صامتين لبرهة:
أنتِ بخير؟
نعم.
ما الأمر إذن هيكارو؟ قولي لي.
التفتُ أنظر إليه ووجدتني أبوح بما أعانيه دون إرادة:
يبدو لي أنني لستُ كفئًا للقتال.
اتسعت عيناه وهو يجيبني:
لماذا؟ ما الذي حدث؟
هززتُ رأسي وأنا مغمضة العينين:
لقد خفتُ اليوم كثيرًا، تصورتُ أني قد تجاوزتُ خوفي دايسكي، لكن بدا لي اليوم مفزعًا.
أمسك كتفي بقوة وهو يسألني بحزم:
تفكرين بالتراجع؟
هززتُ رأسي نفيًا ورفعتُ عيني أنظر إليه:
بالطبع لا، كل ما أعنيه هو أنني..
قاطعني وقد لانت نبرته:
إن كنتِ لا تفكرين بالتراجع هيكارو فعليك أن تعلمي أن الحرب تصيبنا جميعًا بالخوف، لستِ وحدك إذن!
أتعني أنكَ قد تشعر بالخوف في ساحة المعركة أحيانًا؟
أومأ برأسه إيجابًا، أفلت كتفي وعاد يداعب سيلفر وأجابني بهدوء:
لقد شعرتُ بالخوف اليوم أيضًا.
ماذا؟
وحش فيجا كان يفوق جريندايزر بكثير، وأسلحة جريندايزر كانت عاجزة أمامه، إنه وحش لا مثيل له، رأيتِ بنفسك كيف انتزع ذراع دايزر بسهولة.
لكنكَ تمكنتَ من القضاء عليه.
ضربة حظ ساعدتني على ذلك.
ماذا تعني؟
التفت إلي ونظر مباشرة لعيني وهو يجيب سؤالي:
لقد كان الوحش ممسكًا بي وبكوجي، وكان يحاول ثقب كوة دايزر بقرنه وكاد أن ينجح بذلك، لم نكن قادرين على الحركة وقتها، لكن بلحظة أصيب الوحش على نحو غريب، لقد اختل نظامه الإلكتروني على ما يبدو، لهذا ابتعد عنا فجأة وبدأ يتصرف بغرابة، وتمكننا نحن من استغلال تلك الفرصة ومباغتته.
فهمت.


قلتها وأخفضتُ بصري وعدت ألتفت لسيلفر مجددًا، فشعرتُ بيده على كتفي وسمعته يهمس لي:
لكن.. لم يكن هذا هو الداعي الأهم لخوفي اليوم هيكارو.
التفتُ إليه بعينين متسائلتين فاستطرد:
كنتِ بين يدي الوحش، وكنتُ عاجزًا عن مساعدتك، فهل كنتِ تظنين بأنني لم أشعر بالخوف اليوم؟
نظرتُ إليه بامتنان وانفجرت عواطفي ولم أتمالك كبحها، ألقيتُ بنفسي بين ذراعيه أنفس عن خوفي وتوتري، كانت أنفاسي متلاحقة، لم أستطع النطق بشيء، فقط أتنفس بصعوبة وأشهق بفزع من حين لآخر، عاد جسدي يرتجف مجددًا وكأنه يحاول التخلص من ذكريات اليوم بما فيها، بقي دايسكي هادئًا يربت على ظهري حتى هدأت مشاعري، ثم رفع ذقني بسبابته وهو يسألني باسمًا:
ما رأيك أن نخرج بالجياد قليلًا؟
الآن؟
أومأ برأسه إيجابًا:
إن كنتِ تشعرين بالتوتر مثلي فيمكننا تخفيف ما نعانيه بنزهة قصيرة معًا.
امتطينا جوادين بالفعل وخرجنا بهما بهدوء، جعلنا نتبختر بالخيول ونهرول بها في فضاء المزرعة وسكون ليلها، لقد كان دايسكي على حق، فقد ساعدتني تلك النزهة البسيطة على تحرير الكثير من مخاوفي، كما كان لصراحة دايسكي أثرها البالغ على نفسي، لستُ وحدي إذن فيما أعانيه، شيئًا فشيئًا استعدتُ ثقتي بقدراتي، وانتهى بي اليوم جالسة في غرفتي أكتب على أوراقي أحداث اليوم بمعنويات أفضل، شيء واحد لم يتغير وهو أني بت مدركة أن الأحداث التي تنتظرنا في المستقبل لن تكون يسيرة، وأن أبواب الجحيم فُتحت وربما لأجل غير مسمى، لذا علي استجماع كل شجاعتي والاستعداد لخوض جولة جديدة في حربنا ضد قوات فيجا، جولة شرسة ودامية للغاية.

  • مذكرات هيكارو السرية – أبواب الجحيم

    الحلقة الثالثة والخمسون – أبواب الجحيم قالها لي دايسكي يومًا: “هذه هي الحرب يا هيكارو” لكن لم أفهم جملته كما فهمتها اليوم فقط، لقد فًتحت أبواب الجحيم ولا أحد يدري متى وكيف ستغلق من جديد، كنتُ أظن أننا شاهدنا وعايشنا من أهوال الحرب ذروتها؛ لكن تبين لي أن جعبة الحرب تخبئ الكثير، وهذا الكثير مرعب…

اترك تعليقًا

هيكارو ماكيبا

موضوع هذه المدونة هو الأنمي الياباني الشهير UFO Robot Grendizer والذي أنتج بين عام 1975 و 1977 ودبلج للعربية في مطلع الثمانينات باسم “مغامرات الفضاء جريندايزر” ، كما دبلج لغيرها من اللغات مثل الفرنسية والإيطالية والإنجليزية.

Translate »