الحلقة السادسة عشرة – استبصار! ج2
السيد هياشي شاب مهذب يعمل في مركز أبحاث الفضاء مع الدكتور أمون، أعرف السيد هياشي منذ سنوات، شاب هادئ ومتزن، بالطبع يكبرني بعدة سنوات، منذ أيام أخبرنا الدكتور أمون بأن صديقة السيد هياشي سوف تأتي لزيارته وأنها ستقيم عدة أيام معنا في بيتنا، اسمها كاوري شيراكاوا، وقد عرفت أنها صديقة السيد هياشي العزيزة لكني لم أرها سابقًا، فطوال السنوات الماضية لم تزر كاوري مزرعة شيراكابا أو تأتي لمركز الأبحاث أبدًا.
صباح أمس الأول رأيت كاوري دون أن أعرف أنها ضيفتنا، كنت في القرية متجهة نحو مدرستي بصحبة جورو وبانتا، ورأينا فتاة جميلة تقف في محطة
وصول الحافلة، كاووري جميلة فعلًا، ذات بشرة بيضاء وعينان زرقاوتان وشعر كستنائي طويل، ممشوقة القوام وترتدي ثوبًا ناعمًا وحذاء ذو كعب عالٍ، رغم إدراكي لجمال كاوري إلا أنني شعرت بالضيق والحرج من تعليق جورو على جمالها وإشارته إلى أنها تفوقني جمالًا بكثير، أعرف نفسي جيدًا، فأنا فتاة متوسطة الجمال ذات بشرة وردية وعينان عسليتان وشعر بني قصير، وحياتي في المزرعة وأعمالي اليومية لا يسمحان لي بارتداء ثوب أو حذاء مماثل لكاوري على أي حال، لدي بالطبع أثواب عديدة لكنها لا تناسب نهاري أبدًا، لهذا أزعجتني ملاحظة جورو كثيرًا خاصة وأني أعتبر نفسي أمًا لجورو؛ فكيف يمكن له أن يؤذي مشاعري على هذا النحو؟!
حين عدت من المدرسة عرفت أن هذه الفتاة الجميلة هي كاوري وأنها ضيفتنا التي ستقيم معنا لأيام، على الرغم من استيائي صباحًا إلا أني سررت بوجود كاوري، على العشاء استطعت أن ألاحظ السعادة في عيني السيد هياشي وكاوري، كانت علاقة الاثنين رائعة وقد بدا واضحًا للجميع مدى ارتباط كل واحد منهما بالآخر، لقد خيم جمال العاطفة بين السيد هياشي وكاوري على طاولة العشاء وملأنا بالحب.
بعد مغادرة السيد هياشي والدكتور أمون ودايسكي جلسنا نتسامر مع كاوري لبعض الوقت – أبي وجورو وأنا – أخذ أبي يستعرض بطولاته السابقة في الغرب أمام كاوري، واستمر جورو في تدخلاته المحرجة وهذه المرة كانت من نصيب أبي، جورو يتغير كثيرًا هذه الأيام ويسعى لتكوين شخصية جديدة لكني أراه متخبطًا على نحو كبير، أحيانًا يحاول محاكاة دايسكي وكثيرًا ما يحاكي بانتا، دائمًا ما آمل في أن يكون جورو شبيهًا بدايسكي لا ببانتا، ترى هل سيحدث ذلك يومًا؟
لم أرَ دايسكي في تلك الليلة وظللت حبيسة غرفتي أفكر، كنت منزعجة قليلًا مما حدث نهارًا، وكنت أشرد كثيرًا في علاقة كاوري والسيد هياشي، كاوري تكبرني بسنتين أو ثلاثة، تعيش في طوكيو وحياتها مختلفة تمامًا عن حياتي، لكني رأيتها تنظر للسيد هياشي نظرات تحمل مشاعري تجاه دايسكي، لهذا شعرت بالتوتر قليلًا وأخذت أفكر في الأمر وأقلبه يمينًا ويسارًا.
صباح اليوم التالي التقيت بكاوري، ورأيت دايسكي ينظر إليها بعمق وهو يحيينا، ثم أشار إلى حلية شعرها وأنها تكاد أن تسقط، لم أجب تحية دايسكي هذا الصباح وشعرت بأن نظرته لكاوري تشبه ما قاله جورو بالأمس، لهذا عاودتني مشاعر الحزن من جديد، وصل السيد هياشي في تلك اللحظة فانتزعني من أفكاري، رَكضت كاوري نحوه وهي تهتف باسمه بحب واصطحبها معه في نزهة بالسيارة، عدت بعدها لأفكاري وأحزاني السابقة وانهمكت في العمل بصمت طوال النهار حتى حدث أمر مروع.
لقد عاد دايسكي حاملًا السيد هياشي بعد أن أصيب رأسه، كان ينزف فأسرعنا بطلب الطبيب لتضميد جرحه، أخبرنا الطبيب أنه سيكون بخير وأنه لا داعي للقلق، كانت كاوري مفقودة في ذلك الوقت، فحسب ما رواه دايسكي أنه قد سمع صرخة كاوري وعندما وصل إلى المكان الذي جاءت منه صرختها وجد السيد هياشي مصابًا وقال جملة لم يتمَّها: “كاوري كانت…” وفقد وعيه، لهذا تساءلنا عما حدث لكاوري في ذلك الوقت، توقع الدكتور أمون أن تكون كاوري مُسيرة من جاسوس ولا أعرف السبب الذي دفع الدكتور أمون لتبني نظرية غريبة كهذه!
!
خرج دايسكي وكوجي للبحث عن كاوري وبقينا جميعًا في المزرعة بانتظار إفاقة السيد هياشي علَّه يخبرنا شيئًا يساعدنا في العثور على الفتاة، في تلك الأثناء عادت كاوري فجأة، المدهش أنها كانت ممسكة بسلاح وقد صوبته نحونا جميعًا دون خوف، لم تبد هي ذاتها الفتاة الرقيقة التي التقيناها بالأمس، لها نفس ملامحها ولكن بشخصية مختلفة تمامًا، هددتنا كاوري بالدكتور أمون واتخذته رهينة لها، لم نكن نعرف بالضبط ما كانت تريده، وتجمد الموقف كله حتى عاد دايسكي وكوجي وحاول الاثنان إنقاذ دكتور أمون لكن دون جدوى، أطلقت كاوري النار على دايسكي وكادت أن تصيبه إلا أنه نجا والحمد لله، شعرت بالخوف في تلك اللحظة، تسارعت دقات قلبي وتندى وجهي بحبات العرق رغم برودة الجو.
وبينما نحن في هذا الموقف الصعب أفاق السيد هياشي وسمعته يقول من وراء ظهري: “اقتليني أنا يا كاوري.. أطلقي علي النار” شجاعة السيد هياشي أصابتنا جميعًا بالذهول، لقد كان يتقدم نحو كاوري بخطى ثابتة وهي مشهرة مسدسها في وجهه وتطالبه بعدم الاقتراب بصرامة، لكنه استمر بالتقدم نحوها حتى بات وجهه قريبًا من وجهها، وسمعته يقول لها: “كاوري هذا أنا هل ترين؟”
لم تمضِ دقائق حتى أفلتت كاوري سلاحها وسمعتها تهتف باسم السيد هياشي بحب وفقدت وعيها بين ذراعيه، حملها بحنان، وعندها حدث شيء لم أتوقعه أبدًا!
لقد اندفع دايسكي نحوهما وانتزع حلية شعر كاوري وأمسك بجهاز صغير داخلها وحطمه بين أصابعه، لم أفهم معنى ذلك في حينه وإن عرفت بعدها أن هذا الجهاز كان جهاز توجيه صغير استطاع أحد الأعداء أن يثبته في حلية شعر كاوري للسيطرة عليها، لكن لماذا يفعل أحدهم ذلك لم أجد إجابة شافية للأسف.
انشغلنا بكاوري واعتنينا بها حتى استعادت وعيها وحيويتها أيضًا، في مغرب اليوم ودعتنا كاوري ورحلت إلى طوكيو لكنها تركت لي الكثير من الأسئلة والأفكار الحائرة، لهذا أمضيت هذه الليلة أيضًا وحدي أفكر، تساءلت في صمت إن كنت أنا مكان كاوري فماذا سيحدث؟ هل من الممكن أن يفعل دايسكي مثل ما فعل السيد هياشي؟ وماذا لو حدث العكس؟ تمنيت كذلك أن يكون بإمكاني التنزه مع دايسكي دون قلق كما تنزها كاوري والسيد هياشي، عرفت أن السيد هياشي وكاوري كلاهما يتيتم وأنهما متعلقان ببعضهما البعض لهذا السبب، ترى هل وجود العائلة يمكن أن يعيق الصداقات وأن يجعل الحب أصعب؟
تساءلت عن مظهري بعد سنتين أو ثلاثة، ترى هل سيكون بإمكاني أن أكون فتاة جميلة مثل كاوري؟ وتساءلت عن دايسكي وماذا إذا كان يراني فتاة جميلة أم لا؟ للمرة الأولى أفكر وأتساءل عن الصورة التي يراني بها دايسكي، أعرف أننا صديقان فعلًا ولكن في تلك الليلة شعرت أن صداقتي له أكبر مما كنت أتصور، وأنني تورطت كثيرًا دون أن أدري.
صباح اليوم، رأيت دايسكي، حياني بابتسامة ودودة، وعلى غير عادته اقترب ليلقي علي تحية الصباح، لم يسألني عن عزلتي الأيام الماضية ولكنه نظر لعيني بعمق وقال لي: “أنا سعيد لأنك لا ترتدين حلية شعر على الإطلاق!”
فهمت ما يعني وشعرت بالاطمئنان يغمرني، كأن نهرًا تدفق بداخلي، هدأت توتراتي أخيرًا، لهذا اجتاحتني رغبة ملحة في الركض نحو غرفتي وإغلاق بابها بإحكام، وقررت أن أجلس على مكتبي وأكتب تلك الورقة الخاصة.. الخاصة جدًا
اترك تعليقًا