مذكرات هيكارو السرية – شتاء مثقل بالألم!

مذكرات هيكارو السرية – شتاء مثقل بالألم!

الحلقة التاسعة والستون – شتاء مثقل بالألم!

حل الشتاء، وبدأ الجو يزداد برودة، ومع برودته ازدادت دموعنا وأوجاعنا، يبدو لي أن هذا هو الشتاء الأصعب في حياتي، الموت يحيط بنا من كل صوب ويلاحقنا بلا كلل، عدنا اليوم من معركة هزت وجداننا، قاتلنا فيها ابن الوزير زوريل، ضحى الابن بحياته ليؤمن هروب أبيه ويضمن نجاته، ورغم أن الوزير وابنه من أعدائنا إلا أننا لم نقدر أبدًا على إنكار إعجابنا بتضحية زوريل الابن وحبه لأبيه وشجاعته لاثباته، لكن كيف بلغنا هذه المعركة؟ تلك قصة طويلة.

على كل حال، أنا بحاجة لترتيب أفكاري، لدي الكثير والكثير لأكتب عنه اليوم، فلم يعد هناك متسع للكتابة كالأيام السابقة، ربما تسنح لي الفرصة كل شهر أو اثنين، لهذا أجد عقلي مزدحمًا بالكثير من الصور والتفاصيل والمشاعر.

كتبتُ فيما مضى عن ماريا، وهذه المرة أيضًا لدي ما أكتبه عنها، لقد اضُطررت في هذا الشتاء أن أحنث بوعدي لدايسكي للأسف، أطلعتُ ماريا على ما أراد هو ألا تعرفه، كنتُ مضطرة وماريا مضطربة تطلب تفسيرًا لما يحدث، كان ذلك يوم ضربت موجة صقيع مجهولة قرية تميما وحولتها إلى جليد، أُبْلِغْنَا يومها بالحادثة وبأن أحدهم قد رآى يوفو في الجوار، لهذا خرج الفريق للتحقيق، وطلب مني دايسكي أن أبقى في المركز على أهبة الاستعداد للحاق بهم إن صدرت الأوامر بذلك، عندما عاد الفريق كانوا يحملون معهم فتاة فاقدة الوعي، عرفتُ أنه حين وصولهم للقرية نزل دايسكي لتحري الأمر، ثم هبت عاصفة ثلجية قوية على المكان، خافت ماريا على دايسكي وقررت أن تلحق به، عندها حدثت ظاهرة غريبة، ارتفع جدار من الثلج فجأة، تكرر الأمر وبدا أن أحدًا يصوب عليهما من مكان ما، ثم ظهرت فتاة وبيدها سلاح، لم تكن واحدة، بل عشرات من الفتيات لهن نفس الشكل ويتحركن في آن واحد، أطلقت ماريا سلاحها على الفتيات في محاولة يائسة لإنقاذ دايسكي، سمعوا صرخة وتلاشت الصور وسقطت فتاة واحدة أمامهما على الثلج، لم تمت الفتاة لحسن الحظ وبدا أنها تلقت صدمة من أشعة الليزر ففقدت وعيها، لذا حملوها عائدين للمركز لتحري الأمر منها.

استعادت الفتاة وعيها بعد فترة، كانت تهذي في نومها، عرفنا اسمها من هذيانها، كانت تدعى كيركا، مدت يدها وهي تستفيق، تشبثت بسترة دايسكي وهي تهتف وعيناها مغمضتان: “أخي، لا تتركني وحدي، أخي” بدا أن للفتاة ماضٍ مؤلم على نحو ما، عندما فتحت عينيها شَعَرَتْ بالخجل وأبعدت يدها فورًا، حاولنا التحدث إليها بلطف لكنها كانت غريبة الأطوار، انفعل كوجي وهو يسألها عن اليوفو الذي شُوهد بالقرب من القرية لكنها أبت أن تجيبه، تدخل دايسكي يمنع كوجي ويحد من انفعاله، قال له بأنه ليس بإمكاننا انتزاع المعلومات منها بالقوة، اقترح على دكتور أمون أن ندعها لترتاح لبعض الوقت لربما غيرت موقفها، لهذا تركنا الغرفة – دكتور أمون، كوجي وأنا – ولحق بنا دايسكي وماريا بعدها بدقائق.

خرج دايسكي وكوجي للبحث مجددًا في القرية، وتعين علينا البقاء في المركز لمراقبة كيركا، في ذلك الوقت لاحظتُ تغير أحوال ماريا، سألتها ما بها، كانت قلقة ومضطربة للغاية، قالت بأن دايسكي تصرف على نحو غريب مع الفتاة، أكدتُ لها أن شيئًا من هذا لم يحدث، لكنها قالت بأنها تعني ما حدث بعد مغادرتنا للغرفة، استمعتُ لها باهتمام، قالت بأنه عرض على الفتاة دواء مهدئًا فرفضت قائلة بأن عليه أن يقتلها إن أراد وأنها ليست خائفة، صفع دايسكي الفتاة وقتها بعنف فسقطت على فراشها، كان يقول لها بحدة: “لا تتعاملي مع الحياة علي هذا النحو”، لم تفهم ماريا التحول الحاد في سلوك دايسكي تجاه الفتاة، قالت أنه في نهاية المطاف قد تناولت كيركا الدواء ولان سلوك دايسكي وقال لها بلطف: “نادنا إن احتجت شيئًا، أختي ستعتني بك”، طوق كتف ماريا وكأن شيئًا لم يكن وغادرا الغرفة، نظرتُ لماريا بحيرة، ماذا علي أن أفعل الآن؟ لقد نفذت جعبة مبرراتي الوهمية ولم يتبقَ لدي غير الحقيقة، لهذا قلتُ لماريا بأن لدي تفسيرًا لكني طلبتُ منها وعدًا بألا تتحدث مع دايسكي حول هذا الموضوع، وأخبرتُ ماريا بشأن جرح دايسكي الذي يهدد حياته منذ سنوات، قلتُ لها أنه يقترب من الموت في كل يوم يمضي وأنه يعلم ذلك، أخبرتها بأن رد كيركا قد نكأ شعوره بالألم غالبًا لهذا جاء رده عنيفًا على الفتاة، بكت ماريا، بكت بمرارة، احتويتها بين ذراعي مشفقة عليها، أكدتُ عليها أن تبقي الأمر سرًا بيننا وأن دايسكي لم يكن راغبًا بإثارة قلقها وألمها فوعدتني بأن تفعل.

رأيتُ خوف ماريا وشجاعتها ورغبتها الصادقة في حماية دايسكي وحبها له في ذلك اليوم، فبعد أن أنهينا حديثنا ببرهة جاءنا اتصال عاجل من كوجي، قال أن دايسكي قد وجد اليوفو وراء جدار من الثلج وكان بابه مفتوحًا، وأنه دخل إليه لاستكشافه، لكن الباب أغلق عليه واحتُجز في الداخل، طلب منا أن نعود بكيركا فورًا لفتحه وقد كان.

عند وصولنا لم تمانع كيركا بفتح الباب لكنها قالت جملة توقفت قلوبنا عند سماعها: “أعجب إن كان دوق سَيُنْقَذُ” يا إلهي! فور أن فُتح الباب اندفعنا جميعًا للداخل، وجدنا دايسكي على الأرض شبه متجمد، بدت منه حركة بسيطة فركزت نظري عليه، وقفت كيركا بعدوانية تهدد دايسكي بالموت وتوجه خاتمها له وهي تقول بأن بندقية التجميد في هذا الخاتم، اندفعت ماريا صانعة من جسدها درعًا لحماية دايسكي، طلبت من كيركا أن تقتلها نيابة عنه، كانت مشاعر ماريا فياضة في ذلك الوقت وأنا أدرك ذلك تمامًا، دُهشت كيركا حين عرفت بأن دوق هو نفسه دايسكي الذي رأته في المركز لكنها لم تغير موقفها، وأخبرت ماريا بأنها ستقتلها معه، تحدثت ماريا تلوم كيركا وتنفس عن مشاعرها المتألمة، لامت كيركا لأنها تحاول أن تفرق بينها وبين دايسكي بعد أن اجتمعا أخيرًا بعد كل تلك السنين، استدارت مولية ظهرها لسلاح كيركا واحتضنت كتف دايسكي، لاحظت هدوء دايسكي وجموده وأنبأني حدسي أنه يترقب لحظة بعينها وصدقت توقعاتي، انتفض دايسكي فجأة وهو يهتف “الآن”، أبعد ماريا عنه واندفع يلتقط قطعة حادة من الثلج ويقذفها باتجاه كيركا، أصيبت كيركا واندفع كوجي ودايسكي خارجًا.

حاولنا – ماريا وأنا – العناية بكيركا المصابة وأخرجناها من اليوفو، كان وحش فيجا قد ظهر وبدأ هجومه علينا فقالت ماريا بأنها ستهتم بكيركا، لهذا تركت الاثنين معًا متجهة صوب سلاحي الملاحي للانضمام للمعركة، كان وحش فيجا شرسًا ومرعبًا للغاية، وكان يطلق شعاعًا للتجميد الفوري، كان الهجوم عليه صعبًا وتطلب منا الكثير من المراوغة والإصرار، وبينما المعركة تدور لمحنا مركبة كيركا تقلع وتغادر الأرض، حاولنا مناداتها في جهاز الاتصال وإيقافها لكن دون جدوى، كنا ندرك جميعًا بأن قوات فيجا لن تسمح لها بالنجاة، تم قصف ميناو من قبل أمام عيني دايسكي في موقف مشابه، وحتى شبيه أبي رآه كوجي يُقتل أمام عينيه من قِبَلِهم، كل من يفشل من قوات فيجا في تنفيذ مهمته يكون الموت هو جزاؤه، لكن رغم محاولاتنا لم تتوقف كيركا، وحدث ما توقعناه، هاجمها وحش فيجا وأسقط مركبتها، نزلنا – ماريا وأنا – بسلاحينا واندفعنا نحو مركبتها علَّنا ننقذها بطريقة أو بأخرى، وواصل دايسكي وكوجي هجومهما على وحش فيجا حتى تمكنا منه.

حين أخرجنا كيركا من مركبتها كانت تحتضر، قالت بأنها أسوأ عالمة، وأنها ستموت بالشعاع الذي طورته بنفسها، مسكينة كيركا! قالت كذلك بأنها سعيدة لأنها ستلحق بأخيها وبأن لها أخ رائع، تمنت لماريا حياة جميلة مع أخيها وفاضت روحها، دفنا كيركا واحتضنتها الأرض بثلوجها، وتركت ألمًا وشجنًا في نفوسنا، دفناها وعدنا للمركز يغلفنا الصمت الثقيل.

***

تلا ذلك أيام حافلة بالنشاط في مركز الأبحاث، لقد بدأ الدكتور أمون بمشروع الكوزمو الخاص، والكوزمو الخاص هو مشروع سلاح فضائي قادر على الطيران والقتال خارج الغلاف الجوي للأرض، أفاد دكتور أمون كثيرًا من خزينة جريندايزر رغم غزارتها، كان يعرف عن أي شيء يبحث وكيف، وساعده دايسكي كثيرًا في ذلك، كان الكوزمو الخاص تتويجًا لهذه الجهود، أسلحته، قدرته على الطيران خارج غلاف الأرض، سرعته الفائقة، نظامه الملاحي، كان سلاحًا قادرًا على عبور مئات السنوات الضوئية والقيام برحلات بعيدة في الكون، لهذا كان مشروعًا ألهب حماسنا، وتطلب هذا المشروع الكثير من الاتصالات والتنسيقات والموافقات بين عدد من الجهات الحكومية والعسكرية والعلمية، وبينما نحن منهمكون بالمشروع تعرضنا لحادثة هجوم مباغتة.

كنا في يوم عطلة وقد اجتمعنا في المزرعة صباح ذلك اليوم، تناولنا الإفطار وشاركني دايسكي القهوة ونحن نتحدث عن آخر ما توصل إليه مشروع الدكتور أمون، أخبرني أنه سيتوجب علينا زيارة طوكيو قريبًا لتسليم المخططات بأنفسنا والحصول على بعض الوثائق الهامة كذلك، أنهى حديثه ثم حمل جريدته وسبقني لغرفة المعيشة حيث اجتمع البقية، عند لحاقي به عرفت أنه غادر مع كوجي إلى مركز الأبحاث بعد استدعاء دكتور أمون لهما، كانت ماريا بمزاج سيء، قالت أنها كانت تمازح كوجي ودايسكي وتحاول قراءة حظهما اليوم وأن اللعبة أتت بنتائج سيئة ولم تكن في صالح دايسكي، قلتُ لها ألا تكترث لهذا الأمر، واقترحتُ عليها أن نلحق بهما في مركز الأبحاث.

هناك أخبرنا دكتور أمون بالقصة، قال أن جزيرة باز في المحيط الهادي قد غرقت فجأة لسبب غير معروف، وهناك من أبلغ عن وجود غيمة هائلة في السماء بالقرب من موقع الجزيرة، قال أن كوجي ذهب للتحري وأبلغ عن وجود الكثير من الأسماك الميتة، كان ذلك دليلًا على أن جزيرة باز غرفت بفعل قنبلة، خرج أسطول الميني فو وهاجم كوجي فلحق به دايسكي، وبينما كان دكتور أمون يروي ما حدث التقط الرادار وجود يوفو قرب طوكيو، لذا صدرت الأوامر بالتحرك فورًا إلى هناك، ومحاولة احتواء الموقف ريثما يصل دايسكي وكوجي.

وصل وحش فيجا إلى وسط طوكيو تقريبًا، كان وحشًا يشبه العنكبوت إلى حد كبير، ضخم الحجم وبطيئ الحركة، ولم يكن بمقدوره الطيران وكان هذا أغرب ما فيه، توقف الوحش عن السير وأنزل من فمه أسطوانة كبيرة زرقاء اللون، لم نتبين ما هي حتى سمعنا دكتور أمون في جهاز الاتصال وهو يهتف: “قنبلة فيجاترون التي فجرت جزيرة باز” كانت جملته مرعبة، هذا يعني أننا أمام قنبلة قادرة على الفتك بنا جميعًا في لحظة واحدة، جزيرة باز بحجم مدينة طوكيو، وإن كانت القنبلة قد أغرقت جزيرة باز فهذا يعني أنه لا توجد فرصة للنجاة من شيء كهذا، فظيع!

وصل دايسكي وكوجي في تلك اللحظة، وسمعنا جميعًا محادثة طارئة دارت بين الدكتور أمون والقائد جاندال من قوات فيجا الذي حاول اختراق موجاتنا، قايض القائد جاندال الدكتور أمون: حياة البشر في طوكيو بأكملها مقابل تسليم جريندايزر، أمهلنا خمس دقائق لاتخاذ القرار، قال أن القنبلة ستنفجر بعد خمس دقائق بالضبط، قام بتشغيل مؤقت التفجير أمام أعيننا لإرهابنا، سأل دكتور أمون عن جوابه فرد عليه بحزم: “أرغب أن أرفض، لكن لا أستطيع أن أعطيك ردًا جازمًا الآن”، أجابة جاندال: “هل ستترك دوق فليد يرد؟ لا بأس، لكني أحذرك” وانقطع الاتصال.

دار نقاش لا يمكن أن أنساه بيننا جميعًا في ذلك اليوم، تحدث دايسكي أولًا، قال لدكتور أمون بأنه قد استمع للمحادثة بينه وبين جاندال، رد عليه دكتور أمون:

دايسكي، لو أمكن كنتُ حللتُ مكانك، كل ما يمكنني هو أن أراقب، دايسكي عليك أن تقرر ما ستفعله.

تحدث دايسكي بلساننا جميعًا، عبَّر عما يجول بخاطرنا، شعرتُ بأنه يتحدث وهو يرى صورة فليد أمامه، كان حب دايسكي للأرض عظيمًا في تلك اللحظة، لا يمكن لأحدنا أن يتراجع بعد ما قال:

أبي، تسليم جريندايزر يعني استسلامنا دون شرط، إنهم سيغزون هذه الأرض الجميلة فورًا، الأرض هي الكوكب حيث يعيش الناس في سلام، وليست الكوكب الذي يعيش فيه الشياطين، أبي، دعني أقاتل، ومهما حدث لي لن أدعهم يدمرون طوكيو.

اندفعنا جميعًا لتأييد دايسكي ودعم قراره، هتف كوجي:

دايسكي مُحِق، مهما حدث لنا سننقذ طوكيو.

وأردفت ماريا:

دكتور أمون سأقاتل أنا أيضًا.

وعقبتُ على كلامها:

وأنا أيضًا، يجب ألا نستسلم بسهولة دون قتال، إن كان لنا ذرة أمل فيجب أن نقاتل.

عند هذا الحد أعطانا دكتور أمون الإذن بالهجوم، قال أن أمامنا أربع دقائق فقط، وحُمِّلْنَا مسؤولية إنقاذ طوكيو والأرض برمتها من مصير مظلم، اندفعنا جميعًا صوب وحش فيجا الذي وقف يحمي القنبلة بجسده، كون الوحش قبة مغناطيسية حوله لصد ضرباتنا، لكن لم تلبث القبة طويلًا ومع ذلك بقيت عقبة قربه من القنبلة، أي سلاح سنستخدمه قد يؤدي لتفجير القنبلة وفي هذا خطر شديد، اقترح دايسكي أن يشغل الوحش عنا بينما نقوم نحن بتفجير الأرض من خلفه حتى يسقط فيها بعيدًا عن القنبلة، نفذنا الخطة فورًا، سقط الوحش جراء ضرباتنا واستطاع دايسكي أن يلتقط القنبلة تمهيدًا لتسليمها لمروحيات قوات الدفاع، لكن الوحش أطلق خيوطه القوية وأمسك بدايزر، حاولتُ إنقاذ دايسكي فأطلقتُ القاطع المزدوج لكن الوحش تمكن من الإفلات، وجه لي ضربه بشعاعه فتفاديته، ثم تفاجأتُ بضربة أخرى لم أتمكن من تفاديها، أصيب سبيزر واصطدم بمبنى قريب ثم هبط مرتطمًا بالأرض بعنف، وبلحظة كنتُ على الطريق، رأسي ينزف وقد تحطمت خوذتي.

رأيتُ كوجي يندفع نحوي فهتفتُ به: “لا وقت لدينا، لا تقلق علي، اذهب لمساعدة دايسكي في سبيزر”، انطلق كوجي بسبيزر المزدوج وبقيتُ وحدي على أرض طوكيو، تحاملتُ على نفسي حتى التجأتُ بين الأبنية، كنتُ أسمع أصوات المعركة لكن بالكاد أتمكن من تمييز ما يحدث، لمحتُ المروحيات في السماء تحمل القنبلة، كانت اثنتين، ثم أصيبت إحداهما وباتت القنبلة معلقة في الأخرى من طرف واحد على نحو مرعب، أخيرًا رأيتُ دايزر ملتحمًا مع سبيزر المزدوج يحاول التقاط القنبلة، التقطها بالفعل وانفصل عن سبيزر المزدوج والتحم بسبيزر وطار بعيدًا وغاب عن نظري تمامًا، مرت الدقائق الأربعة ولم تدمر طوكيو، وصلنا دوي انفجار عنيف من بعيد، لقد انفجرت القنبلة بعيدًا عن طوكيو بالفعل لكن أين دايسكي؟ أين؟

عدتُ لمركز الأبحاث في سيارة الإسعاف التي تولت نقلنا ماريا وأنا، لقد أصيبت ماريا كذلك ووُجِدَت غائبة عن الوعي، أما كوجي فلم يصب بمكروه، استدعى دكتور أمون سلاحي الملاحي والسلاح الثاقب بالطيار الآلي، وجاء تطويره الأخير لجريندايزر في وقته، لقد فُقِد دايسكي بعد الانفجار وانقطع الاتصال به تمامًا، ولولا هذا التحسين الأخير لما تمكنا من إيجاده واستعادته، عاد جريندايزر بالفعل لكن دايسكي كان فاقدًا للوعي تمامًا، وكان رأسه ينزف، واحتاج لعدة قطب في جبينه وعلاج عاجل لذراعه بعد تعرضه لهذا الكم الهائل من إشعاعات فيجاترون، أما بالنسبة لي فقد كُسر ذراعي الأيسر واحتجت لبضع قطب في جبهتي كذلك.

فقد دايسكي وعيه طيلة الليل ولم يفق إلا في صباح اليوم التالي، عند استيقاظه كانت لديه رغبة للنظر من نافذة غرفته، اعتمد على كوجي والدكتور أمون، سأله كوجي عما يرغب بالنظر إليه فأجابه: “مدينة طوكيو”، دُهش كوجي من جوابه، أخبره بأن هذا غير ممكن من هنا، كوجي مُحق، فطوكيو تبعد عشرات الكيلومترات عنا، ورؤيتها من هنا مستحيلة، لكن دايسكي أجابه بأن بإمكانه أن يراها من هنا، قال أن بإمكانه أن يرى المدينة التي تضم أناس طيبين ولا تضم أشرارًا، يالجمال روحك يا صديقي! أنتَ ترى بقلبك المدينة على هذا البعد، لقد نجت طوكيو دايسكي، كانت تضحيتك غالية، ربما لم تستطع أن تنقذ كوكب فليد فيما مضى، لكنك قدمت للأرض أثمن هدية، الأمن والسلامة! أنا فخورة بك!

في ذلك اليوم لم نسلم – دايسكي وأنا – من تعليقات كوجي وماريا المازحة، كانت نجاة طوكيو قد أضفت طابعًا جميلًا على يومنا رغم ما تعرضنا له بالأمس، جلسنا على مائدة الإفطار وكلانا معصوب الرأس ويعاني من أحد ذراعيه، كنا نتعاون في إمساك الأشياء معًا، ذراعي الأيسر مصاب وذراع دايسكي الأيمن كذلك، وبدا أن لكل منا ذراعين: واحد في جسده والآخر في جسد غيره، كنت أمسك بالعصا فيمسك هو الصحن نيابة عني، ثم يحين دوري لمساعدته، وبالطبع لم يسنح كوجي وماريا لفرصة كتلك بأن تمر هكذا من بين أيديهما، لهذا ضحكنا ملء قلوبنا وقتها.

بعدها بأسبوع كان علينا أن نسافر لطوكيو كما أخبرني دايسكي سابقًا، ثمة مهام ثلاثة علينا إتمامها وبسرعة: أحتاج لخوذة على نحو عاجل، فلا أحد يدري متى ستهاجمنا قوات فيجا ثانية، حزنت على فقدان خوذتي كثيرًا، كانت هدية دايسكي لي يوم انضممت لفريق جريندايزر، لهذا طلبتُ منه أن أقتني واحدة مماثلة لها، علينا كذلك زيارة وكالة الدفاع لتسليم نسخة المخطط الأولي للكوزمو الخاص، وأخيرًا علينا زيارة دكتور هانز للاطمئنان على وضع دايسكي الصحي بعد ما حدث.

انتهينا من مهامنا سريعًا وكنتُ أشعر بالدوار فطلبتُ من دايسكي أن نجلس قليلًا لتناول القهوة كي أستعيد نشاطي، كنا جالسين في إحدى الحدائق، وثمة رسام في الجهة المقابلة لنا، رسام متجول يحمل أدواته من مكان لآخر، ويتوقف لرسم الأشخاص بناء على طلبهم، أو يكتفي برسم ما يشاء من لوحات حسب هواه، كان أمام الرسام شاب وفتاة، بدا أنهما متحابان، كانت الفتاة تضحك وهو يطوق كتفها بذراعه، وكان الرسام يرسم لوحة لهما معًا، تأملتهما لفترة حتى انتهيا، حملا اللوحة ومضيا معًا، فتمتمتُ:

لم لا..

قاطعني دايسكي:

أنا موافق.

التقط يدي ومضينا صوب الرسام، طلبنا منه أن يرسم لنا صورة فابتسم مندهشًا من هيئتنا، وقفت وكان دايسكي خلفي، كنتُ بالكاد أبلغ كتفه، انتهى الرسام من عمله وناولنا اللوحة، لم يكن رسمه جيدًا، وكنا لا نزال نحمل الضمادات على جباهنا وذراعي في جبيرتها، لكني كنتُ سعيدة باللوحة، كتب دايسكي عليها “طوكيو”، ودونتُ التاريخ عليها وعدنا.

***

اقترب موسم الأعياد وبدأ أبي وجورو بالاستعداد له، هذه السنة لم نتمكن من مشاركتهما في تزيين المزرعة أو إعداد المأكولات، لكن في يوم رأس السنة اجتمعنا جميعًا في المزرعة، حاولنا أن نعيش على نحو طبيعي كالأيام السابقة، ارتديتُ الكيمونو بعد أشهر طويلة من انقطاعي عنه، صنع جورو طائرة ورقية ورسم عليها جريندايزر بنفسه، شاركنا دكتور أمون طعام الإفطار في المزرعة، لعبنا وتسلينا لبعض الوقت حتى اهتزت الأرض فجأة على نحو قوي، اتصل أحد العاملين بالمركز بالدكتور أمون يبلغه بأن أحد قوارب الصيد قد فُقِد وأن آخر ما أبلغ به العاملون عليه هو رأيتهم لوحش من فيجا، لهذا عدنا فورًا للمركز، كان علينا الخروج لتحري الأمر، قلتُ بأني سأخرج بالسلاح الملاحي كما هو متوقع، لكن ماريا تدخلت تطلب مني أن أترك الأمر لها، سألتها عن السبب فقالت أن علي أن أمضي رأس السنة مع أبي، التفتُ إلى حيث تنظر فوجدتُ أبي واقفًا على عتبة باب الغرفة، لحق أبي بنا من المزرعة للمركز وكان مستاءً، لا ألومه على شعوره لكني مضطرة للقيام بواجبي، التفتُ لدايسكي أطلب نصحه، أومأ لي برأسه نفيًا، فبقيتُ في المركز وتركتُ الأمر لماريا.

خرج كوجي وماريا للتحري بالفعل، عادا وقد أصيب كوجي في ساقه، قالا أن حشائش البحر قد هاجمت ماريا وأعجزت السلاح الملاحي عن الحركة في قاع البحر، وأن كوجي نزل لنجدتها لكنهما تعرضا لهجوم من الأسماك المتوحشة لهذا أصيب كوجي، كان هناك وحش من فيجا كذلك يترصد بهما، قررنا الخروج مجددًا لكن الدكتور أمون اعترض على ذلك، قدر خطورة الوضع، ورآى أنه من الأفضل أن نرسل آلة تصوير أولًا لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات خاصة بعد أن رأت ماريا حطام هوائي في قاع البحر.

بالفعل خرجت ماريا بآلة التصوير القادرة على الغوص وألقتها في المكان المحدد وعادت، وقفنا في المركز نراقب ما تبثه الآلة، رأينا ما يشير لوجود قاعدة اتصالات في قاع البحر فعلًا، ورأينا بعض الأبنية في القاع، هجم الوحش فجاة على آلة التصوير وأتلفها، عند هذا الحد قدرتُ أن خروجنا وشيك، لهذا انسحبتُ بهدوء وارتديتُ زيي العسكري كاملًا وعدت لغرفة الرصد، صدقت ظنوني فقد كان دايسكي يستعد للخروج فعلًا، كانت ماريا على وشك الخروج معه بالسلاح الملاحي، كذلك أراد كوجي الذهاب نيابة عنها رغم إصابته، لكني وقفت باعتداد أخبر دايسكي بأن من سيخرج في هذه المهمة هو أنا، السلاح الملاحي هو سلاحي وأنا الأقدر على التعامل معه خاصة في وضع خطير كهذا، وانطلقنا.

وصلنا لنقطة الهدف، والتحم جريندايزر بالسلاح الملاحي وغطسنا في الماء، حينها هاجمتنا حشائش البحر بالضبط كما حدث مع كوجي وماريا، وتلاها هجوم بالأسماك المتوحشة، ثم هجوم بالصواريخ، وجدنا وحش فيجا هناك أيضًا، اشتبكنا مع الوحش لكنه استطاع تقييد جريندازيزر لقاع البحر فشل حركتنا تمامًا، جعل يلقي الصخور علينا بعنف حتى أظلمت الدنيا أمام أعيننا، اتصل دايسكي بالدكتور أمون يبلغه بالأمر ويطلب النجدة، كان رد دكتور أمون مفزعًا، قال أنه لا توجد وسيلة للانقاذ، وأن علينا أن نجد طريقة لإنقاذ أنفسنا، أوصانا بالمحاولة والإصرار لكن موقفنا كان ضعيفًا بحق، ما الذي يمكننا فعله في هذا الوضع العصيب؟

مرت الدقائق والساعات ونحن نفكر في مخرج دون جدوى، ازداد الوضع سوءًا بتحطم الزجاج الأمامي لقمرة القيادة في سلاحي، ظهرت الشقوق فيه جراء الضغط العالي، وبدأ الماء يدخل لغرفة القيادة، طلب مني دايسكي أن أحاول منع دخول الماء قدر استطاعتي، حاولتُ وحاولتُ لكن دون جدوى، كان تدفق الماء غزيرًا، فاضت غرفة القيادة وبدأ الأكسجين بالتناقص، كنتُ أشعر بالاختناق، غاب صوتي وتلاحقت أنفاسي، سمعتُ دايسكي يهتف بي ويطلب مني أن أشعل محركات سلاحي بكل طاقتها، لم أكن أعرف ما يدور بعقله لكني فعلت، سمعته يطلق جريندايزر بالطاقة الكاملة، كان يحاول بكل ما أوتي من قوة للخلاص من هذا المأزق، كان استخدام دايسكي للطاقة الكاملة هو الأمل الأخير والوحيد لنا الذي أجلنا استخدامه، فلو فشل جريندايز في الخروج حينها فسنفقد كل طاقتنا، وعندها سيكون الموت حتميًا، سنموت على عمق أربعمائة متر تحت سطح البحر مقبورين تحت الصخور.

كنتُ أختنق أكثر فأكثر ودايسكي يهتف بي: “لا تيأسي هيكارو، حاولي.. هيكارو.. هيكارو”، كنتُ أهتف من يأسي: “مستحيل” لكنه ظل يكرر نداءاته ومحاولاته حتى بدأت الصخور تنزاح شيئًا فشيئًا وتحررنا أخيرًا، انطلق الوحش خلفنا والتصق بنا صعودًا للأعلى، كنا بالقرب من جبل بركاني فقذف دايسكي بالوحش في فوهته ونجونا، استنشقتُ الهواء أخيرًا، بدا لي الهواء نعمة لا تقدر بثمن، وعدنا للمركز غير مصدقين لنجاتنا. 

لكن تلك الحادثة أكدت وبقوة أن قوات فيجا قد تسللت للأرض وأنها قد بنت قاعدة لها في البحر في مكان ما، إلا أن العمق الذي بلغناه اليوم كان أقصى ما يمكننا بلوغه لهذا كان علينا التريث والمراقبة، في تلك الأثناء أخبرنا دكتور أمون بأن نكون على استعداد لأي طارئ وأن قوات الدفاع تعمل ما وسعها معنا وأنها ستبلغنا فورًا إن توصلت لجديد.

بعد تلك الحادثة بفترة قصيرة تعرض مركز الأبحاث لهجوم بالقنابل، كانت القنابل على هيئة مناطيد، رأيناها في السماء تتوجه صوب المركز وتنفجر فوقه، طلب منا الدكتور أمون أن نخرج ونحدد مكان قاعدة الإطلاق، خرجنا وبقي دايسكي على أهبة الاستعداد، بالفعل تتبعنا المناطيد حتى وجدنا قاعدة الإطلاق فتبعنا دايسكي، غاصت القاعدة في الماء فالتحمنا معًا ونزلنا بحثًا عنها، هناك وجدنا وحشين من فيجا بانتظارنا في الأعماق، ولم تكن المعركة لصالحنا، فطلب منا دكتور أمون الانسحاب فورًا، بدا أن الموقف متأزم للغاية هذه المرة، وفاجأنا دكتور أمون بمشروعه الجديد الذي لم يُعلمنا عنه من قبل، قال أنه بصدد الانتهاء من صنع غواصة قادرة على الغوص لعمق يصل لثلاثة آلاف متر، متى؟ لا أعرف، طلب منا أن نوقف عملياتنا لحين جاهزية الغواصة التي كانت في مراحلها الأخيرة.

في ذلك الوقت انهالت الصواريخ على مركز الأبحاث، استطاع الدرع الواقي حمايتنا لكن الهزات كانت عنيفه، ذكرتني تلك الصواريخ بضربات وحش فيجا الشبيه بالغوريلا والذي كان يدق الدرع بقبضتيه بعنف، يا إلهي! ليس ثانية.

وبينما كنا نراقب دايسكي وأنا الغواصة سمعنا بخروج سبيزر المزدوج وسبيزر الحفار ومحاولتهما صد الصواريخ، كان هذا التحرك مخالفًا لأوامر دكتور أمون، أسرعنا لغرفة الرصد وتحدث دايسكي لكوجي وماريا بعصبية يطلب منهما العودة لكن دون جدوى، واصل الاثنان هجومهما وعادت ماريا وحدها تبلغنا بأن كوجي قد اختطف، ثارة ثائرة دايسكي وانفعل على ماريا موبخًا لها بشدة، وقفتُ أحول بينه وبينها وأحاول امتصاص غضبه، حاولتُ إفهامه بأن ماريا وكوجي أرادا صد الصواريخ بنوايا طيبة، وبينما نحن نتحدث وصلنا اتصال من الوزير زوريل يبلغنا بأن كوجي لديه، أرانا صورة كوجي مكبل اليدين، وأرانا سبيزر المزدوج وهو قابع في قاع البحر، قال إن كنا نريد إنقاذ كوجي فلنأتِ لعمق أربعمائة متر لأخذه، انقطع الاتصال ودخل دكتور أمون يبلغنا بأن الغواصة جاهزة، وقبل أن نجيبه بكلمه عاد الاتصال يُفتح من جديد وسمعنا كوجي يهتف بسرعة وينبهنا بأن القاعدة فخ، وأن القاعدة الأصلية على عمق ألف متر تحت سطح البحر، وانقطع الاتصال مجددًا.

التففنا حول الدكتور أمون الذي أخذ يدرس تفاصيل قاع البحر بدقة ويبحث عن نقطة في هذا العمق يمكن أن تكون هي محل القاعدة، وبالفعل حدد نقطة بعينها وطلب منا الإسراع إليها ومحاولة إنقاذ كوجي، خرجنا فورًا إلى هناك، حملت ماريا الغواصة بسلاحها الثاقب وأنزلتها في المكان المحدد، والتحمنا – دايسكي وأنا – معًا ولحقنا بالغواصة، وصلنا لعمق أربعمائة متر ووجدنا سبيزر المزدوج بالفعل، انفصلنا ولحق دايسكي بالغواصة وكان علي سحب سبيزر للأعلى، خاض دايسكي معركته وحيدًا في قاع البحر لكنه عاد بكوجي سالمًا واستطاع نسف قاعدة فيجا البحرية وتدمير وحشي فيجا في الأعماق.

***

كان هذا النصر مريحًا لنا جميعًا، ومع ذلك لم يدم هذا الشعور بالأمن طويلًا، فقد تبين لنا فيما بعد أن قاعدة فيجا الجديدة تقع في هوكايدو، فقبل أسبوع من الآن ذهب أبي لإحدى المزارع في هوكايدو للبحث عن خيول جديدة لضمها لقطيعنا في المزرعة، كنا في مركز الأبحاث نستمع للأخبار، ولفت انتباهنا هبوب عاصفة ثلجية شديدة في هوكايدو، كنتُ قلقة على أبي ومع ذلك أكدتُ لدايسكي حين سالني عنه بأن المزرعة التي يزورها بعيدة عن مكان العاصفة، وفي أعماق قلبي تمنيتُ أن يكون أبي في المزرعة فعلًا وأن ينجو، لكن دكتور أمون تلقى مكالمة من أبي يومها يعلمه فيها بأنه قد شاهد يوفو وأنه التقط صورة له، المؤسف في الأمر أن المكالمة قد انقطعت بينهما، انطلقنا فورًا إلى هوكايدو، وما إن وصلنا إلى هناك حتى طلب مني دايسكي أن انفصل عنهم بحثًا عن أبي، تجلدتُ وقلتُ له بأني سأرافق الفريق، لكنه قال بأني قد أفهم شيئًا من الصورة التي التقطها أبي ففعلتُ، كنتُ ممتنة لدايسكي من أعماق قلبي، لقد التهم القلق على مصير أبي قلبي، وكنتُ في مأزق بين أدائي لواجبي وتلبية نداء قلبي، ساعدني موقف دايسكي على الخروج من تلك الأزمة واندفعتُ صوب المزرعة التي يُفترض أن يكون أبي فيها، شاهدتُ أبي عالقًا في فرع شجرة في منحدر مكسو بالثلج، هبطتُ بسلاحي أبحث عن وسيلة لالتقاطه، لكن فرع الشجرة قد تحطم وقتها وسقط أبي متدحرجًا على الثلج حتى وصل للأرض، كان مدفونًا في الثلج فرحتُ أنبش الثلج وأزيله بيدي وأنا مرتعدة من الفزع حتى رأيته، لقد نجا أبي يالا فرحتي بنجاته! حملتُ أبي في سلاحي الملاحي وناولني الصورة التي التقطها لليوفو، تأملتها بدقة، كان اليوفو في ركن الصورة وبحجم صغير، وكان من الواضح أنه يخرج من قاعدته، حاولتُ تحديد المكان الذي خرج منه اليوفو، سألتُ أبي عن المكان الذي التقط منه الصورة، وببعض المحاولات استطعتُ تحديد مكان القاعدة، عدتُ لالتحق بالفريق، ناديتُ على دايسكي في جهاز الاتصال فبادرني بالسؤال عن أبي، أخبرته أنه بخير وأنه تمكن من تحديد قاعدة فيجا الجديدة.

اتجهنا صوب القاعدة وتضافرت جهودنا لتدميرها، لم تكن ماريا معنا، وكانت قد طلبت من دايسكي أن يترك لها مهمة القضاء على آخر صحون الميني فو، لهذا بحثنا عن ماريا بعد أن دمرنا القاعدة، رأينا السلاح الثاقب على الأرض وماريا بالقرب منه، كانت ملقاة على ظهر أحدهم، وصل دايسكي وكوجي إليها أولًا ولحقت بهما، كانت منهارة، عرفت أن الشاب الملقى أمامها كان أحد الفليدين، بل كان صديقًا لماريا في طفولتها، يبدو أن ماريا بدأت تستعيد ذكرياتها في فليد على نحو ما، كيف استطاعت تذكر هذا الشاب؟ لا أعرف، لم تتعرف ماريا على دايسكي من قبل، يبدو الأمر غريبًا، كان يُدعى كاين، وكان قد أخبر ماريا قبل موته بأنه صار جنديًا في جيش فيجا، طلب منها بقسوة ألا تقترب منه، وقتل نفسه أمام عينيها، لهذا كانت ماريا منهارة، إنها معذورة فعلًا، دفنا كاين كما دفنا كيركا وعدنا، الموت من كل صوب، يا إلهي! من سيكون الضحية التالية؟

اليوم.. ها قد بلغتُ اليوم أخيرًا.. يا إلهي! كم كانت الأحداث متوالية وغزيرة خلال هاذين الشهرين؟ أشعر أنني ألتقط أنفاسي بصعوبة، لكن لأتابع: اليوم رصدنا يوفو يخترق الغلاف الجوي، إنهم آتون من الخارج كالمعتاد، فهل يعني ذلك أن قوات فيجا لم يعد لها أي وجود على الأرض؟ ربما، مع ذلك رآى دكتور أمون أن الأفضل أن يخرج دايسكي وحده لملاقاة وحش فيجا في حين نبقى نحن في المركز على أهبة الاستعداد، وبالفعل خرج دايسكي واشتبك مع وحش فيجا الذي كان يشن هجومه بطريقة مختلفة تمامًا عن الوحوش التي هاجمتنا مؤخرًا، حاصر الوحش جريندايزر في ظاهرة غريبة أطلق عليها دكتور أمون “الشفق الإلكتروني الشمسي” وبينما دايسكي عالق هناك اختفى الوحش فصدر لنا الأمر باللحاق به في المعركة، كان طيار الوحش قد تواصل مع دايسكي عبر الراديو، عرَّفه بنفسه، قال أنه “زوريل الابن” وأن والده على متن الناقلة التي نبحث عنها، هذا يعني أننا نواجه وحشين لا وحشًا واحدًا، وأن الوزير زوريل هنا في مكان ما حولنا، يالا المفاجأة!

عند وصولنا لم يكن هناك أثر لوحش فيجا، لكن المؤكد أنه في مكان ما حولنا، كانت الأرض مكسوة بالجليد، خمن دايسكي أنهم ربما يختبؤون أسفل الجليد لهذا قمنا بتنفيذ خطة لإغرائهم بالخروج، فجرت ماريا سطح البحر المتجمد بصاروخها صانعة فجوة فيه، وأنزلتُ أنا صاروخي الغاطس في تلك الفجوة، نزل الصاروخ على نحو عمودي ثم اندفع أفقيًا، حدث انفجار عنيف هز المكان وتشقق السطح مجددًا، صوب كوجي صواريخه صوب مكان الانفجار وبالفعل ظهرت مركبة فيجا، كانت تختلف عن الوحش الذي هاجم دايسكي في المعركة فعلًا، وكانت بشعة في هيأتها، رباه! كم عدد مركباتهم التي تسللت إلى الأرض؟! هل تكون تلك الأخيرة؟!

خضنا حربًا ضروسًا مع تلك المركبة حتى تمكننا من القضاء عليها، لكن حدث أمران في غاية الأهمية، فقبل انفجار المركبة خرج منها وحش فيجا لقتالنا، كما انفصلت عنها مركبة صغيرة الحجم اندفعت بسرعة كبيرة نحو الفضاء الخارجي في محاولة للهرب، اندفعنا كوجي وماريا وأنا للحاق بها، كان من الواضح أن الوزير زوريل على متن المركبة الهاربة وأننا لم ننل منه، اشتبك دايسكي مع وحش فيجا، واستخدم زوريل الابن شفقه الإلكتروني مجددًا محتجزًا دايسكي وكوجي داخله، في حين بقينا ماريا وأنا بعيدًا عنه وهذا من حسن حظنا وحظهما أيضًا، طلب دكتور أمون من ماريا أن تطلق قنابل الإشعال صوب دايسكي وكوجي، أكد لنا أن لا خطر على الاثنين وأنهما محتجزان خلف طبقة من الطاقة الكهربائية علينا تفجيرها، نجح اقتراح الدكتور أمون وتحرر الاثنين بالفعل، لكن مركبة زوريل كانت قد لاذت بالفرار للأسف.

رأينا دايزر بين يدي الوحش الذي يعتصره بقوة والشرارات تتصاعد من حوله في مشهد مروع، لم يكن بوسعنا مهاجمة الوحش ودايزر بين يديه، شعرنا بأننا مكبلوا الأيدي، سمعنا دايسكي في جهاز الاتصال يحاور زوريل الابن، كان يحاول دايسكي إثناءه عما يفعل، أكد له أن والده سالم وأنه قد غادر أجواء الأرض، طلب منه أن يتوقف عن القتال وأن يكف عن سفك الدماء لكن دون جدوى، اندفع دايسكي بكامل طاقته واستطاع الإفلات من بين يدي الوحش الذي طار خلفه وتعلق به، كرر دايسكي محاولاته من جديد، لكن زوريل الابن كان قد قرر نسف نفسه مع دايزر وانفجر بالفعل، لكنه لم ينل من دايسكي والحمد لله، وعدنا سالمين ومثقلين بالمشاعر.

لكني اليوم حصلت على شيء غالٍ وثمين لا يمكنني تجاهل ذكره، أهداني أبي اليوم وشاحًا أصفر اللون، وشاحًا صوفيًا، لم يكن كأي وشاح، كان ذكرى من أمي الراحلة، لففته حول عنقي في معركة اليوم وشعرت بها تحيطني بحنانها وصلواتها، آه أمي، أنا أفتقدك .. أفتقدك بشدة!

  • مذكرات هيكارو السرية – شتاء مثقل بالألم!

    الحلقة التاسعة والستون – شتاء مثقل بالألم! حل الشتاء، وبدأ الجو يزداد برودة، ومع برودته ازدادت دموعنا وأوجاعنا، يبدو لي أن هذا هو الشتاء الأصعب في حياتي، الموت يحيط بنا من كل صوب ويلاحقنا بلا كلل، عدنا اليوم من معركة هزت وجداننا، قاتلنا فيها ابن الوزير زوريل، ضحى الابن بحياته ليؤمن هروب أبيه ويضمن نجاته،…

اترك تعليقًا

هيكارو ماكيبا

موضوع هذه المدونة هو الأنمي الياباني الشهير UFO Robot Grendizer والذي أنتج بين عام 1975 و 1977 ودبلج للعربية في مطلع الثمانينات باسم “مغامرات الفضاء جريندايزر” ، كما دبلج لغيرها من اللغات مثل الفرنسية والإيطالية والإنجليزية.

Translate »