الحلقة السادسة والثلاثون
أنتهى كوجي من صحنه الجديد وقد غير هذا الصحن الكثير في حياتي، بعد مشاركتي لدايسكي في معركته الأخيرة ومعايشتي للحرب على هذا النحو الذي لم أخبُره من قبل تبدلت مشاعري، وبدأ يراودني شعور غير مألوف، بت أضجر من حياتي اليومية شيئًا فشيئًا، كل ما كان يرضي ذاتي بالأمس لم يعد كافيًا اليوم، قراءاتي، حضور درس الفضاء، صلواتي كلما خرج دايسكي لمعركة جديدة، مسؤولياتي في البيت والمزرعة.. كل شيء، لم أعد أجد قيمة لحياتي، بت أرى محاولاتي البسيطة لدعم دايسكي والدفاع عن أسرتي ومزرعتي ومحاولة إبعاد الخطر عني كلها غير كافية، ماذا يعني مجرد ركوب الخيل بمهارة؟ ما فائدة الجمباز؟ ما نفع ركوب السيارة أو حتى قدرتي على قيادة دراجة دايسكي المسلحة للهرب يومًا؟ بدأت أعايش صراعًا لا أعرف كيف الخلاص منه!
ذهبت صباح أحد الأيام لمركز الأبحاث كالعادة لنقل المؤمن كما كنت أفعل منذ أشهر، كنت أشعر بالضجر وكنا في يوم عطلة، تذكرت يوم طلبت من أبي أن يترك لي هذه المهمة وكنت سعيدة وقتها بوجود سبب قوي يدفعني لزيارة المركز باستمرار، لكن في هذا الصباح كنت ضجرة لأبعد مدى، لم يعد هذا المبرر مرضيًا لي أبدًا، وصلت للمركز وذهبت لتحية دكتور أمون الذي لاحظ اعتلال مزاجي، أخذنا نتحدث لبعض الوقت، سألني إن كنت أعاني من مشكلة ما، تحدث معي حول حضوري لدرس الفضاء وما إذا كان هذا الأمر يصعب علي فأجبته بالنفي، شعرت أن بإمكاني أن أصارح دكتور أمون بما يجول بخاطري، حدثته عن شعوري بالضجر والاستياء، قلت له أنني أشعر بضياع ذاتي وأنني أتمنى حياة غير حياتي التي أحياها اليوم، أحب دكتور أمون كثيرًا وأجد راحة في التحدث إليه، يمتزج الحنان في قلب دكتور أمون برجاحة العقل واتساع الأفق، لطالما فتح لي الأبواب المغلقة وحاول دعمي وتشجيعي، لا أنسى يوم صارحته برغبتي في أن أصير يومًا جزء من هذا الصرح العلمي الذي يديره، يومها أخبرني بأن علي بذل الكثير من الجهد، قال أنه سيساعدني، سمح لي بزيارة المركز متى شئت، سمح لي باستخدام المكتبة وحضور درس الفضاء، قَبِلَ وجودي في غرفة الرصد في أي وقت، شيء واحد نبهني إلى ضرورة الالتزام به وهو السرية، كل ما يجري داخل المركز لابد وأن يبقى هناك، وهناك فقط، لم يكن الأمر صعبًا علي، فمنذ أن صادقت دايسكي كان علي أن أُبْقِي كل ما يدور بيني وىبينه سرًا حيث هو: اسمه، ماضيه، ذكرياته، معاناته حتى إصابته، لهذا لم يكن من الصعب علي الالتزام بهذا الأمر.
في ذلك اليوم حاول دكتور أمون التسرية عني، أخبرني أن سلاح كوجي الجديد قد اكتمل تقريبًا، عرفت اسم هذا السلاح أخيرًا “سبيزر المزدوج”، عرض دكتور أمون أن يصحبني لرؤيته فوافقت، ذهبنا إلى هناك، ما إن تجاوزنا باب القاعة حتى تفاجأنا بدايسكي وكوجي يتشاجران، كل ما تمكننا من سماعه من شجارهما هو جملة كوجي: “ثم أنك ستعود لكوكب فليد يومًا ما، يمكنك أن تترك أمر الأرض لي”، بدا دايسكي منزعجًا من جملة كوجي، كان يلفظ اسمه بغضب شديد فقاطعه دكتور أمون بهدوء:
دايسكي.. لا تختلفا على أمر بسيط!
يستطيع دكتور أمون السيطرة على غضب دايسكي بمهارة رغم أنه ليس ابنًا حقيقيًا له، لكن استطاع دكتور أمون أن يكون أبًا صادقًا، استطاع أن يلمس استياء دايسكي من جملة كوجي المازحة والتي ألقاها دون بال، فَقَدَ دايسكي موطنه للأبد وهو يعتبر الأرض وطنه اليوم، يُحب العيش فيها ويدافع عنها بشعور صادق، أشار دكتور أمون لكون ما يقوله كوجي بسيطًا ولا يعني شيئًا، أكد ببساطة أن بقاء دايسكي على الأرض أمر مفروغ منه، الأرض اليوم هي وطن لدايسكي وكلاهما سعيد بانتمائه للآخر، استجاب دايسكي بسهولة لمداخلة دكتور أمون، أجابه بارتباك: “آسف!”
نظرت لسييزر فوجدتها أفضل بكثير من التيفو التي أتى بها كوجي قبلًا، كما كانت أروع من صحنه التجريبي، وأعرف من دايسكي أن كوجي قد استخدم شعاع الإعصار الذي أنقذه به في مرة سابقة ضمن أسلحتها، قلتها مازحة:
عندما تنتهي سبيزر فإنكما ستتنافسان.. يمكن تصور ذلك!
كنت أحاول الثناء على طائرة كوجي وإضفاء بعض المرح على الأجواء رغم معرفتي بأنه في منافسة كتلك فالغلبة ستكون لجريندايزر حتمًا، لم أتوقع رد كوجي في ذلك الوقت، خذلني رده كثيرًا وجدد شعوري السيء، لقد تجاهل كوجي الموضوع برمته وهو يسألني عن الطعام وما إذا كنت قد أحضرت الحليب أم لا، تذرع بكونه جائعًا، احمر وجهي خجلًا وشعرت بالاستياء، كوجي يصر على إعادتي لما أنا عليه، تجددت كل مشاعري السيئة والتي رافقتني في رحلتي من المزرعة إلى مركز الأبحاث، أجبته بأني أحضرته وتدخل دايسكي ليعلمني بأنه جائع كذلك، استدرت بعيدًا عن الاثنين وأنا أقولها منفسةً عن غضبي:
إنكما تتفقان عندما تتحدثان عن الأكل!
في تلك اللحظة دوى الإنذار في المكان وأسرعنا لغرفة الرصد، كانت المواجهة هذه المرة غريبة، وحش فيجا لم يظهر في سماء اليابان أو أي سماء على الإطلاق، لقد تسلل الوحش واختفى في باطن الأرض، سمعت كوجي يقول بأن ما شاهدناه لم يكن نيزكًا، وأضاف دايسكي بأن وحش الفضاء ربما تسلل للأرض، وكل ما يظهر منه الآن هو هزات أرضية عنيفة وكأنها زلازل تسري بسرعة تحت سطح الأرض.
كانت الهزات تقترب من القرية وتحديدًا من المدرسة كما قال السيد سائيكي، تذكرت لحظتها أن جورو وأصدقاءه يلعبون هناك كعادتهم في يوم العطلة منذ فترة، فزعت وأنا أخبر دايسكي بالأمر وأستنجد به لانقاذ جورو، أكد دكتور أمون طلبي واستدار دايسكي مسرعًا يرى ما بإمكانه فعله.
0
غادرت المركز أيضًا بدوري بعد خروج دايسكي بجريندايزر متجهة صوب المزرعة، أردت فعل أي شيء عدا البقاء ساكنة في مكاني، بحثت عن أبي لأعلمه بالأمر، كان هو مستلقيًا على القش، حاولت مناداته لكنه كان يكرر بأنه يريد أن ينام بهدوء، أخبرته بأن جورو في خطر وأن وحش الفضاء يهاجمه هو وأصدقاءه فانتفض من مكانه وهو يهتف:
جورو وريث المزرعة في خطر!
قالها أبي وقفز من مكانه فجأة، وسقط على رأس الحصان الذي ألقى به في صندوق العربة، وفي لحظات وجدته بجانبي يمسك باللجام ويشده بقوة، كنت مرتعبة من السرعة الجنونية التي أطلق بها العربة، تشبثت بالمقعد بقوة وانطلقت العربة مسرعة حتى اقتربنا من المدرسة.
وصلنا فإذ بالمكان قد عمته الفوضى، كان الأطفال يركضون فزعين، رأينا جورو يركض دون أن يرانا فأخذنا ننادي عليه حتى انتبه إلينا، غمرت الفرحة ملامح جورو لرؤيتنا ونزل أبي يعدو نحو جورو ويعانقه، وبقيت أنا في العربة أمسك باللجام وأستعجلها للصعود قبل عودة الصحن من جديد، لكن أبي ظل واقفًا في مكانه وهو يتساءل عن اليىوفو، أخبرته أنه تحت الأرض فتعجب بقوله:
كيف يطير صحن في الأرض؟!
هو محق فعلًا والأمر صعب التصديق!
لكن بعد الهزة التالية قفز أبي وجورو للعربة دون نقاش وانطلقنا بسرعة صوب مركز الأبحاث، في تلك الظروف لا مكان أكثر أمنًا من مركز أبحاث الدكتور
أمون، لهذا أسرعنا إليه، لكن في طريقنا حدثت هزات عنيفة وانشقت الأرض أمام أعيننا، فزع الحصان وانقلبت العربة وسقطنا أرضًا بعنف، كنت أردد بأنه الوحش وأبي غير مصدق، ثم رأينا التربة تنجرف نحونا، أُغْشِيَ على أبي وأخذنا – جورو وأنا – نسحبه بعيدًا في محاولة يائسة لإنقاذ أنفسنا لكن دون جدوى، لقد كانت التربة ترتفع أكثر فأكثر وتهوي ناحيتنا بعنف.
تعانق ثلاثتنا وصرخنا برعب، شعرنا أن النهاية وشيكة، ستدفننا التربة لا محالة، تعانقنا واخترنا الموت معًا كأسرة واحدة، كانت لحظات قاسية لا يمكن نسيانها، مواجهة الموت على هذا النحو الصارخ والعجز التام عن النجاة تجربة قاسية لأبعد حد ممكن.
لكن فجأة هدأ كل شيء على نحو غامض وغير مغهوم، فنهضنا بسرعة نركض صوب المركز دون تفكير.
وصلنا للمركز ودخلنا غرفة الرصد وسمعنا نداء دكتور أمون: “جلاء طارئ إلى ملجأ القبو” كان هذا النداء ينذر بكارثة محدقة، تساءلت داخلي عما حدث مع دايسكي؟ وأين هو الآن؟ لكن على الرغم من دقة الموقف وخطورته فقد استقبلنا الدكتور أمون بلطف، رحب بجورو وأبدى سعادته بسلامته، وطلب منا أن نحمي أنفسنا، لهذا نزل أبي وجورو للقبو، في حين بقيت أنا مع دكتور أمون أتابع ما يحدث باهتمام.
عرفت من دكتور أمون أن دايسكي يخوض حربًا شرسة في ذلك الوقت، وأن الوحش قد فقد السيطرة على نفسه وأنه يندفع صوب المركز الآن لهذا أصدر دكتور أمون توجيهاته بالنزول تحت الأرض والاحتماء بالقبو، وصل الوحش فعلًا للمركز واصطدم ببرج الإقلاع الذي كان يقلع منه كوجي بالتيفو، تذكرت ذلك البرج الذي شهد قراري الأول بالوقوف في وجه قوات فيجا وعدم مسامحتهم على جرائمهم، كان ذلك حين حاول أحدهم التسلل للمركز لاغتيال دايسكي، وحين هاجمني يومها بشراسة لم أتعرض لها من قبل، يومها وقفت بجوار دايسكي على هذا البرج ننظر للشمس معًا بعد أن أعدت إليه قلادته الفليدية التي أنقذني بها، حينها طلب مني ألا آتي للمركز لأن المكان خطير، لكني أخبرته يومها بأني سآتي في الوقت الذي أريد، وأني لن أسامح الذين يقسدون في الأرض، وأني لن أصفح عنهم أبدًا.
2023-04-20
مذكرات هيكارو السرية – سبيزر!
مذكرات هيكارو السرية
مذكرات خيالية في دفتر يوميات هيكارو ماكيبا
الحلقة السادسة والثلاثون – سبيزر!
أنتهى كوجي من صحنه الجديد وقد غير هذا الصحن الكثير في حياتي، بعد مشاركتي لدايسكي في معركته الأخيرة ومعايشتي للحرب على هذا النحو الذي لم أخبُره من قبل تبدلت مشاعري، وبدأ يراودني شعور غير مألوف، بت أضجر من حياتي اليومية شيئًا فشيئًا، كل ما كان يرضي ذاتي بالأمس لم يعد كافيًا اليوم، قراءاتي، حضور درس الفضاء، صلواتي كلما خرج دايسكي لمعركة جديدة، مسؤولياتي في البيت والمزرعة.. كل شيء، لم أعد أجد قيمة لحياتي، بت أرى محاولاتي البسيطة لدعم دايسكي والدفاع عن أسرتي ومزرعتي ومحاولة إبعاد الخطر عني كلها غير كافية، ماذا يعني مجرد ركوب الخيل بمهارة؟ ما فائدة الجمباز؟ ما نفع ركوب السيارة أو حتى قدرتي على قيادة دراجة دايسكي المسلحة للهرب يومًا؟ بدأت أعايش صراعًا لا أعرف كيف الخلاص منه!
ذهبت صباح أحد الأيام لمركز الأبحاث كالعادة لنقل المؤمن كما كنت أفعل منذ أشهر، كنت أشعر بالضجر وكنا في يوم عطلة، تذكرت يوم طلبت من أبي أن يترك لي هذه المهمة وكنت سعيدة وقتها بوجود سبب قوي يدفعني لزيارة المركزباستمرار، لكن في هذا الصباح كنت ضجرة لأبعد مدى، لم يعد هذا المبرر مرضيًا لي أبدًا، وصلت للمركز وذهبت لتحية دكتور أمون الذي لاحظ اعتلال مزاجي، أخذنا نتحدث لبعض الوقت، سألني إن كنت أعاني من مشكلة ما، تحدث معي حول حضوري لدرس الفضاء وما إذا كان هذا الأمر يصعب علي فأجبته بالنفي، شعرت أن بإمكاني أن أصارح دكتور أمون بما يجول بخاطري، حدثته عن شعوري بالضجر والاستياء، قلت له أنني أشعر بضياع ذاتي وأنني أتمنى حياة غير حياتي التي أحياها اليوم، أحب دكتور أمون كثيرًا وأجد راحة في التحدث إليه، يمتزج الحنان في قلب دكتور أمون برجاحة العقل واتساع الأفق، لطالما فتح لي الأبواب المغلقة وحاول دعمي وتشجيعي، لا أنسى يوم صارحته برغبتي في أن أصير يومًا جزء من هذا الصرح العلمي الذي يديره، يومها أخبرني بأن علي بذل الكثير من الجهد، قال أنه سيساعدني، سمح لي بزيارة المركز متى شئت، سمح لي باستخدام المكتبة وحضور درس الفضاء، قَبِلَ وجودي في غرفة الرصد في أي وقت، شيء واحد نبهني إلى ضرورة الالتزام به وهو السرية، كل ما يجري داخل المركز لابد وأن يبقى هناك، وهناك فقط، لم يكن الأمر صعبًا علي، فمنذ أن صادقت دايسكي كان علي أن أُبْقِي كل ما يدور بيني وىبينه سرًا حيث هو: اسمه، ماضيه، ذكرياته، معاناته حتى إصابته، لهذا لم يكن من الصعب علي الالتزام بهذا الأمر.
في ذلك اليوم حاول دكتور أمون التسرية عني، أخبرني أن سلاح كوجي الجديد قد اكتمل تقريبًا، عرفت اسم هذا السلاح أخيرًا “سبيزر المزدوج”، عرض دكتور أمون أن يصحبني لرؤيته فوافقت، ذهبنا إلى هناك، ما إن تجاوزنا باب القاعة حتى تفاجأنا بدايسكي وكوجي يتشاجران، كل ما تمكننا من سماعه من شجارهما هو جملة كوجي: “ثم أنك ستعود لكوكب فليد يومًا ما، يمكنك أن تترك أمر الأرض لي”، بدا دايسكي منزعجًا من جملة كوجي، كان يلفظ اسمه بغضب شديد فقاطعه دكتور أمون بهدوء:
– دايسكي.. لا تختلفان على أمر بسيط!
يستطيع دكتور أمون السيطرة على غضب دايسكي بمهارة رغم أنه ليس ابنًا حقيقيًا له، لكن استطاع دكتور أمون أن يكون أبًا صادقًا، استطاع أن يلمس استياء دايسكي من جملة كوجي المازحة والتي ألقاها دون بال، فَقَدَ دايسكي موطنه للأبد وهو يعتبر الأرض وطنه اليوم، يُحب العيش فيها ويدافع عنها بشعور صادق، أشار دكتور أمون لكون ما يقوله كوجي بسيطًا ولا يعني شيئًا، أكد ببساطة أن بقاء دايسكي على الأرض أمر مفروغ منه، الأرض اليوم هي وطن لدايسكي وكلاهما سعيد بانتمائه للآخر، استجاب دايسكي بسهولة لمداخلة دكتور أمون، أجابه بارتباك: “آسف!”
رحت أنظر لسييزر فوجدتها أفضل بكثير من التيفو التي أتى بها كوجي قبلًا، كما كانت أروع من صحنه التجريبي، وأعرف من دايسكي أن كوجي قد استخدم شعاع الإعصار الذي أنقذه به في مرة سابقة ضمن أسلحتها، قلتها مازحة:
– عندما تنتهي سبيزر فإنكما ستتنافسان.. يمكن تصور ذلك!
كنت أحاول الثناء على طائرة كوجي وإضفاء بعض المرح على الأجواء رغم معرفتي بأنه في منافسة كتلك فالغلبة ستكون لجريندايزر حتمًا، لم أتوقع رد كوجي في ذلك الوقت، خذلني رده كثيرًا وجدد شعوري السيء، لقد تجاهل كوجي الموضوع برمته وهو يسألني عن الطعام وما إذا كنت قد أحضرت الحليب أم لا، تذرع بكونه جائعًا، احمر وجهي خجلًا وشعرت بالاستياء، كوجي يصر على إعادتي لما أنا عليه، تجددت كل مشاعري السيئة والتي رافقتني في رحلتي من المزرعة إلى مركز الأبحاث، أجبته بأني أحضرته وتدخل دايسكي ليعلمني بأنه جائع كذلك، استدرت بعيدًا عن الاثنين وأنا أقولها منفسةً عن غضبي:
– إنكما تتفقان عندما تتحدثان عن الأكل!
في تلك اللحظة دوى الانذار في المكان وأسرعنا لغرفة الرصد، كانت المواجهة هذه المرة غريبة، وحش فيجا لم يظهر في سماء اليابان أو أي سماء على الإطلاق، لقد تسلل الوحش واختفى في باطن الأرض، سمعت كوجي يقول بأن ما شاهدناه لم يكن نيزكًا، وأضاف دايسكي بأن وحش الفضاء ربما تسلل للأرض، وكل ما يظهر منه الآن هو هزات أرضية عنيفة وكأنها زلازل تسري بسرعة تحت سطح الأرض.
كانت الهزات تقترب من القرية وتحديدًا من المدرسة كما قال السيد سائيكي، تذكرت لحظتها أن جورو وأصدقاءه يلعبون هناك كعادتهم في يوم العطلة منذ فترة، فزعت وأنا أخبر دايسكي بالأمر وأستنجد به لانقاذ جورو، أكد دكتور أمون طلبي واستدار دايسكي مسرعًا يرى ما بإمكانه فعله.
0
غادرت المركز أيضًا بدوري بعد خروج دايسكي بجريندايزر متجهة صوب المزرعة، أردت فعل أي شيء عدا البقاء ساكنة في مكاني، بحثت عن أبي لأعلمه بالأمر، كان هو مستلقيًا على القش، حاولت مناداته لكنه كان يكرر بأنه يريد أن ينام بهدوء، أخبرته بأن جورو في خطر وأن وحش الفضاء يهاجمه هو وأصدقاءه فانتفض من مكانه وهو يهتف:
– جورو وريث المزرعة في خطر!
قالها أبي وقفز من مكانه فجأة، وسقط على رأس الحصان الذي ألقى به في صندوق العربة، وفي لحظات وجدته بجانبي يمسك باللجام ويشده بقوة، كنت مرتعبة من السرعة الجنونية التي أطلق بها العربة، تشبثت بالمقعد بقوة وانطلقت العربة مسرعة حتى اقتربنا من المدرسة.
وصلنا فإذ بالمكان قد عمته الفوضى، كان الأطفال يركضون فزعين، رأينا جورو يركض دون أن يرانا فأخذنا ننادي عليه حتى انتبه إلينا، غمرت الفرحة ملامح جورو لرؤيتنا ونزل أبي يعدو نحو جورو ويعانقه، وبقيت أنا في العربة أمسك باللجام وأستعجلها للصعود قبل عودة الصحن من جديد، لكن أبي ظل واقفًا في مكانه وهو يتساءل عن اليىوفو، أخبرته أنه تحت الأرض فتعجب بقوله:
– كيف يطير صحن في الأرض؟!
هو محق فعلًا والأمر صعب التصديق!
لكن بعد الهزة الأخيرة قفز أبي وجورو للعربة دون نقاش وانطلقنا بسرعة صوب مركز الأبحاث، في تلك الظروف لا مكان أكثر أمنًا من مركز أبحاث الدكتور أمون، لهذا أسرعنا إليه، لكن في طريقنا حدثت هزات عنيفة وانشقت الأرض أمام أعيننا، فزع الحصان وانقلبت العربة وسقطنا أرضًا بعنف، كنت أردد بأنه الوحش وأبي غير مصدق، ثم رأينا التربة تنجرف نحونا، أغشي على أبي وأخذنا – جورو وأنا – نسحبه بعيدًا في محاولة يائسة لإنقاذ أنفسنا لكن دون جدوى، لقد كانت التربة ترتفع أكثر فأكثر وتهوي ناحيتنا بعنف.
تعانق ثلاثتنا وصرخنا برعب، شعرنا أن النهاية وشيكة، ستدفننا التربة لا محالة، تعانقنا واخترنا الموت معًا كأسرة واحدة، كانت لحظات قاسية لا يمكن نسيانها، مواجهة الموت على هذا النحو الصارخ والعجز التام عن النجاة تجربة قاسية لأبعد حد ممكن.
لكن فجأة هدأ كل شيء على نحو غامض وغير مغهوم، فنهضنا بسرعة نركض صوب المركز دون تفكير.
وصلنا للمركز ودخلنا غرفة الرصد وسمعنا نداء دكتور أمون: “جلاء طارئ إلى ملجأ القبو” كان هذا النداء ينذر بكارثة محدقة، تساءلت داخلي عما حدث مع دايسكي؟ وأين هو الآن؟ لكن على الرغم من دقة الموقف وخطورته فقد استقبلنا الدكتور أمون بلطف، رحب بجورو وأبدى سعادته بسلامته، وطلب منا أن نحمي أنفسنا، لهذا نزل أبي وجورو للقبو وبقيت أنا مع دكتور أمون أتابع ما يحدث باهتمام.
عرفت من دكتور أمون أن دايسكي يخوض حربًا شرسة في ذلك الوقت، وأن الوحش قد فقد السيطرة على نفسه وأنه يندفع صوب المركز الآن لهذا أصدر دكتور أمون توجيهاته بالنزول تحت الأرض والاحتماء بالقبو، وصل الوحش فعلًا للمركز واصطدم ببرج الإقلاع الذي كان يقلع منه كوجي بالتيفو، تذكرت ذلك البرج الذي شهد قراري الأول بالوقوف في وجه قوات فيجا وعدم مسامحتهم على جرائمهم، كان ذلك حين حاول أحدهم التسلل للمركز لاغتيال دايسكي، وحين هاجمني يومها بشراسة لم أتعرض لها من قبل، يومها وقفت بجوار دايسكي على هذا البرج ننظر للشمس معًا بعد أن أعدت إليه قلادته الفليدية التي أنقذني بها، حينها طلب مني ألا آتي للمركز لأن المكان خطير، لكني أخبرته يومها بأني سآتي في الوقت الذي أريد، وأني لن أسامح الذين يقسدون في الأرض، وأني لن أصفح عنهم أبدًا.
اليوم هذا البرج يُنسف وأنا في قلب المركز تحت الأرض، أقف مع دكتور أمون وفريقه من العاملين، ونشعر بالارتجاج الشديد جراء ارتطام الوحش بالبرج، بدأت أجزاء من السقف تتساقط فوق رؤوسنا لكننا تجلدنا، في ذلك الوقت العصيب سمعت دكتور أمون يطلب من كوجي الاستعداد، وخرج كوجي بطائرته الجديدة لأول مرة وقبل أن يجري اختبار الطيران كالمعتاد، أراد كوجي أن يدعم دايسكي في معركته الشرسة مع ذلك الوحش الذي كان يطير في السماء ويحفر في الأرض على نحو مربك، وكان دكتور أمون يعرف بحاجة دايسكي للمساعدة، فقد أجهد الوحش دايسكي في ملاحقته والتصدي له لكنه تمكن أخيرًا بمساعدة كوجي من القضاء عليه.
لحظة القضاء على الوحش كنت أشاهد شاشة الرصد جوار دكتور أمون، وتنبهت لقدوم أبي وجورو، كان كوجي يطير بسبيزر وقد أمسك جريندايزر بجناحي الطائرة لترفعه عاليًا، يومها سمعت دكتور أمون يتمتم:
لو استطعنا توحيد جريندايزر وسبيزر، فسنحقق صحنًا رائعًا.. هذا حلمي!
نظرت لأبي وجورو بطرف عيني فرأيت الدهشة وعدم الفهم على ملامحهما، ثم بدأ جورو يتحدث عن جريندايزر، قال أنه رآى إنسانًا آليًا قرب المدرسة، وأنه تحدث إليهم وطلب منهم مغادرة المكان فورًا، وأخبرهم بأن هناك خطرًا، بدا جورو منبهرًا بجريندايزر وتساءل عمن يقوده لكنه لم يلق ردًا من أحد: لا مني ولا من دكتور أمون وبالطبع ليس من أبي.
مساء راح دايسكي يحدثني عن معركته الشرسة في هذا اليوم، كان جريندايزر يحفر في الأرض ليطارد الوحش، ثم يخرج منها ليلتحم بسبيزر ويستكمل مطاردته في الجو، ثم ينفصل عنها ليعاود الحفر، قال أن وحش فيجا كان رشيقًا إلى حد كبير، ذكرني وصفه لرشاقة الوحش بزاري زاري الذي حاربه دايسكي منذ فترة، قال أن الوحش حاول نسف جريندايزر بألغام أرضية شديدة الانفجار لكن لحسن الحظ كان جريندايزر أقوى منها رغم شعور دايسكي بالحرارة الشديدة والارتجاج العنيف حال تعرض دايزر لانفجاراتها العنيفة.
حدثني كذلك عن سبيزر وعن القاطع المزدوج الذي استخدمه كوجي لإصابة الوحش، لكن بينما كان دايسكي يتحدث كنت أنا في مزاج سيء كحالي صباحًا، كنت أشعر بالخيبة، هو يروي صراعًا شرسًا وأنا لا أملك غير قصة يتيمة في هذا اليوم، كل ما فعلته أنا اليوم هو إبلاغ أبي بما يحدث والتوجه للمدرسة لإيجاد جورو والعودة به، حتى الهزة العنيفة وانهيار التربة الذي هدد حياتنا – أبي وجورو وأنا – لم أملك حياله شيء، ولولا مصادفة القدر العجيبة ورحمة الله لكنا في عداد الموتى.
لاحظ دايسكي شرودي فحاول التسرية عني، عاد يسألني عن تدريبات الجمباز وما إذا كنت أواظب عليها أم لا، هو محق، كان هذا السؤال سيسعدني منذ أسابيع مضت أما الآن فالأمر مختلف، لم يعد الاستعراض ممتعًا كفاية لكن سؤال دايسكي أشعل بداخلي الرغبة في التحدي، سأشارك في الاستعراض وسأفوز به أيضًا، علي أن أحرز نجاحًا يشعرني بذاتي ولو قليلًا، أستطيع أن أفعل ذلك، بل لابد من ذلك، لهذا أجبته:
نعم دايسكي، أواظب على تماريني لأن الاستعراض قريب ومشاركتي فيه حتمية!
رأيت الدهشة بادية على ملامحه فابتسمت له وصمت، وصمت هو الآخر، لقد تحول الاستعراض لشيء أكبر، تحول لتحدٍ جديد لإثبات قدرتي على تغيير الواقع الذي أعيش فيه، وأول ما سأغيره هو خوض الاستعراض الذي أُعلن عنه لطلاب الثانوية رغم أني تجاوزتها بالفعل، وسأجتازه بنجاح أيضًا، هكذا صممت!
لم يطل حلم دكتور أمون طويلًا وقد سعى فعلًا لجعله حقيقة، وهذا ما تفاجأنا به جميعًا منذ مدة، اتصل دكتور أمون في أحد الأيام وكان يوم عطلة أيضًا، لا أعرف كل المفاجآت صارت تقع في العطل مؤخرًا! اتصل دكتور أمون وطلب مني أن أبلغ دايسكي بأنه يريده في مركز الأبحاث لأمر هام، خرجت أبحث عن دايسكي فوجدته قرب النهر يغسل سيلفر، كان شارد الذهن تمامًا، يمسك بفرشاة غسل الأحصنة وينظر إليها بشرود غريب وكأن الفرشاة تحدثه على نحو غامض.
2023-04-20
مذكرات هيكارو السرية – سبيزر!
مذكرات هيكارو السرية
مذكرات خيالية في دفتر يوميات هيكارو ماكيبا
الحلقة السادسة والثلاثون – سبيزر!
أنتهى كوجي من صحنه الجديد وقد غير هذا الصحن الكثير في حياتي، بعد مشاركتي لدايسكي في معركته الأخيرة ومعايشتي للحرب على هذا النحو الذي لم أخبُره من قبل تبدلت مشاعري، وبدأ يراودني شعور غير مألوف، بت أضجر من حياتي اليومية شيئًا فشيئًا، كل ما كان يرضي ذاتي بالأمس لم يعد كافيًا اليوم، قراءاتي، حضور درس الفضاء، صلواتي كلما خرج دايسكي لمعركة جديدة، مسؤولياتي في البيت والمزرعة.. كل شيء، لم أعد أجد قيمة لحياتي، بت أرى محاولاتي البسيطة لدعم دايسكي والدفاع عن أسرتي ومزرعتي ومحاولة إبعاد الخطر عني كلها غير كافية، ماذا يعني مجرد ركوب الخيل بمهارة؟ ما فائدة الجمباز؟ ما نفع ركوب السيارة أو حتى قدرتي على قيادة دراجة دايسكي المسلحة للهرب يومًا؟ بدأت أعايش صراعًا لا أعرف كيف الخلاص منه!
ذهبت صباح أحد الأيام لمركز الأبحاث كالعادة لنقل المؤمن كما كنت أفعل منذ أشهر، كنت أشعر بالضجر وكنا في يوم عطلة، تذكرت يوم طلبت من أبي أن يترك لي هذه المهمة وكنت سعيدة وقتها بوجود سبب قوي يدفعني لزيارة المركزباستمرار، لكن في هذا الصباح كنت ضجرة لأبعد مدى، لم يعد هذا المبرر مرضيًا لي أبدًا، وصلت للمركز وذهبت لتحية دكتور أمون الذي لاحظ اعتلال مزاجي، أخذنا نتحدث لبعض الوقت، سألني إن كنت أعاني من مشكلة ما، تحدث معي حول حضوري لدرس الفضاء وما إذا كان هذا الأمر يصعب علي فأجبته بالنفي، شعرت أن بإمكاني أن أصارح دكتور أمون بما يجول بخاطري، حدثته عن شعوري بالضجر والاستياء، قلت له أنني أشعر بضياع ذاتي وأنني أتمنى حياة غير حياتي التي أحياها اليوم، أحب دكتور أمون كثيرًا وأجد راحة في التحدث إليه، يمتزج الحنان في قلب دكتور أمون برجاحة العقل واتساع الأفق، لطالما فتح لي الأبواب المغلقة وحاول دعمي وتشجيعي، لا أنسى يوم صارحته برغبتي في أن أصير يومًا جزء من هذا الصرح العلمي الذي يديره، يومها أخبرني بأن علي بذل الكثير من الجهد، قال أنه سيساعدني، سمح لي بزيارة المركز متى شئت، سمح لي باستخدام المكتبة وحضور درس الفضاء، قَبِلَ وجودي في غرفة الرصد في أي وقت، شيء واحد نبهني إلى ضرورة الالتزام به وهو السرية، كل ما يجري داخل المركز لابد وأن يبقى هناك، وهناك فقط، لم يكن الأمر صعبًا علي، فمنذ أن صادقت دايسكي كان علي أن أُبْقِي كل ما يدور بيني وىبينه سرًا حيث هو: اسمه، ماضيه، ذكرياته، معاناته حتى إصابته، لهذا لم يكن من الصعب علي الالتزام بهذا الأمر.
في ذلك اليوم حاول دكتور أمون التسرية عني، أخبرني أن سلاح كوجي الجديد قد اكتمل تقريبًا، عرفت اسم هذا السلاح أخيرًا “سبيزر المزدوج”، عرض دكتور أمون أن يصحبني لرؤيته فوافقت، ذهبنا إلى هناك، ما إن تجاوزنا باب القاعة حتى تفاجأنا بدايسكي وكوجي يتشاجران، كل ما تمكننا من سماعه من شجارهما هو جملة كوجي: “ثم أنك ستعود لكوكب فليد يومًا ما، يمكنك أن تترك أمر الأرض لي”، بدا دايسكي منزعجًا من جملة كوجي، كان يلفظ اسمه بغضب شديد فقاطعه دكتور أمون بهدوء:
– دايسكي.. لا تختلفان على أمر بسيط!
يستطيع دكتور أمون السيطرة على غضب دايسكي بمهارة رغم أنه ليس ابنًا حقيقيًا له، لكن استطاع دكتور أمون أن يكون أبًا صادقًا، استطاع أن يلمس استياء دايسكي من جملة كوجي المازحة والتي ألقاها دون بال، فَقَدَ دايسكي موطنه للأبد وهو يعتبر الأرض وطنه اليوم، يُحب العيش فيها ويدافع عنها بشعور صادق، أشار دكتور أمون لكون ما يقوله كوجي بسيطًا ولا يعني شيئًا، أكد ببساطة أن بقاء دايسكي على الأرض أمر مفروغ منه، الأرض اليوم هي وطن لدايسكي وكلاهما سعيد بانتمائه للآخر، استجاب دايسكي بسهولة لمداخلة دكتور أمون، أجابه بارتباك: “آسف!”
رحت أنظر لسييزر فوجدتها أفضل بكثير من التيفو التي أتى بها كوجي قبلًا، كما كانت أروع من صحنه التجريبي، وأعرف من دايسكي أن كوجي قد استخدم شعاع الإعصار الذي أنقذه به في مرة سابقة ضمن أسلحتها، قلتها مازحة:
– عندما تنتهي سبيزر فإنكما ستتنافسان.. يمكن تصور ذلك!
كنت أحاول الثناء على طائرة كوجي وإضفاء بعض المرح على الأجواء رغم معرفتي بأنه في منافسة كتلك فالغلبة ستكون لجريندايزر حتمًا، لم أتوقع رد كوجي في ذلك الوقت، خذلني رده كثيرًا وجدد شعوري السيء، لقد تجاهل كوجي الموضوع برمته وهو يسألني عن الطعام وما إذا كنت قد أحضرت الحليب أم لا، تذرع بكونه جائعًا، احمر وجهي خجلًا وشعرت بالاستياء، كوجي يصر على إعادتي لما أنا عليه، تجددت كل مشاعري السيئة والتي رافقتني في رحلتي من المزرعة إلى مركز الأبحاث، أجبته بأني أحضرته وتدخل دايسكي ليعلمني بأنه جائع كذلك، استدرت بعيدًا عن الاثنين وأنا أقولها منفسةً عن غضبي:
– إنكما تتفقان عندما تتحدثان عن الأكل!
في تلك اللحظة دوى الانذار في المكان وأسرعنا لغرفة الرصد، كانت المواجهة هذه المرة غريبة، وحش فيجا لم يظهر في سماء اليابان أو أي سماء على الإطلاق، لقد تسلل الوحش واختفى في باطن الأرض، سمعت كوجي يقول بأن ما شاهدناه لم يكن نيزكًا، وأضاف دايسكي بأن وحش الفضاء ربما تسلل للأرض، وكل ما يظهر منه الآن هو هزات أرضية عنيفة وكأنها زلازل تسري بسرعة تحت سطح الأرض.
كانت الهزات تقترب من القرية وتحديدًا من المدرسة كما قال السيد سائيكي، تذكرت لحظتها أن جورو وأصدقاءه يلعبون هناك كعادتهم في يوم العطلة منذ فترة، فزعت وأنا أخبر دايسكي بالأمر وأستنجد به لانقاذ جورو، أكد دكتور أمون طلبي واستدار دايسكي مسرعًا يرى ما بإمكانه فعله.
0
غادرت المركز أيضًا بدوري بعد خروج دايسكي بجريندايزر متجهة صوب المزرعة، أردت فعل أي شيء عدا البقاء ساكنة في مكاني، بحثت عن أبي لأعلمه بالأمر، كان هو مستلقيًا على القش، حاولت مناداته لكنه كان يكرر بأنه يريد أن ينام بهدوء، أخبرته بأن جورو في خطر وأن وحش الفضاء يهاجمه هو وأصدقاءه فانتفض من مكانه وهو يهتف:
– جورو وريث المزرعة في خطر!
قالها أبي وقفز من مكانه فجأة، وسقط على رأس الحصان الذي ألقى به في صندوق العربة، وفي لحظات وجدته بجانبي يمسك باللجام ويشده بقوة، كنت مرتعبة من السرعة الجنونية التي أطلق بها العربة، تشبثت بالمقعد بقوة وانطلقت العربة مسرعة حتى اقتربنا من المدرسة.
وصلنا فإذ بالمكان قد عمته الفوضى، كان الأطفال يركضون فزعين، رأينا جورو يركض دون أن يرانا فأخذنا ننادي عليه حتى انتبه إلينا، غمرت الفرحة ملامح جورو لرؤيتنا ونزل أبي يعدو نحو جورو ويعانقه، وبقيت أنا في العربة أمسك باللجام وأستعجلها للصعود قبل عودة الصحن من جديد، لكن أبي ظل واقفًا في مكانه وهو يتساءل عن اليىوفو، أخبرته أنه تحت الأرض فتعجب بقوله:
– كيف يطير صحن في الأرض؟!
هو محق فعلًا والأمر صعب التصديق!
لكن بعد الهزة الأخيرة قفز أبي وجورو للعربة دون نقاش وانطلقنا بسرعة صوب مركز الأبحاث، في تلك الظروف لا مكان أكثر أمنًا من مركز أبحاث الدكتور أمون، لهذا أسرعنا إليه، لكن في طريقنا حدثت هزات عنيفة وانشقت الأرض أمام أعيننا، فزع الحصان وانقلبت العربة وسقطنا أرضًا بعنف، كنت أردد بأنه الوحش وأبي غير مصدق، ثم رأينا التربة تنجرف نحونا، أغشي على أبي وأخذنا – جورو وأنا – نسحبه بعيدًا في محاولة يائسة لإنقاذ أنفسنا لكن دون جدوى، لقد كانت التربة ترتفع أكثر فأكثر وتهوي ناحيتنا بعنف.
تعانق ثلاثتنا وصرخنا برعب، شعرنا أن النهاية وشيكة، ستدفننا التربة لا محالة، تعانقنا واخترنا الموت معًا كأسرة واحدة، كانت لحظات قاسية لا يمكن نسيانها، مواجهة الموت على هذا النحو الصارخ والعجز التام عن النجاة تجربة قاسية لأبعد حد ممكن.
لكن فجأة هدأ كل شيء على نحو غامض وغير مغهوم، فنهضنا بسرعة نركض صوب المركز دون تفكير.
وصلنا للمركز ودخلنا غرفة الرصد وسمعنا نداء دكتور أمون: “جلاء طارئ إلى ملجأ القبو” كان هذا النداء ينذر بكارثة محدقة، تساءلت داخلي عما حدث مع دايسكي؟ وأين هو الآن؟ لكن على الرغم من دقة الموقف وخطورته فقد استقبلنا الدكتور أمون بلطف، رحب بجورو وأبدى سعادته بسلامته، وطلب منا أن نحمي أنفسنا، لهذا نزل أبي وجورو للقبو وبقيت أنا مع دكتور أمون أتابع ما يحدث باهتمام.
عرفت من دكتور أمون أن دايسكي يخوض حربًا شرسة في ذلك الوقت، وأن الوحش قد فقد السيطرة على نفسه وأنه يندفع صوب المركز الآن لهذا أصدر دكتور أمون توجيهاته بالنزول تحت الأرض والاحتماء بالقبو، وصل الوحش فعلًا للمركز واصطدم ببرج الإقلاع الذي كان يقلع منه كوجي بالتيفو، تذكرت ذلك البرج الذي شهد قراري الأول بالوقوف في وجه قوات فيجا وعدم مسامحتهم على جرائمهم، كان ذلك حين حاول أحدهم التسلل للمركز لاغتيال دايسكي، وحين هاجمني يومها بشراسة لم أتعرض لها من قبل، يومها وقفت بجوار دايسكي على هذا البرج ننظر للشمس معًا بعد أن أعدت إليه قلادته الفليدية التي أنقذني بها، حينها طلب مني ألا آتي للمركز لأن المكان خطير، لكني أخبرته يومها بأني سآتي في الوقت الذي أريد، وأني لن أسامح الذين يقسدون في الأرض، وأني لن أصفح عنهم أبدًا.
اليوم هذا البرج يُنسف وأنا في قلب المركز تحت الأرض، أقف مع دكتور أمون وفريقه من العاملين، ونشعر بالارتجاج الشديد جراء ارتطام الوحش بالبرج، بدأت أجزاء من السقف تتساقط فوق رؤوسنا لكننا تجلدنا، في ذلك الوقت العصيب سمعت دكتور أمون يطلب من كوجي الاستعداد، وخرج كوجي بطائرته الجديدة لأول مرة وقبل أن يجري اختبار الطيران كالمعتاد، أراد كوجي أن يدعم دايسكي في معركته الشرسة مع ذلك الوحش الذي كان يطير في السماء ويحفر في الأرض على نحو مربك، وكان دكتور أمون يعرف بحاجة دايسكي للمساعدة، فقد أجهد الوحش دايسكي في ملاحقته والتصدي له لكنه تمكن أخيرًا بمساعدة كوجي من القضاء عليه.
لحظة القضاء على الوحش كنت أشاهد شاشة الرصد جوار دكتور أمون، وتنبهت لقدوم أبي وجورو، كان كوجي يطير بسبيزر وقد أمسك جريندايزر بجناحي الطائرة لترفعه عاليًا، يومها سمعت دكتور أمون يتمتم:
– لو استطعنا توحيد جريندايزر وسبيزر، فسنحقق صحنًا رائعًا.. هذا حلمي!
نظرت لأبي وجورو بطرف عيني فرأيت الدهشة وعدم الفهم على ملامحهما، ثم بدأ جورو يتحدث عن جريندايزر، قال أنه رآى إنسانًا آليًا قرب المدرسة، وأنه تحدث إليهم وطلب منهم مغادرة المكان فورًا، وأخبرهم بأن هناك خطرًا، بدا جورو منبهرًا بجريندايزر وتساءل عمن يقوده لكنه لم يلق ردًا من أحد: لا مني ولا من دكتور أمون وبالطبع ليس من أبي.
***
مساء راح دايسكي يحدثني عن معركته الشرسة في هذا اليوم، كان جريندايزر يحفر في الأرض ليطارد الوحش، ثم يخرج منها ليلتحم بسبيزر ويستكمل مطاردته في الجو، ثم ينفصل عنها ليعاود الحفر، قال أن وحش فيجا كان رشيقًا إلى حد كبير، ذكرني وصفه لرشاقة الوحش بزاري زاري الذي حاربه دايسكي منذ فترة، قال أن الوحش حاول نسف جريندايزر بألغام أرضية شديدة الانفجار لكن لحسن الحظ كان جريندايزر أقوى منها رغم شعور دايسكي بالحرارة الشديدة والارتجاج العنيف حال تعرض دايزر لانفجاراتها العنيفة.
حدثني كذلك عن سبيزر وعن القاطع المزدوج الذي استخدمه كوجي لإصابة الوحش، لكن بينما كان دايسكي يتحدث كنت أنا في مزاج سيء كحالي صباحًا، كنت أشعر بالخيبة، هو يروي صراعًا شرسًا وأنا لا أملك غير قصة يتيمة في هذا اليوم، كل ما فعلته أنا اليوم هو إبلاغ أبي بما يحدث والتوجه للمدرسة لإيجاد جورو والعودة به، حتى الهزة العنيفة وانهيار التربة الذي هدد حياتنا – أبي وجورو وأنا – لم أملك حياله شيء، ولولا مصادفة القدر العجيبة ورحمة الله لكنا في عداد الموتى.
لاحظ دايسكي شرودي فحاول التسرية عني، عاد يسألني عن تدريبات الجمباز وما إذا كنت أواظب عليها أم لا، هو محق، كان هذا السؤال سيسعدني منذ أسابيع مضت أما الآن فالأمر مختلف، لم يعد الاستعراض ممتعًا كفاية لكن سؤال دايسكي أشعل بداخلي الرغبة في التحدي، سأشارك في الاستعراض وسأفوز به أيضًا، علي أن أحرز نجاحًا يشعرني بذاتي ولو قليلًا، أستطيع أن أفعل ذلك، بل لابد من ذلك، لهذا أجبته:
– نعم دايسكي، أواظب على تماريني لأن الاستعراض قريب ومشاركتي فيه حتمية!
رأيت الدهشة بادية على ملامحه فابتسمت له وصمت، وصمت هو الآخر، لقد تحول الاستعراض لشيء أكبر، تحول لتحدٍ جديد لاثبات قدرتي على تغيير الواقع الذي أعيش فيه، وأول ما سأغيره هو خوض الاستعراض الذي أُعلن عنه لطلاب الثانوية رغم أني تجاوزتها بالفعل، وسأجتازه بنجاح أيضًا، هكذا صممت!
***
لم يطل حلم دكتور أمون طويلًا وقد سعى فعلًا لجعله حقيقة، وهذا ما تفاجأنا به جميعًا منذ مدة، اتصل دكتور أمون في أحد الأيام وكان يوم عطلة أيضًا، لا أعرف كل المفاجآت صارت تقع في العطل مؤخرًا! اتصل دكتور أمون وطلب مني أن أبلغ دايسكي بأنه يريده في مركز الأبحاث لأمر هام، خرجت أبحث عن دايسكي فوجدته قرب النهر يغسل سيلفر، كان شارد الذهن تمامًا، يمسك بفرشاة غسل الأحصنة وينظر إليها بشرود غريب وكأن الفرشاة تحدثه على نحو غامض.
انحنيت التقط بضع حصوات صغيرة وألقيت إحداها في النهر لألفت انتباهه، كان بإمكاني أن أناديه لكني أردت ممازحته قليلًا، التفت إلي وهو يهتف:
لا تباغتيني هكذا!
أخذت ألهو بالحصوات بكفي وأنا أسأله:
بماذا كنت تفكر يا دايسكي؟
ابتسم لي وعاد يستكمل غسل سيلفر وهو يقول:
لا شيء.. أنتِ هل تفكرين بشيء؟
امتطيت حصاني وأنا أضحك بمرح، لدي فعلًا ما أفكر به واعتزم إخبارك به لكن تريث يا صديقي، أجبته باسمة:
دكتور أمون يريدك لأمر هام.. إنه ينتظرك في مركز الأبحاث فورًا!
ردد جملتي الأخيرة على نحو تلقائي وأمسك بلجام سيلفر يخرجه من الماء وهو يحدثه كما يحدث صديقًا:
إذن سأعود إليك سيلفر لأغسلك بعد انتهائي من العمل.
2023-04-20
مذكرات هيكارو السرية – سبيزر!
مذكرات هيكارو السرية
مذكرات خيالية في دفتر يوميات هيكارو ماكيبا
الحلقة السادسة والثلاثون – سبيزر!
أنتهى كوجي من صحنه الجديد وقد غير هذا الصحن الكثير في حياتي، بعد مشاركتي لدايسكي في معركته الأخيرة ومعايشتي للحرب على هذا النحو الذي لم أخبُره من قبل تبدلت مشاعري، وبدأ يراودني شعور غير مألوف، بت أضجر من حياتي اليومية شيئًا فشيئًا، كل ما كان يرضي ذاتي بالأمس لم يعد كافيًا اليوم، قراءاتي، حضور درس الفضاء، صلواتي كلما خرج دايسكي لمعركة جديدة، مسؤولياتي في البيت والمزرعة.. كل شيء، لم أعد أجد قيمة لحياتي، بت أرى محاولاتي البسيطة لدعم دايسكي والدفاع عن أسرتي ومزرعتي ومحاولة إبعاد الخطر عني كلها غير كافية، ماذا يعني مجرد ركوب الخيل بمهارة؟ ما فائدة الجمباز؟ ما نفع ركوب السيارة أو حتى قدرتي على قيادة دراجة دايسكي المسلحة للهرب يومًا؟ بدأت أعايش صراعًا لا أعرف كيف الخلاص منه!
ذهبت صباح أحد الأيام لمركز الأبحاث كالعادة لنقل المؤمن كما كنت أفعل منذ أشهر، كنت أشعر بالضجر وكنا في يوم عطلة، تذكرت يوم طلبت من أبي أن يترك لي هذه المهمة وكنت سعيدة وقتها بوجود سبب قوي يدفعني لزيارة المركزباستمرار، لكن في هذا الصباح كنت ضجرة لأبعد مدى، لم يعد هذا المبرر مرضيًا لي أبدًا، وصلت للمركز وذهبت لتحية دكتور أمون الذي لاحظ اعتلال مزاجي، أخذنا نتحدث لبعض الوقت، سألني إن كنت أعاني من مشكلة ما، تحدث معي حول حضوري لدرس الفضاء وما إذا كان هذا الأمر يصعب علي فأجبته بالنفي، شعرت أن بإمكاني أن أصارح دكتور أمون بما يجول بخاطري، حدثته عن شعوري بالضجر والاستياء، قلت له أنني أشعر بضياع ذاتي وأنني أتمنى حياة غير حياتي التي أحياها اليوم، أحب دكتور أمون كثيرًا وأجد راحة في التحدث إليه، يمتزج الحنان في قلب دكتور أمون برجاحة العقل واتساع الأفق، لطالما فتح لي الأبواب المغلقة وحاول دعمي وتشجيعي، لا أنسى يوم صارحته برغبتي في أن أصير يومًا جزء من هذا الصرح العلمي الذي يديره، يومها أخبرني بأن علي بذل الكثير من الجهد، قال أنه سيساعدني، سمح لي بزيارة المركز متى شئت، سمح لي باستخدام المكتبة وحضور درس الفضاء، قَبِلَ وجودي في غرفة الرصد في أي وقت، شيء واحد نبهني إلى ضرورة الالتزام به وهو السرية، كل ما يجري داخل المركز لابد وأن يبقى هناك، وهناك فقط، لم يكن الأمر صعبًا علي، فمنذ أن صادقت دايسكي كان علي أن أُبْقِي كل ما يدور بيني وىبينه سرًا حيث هو: اسمه، ماضيه، ذكرياته، معاناته حتى إصابته، لهذا لم يكن من الصعب علي الالتزام بهذا الأمر.
في ذلك اليوم حاول دكتور أمون التسرية عني، أخبرني أن سلاح كوجي الجديد قد اكتمل تقريبًا، عرفت اسم هذا السلاح أخيرًا “سبيزر المزدوج”، عرض دكتور أمون أن يصحبني لرؤيته فوافقت، ذهبنا إلى هناك، ما إن تجاوزنا باب القاعة حتى تفاجأنا بدايسكي وكوجي يتشاجران، كل ما تمكننا من سماعه من شجارهما هو جملة كوجي: “ثم أنك ستعود لكوكب فليد يومًا ما، يمكنك أن تترك أمر الأرض لي”، بدا دايسكي منزعجًا من جملة كوجي، كان يلفظ اسمه بغضب شديد فقاطعه دكتور أمون بهدوء:
– دايسكي.. لا تختلفان على أمر بسيط!
يستطيع دكتور أمون السيطرة على غضب دايسكي بمهارة رغم أنه ليس ابنًا حقيقيًا له، لكن استطاع دكتور أمون أن يكون أبًا صادقًا، استطاع أن يلمس استياء دايسكي من جملة كوجي المازحة والتي ألقاها دون بال، فَقَدَ دايسكي موطنه للأبد وهو يعتبر الأرض وطنه اليوم، يُحب العيش فيها ويدافع عنها بشعور صادق، أشار دكتور أمون لكون ما يقوله كوجي بسيطًا ولا يعني شيئًا، أكد ببساطة أن بقاء دايسكي على الأرض أمر مفروغ منه، الأرض اليوم هي وطن لدايسكي وكلاهما سعيد بانتمائه للآخر، استجاب دايسكي بسهولة لمداخلة دكتور أمون، أجابه بارتباك: “آسف!”
رحت أنظر لسييزر فوجدتها أفضل بكثير من التيفو التي أتى بها كوجي قبلًا، كما كانت أروع من صحنه التجريبي، وأعرف من دايسكي أن كوجي قد استخدم شعاع الإعصار الذي أنقذه به في مرة سابقة ضمن أسلحتها، قلتها مازحة:
– عندما تنتهي سبيزر فإنكما ستتنافسان.. يمكن تصور ذلك!
كنت أحاول الثناء على طائرة كوجي وإضفاء بعض المرح على الأجواء رغم معرفتي بأنه في منافسة كتلك فالغلبة ستكون لجريندايزر حتمًا، لم أتوقع رد كوجي في ذلك الوقت، خذلني رده كثيرًا وجدد شعوري السيء، لقد تجاهل كوجي الموضوع برمته وهو يسألني عن الطعام وما إذا كنت قد أحضرت الحليب أم لا، تذرع بكونه جائعًا، احمر وجهي خجلًا وشعرت بالاستياء، كوجي يصر على إعادتي لما أنا عليه، تجددت كل مشاعري السيئة والتي رافقتني في رحلتي من المزرعة إلى مركز الأبحاث، أجبته بأني أحضرته وتدخل دايسكي ليعلمني بأنه جائع كذلك، استدرت بعيدًا عن الاثنين وأنا أقولها منفسةً عن غضبي:
– إنكما تتفقان عندما تتحدثان عن الأكل!
في تلك اللحظة دوى الانذار في المكان وأسرعنا لغرفة الرصد، كانت المواجهة هذه المرة غريبة، وحش فيجا لم يظهر في سماء اليابان أو أي سماء على الإطلاق، لقد تسلل الوحش واختفى في باطن الأرض، سمعت كوجي يقول بأن ما شاهدناه لم يكن نيزكًا، وأضاف دايسكي بأن وحش الفضاء ربما تسلل للأرض، وكل ما يظهر منه الآن هو هزات أرضية عنيفة وكأنها زلازل تسري بسرعة تحت سطح الأرض.
كانت الهزات تقترب من القرية وتحديدًا من المدرسة كما قال السيد سائيكي، تذكرت لحظتها أن جورو وأصدقاءه يلعبون هناك كعادتهم في يوم العطلة منذ فترة، فزعت وأنا أخبر دايسكي بالأمر وأستنجد به لانقاذ جورو، أكد دكتور أمون طلبي واستدار دايسكي مسرعًا يرى ما بإمكانه فعله.
0
غادرت المركز أيضًا بدوري بعد خروج دايسكي بجريندايزر متجهة صوب المزرعة، أردت فعل أي شيء عدا البقاء ساكنة في مكاني، بحثت عن أبي لأعلمه بالأمر، كان هو مستلقيًا على القش، حاولت مناداته لكنه كان يكرر بأنه يريد أن ينام بهدوء، أخبرته بأن جورو في خطر وأن وحش الفضاء يهاجمه هو وأصدقاءه فانتفض من مكانه وهو يهتف:
– جورو وريث المزرعة في خطر!
قالها أبي وقفز من مكانه فجأة، وسقط على رأس الحصان الذي ألقى به في صندوق العربة، وفي لحظات وجدته بجانبي يمسك باللجام ويشده بقوة، كنت مرتعبة من السرعة الجنونية التي أطلق بها العربة، تشبثت بالمقعد بقوة وانطلقت العربة مسرعة حتى اقتربنا من المدرسة.
وصلنا فإذ بالمكان قد عمته الفوضى، كان الأطفال يركضون فزعين، رأينا جورو يركض دون أن يرانا فأخذنا ننادي عليه حتى انتبه إلينا، غمرت الفرحة ملامح جورو لرؤيتنا ونزل أبي يعدو نحو جورو ويعانقه، وبقيت أنا في العربة أمسك باللجام وأستعجلها للصعود قبل عودة الصحن من جديد، لكن أبي ظل واقفًا في مكانه وهو يتساءل عن اليىوفو، أخبرته أنه تحت الأرض فتعجب بقوله:
– كيف يطير صحن في الأرض؟!
هو محق فعلًا والأمر صعب التصديق!
لكن بعد الهزة الأخيرة قفز أبي وجورو للعربة دون نقاش وانطلقنا بسرعة صوب مركز الأبحاث، في تلك الظروف لا مكان أكثر أمنًا من مركز أبحاث الدكتور أمون، لهذا أسرعنا إليه، لكن في طريقنا حدثت هزات عنيفة وانشقت الأرض أمام أعيننا، فزع الحصان وانقلبت العربة وسقطنا أرضًا بعنف، كنت أردد بأنه الوحش وأبي غير مصدق، ثم رأينا التربة تنجرف نحونا، أغشي على أبي وأخذنا – جورو وأنا – نسحبه بعيدًا في محاولة يائسة لإنقاذ أنفسنا لكن دون جدوى، لقد كانت التربة ترتفع أكثر فأكثر وتهوي ناحيتنا بعنف.
تعانق ثلاثتنا وصرخنا برعب، شعرنا أن النهاية وشيكة، ستدفننا التربة لا محالة، تعانقنا واخترنا الموت معًا كأسرة واحدة، كانت لحظات قاسية لا يمكن نسيانها، مواجهة الموت على هذا النحو الصارخ والعجز التام عن النجاة تجربة قاسية لأبعد حد ممكن.
لكن فجأة هدأ كل شيء على نحو غامض وغير مغهوم، فنهضنا بسرعة نركض صوب المركز دون تفكير.
وصلنا للمركز ودخلنا غرفة الرصد وسمعنا نداء دكتور أمون: “جلاء طارئ إلى ملجأ القبو” كان هذا النداء ينذر بكارثة محدقة، تساءلت داخلي عما حدث مع دايسكي؟ وأين هو الآن؟ لكن على الرغم من دقة الموقف وخطورته فقد استقبلنا الدكتور أمون بلطف، رحب بجورو وأبدى سعادته بسلامته، وطلب منا أن نحمي أنفسنا، لهذا نزل أبي وجورو للقبو وبقيت أنا مع دكتور أمون أتابع ما يحدث باهتمام.
عرفت من دكتور أمون أن دايسكي يخوض حربًا شرسة في ذلك الوقت، وأن الوحش قد فقد السيطرة على نفسه وأنه يندفع صوب المركز الآن لهذا أصدر دكتور أمون توجيهاته بالنزول تحت الأرض والاحتماء بالقبو، وصل الوحش فعلًا للمركز واصطدم ببرج الإقلاع الذي كان يقلع منه كوجي بالتيفو، تذكرت ذلك البرج الذي شهد قراري الأول بالوقوف في وجه قوات فيجا وعدم مسامحتهم على جرائمهم، كان ذلك حين حاول أحدهم التسلل للمركز لاغتيال دايسكي، وحين هاجمني يومها بشراسة لم أتعرض لها من قبل، يومها وقفت بجوار دايسكي على هذا البرج ننظر للشمس معًا بعد أن أعدت إليه قلادته الفليدية التي أنقذني بها، حينها طلب مني ألا آتي للمركز لأن المكان خطير، لكني أخبرته يومها بأني سآتي في الوقت الذي أريد، وأني لن أسامح الذين يقسدون في الأرض، وأني لن أصفح عنهم أبدًا.
اليوم هذا البرج يُنسف وأنا في قلب المركز تحت الأرض، أقف مع دكتور أمون وفريقه من العاملين، ونشعر بالارتجاج الشديد جراء ارتطام الوحش بالبرج، بدأت أجزاء من السقف تتساقط فوق رؤوسنا لكننا تجلدنا، في ذلك الوقت العصيب سمعت دكتور أمون يطلب من كوجي الاستعداد، وخرج كوجي بطائرته الجديدة لأول مرة وقبل أن يجري اختبار الطيران كالمعتاد، أراد كوجي أن يدعم دايسكي في معركته الشرسة مع ذلك الوحش الذي كان يطير في السماء ويحفر في الأرض على نحو مربك، وكان دكتور أمون يعرف بحاجة دايسكي للمساعدة، فقد أجهد الوحش دايسكي في ملاحقته والتصدي له لكنه تمكن أخيرًا بمساعدة كوجي من القضاء عليه.
لحظة القضاء على الوحش كنت أشاهد شاشة الرصد جوار دكتور أمون، وتنبهت لقدوم أبي وجورو، كان كوجي يطير بسبيزر وقد أمسك جريندايزر بجناحي الطائرة لترفعه عاليًا، يومها سمعت دكتور أمون يتمتم:
– لو استطعنا توحيد جريندايزر وسبيزر، فسنحقق صحنًا رائعًا.. هذا حلمي!
نظرت لأبي وجورو بطرف عيني فرأيت الدهشة وعدم الفهم على ملامحهما، ثم بدأ جورو يتحدث عن جريندايزر، قال أنه رآى إنسانًا آليًا قرب المدرسة، وأنه تحدث إليهم وطلب منهم مغادرة المكان فورًا، وأخبرهم بأن هناك خطرًا، بدا جورو منبهرًا بجريندايزر وتساءل عمن يقوده لكنه لم يلق ردًا من أحد: لا مني ولا من دكتور أمون وبالطبع ليس من أبي.
***
مساء راح دايسكي يحدثني عن معركته الشرسة في هذا اليوم، كان جريندايزر يحفر في الأرض ليطارد الوحش، ثم يخرج منها ليلتحم بسبيزر ويستكمل مطاردته في الجو، ثم ينفصل عنها ليعاود الحفر، قال أن وحش فيجا كان رشيقًا إلى حد كبير، ذكرني وصفه لرشاقة الوحش بزاري زاري الذي حاربه دايسكي منذ فترة، قال أن الوحش حاول نسف جريندايزر بألغام أرضية شديدة الانفجار لكن لحسن الحظ كان جريندايزر أقوى منها رغم شعور دايسكي بالحرارة الشديدة والارتجاج العنيف حال تعرض دايزر لانفجاراتها العنيفة.
حدثني كذلك عن سبيزر وعن القاطع المزدوج الذي استخدمه كوجي لإصابة الوحش، لكن بينما كان دايسكي يتحدث كنت أنا في مزاج سيء كحالي صباحًا، كنت أشعر بالخيبة، هو يروي صراعًا شرسًا وأنا لا أملك غير قصة يتيمة في هذا اليوم، كل ما فعلته أنا اليوم هو إبلاغ أبي بما يحدث والتوجه للمدرسة لإيجاد جورو والعودة به، حتى الهزة العنيفة وانهيار التربة الذي هدد حياتنا – أبي وجورو وأنا – لم أملك حياله شيء، ولولا مصادفة القدر العجيبة ورحمة الله لكنا في عداد الموتى.
لاحظ دايسكي شرودي فحاول التسرية عني، عاد يسألني عن تدريبات الجمباز وما إذا كنت أواظب عليها أم لا، هو محق، كان هذا السؤال سيسعدني منذ أسابيع مضت أما الآن فالأمر مختلف، لم يعد الاستعراض ممتعًا كفاية لكن سؤال دايسكي أشعل بداخلي الرغبة في التحدي، سأشارك في الاستعراض وسأفوز به أيضًا، علي أن أحرز نجاحًا يشعرني بذاتي ولو قليلًا، أستطيع أن أفعل ذلك، بل لابد من ذلك، لهذا أجبته:
– نعم دايسكي، أواظب على تماريني لأن الاستعراض قريب ومشاركتي فيه حتمية!
رأيت الدهشة بادية على ملامحه فابتسمت له وصمت، وصمت هو الآخر، لقد تحول الاستعراض لشيء أكبر، تحول لتحدٍ جديد لاثبات قدرتي على تغيير الواقع الذي أعيش فيه، وأول ما سأغيره هو خوض الاستعراض الذي أُعلن عنه لطلاب الثانوية رغم أني تجاوزتها بالفعل، وسأجتازه بنجاح أيضًا، هكذا صممت!
***
لم يطل حلم دكتور أمون طويلًا وقد سعى فعلًا لجعله حقيقة، وهذا ما تفاجأنا به جميعًا منذ مدة، اتصل دكتور أمون في أحد الأيام وكان يوم عطلة أيضًا، لا أعرف كل المفاجآت صارت تقع في العطل مؤخرًا! اتصل دكتور أمون وطلب مني أن أبلغ دايسكي بأنه يريده في مركز الأبحاث لأمر هام، خرجت أبحث عن دايسكي فوجدته قرب النهر يغسل سيلفر، كان شارد الذهن تمامًا، يمسك بفرشاة غسل الأحصنة وينظر إليها بشرود غريب وكأن الفرشاة تحدثه على نحو غامض.
انحنيت التقط بضع حصوات صغيرة وألقيت إحداها في النهر لألفت انتباهه، كان بإمكاني أن أناديه لكني أردت ممازحته قليلًا، التفت إلي وهو يهتف:
– لا تباغتيني هكذا!
أخذت ألهو بالحصوات بكفي وأنا أسأله:
– بماذا كنت تفكر يا دايسكي؟
ابتسم لي وعاد يستكمل غسل سيلفر وهو يقول:
– لا شيء.. أنت هل تفكرين بشيء؟
امتطيت حصاني وأنا أضحك بمرح، لدي فعلًا ما أفكر به واعتزم إخبارك به لكن تريث يا صديقي، أجبته باسمة:
– دكتور أمون يريدك لأمر هام.. إنه ينتظرك في مركز الأبحاث فورًا!
ردد جملتي الأخيرة على نحو تلقائي وأمسك بلجام سيلفر يخرجه من الماء وهو يحدثه كما يحدث صديقًا:
– إذن سأعود إليك سيلفر لأغسلك بعد انتهائي من العمل.
ذهب دايسكي لمركز الأبحاث وبقيت أنا في المزرعة أكمل أعمالي اليومية وتدريبات الجمباز التي رغم تقلب مزاجي في الفترة السابقة إلا أنني لم أنقطع عنها، بل إني شعرت برغبة أقوى لخوض التجربة والمشاركة في الاستعراض القادم خاصةً بعد ما حدث، فلقد اقتربت خطتي من النجاح أو كادت وعلي أن أمضي قدمًا فيها.
غاب دايسكي طويلًا هذا اليوم وعاد مع صباح اليوم التالي، كان مصابًا بجرح في جبينه وبعض الخدوش على وجهه، وكان محملًا بكم كبير من الأخبار والمفاجآت التي أثارت روعي، عرفت منه أن دكتور أمون قد أدخل تحسينات جديدة على سبيزر المزدوج وجعلها قادرة على الالتحام بجريندايزر فعلًا، قال أن هناك بضع ثوان تمضي أثناء تبديل مقعد القيادة بين كوة سبيزر ودايزر، وأن هذه الثواني تمثل خطرًا على جريندايزر، لأنه في هذه الأثناء لا يملك القدرة على الهجوم أو استخدام أي سلاح، في حين أن جريندايزر لن يفقد ولا ثانية واحدة إذا اتحد مع سبيزر المزدوج، أنا أذكر تلك الثواني جيدًا وأذكر شعوري بها، لقد كانت أطول بكثير مما يتحدث عنه دايسكي، خلال تلك الثواني كنت وحيدة في سبيزر ، أكمل دايسكي حديثه، أخبرني أن الأمر تطلب تدريبًا شاقًا حتى يتمكن كوجي من إتمام الالتحام بنجاح، وأنه رغم مرور خمس ساعات كاملة إلا أن التدريب لم يُسفر عن شيء.
قال أنه فور خروجهم من قاعة التدريب تلقوا تحذيرًا بظهور اليوفو، وكان هذا اليوفو شرسًا للغاية، عرفت من دايسكي أنه ينتمي للحرس الخاص لفيجا الكبير وأنه أتى وحده دون قوات ميني فو، الأسوأ أنه هاجم جريندايزر في تلك الثواني الحرجة التي تحدث عنها دكتور أمون ووصفها بأنها فترة مميتة لجريندايزر، سرت القشعريرة في جسدي حين سمعت هذا الوصف على لسان دايسكي، اقشعر بدني وخفق قلبي برعب، أكمل دايسكي حديثه ليؤكد مخاوفي، قال أن اليوفو كان كمن يستمع لأحاديثهم، وأنه قد دفع دايسكي لفصل دايزر عن سبيزر وانقض مستغلًا تلك الثواني القليلة، ولقد كانت هجمته عنيفة للغاية، حتى أنها حطمت ذيل سبيزر وجناحها الأيمن وتسببت في ارتطام دايسكي بعنف بلوحة القيادة.
لقد كان دايسكي على مشارف فقدانه لوعيه ولحياته أيضًا لولا رحمة الله به وبقلبي، فلقد استطاع أن يقفز بدايزر في اللحظة الأخيرة، لكن أثر تلك الهجمة المميتة لازمه لفترة أطول، ومع شراسة العدو وسرعته وتشوش دايسكي كانت النهاية قريبة جدًا.
إنها مصادفة مرعبة حقًا! لقد جاء تطوير سبيزر في وقته تمامًا، عرفت أن كوجي أصر على اللحاق بدايسكي وأنه استطاع الالتحام بجريندايزر في لحظة حاسمة، ولولا نجاح كوجي في إتمام الالتحام في تلك الظروف الصعبة لكنت قد فقدت دايسكي الآن!
اخترق الألم صدري بعنف، مجددًا أشعر بالعجز.. بل بالكثير من العجز.. لكن رحمة الله تصنع الكثير!
اترك تعليقًا