مذكرات هيكارو السرية – أشياء تحدث لأول مرة

مذكرات هيكارو السرية – أشياء تحدث لأول مرة

الحلقة الثامنة والأربعون – أشياء تحدث لأول مرة

الحياة وسط الحرب تجربة لا يمكن تصورها، حين تدوم الحرب لأيام، وتمتد الأيام لأشهر ومن ثم سنوات – عندها لا تعتبر الحرب أمرًا عارضًا؛ بل تصبح واقعًا نعايشه ونتعايش معه، وعندها نعود لنمارس كل أنشطتنا وحياتنا وسط الحرب، نتناسى كثيرًا أننا مُهددون في كل لحظة، وأحيانًا تغمرنا لذة الحياة فعلًا فننسى، لكن المؤكد أننا نحاول بكل جهدنا أن نسرق اللحظات الجميلة من بين أنياب الحرب ولو عنوة، شيء واحد فقط لم نكن نقوى على انتزاعه من بين تلك الأنياب والمخالب البشعة: هو مستقبلنا، كنا قادرين على أن نعيش اللحظة فقط ونسعد بها؛ أما المستقبل فهو دومًا غامض ومحفوف بالمخاوف والكثير جدًا من الرجاء، نرجوا أن نصبح على خير فعلًا، نرجوا أن ينتهي اليوم دون أن نخسر فيه أحدنا، نرجوا أن نحظى بلحظة جميلة في الغد، وكثيرًا ما كنا نرجوا وقد حقق الله رجاءنا حتى لحظة كتابتي لهذه الأسطر، ولا يزال الغد غامضًا محفوفًا بالكثير من الرجاء والخوف!
في حربنا ضد قوات فيجا ورغم أننا نملك الجريندايزر كسلاح متفوق عن كل أسلحتنا إلا أننا كنا الأضعف دومًا، هكذا يرى دكتور أمون، حين طلبنا منه تفسيرًا لذلك قال بأننا نكتفي بصد هجمات العدو فقط في مجال قريب جدًا، نحارب في فضاء الأرض ونقع دومًا فريسة للعدو الذي يخطط وينفذ ويهجم دون سابق إنذار، أعتقد أن دكتور أمون مُحق فعلًا، فهجمات فيجا تأتينا دومًا دون أن نعلم من أين ومتى ستأتي الضربة القادمة، من عدو ظاهر أم خفي؟ من صديق بيننا أم شخص مجهول؟ من الأرض أم السماء أم الماء؟ لهذا قرر دكتور أمون أن علينا أن ندرس جدية ما إذا كنا قادرين على تطوير أسلحة يمكنها بالفعل مغادرة الغلاف الجوي للأرض واللحاق بجريندايزر، لكي نتمكن على الأقل من صد هجمات فيجا على مدى أوسع، أو أن نقوم بدوريات في الفضاء الخارجي لحماية الأرض على نحو أكثر فاعلية، كما بدأ يدرس هو كيفية رصد هجمات فيجا وتحركاتهم قبل أن يعبروا الغلاف الجوي بمسافات بعيدة، لم يعد القمر يتشح باللون الأحمر كما كان في بداية الحرب، لهذا لم نعد نملك ولا مؤشرًا واحدًا ينبهنا لاقتراب الخطر منا، وبما أن كوكب فيجا يبعد عنا بحوالي ثلاث آلاف سنة ضوئية – كما قال دايسكي – فقد بدا الأمر صعبًا ومعقدًا للغاية.


عكف دكتور أمون على تطوير المنظار الإلكتروني في الأسابيع الماضية، ولا زالت أبحاثه مستمرة في هذا المجال، وأضيف لها موضوع جديد أكثر تشويقًا وإثارة لحماسنا وفضولنا جميعًا، فعندما كنا ندرس موقفنا من قوات فيجا التي تأتينا من مكان بعيد، أخبرنا دايسكي عن كنز مخبأ في جريندايزر، إنها ذاكرة جريندايزر التي وضع فيها علماء فليد حصيلة علومهم ودراساتهم وبحوثهم، لقد كان جريندايزر تحفة فليد بحق، ولم يكن من المخطط له أن يستخدم كسلاح حربي كما يحدث الآن، أذكر أن دايسكي أخبرني بذلك حين باح لي بسره، قال أن والده لم يكن يقبل بخروج جريندايزر للقتال، قال أن جريندايزر كان رمزًا للسلام في فليد، وكان حاميًا للكوكب، لكن أطماع فيجا دفعته لمحاولة الاستيلاء عليه وتحويله لآلة قتال مستغلًا عقول علماء فليد، ومُرْغِمًا لهم على العمل تحت إمرته وخدمة لتوجهاته المروعة، المشكلة أن ذاكرة جريندايزر مُشفرة على نحو شديد التعقيد، وللأسف لقد فقد دايسكي مفتاح هذه الشيفرة ولم بتمكن من استعادته في خضم الحرب الضروس التي اشتعلت في فليد، وبالكاد استطاع الهروب بجريندايزر مضحيًا بشيفرة فك المعلومات، والمشكلة الثانية هي نظام جريندايزر الدفاعي، والذي يمنع الجميع عدا دايسكي من الاقتراب منه.
قال دايسكي أن بإمكانه تعطيل نظام الأمان مؤقتًا كما فعل من قبل حين تم تثبيت جهاز تدمير الشبكة المغناطيسية، كانت هذه الحادثة جديدة بالنسبة لي فذكرني دايسكي باليوم الذي خُطِف فيه دكتور تشيبانا، قال أن دكتور تشيبانا كان يعمل على مشروع يرمي لبناء شبكة مغناطيسية حول الأرض لحمايتها، إلا أن قوات فيجا وقتها هاجمت مؤسسة تشيبانا العلمية، واستولت على الجهاز، واختطفت دكتور تشيبانا شخصيًا، واستخدم وحش فيجا يومها هذا الجهاز وهاجم به جريندايزر، ولولا أن دكتور أمون تمكن من إنتاج جهاز مضاد بإمكانه تدمير الشبكة التي أقامها جهاز دكتور تشيبانا وثبته على جريندايزر لما نال دايسكي من وحش فيجا.
اقترح دكتور أمون أن يقوم دايسكي بتعطيل نظام الأمان فعلًا حتى يتمكن هو وفريقه من دخول قمرة جريندايزر وتوصيل جهاز نسخ المعلومات الذي كان من المتوقع أن يستغرق ساعات طويلة في هذه العملية، بعدها يأتي دور العقل الإلكتروني محاولًا فك الشيفرة الفليدية.
وبالفعل باشرنا العمل، توجهنا جميعًا صوب محطة جريندايزر، قفز دايسكي لكابينة القيادة وغاب لبعض الوقت، كنا جميعًا نحبس أنفاسنا من شدة الإثارة والترقب، خرج دايسكي أخيرًا وأشار إلينا بأن كل شيء على ما يرام، تحرك دكتور أمون واثنين من العاملين بالمركز صوب جريندايزر، كانت لحظات يغمرها الترقب والقلق، هل تم تعطيل نظام الأمان فعلًا أم أننا مقدمون على كارثة؟ لكن تم الأمر بسلام، شكرًا لله! أوصل دكتور أمون جهاز النسخ بالعقل الإلكتروني داخل جريندايزر، وبدأت مرحلة نسخ البيانات، استغرقت عملية النسخ خمسة أيام متتالية، كانت كمية البيانات المخزنة في ذاكرة جريندايزر رهيبة بحق، وأشعلت فضولنا لدرجة يصعب وصفها، لكن ما لبثنا أن شعرنا بالإحباط، لقد كانت البيانات المشفرة محمية بعشر جدارات دفاعية لكل منها مفتاح خاص مكون من خمسين رمزًا، لهذا كان على العقل الإلكتروني أن يعمل لأسابيع وربما لشهور حتى يتمكن من الدخول للبيانات وفك ترميزها، وكان علينا أن نتحلى بالصبر، بل بالكثير من الصبر!


خلال تلك الفترة كنت أنا قد أنهيت دروسي بالفعل، وقد وفَّى دايسكي بوعده لي وخرجنا فعلًا بجماعتنا للتخييم، اخترنا مكانًا يمكننا أن نعود منه سريعًا إن حدث طارئ في مركز الأبحاث، ألم أقل أننا بتنا نتعايش مع الحرب بالفعل؟! إننا نتنزه بحذر متوقعين أن يفسد علينا العدو نزهتنا في بدايتها أو وسطها أو نهايتها، لكن هذه المرة لم يحدث شيء، لقد بدأنا نستعد للنزهة، حزمنا ما يلزمنا من أغراض: خيام، مفروشات للنوم، حطب، أدوات لتحضير الطعام ومستلزمات إشعال النار، وقد سررت حين رأيت دايسكي يضع قيثارته بين أغراض النزهة، كانت هذه النزهة اعتذارًا جميلًا من دايسكي عما حدث في ذلك اليوم حين ذهبنا بدونه لأرض البحارة المزيفة، وكان احتفالًا خاصًا بانتهائي من دروسي ودخولي مرحلة جديدة في حياتي، لهذا كنت سعيدة وراضية جدًا بها، تحسن مزاجي كثيرًا وشعرت بالمرح كما لم أشعر به منذ فترة طويلة، حتى في ذلك اليوم الذي صحبنا فيه جورو للاحتفال في القرية وشاركتنا ميدوري أو في زيارتنا لياتوهارا مؤخرًا لم أكن مبتهجة لهذا الحد.


انطلقنا في الصباح، اختار جورو أن يرافق كوجي على دراجته، وكنا أبي وأنا بصحبة دايسكي، وانطلقنا بمرح، كان الجو صافيًا والهواء منعشًا وبدا أننا جميعًا في مزاج جيد، كنا نتبادل الضحكات حتى بدأ أبي يوبخ دايسكي وكوجي لبطئهما في السير ويحثهما على السرعة كعادته، أعجب كوجي بالفكرة ولا عجب في ذلك، كوجي يعشق دراجته النارية، ويسعد حين ينطلق بها بسرعة عالية، ولا يخشى ما بمكن أن يتعرض له من مخاطر، على كل حال فقد قال كوجي بأنه سيسرع وطلب من جورو أن يتمسك به جيدًا، انحنيت وقتها على ظهر دايسكي بدلال أحثه على زيادة سرعته هو أيضًا، كنت سعيدة وخالية البال وقتها، وكنت أمرح فعلًا، التفت لي دايسكي وابتسم بهدوء فعرفت أنه يشعر بما يجول بخاطري، وزاد من سرعته فعلًا.


كانت الدراجات تتقارب وتتباعد والأجواء حماسية، وكنت أنا أشجع دايسكي ليتقدم كوجي بمرح، ولكن كوجي لم يكن خصمًا سهل المنال، في لحظة خطر لي أن أدفع كوحي لسداد فاتورة إزعاجه لي الأيام الماضية وليتني لم أفعل! فقد كان رد فعل كوجي غير متوقع على الإطلاق! لقد انحنيت على ظهر دايسكي ونظرت لكوجي وغمزت بعيني وأنا أحدث دايسكي قائلة:
اصمد دايسكي، هيا اسبقه، لا تدع صبيًا مثل كوجي يتقدمك.


هنا ثارت ثائرة كوجي وخرج عن مرحه على نحو غريب، لم أتبين ملامح كوجي جيدًا فقد التفت ينظر إلي نظرة خاطفة وهو يقول من بين أسنانه: “صبيًا مثل كوجي؟!”، ثم استدار بوجهه للطريق وهو يهتف: “سترون من الفائز سأنطلق بأقصى سرعة”


نبرته الحادة جعلتني أتخيل انعقاد حاجبيه ونظرة عينيه الغاضبة دون أن أرى وجهه، وبالفعل انطلق كوجي بسرعة جنونية وصرخ جورو فزعًا.


اضطر دايسكي لأن يزيد من سرعته للحاق بكوجي الذي اختفى سريعًا عن أنظارنا، فتراجعت للوراء فجأة وأنا لا أدرك بعد سبب تصرف كوجي على هذا النحو الحاد، سمعت دايسكي يحاول الاتصال بكوجي ويطلب منه بحزم عدم التهور، أخيرًا استطعنا اللحاق به وهدأت العاصفة أو كادت.
تفرقنا لانجاز المهام في مخيمنا، تولي دايسكي وأبي دق الخيام، وذهب كوجي لصيد السمك، وتوليت أنا مهمة إشعال النار وإعداد الطعام، وكان جورو مساعدًا للكل، يتحرك بين هذا وذاك ليقوم بمهام متنوعة لكنها مهمة ولا غنى عنها.


عاد كوجي من صيده صفر اليدين فتناولنا الحساء واللحم الذي أعددته وجلسنا حول النار حين أظلمت السماء، جعل دايسكي يدندن على قيثارته وكنا جميعًا نترنم على ألحانه، شيئًا فشيئًا شعرت أنني أنفصل عن كل ما حولي، كنت هائمة في الليل والنسيم العليل وتلك الألحان الجميلة، كنت أتمايل برأسي يمينًا وشمالًا وكأنني أسبح في الهواء فعلًا، وكنت ممتنة لدايسكي ونزهته التي جاءت كالهدية في فترة قاسية على نفسي ومجهدة لأقصى حد ممكن.


مضى الوقت دون أن أشعر به لكننا تنبهنا فجأة لمجموعة من الدراجات النارية تتجه صوبنا وتحيط بنا، أخذ الدراجون يدورون حولنا بسرعة فوقعنا في حيرة من أمرنا: ماذا يريد هؤلاء منا يا ترى؟


تنبهت وقتها لكون جورو وكوجي ليسا هنا، نظرت حولي فلمحت جورو يقف بعيدًا قرب شجرة وكوجي يندفع نحونا، قفز كوجي عاليًا فتجاوز الدراجات النارية التي تدور بلا انقطاع وصار بيننا، أسند كلًا من دايسكي وكوجي ظهره لظهر الآخر وأخذا يراقبان ما يحدث.

2023-10-05

مذكرات هيكارو السرية – أشياء تحدث لأول مرة

مذكرات هيكارو السرية

مذكرات خيالية في دفتر يوميات هيكارو ماكيبا

الحلقة الثامنة والأربعون – أشياء تحدث لأول مرة

الحياة وسط الحرب تجربة لا يمكن تصورها، حين تدوم الحرب لأيام، وتمتد الأيام لأشهر ومن ثم سنوات – عندها لا تعتبر الحرب أمرًا عارضًا؛ بل تصبح واقعًا نعايشه ونتعايش معه، وعندها نعود لنمارس كل أنشطتنا وحياتنا وسط الحرب، نتناسى كثيرًا أننا مُهددون في كل لحظة، وأحيانًا تغمرنا لذة الحياة فعلًا فننسى، لكن المؤكد أننا نحاول بكل جهدنا أن نسرق اللحظات الجميلة من بين أنياب الحرب ولو عنوة، شيء واحد فقط لم نكن نقوَ على انتزاعه من بين تلك الأنياب والمخالب البشعة: هو مستقبلنا، كنا قادرين على أن نعيش اللحظة فقط ونسعد بها؛ أما المستقبل فهو دومًا غامض ومحفوف بالمخاوف والكثير جدًا من الرجاء، نرجوا أن نصبح على خير فعلًا، نرجوا أن ينتهي اليوم دون أن نخسر فيه أحدنا، نرجوا أن نحظى بلحظة جميلة في الغد، وكثيرًا ما كنا نرجوا وقد حقق الله رجاءنا حتى لحظة كتابتي لهذه الأسطر، ولا يزال الغد غامضًا محفوفًا بالكثير من الرجاء والخوف!

في حربنا ضد قوات فيجا ورغم أننا نملك الجريندايزر كسلاح متفوق عن كل أسلحتنا إلا أننا كنا الأضعف دومًا، هكذا يرى دكتور أمون، حين طلبنا منه تفسيرًا لذلك قال بأننا نكتفي بصد هجمات العدو فقط في مجال قريب جدًا، نحارب في فضاء الأرض ونقع دومًا فريسة للعدو الذي يخطط وينفذ ويهجم دون سابق إنذار، أعتقد أن دكتور أمون مُحق فعلًا، فهجمات فيجا تأتينا دومًا دون أن نعلم من أين ومتى ستأتي الضربة القادمة، من عدو ظاهر أم خفي؟ من صديق بيننا أم شخص مجهول؟ من الأرض أم السماء أم الماء؟ لهذا قرر دكتور أمون أن علينا أن ندرس جدية ما إذا كنا قادرين على تطوير أسلحة يمكنها بالفعل مغادرة الغلاف الجوي للأرض واللحاق بجريندايزر، لكي نتمكن على الأقل من صد هجمات فيجا على مدى أوسع، أو أن نقوم بدوريات في الفضاء الخارجي لحماية الأرض على نحو أكثر فاعلية، كما بدأ يدرس هو كيفية رصد هجمات فيجا وتحركاتهم قبل أن يعبروا الغلاف الجوي بمسافات بعيدة، لم يعد القمر يتشح باللون الأحمر كما كان في بداية الحرب، لهذا لم نعد نملك ولا مؤشرًا واحدًا ينبهنا لاقتراب الخطر منا، وبما أن كوكب فيجا يبعد عنا بحوالي ثلاث آلاف سنة ضوئية – كما قال دايسكي – فقد بدا الأمر صعبًا ومعقدًا للغاية.

عكف دكتور أمون على تطوير المنظار الإلكتروني في الأسابيع الماضية، ولا زالت أبحاثه مستمرة في هذا المجال، وأضيف لها موضوع جديد أكثر تشويقًا وإثارة لحماسنا وفضولنا جميعًا، فعندما كنا ندرس موقفنا من قوات فيجا التي تأتينا من مكان بعيد، أخبرنا دايسكي عن كنز مخبأ في جربندايزر، إنها ذاكرة جريندايزر التي وضع فيها علماء فليد حصيلة علومهم ودراساتهم وبحوثهم، لقد كان جريندايزر تحفة فليد بحق، ولم يكن من المخطط له أن يستخدم كسلاح حربي كما يحدث الآن، أذكر أن دايسكي أخبرني بذلك حين باح لي بسره، قال أن والده لم يكن يقبل بخروج جريندايزر للقتال، قال أن جريندايزر كان رمزًا للسلام في فليد، وكان حاميًا للكوكب، لكن أطماع فيجا دفعته لمحاولة الاستيلاء عليه وتحويله لآلة قتال مستغلًا عقول علماء فليد، ومُرْغِمًا لهم على العمل تحت إمرته وخدمة لتوجهاته المروعة، المشكلة أن ذاكرة جريندايزر مُشفرة على نحو شديد التعقيد، وللأسف لقد فقد دايسكي مفتاح هذه الشيفرة ولم بتمكن من استعادته في خضم الحرب الضروس التي اشتعلت في فليد، وبالكاد استطاع الهروب بجريندايزر مضحيًا بشيفرة فك المعلومات، والمشكلة الثانية هي نظام جريندايزر الدفاعي، والذي يمنع الجميع عدا دايسكي من الاقتراب منه.

قال دايسكي أن بإمكانه تعطيل نظام الأمان مؤقتًا كما فعل من قبل حين تم تثبيت جهاز تدمير الشبكة المغناطيسية، كانت هذه الحادثة جديدة بالنسبة لي فذكرني دايسكي باليوم الذي خُطِف فيه دكتور تشيبانا، قال أن دكتور تشيبانا كان يعمل على مشروع يرمي لبناء شبكة مغناطيسية حول الأرض لحمايتها، إلا أن قوات فيجا وقتها هاجمت مؤسسة تشيبانا العلمية، واستولت على الجهاز، واختطفت دكتور تشيبانا شخصيًا، واستخدم وحش فيجا يومها هذا الجهاز وهاجم به جريندايزر، ولولا أن دكتور أمون تمكن من إنتاج جهاز مضاد بإمكانه تدمير الشبكة التي أقامها جهاز دكتور تشيبانا وثبته على جريندايزر لما نال دايسكي من وحش فيجا.

اقترح دكتور أمون أن يقوم دايسكي بتعطيل نظام الأمان فعلًا حتى يتمكن هو وفريقه من دخول قمرة جريندايزر وتوصيل جهاز نسخ المعلومات الذي كان من المتوقع أن يستغرق ساعات طويلة في هذه العملية، بعدها يأتي دور العقل الإلكتروني محاولًا فك الشيفرة الفليدية.

وبالفعل باشرنا العمل، توجهنا جميعًا صوب محطة جريندايزر، قفز دايسكي لكابينة القيادة وغاب لبعض الوقت، كنا جميعًا نحبس أنفاسنا من شدة الإثارة والترقب، خرج دايسكي أخيرًا وأشار إلينا بأن كل شيء على ما يرام، تحرك دكتور أمون واثنين من العاملين بالمركز صوب جريندايزر، كانت لحظات يغمرها الترقب والقلق، هل تم تعطيل نظام الأمان فعلًا أم أننا مقدمون على كارثة؟ لكن تم الأمر بسلام، شكرًا لله! أوصل دكتور أمون جهاز النسخ بالعقل الإلكتروني داخل جريندايزر، وبدأت مرحلة نسخ البيانات، استغرقت عملية النسخ خمسة أيام متتالية، كانت كمية البيانات المخزنة في ذاكرة جريندايزر رهيبة بحق، وأشعلت فضولنا لدرجة يصعب وصفها، لكن ما لبثنا أن شعرنا بالإحباط، لقد كانت البيانات المشفرة محمية بعشر جدارات دفاعية لكل منها مفتاح خاص مكون من خمسين رمزًا، لهذا كان على العقل الإلكتروني أن يعمل لأسابيع وربما لشهور حتى يتمكن من الدخول للبيانات وفك ترميزها، وكان علينا أن نتحلى بالصبر، بل بالكثير من الصبر!

***

خلال تلك الفترة كنت أنا قد أنهيت دروسي بالفعل، وقد وفَّى دايسكي بوعده لي وخرجنا فعلًا بجماعتنا للتخييم، اخترنا مكانًا يمكننا أن نعود منه سريعًا إن حدث طارئ في مركز الأبحاث، ألم أقل أننا بتنا نتعايش مع الحرب بالفعل؟! إننا نتنزه بحذر متوقعين أن يفسد علينا العدو نزهتنا في بدايتها أو وسطها أو نهايتها، لكن هذه المرة لم يحدث شيء، لقد بدأنا نستعد للنزهة، حزمنا ما يلزمنا من أغراض: خيام، مفروشات للنوم، حطب، أدوات لتحضير الطعام ومستلزمات إشعال النار، وقد سررت حين رأيت دايسكي يضع قيثارته بين أغراض النزهة، كانت هذه النزهة اعتذارًا جميلًا من دايسكي عما حدث في ذلك اليوم حين ذهبنا بدونه لأرض البحارة المزيفة، وكان احتفالًا خاصًا بانتهائي من دروسي ودخولي مرحلة جديدة في حياتي، لهذا كنت سعيدة وراضية جدًا بها، تحسن مزاجي كثيرًا وشعرت بالمرح كما لم أشعر به منذ فترة طويلة، حتى في ذلك اليوم الذي صحبنا فيه جورو للاحتفال في القرية وشاركتنا ميدوري أو  في زيارتنا لياتوهارا مؤخرًا لم أكن مبتهجة لهذا الحد.

انطلقنا في الصباح، اختار جورو أن يرافق كوجي على دراجته، وكنا أبي وأنا بصحبة دايسكي، وانطلقنا بمرح، كان الجو صافيًا والهواء منعشًا وبدا أننا جميعًا في مزاج جيد، كنا نتبادل الضحكات حتى بدأ أبي يوبخ دايسكي وكوجي لبطئهما في السير ويحثهما على السرعة كعادته، أعجب كوجي بالفكرة ولا عجب في ذلك، كوجي يعشق دراجته النارية، ويسعد حين ينطلق بها بسرعة عالية، ولا يخشى ما بمكن أن يتعرض له من مخاطر، على كل حال فقد قال كوجي بأنه سيسرع وطلب من جورو أن يتمسك به جيدًا، انحنيت وقتها على ظهر دايسكي بدلال أحثه على زيادة سرعته هو أيضًا، كنت سعيدة وخالية البال وقتها، وكنت أمرح فعلًا، التفت لي دايسكي وابتسم بهدوء فعرفت أنه يشعر بما يجول بخاطري، وزاد من سرعته فعلًا.

كانت الدراجات تتقارب وتتباعد والأجواء حماسية، وكنت أنا أشجع دايسكي ليتقدم كوجي بمرح، ولكن كوجي لم يكن خصمًا سهل المنال، في لحظة خطر لي أن أدفع كوحي لسداد فاتورة إزعاجه لي الأيام الماضية وليتني لم أفعل! فقد كان رد فعل كوجي غير متوقع على الإطلاق! لقد انحنيت على ظهر دايسكي ونظرت لكوجي وغمزت بعيني وأنا أحدث دايسكي قائلة:

–     اصمد دايسكي، هيا اسبقه، لا تدع صبيًا مثل كوجي يتقدمك.

هنا ثارت ثائرة كوجي وخرج عن مرحه على نحو غريب، لم أتبين ملامح كوجي جيدًا فقد التفت ينظر إلي نظرة خاطفة وهو يقول من بين أسنانه: “صبيًا مثل كوجي؟!”، ثم استدار بوجهه للطريق وهو يهتف: “سترون من الفائز سأنطلق بأقصى سرعة”

نبرته الحادة جعلتني أتخيل انعقاد حاجبيه ونظرة عينيه الغاضبة دون أن أرى وجهه، وبالفعل انطلق كوجي بسرعة جنونية وصرخ جورو فزعًا.

اضطر دايسكي لأن يزيد من سرعته للحاق بكوجي الذي اختفى سريعًا عن أنظارنا، فتراجعت للوراء فجأة وأنا لا أدرك بعد سبب تصرف كوجي على هذا النحو الحاد، سمعت دايسكي يحاول الاتصال بكوجي ويطلب منه بحزم عدم التهور، أخيرًا استطعنا اللحاق به وهدأت العاصفة أو كادت.

تفرقنا لانجاز المهام في مخيمنا، تولي دايسكي وأبي دق الخيام، وذهب كوجي لصيد السمك، وتوليت أنا مهمة إشعال النار وإعداد الطعام، وكان جورو مساعدًا للكل، يتحرك بين هذا وذاك ليقوم بمهام متنوعة لكنها مهمة ولا غنى عنها.

عاد كوجي من صيده صفر اليدين فتناولنا الحساء واللحم الذي أعددته وجلسنا حول النار حين أظلمت السماء، جعل دايسكي يدندن على قيثارته وكنا جميعًا نترنم على ألحانه، شيئًا فشيئًا شعرت أنني أنفصل عن كل ما حولي، كنت هائمة في الليل والنسيم العليل وتلك الألحان الجميلة، كنت أتمايل برأسي يمينًا وشمالًا وكأنني أسبح في الهواء فعلًا، وكنت ممتنة لدايسكي ونزهته التي جاءت كالهدية في فترة قاسية على نفسي ومجهدة لأقصى حد ممكن.

مضى الوقت دون أن أشعر به لكننا تنبهنا فجأة لمجموعة من الدراجات النارية تتجه صوبنا وتحيط بنا، أخذ1 الدراجون يدورون حولنا بسرعة فوقعنا في حيرة من أمرنا: ماذا يريد هؤلاء منا يا ترى؟

تنبهت وقتها لكون جورو وكوجي ليسا هنا، نظرت حولي فلمحت جورو يقف بعيدًا قرب شجرة وكوجي يندفع نحونا، قفز كوجي عاليًا فتجاوز الدراجات النارية التي تدور بلا انقطاع وصار بيننا، أسند كلًا من دايسكي وكوجي ظهره لظهر الآخر وأخذا يراقبان ما يحدث.


سمعت دايسكي يتمتم: “فتيان مزعجون”، ثم ثارت ثائرة كوجي مجددًا، ألم أقل بأن كوجي غريب الأطوار هذه الأيام؟! يبدو أنني على حق في هذا، فقد التفت كوجي يصب غضبه على دايسكي وهو يهتف:
تتحدث وكأن الأمر يعني أناسًا غيرنا.
وقبل أن يجيبه دايسكي استدرك حديثه وهو ينتزع القيثارة من يد دايسكي ويلوح بها في الهواء:
سأستعير هذا!


ألهب تصرف كوجي حماس أبي الذي اندفع يسحب شعلة من النار ليهاجم بها الدراجين، عندها اندفع دايسكي يستوقف أبي، ثم اشتبك مع كوجي الثائر بشدة،

كانا يتدافعان ودايسكي يقترب من خط سير الدراجين فهتفت بكوجي أرجوه أن يتوقف وأن يذعن لرأي دايسكي لكنه رد علي باستياء: “فندي رأيي إذن”!


عند هذا الحد تدخل أبي ممسكًا بشعلته ليفصل بين الاثنين وحدث ما كنت أخشاه، فقد اندفع دايسكي للوراء وكاد أن يُدهس تحت إطارات الدراجات المسرعة لولا أنه تمكن من القفز عاليًا في اللحظة الأخيرة متجاوزًا الدراجات بظهره، ونزل على قدميه أخيرًا، وكان الدراجون يفصلون بيننا وبينه.
توقف الدراجون فجأة وتحدث قائدهم أخيرًا، خاطبنا بلهجة جافة قائلًا: “أنتم أذكياء للدرجة التي تمنعكم عن مواجهتنا، والآن اخلوا المكان!” قالها بلهجة آمرة ومتعجرفة وانصرفوا، بقي دايسكي على صمته في حين قذف إليه كوجي بقيثارته فالتقطها منه، واندفع الأخير وهو يهتف “متهورون”، ركب دراجته وانطلق بها مسرعًا، ناديت عليه لكن دايسكي رآي أن ندعه وحده لبعض الوقت حتى تهدأ أعصابه الثائرة.


تعكر صفو أبي وجورو وخلدا للنوم وبقينا – دايسكي وأنا – ساهرين بصمت جوار النار، بعد تبدل الأجواء فقدنا مرحنا ووجدنا أنفسنا نعاود الحديث عن ذاكرة جريندايزر وما توصل إليه العقل الإلكتروني، استطردنا في الحديث طويلًا حتى لمحت شيئًا مريبًا في الأفق فقاطعت دايسكي وأنا أشير بيدي وأهتف:
يا إلهي! انظر دايسكي، ما هذا؟ ما الذي يحدث؟


هب دايسكي واقفًا واتجه صوب دراجته، طلب مني أن أبقى حذره، وأن أتصل به إن حدث شيء، وانطلق مسرعًا صوب تلك الأضواء المريبة التي رأيناها في ظلام الليل.
مضى حوالي نصف ساعة حتى عاد دايسكي، وعلى عكس تجهمه السابق فقد بدا وجهه باسمًا حين عودته فسألته بفضول:
ما كان هذا؟
إنه كوجي.
ماذا حدث له؟
هاجمه الدراجون مجددًا وقد أسقطوه عن دراجته، أفزعهم وصولي فتفرقوا عنه.
يا إلهي! أهو بخير؟
ضحك دايسكي بعفوية وأجابني:
اطمئني هو بخير فلقد عثر على رفيقتين!
قالها وعاد يضحك مجددًا وشاركته الضحك، لقد وجد كوجي ما يسري عنه فعلًا، محظوظ!


أدت تلك الحادثة لاستعادتنا لمرحنا السابق، لهذا عرض علي دايسكي أن نذهب في نزهة على أقدامنا قرب البحيرة فوافقت، تأبطت ذراع دايسكي الأيسر لأول مرة وكنت مغمورة بسعادة لذيذة لم أعهدها من قبل، الهدوء، الليل، الطبيعة الجميلة ووجودنا معًا، أيمكنني أن أحلم بأجمل من ذلك؟
وصلنا لشاطئ البحيرة وأخذنا نسير بمحاذاتها لبعض الوقت، كنا قريبين من الماء والليلة مقمرة فاستطعت أن أرى صورتنا معًا على ماء البحيرة، أشرت للماء وأنا أقول:
انظر دايسكي! تبدو جميلة!
لكنه لم يجبني، أفلت ذراعي، والتفت مواجهًا لي، ومد يده وهو يبتسم كأنما يدعوني للرقص، ضحكت بعذوبة ومددت له يدي فتناولها برقة وجعلنا نرقص معًا دون موسيقى، ندور ونتحرك بنعومة ونلمح صورتنا من وقت لآخر على صفحة الماء، طوق خصري بذراعيه بقوة ورفعني عاليًا ووجدتني أدور في الهواء، اعتمدت بذراعي على كتفيه وكنت أطالع نظرته الجميلة وابتسامته البشوشة لي، أنهينا رقصتنا بسعادة غامرة، استلقينا على العشب جوار البحيرة ننظر للسماء:
أنتَ ماهر بالرقص! من أين لك هذا؟
تعلمته على فليد في صباي هيكارو، ليس من المقبول ألا يتعلم الأمير الرقص بمهارة.
أتعني أن رقصتنا كانت فليدية؟
أومأ برأسه إيجابًا فدهشت:
بدت لي كرقصة أرضية إلى حد كبير!
التفت إلي ونهض متكئًا على مرفقه وهو يجيبني:
البشر يتشابهون هيكارو حتى لو انتموا لكواكب مختلفة، الأرض تشبه فليد كثيرًا، هذا ما أدهشني حين وصلت للأرض، لم يكن من الصعب العيش عليها ووسط أهلها، تبدو الأرض كمرحلة ماضية من عمر فليد لا أكثر، فقد كان فليد يسبقها حضاريًا وعلميًا.
ابتسمت له بصدق وكنت سعيدة لشعور دايسكي الصادق بأنه ليس غريبًا هنا، وفي كل مرة يحدثني فيها دايسكي عن فليد أصبح أكثر شوقًا لرؤيته، لكن هل يعود فليد للحياة يومًا ما؟ أم أن نهايته قد كُتِبَت للأبد؟ هذا السؤال يبقى دومًا حبيس عقلي ولا أجرؤ على مشاركته لدايسكي، فمؤكد أنه سؤال يؤرقه بلا انقطاع، لا أريد أن أزيد همه بهم!


ظهر اليوم التالي وبينما نستعد لتناول الغداء وصلنا استدعاء عاجل من دكتور أمون، قال أن المركز يتعرض لهجوم بالصواريخ، لم ترصد أجهزة المركز ظهور أي يوفو، وكان من المفترض أن يقوم العقل الإلكتروني بدوره في صد الصواريخ باستخدام مدافع الليزر التي تم نزويد المركز بها مؤخرًا، لكن لم يكن هذا كافيًا، فلازلنا نجهل مكان قاعدة إطلاق الصواريخ، كما كان وجود هذه القاعدة دليلًا قاطعًا على نجاح قوات فيجا في الدخول للأرض دون أن نعلم بها، لهذا اتخذنا قرارنا بالعودة فورًا للمركز رغم أن كوجي كان لا يزال غائبًا عنا منذ الليلة الماضية، حاول دايسكي الاتصال بكوجي لكن دون جدوى، وكررت أنا المحاولة طويلًا في طريق عودتنا ووصلت للنتيجة ذاتها.


انطلق دايسكي بجريندايزر أولًا ليحاول تأمين خروجي بالسلاح الملاحي، أخبرني دايسكي بأنه سيتولى صد الصواريخ، وكان علي تحديد مكان إطلاقها ريثما ينتهي هو من مهمة إسقاطها، قادني تتبعي للبحيرة حيث كنا نخيم بالفعل، رأيتُ الصاروخ يخترق الماء صعودًا للأعلى، حاولتُ تفاديه وشعرت بارتجاج السلاح الملاحي، فهتفت في جهاز الاتصال أعلم دايسكي بأني وجدت قاعدة الإطلاق، ثم لم أدرِ ما حدث بعدها.


كانت هذه هي المرة الأولى التي أفقد فيها الوعي في ساحة المعركة، بدا الأمر غريبًا ومربكًا للغاية، أغمضت عيني وأنا أرى الصاروخ يصعد من الماء وأحاول تفاديه وفتحتهما لأرى كوجي أمامي في كابينة القيادة، تشبثت بيديه على نحو تلقائي وأنا أهتف: “كوجي .. أتعلم الموضع الأول الذي نصبنا فيه خيامنا؟ البحيرة القريبة منه هي قاعدة صواريخ فيجا، أسرع يا كوجي.. أسرع”، قلتها وخرج كوجي من كابينة القيادة وانطلقت بسلاحي مجددًا، سمعت دايسكي في جهاز الاتصال يقول: “سأقوم باللازم يا هيكارو”، اقترب بجريندايزر من الموقع الذي حددته وقفز بدايزر والتحمنا معًا، نزلنا لقاع البحيرة وتعرضنا لهجوم جديد من الصواريخ، حينها صدرت الأوامر لكوجي الذي تمكن أخيرًا من بلوغ مركز الأبحاث ليخرج بالسلاح الثاقب الذي تمكن من دخول قاعدة فيجا تحت قاع البحيرة حيث كان وحش فيجا بانتظارنا.


خرج وحش فيجا لليابسة وتمكنا معًا من القضاء عليه، في نهاية المعركة وجدت كف دايزر يدنو من قمرة قيادتي ففتحت زجاجها وقفزت عليه، تفاجأت بكوجي على الكف الأخرى، نظرت لدايسكي فوجدته يلوح لنا بيده، عدت أنظر لكوجي فوجدته بنظر إلي بطريقة مختلفة، كم افتقدت تلك النظرة الصافية كوجي! كانت نظرة كوجي لا تشبه نظراته خلال الأسابيع الماضية، عاد كوجي كما كان فعلًا، تغير يصعب وصفه أو وصف أدلته وشواهده لكني شعرت به، مد كوجي يديه يمسك بيدي وجعلنا ندور على كف جريندايزر، كان يضحك بينما تحمل عينيه نظرات اعتذار جميلة، فهمت الآن أن الأزمة قد انتهت أخيرًا، شكرًا كوجي لتفهمك! شكرًا لحفاظك على وحدتنا وصداقتنا! وشكرًا لاحترامك لمشاعري!


هزتني تلك المعركة غير المتوقعة إلى حد كبير، هزتني دون سبب معروف سوى فقداني لوعيي فيها، كنت أتساءل عما حدث في تلك الدقائق وإلى أي مدى طالت، لكن بقيت أسئلتي دون جواب، كنت شاردة الذهن تمامًا، خرجت وحدي في ليل المزرعة أسير بين الأشجار، أخرجني من شرودي ظهور دايسكي قبالتي فجأة:
لقد أفزعتني!
لكنه لم يرد على جملتي، وجدته يمد يديه ويضمني إليه بقوة، شملني الذهول، عاد السؤال يتكرر بداخلي: ماذا حدث في تلك الدقائق يا ترى؟ تكلم دايسكي وقد تباعدنا قليلًا احتضن وجهي بكفيه:
إياكِ أن تعرضي نفسك للخطر لأجلي، تذكري ذلك رجاء!
ماذا تعني؟
هيكارو، حافظي على حياتك لأجلي!
تعهدت أنتَ بحماية حياتي، صحيح؟
أومأ برأسه إيجابًا وهو يجيب:
لا تضحي بحياتك لأجلي أبدًا، تفهمين ذلك؟
هززت رأسي وأنا أجيبه:
لا أفهم عن أي شيء تتحدث.
ستفهمين!
قالها وضمني إلى صدره مجددًا، وبينما أنا قريبة من قلبه تذكرت شيئًا هامًا، تذكرت جملة دايسكي في المعركة: “سأقوم باللازم يا هيكارو” لقد فقدت وعيي دون أن أمنح دايسكي تفاصيلًا كافية حول مكان قاعدة الصواريخ، لكني أخبرت كوجي بذلك، هل كان جهاز الاتصال يعمل طوال هذا الوقت؟ مُحتمل جدًا، يا إلهي! ماذا حدث خلال تلك الدقائق ليقول دايسكي ما يقوله الآن؟ لا أعرف! أنا حائرة!


لم أحصل على إجابة في ذلك اليوم ولا في أي يوم بعده، وعلى الرغم من وصف كوجي لي بأني أجيد المراقبة إلا أن السبب الذي دفع دايسكي لهذا الحديث الغريب بقي غامضًا ولم تفدني دقة ملاحظتي بشيء، حين قال كوجي ما قال كنا في مركز الأبحاث نحاول فهم تلك المعطيات الغريبة التي توفرت لدينا، فبعد أن أبلغتنا دائرة الرصد بوجود تغيرات في قشرة الأرض، وأرسلت تسأل عن رصد أي شيء غير عادي في الفضاء، أضافت دائرة الرصد معلومات حول حوادث غريبة وقعت مؤخرًا منها صعود سيارة الجيب المنحدر وهي في حالة توقف، ومنها توهج البرج الحديدي للسد وغيرها من الظواهر الغريبة – بعد تلك البلاغات خرجنا كوجي وأنا للتحقق من الأمر، التقطت صورًا لشقوق عميقة في باطن الأرض،وكنا نقيس تفاعل الفيجاترون في كل منطقة سُجِّلَت بها هزات أو ظواهر غريبة، وفي جولتنا الاستطلاعية رأيت شيئًا رهيبًا، لقد رأيت جبلًا كبيرًا وقد شُطِرَ لنصفين طوليًا، وبدأ نصف الجبل يغور في باطن الأرض في مشهد مرعب بحق، ورصدنا تفاعلًا فيجاترونيًا يصدر من الجبل فعرفنا أن وحشًا يختبئ فيه.


فجر كوجي الجبل بالصواريخ وظهر وحش فيجا فعلًا، لهذا أسرعت بالاتصال بدايسكي ليلحق بنا.


دخل دايسكي وكوجي في باطن الأرض متتبعين وحش فيجا، وعلقوا في سائل رهيب شل حركة السلاح الثاقب، طلب مني دايسكي أن أنزل المرساة من السلاح الملاحي وأسحب دايزر والسلاح الثاقب، كان كلًا من دايسكي وكوجي يطلبان النجدة بعد أن علقا في هذا الفخ المميت، ونجح السلاح الثاقب في مهمته أخيرًا، وخرج دايزر والسلاح الثاقب لسطح الأرض واضطررنا للانسحاب وقتها.


حين كنا في المركز وقفت أتأمل الخريطة، لاحظت أن نفاط التحقق التي ذهبنا إليها تقع على خط نصف دائري، حالما أخبرت الآخرين بملاحظتي وصلتنا معلومة عن تسجيل هزة أرضية جديدة في يوتوماشي، طلب دكتور أمون مني تعيين تلك النقطة على الخريطة فاتضح أن استنتاجي سليم، كان من الواضح أن وحش فيجا يحاول تطويق مركز الأبحاث وإغراقه في باطن الأرض، تلا ذلك هزة أرضية شديدة رجت مركز الأبحاث، وعلى الفور خرجنا جميعًا للقتال.


كان وحش فيجا قويًا وعنيفًا للغاية، وكانت أشعته قوية مقارنة بغيره من وحوش اليوفو، حاول كوجي أن يجعل من نفسه طعمًا للوحش بينما أوجه له أنا ضربة بقاطعي الملاحي لكن باءت خطتنا بالفشل للأسف، لقد تفادى الوحش كلينا واستطاع إصابة سلاحي بأشعته التي تنطق من كل مكان تقريبًا في جسده، وقد تسبب للأسف بتعطيل سلاحي الملاحي، وبالكاد استطعت الهبوط به على الماء بأمان، غادرت قمرة القيادة ولمحت جريندايزر في الهواء، فلوحت له بيدي وأنا أهتف: “دمره من أجلي يا دوق.. دمره من أجلي”


كنت أعرف أن دايسكي سيشعر بي ولو لم يسمعني، وكنت أعرف أنه لن يترك وحش فيجا حيًا، كنت وقتها أشعر بحماية دايسكي لي فعلًا وبروحه التي تلفني أينما كنت.
انتطرت لحوالي نصف ساعة حتى انتهت المعركة، خلال ذلك الوقت أخبرني دكتور أمون بما يجب فعله لمساعدة السلاح الملاحي على الطيران مجددًا والعودة للمركز ليخضع لعمليات الصيانة المطلوبة، وكما فقدت وعيي في المعركة السابقة فقد تعرضت هذه المرة لتجربة تحدث لأول مرة في حياتي القتالية ولم أتعرض لها من قبل، فقدان للوعي، تعطلٌ لسلاحي، ماذا تخفي لي المعارك القادمة؟

  • مذكرات هيكارو السرية – أشياء تحدث لأول مرة

    الحلقة الثامنة والأربعون – أشياء تحدث لأول مرة الحياة وسط الحرب تجربة لا يمكن تصورها، حين تدوم الحرب لأيام، وتمتد الأيام لأشهر ومن ثم سنوات – عندها لا تعتبر الحرب أمرًا عارضًا؛ بل تصبح واقعًا نعايشه ونتعايش معه، وعندها نعود لنمارس كل أنشطتنا وحياتنا وسط الحرب، نتناسى كثيرًا أننا مُهددون في كل لحظة، وأحيانًا تغمرنا…

اترك تعليقًا

هيكارو ماكيبا

موضوع هذه المدونة هو الأنمي الياباني الشهير UFO Robot Grendizer والذي أنتج بين عام 1975 و 1977 ودبلج للعربية في مطلع الثمانينات باسم “مغامرات الفضاء جريندايزر” ، كما دبلج لغيرها من اللغات مثل الفرنسية والإيطالية والإنجليزية.

Translate »