الحلقة السابعة عشرة – هل كون دايسكي أحدهم؟!
يحيرني دايسكي كثيرًا! أنظر إلى عينيه فأرى بحرًا متلاطم الأمواج ومسحة هدوء في وقت واحد، أحيانًا أشعر أنه يبتسم ويبكي، يُقدم ويتراجع، يرغب بالحديث ويفضل الصمت، المشكلة أنه يفعل ذلك في الوقت نفسه وهذا ما يحيرني.
في زيارة كاوري لنا لاحظت اشتراك دايسكي لأول مرة في الصراع ضد الفيجا، كيف عرف دايسكي بأمر جهاز التوجيه الموضوع في حلية شعر كاوري؟! بعد رحيل كاوري بأيام سألته عن ذلك، فقال لي أن كوجي روى له أخبارًا سيئة عن كاوري قبل وصولها إلى المزرعة، قال بأن الحافلة التي كانت تستقلها وقتها قد تعطلت، وأن سائقها أخبر كوجي بأن هناك شخصًا قد اقتحم الحافلة وأفقده وعيه، في حين ادعت كاوري إصابتها بصداع مزعج وتركت بافة الزهور التي أهداها لها السيد هياشي في الحافلة على نحو غريب، أخبرني أيضًا أنه ربما رآى كاوري تتجول في المزرعة ليلًا لكنه ليس متأكدًا من ذلك، لم أفهم علاقة ما سبق بحلية الشعر، قد أستطيع فهم أنها جاسوسة أو ما شابه لكن ما بال حلية الشعر؟ صارحت دايسكي بأفكاري وتشككي فيما يقول – كانت هذه هي المرة الأولى التي نخوض فيها نقاشًا كهذا لكن رؤيتي لشعاع كاوري وهو يضرب دايسكي ويكاد أن يقتله غير الكثير بداخلي، وتكونت لدي رغبة قوية في فهم الأمر الذي كاد أن يقضي على دايسكي، إنني. أحب دايسكي كثيرًا! نعم أستطيع أن أقولها الآن، شعوري في ذلك اليوم باحتمال فقده أزعجني كثيرًا وجعلني أفكر مليًا فيما يعنيه لي، عرفت أنه أقرب من أن يكون صديقًا أو صديقًا مقربًا – على كل حال أجاب دايسكي سؤالي بهدوء، ذكرني بملاحظته لحلية شعر كاوري صباحًا، أذكر قال لها: “حلية شعرك تكاد تسقط” فشكرته وقتها وأعادت تثبيت حليتها وهو منحها نظرة عميقة وطويلة نوعًا، لم أكن أرغب بتذكر تلك النظرة التي آلمتني في حينها، لكن ما أخبرني به دايسكي جعلني أفهم سببها فزال استيائي، لقد لاحظ تقطب جبين كاوري وانعقاد حاجبيها المفاجئ وفتها، لهذا توقع دايسكي أن بكون جهاز التوجيه في حلية الشعر حين شاركنا الدكتور أمون شكوكه بشأن كاوري.
غمرني شعور غريب بالفخر حين شعرت بمشاركة دايسكي هذا اليوم، زاد انبهاري بذكائه وقوة ملاحظته، استطاع دايسكي أن يبهرني بقدرته على ركوب الفرس كفارس حقيقي من قبل، وقوة ساعديه وهو ينتزع أبي من بين الثلوج نيابة عني منذ أسابيع حين سقط من أعلى برج المراقبة، وكثيرًا ما كنت أجد جاذبية في ركوبه لدراجته النارية، آه.. عزف دايسكي يخلب لبي منذ أشهر! وابتسامته لي تمنحني شعورًا لا بوصف!!
لكن.. دايسكي غريب الأطوار حقًا، يغيب لساعات طويلة ويعود فجاة دون تفسير منطقي، يغير خططه دون أن يشرح لي السبب، يرغب بشيء ويحجم عنه فجأة، منذ أيام تشاجرنا معًا لأول مرة، كنا نتفقد الخيول ونطعمها في الإسطبل في نهاية يوم عملٍ شاق، وقفنا نتأمل “ساندي” الصغير وهو يتودد لأمه، كان منظر المهر مبهجًا ومثيرًا للعاطفة، يومها قال دايسكي أنه لم يدرب الجياد منذ مدة؛ فاقترحت أن نذهب بها غدًا، أبي مشغول بالغد ولن بتمكن من مرافقتنا، وقدرت أن بإمكاننا أن نحظى ببعض الوقت معًا، أبي يحب دايسكي لكنه يغار من بقائنا معًا، تردد دايسكي قليلًا فهو أيضًا يعلم ما يجول بخاطر أبي لكننا اتفقنا أخيرًا أن نخرج بالخيول غدًا لتدريبها، وفت أن غادرنا الإسطبل كانت السماء قد أظلمت تمامًا، وبدا القمر بدرًاً مكتملًا، قمرًا جميلًا ومختلفًا عن المعتاد، لقد بدا وردي اللون! شعرت لحظتها بجمال القمر وأن لونه الوردي يعكس مشاعري وسعادتي، لكن رد فعل دايسكي أصابني بالكثير من الإحباط، سمعته يقول:”هذه إشارة سيئة” حاولت أن أفهم معنى ذلك فقال بأننا لن نخرج الجياد لتدريبها في الغد، في تلك اللحظة بدأت أشك في توجه دايسكي نحو علاقتنا، فما إن غمرت الرومانسية الأجواء حتى غير رأيه فجأة واصفًا ذلك بأنه علامة سيئة، فهل خروجنا معًا بنظره أمر سيئ لهذا الحد؟!
استأت كثيرًا في ذلك اليوم، طلبت منه تفسيرًا، أجابني بأن لديه سببًا للاعتذار لكنه بدا مرتبكًا ولم يخبرني به، صارحته بشكوكي فحاول أن ينفيها بقوة لكنه لم ينجح في محو مشاعري السيئة وقتها، لهذا تركته غاضبة بعد أن أخبرته بأنني لا أريد الخروج معه، ناداني فلم أجب نداءه وغادرت المكان وأنا مستاءة بشدة.
عدت إلى البيت فوجدت أبي بانتظاري يسألني:
ما القصة هيكارو؟ ألن تخرجي مع دايسكي لتدريب الجياد غدًا؟ لماذا يا هيكارو لن تخرجي؟
دايسكي ألغى التدريب! إنه لا يلتزم بوعده وليست هذه شيمة الرجال.
آسف لسماع ذلك! لم أكن أنوي السماح له بأن يصحبك معه لكني غيرت رأيي!
كنت مستاءة وأنفس عن غضبي في تلك اللحظة، وندمت على ما قلت لكن بعد فوات الأوان، ومع ذلك تساءلت عن كيفية معرفة أبي بالأمر، إنه جورو حتمًا! جورو الصغير لا زال يزعجني ويتجسس على تحركاتي، حسنًا لدي مهمة تربوية في الغد إذن.
في تلك اللحظة دخل دايسكي المنزل، لم ألتفت إليه، لكني سمعت أبي يطلب منه بصرامة أن يخرج بالجياد غدًا لتدريبها، تفاجأت من تصرف أبي كثيرًا، هل من المعقول أنه بدأ يتفهم شعوري تجاه دايسكي أخيرًا؟!
في تلك الليلة وبينما أرفع صحون العشاء وأنا في مزاج سيء، مر دايسكي جواري وهمس لي: “سندرب الجياد غدًا لأجلك أنتِ” ابتسمت ابتسامة سريعة ولم أقل شيئًا لكن قلبي كان يشعر بالرضا إلى حد كبير، فعلى الرغم من عدم تفهم دايسكي للسبب الحقيقي وراء استيائي إلا أن محاولته لإرضائي كانت كفيلة لتهدئة أعصابي الثائرة حينها، تدريب الجياد على كل حال ليس ما سأخسره إن ألغى دايسكي تدريب الغد؛ خسارتي الحقيقية ستكون في شعوري بعدم ثقة دايسكي بي ومصارحته لي.
في اليوم التالي خرجتا لتدريب الجياد فعلًا، كنت مبتهجة وانطلقنا – جورو وأنا – أولًا ونحن نلوح لأبي بأيدينا سعداء، ثم أطلق كوجي الجياد وانطلق دايسكي وكوجي يلحقان بالقطيع، تجاوز دايسكي الجياد كلها ووصل للمقدمة، كان يركض بالقرب مني وسمعته يسألني:
هل أنتِ سعيدة الآن؟
نعم، سعيدة جدًا!
أحب التنزه والخروج معكِ هيكارو، صدقيني أعني ما أقول! لا تكرري ما قلته بالأمس رجاء!
قالها ثم ألقى نظرة على القطيع وهتف بي:
اهتمي بالمقدمة، عليَّ مراقبة القطيع من الخلف.
حاضر دايسكي!
في ذلك اليوم لم نتمكن فعلًا من تدريب الجياد كما ينبغي، لقد هبت عاصفة ثلجية قوية وتبعها ظهور يوفو متوحش، لذا ساد الهرج والمرج وارتبكت الخيرل وسقط دايسكي من على ظهر حصانه لكنه لم يُصب بسوء.. شكرًا لله! فقدنا جورو وساندي أيضًا لكن أبي وكوجي تمكنا من إيجادهما.
مساء ذلك اليوم اعتذرت لدايسكي عن تصرفي بالأمس، واعترفت له بأن عدم خروجنا اليوم من المحتمل أنه كان أفضل، لكني تساءلت عن السبب الذي جعله يُقَدِّر أن تأجيل التدريب أفضل؟! فلم يمنحني إجابة شافية، أعرف أن البعض يمتلك حاسة سادسة تمكنه من الإتيان بشيء مشابه، تُرى هل يكون دايسكي أحدهم؟
اترك تعليقًا