حين نشاهد فيلم المعركة الكبرى للصحون الطائرة سنجد بطلين في القصة أو بتعبير أدق سنجد البطل والبطل المضاد.
البطل هو دايسكي، هدفه الدرامي في الفيلم هو البقاء على الأرض والعيش بسلام مع الفتاة البسيطة التي أحبها، ولكي يحقق هذا الهدف كان عليه أن يجتاز سلسلة عقبات ليست بالطويلة نظرًا لقصر مدة الفيلم. أول هذه العقبات هو ضرورة تخبئة جاتايجر تمامًا، العقبة الثانية الوعد الذي قطعه لدكتور أمون بأن ينسى أنه كان دوق فليد وأن لا يخوض الحروب مرة أخرى وإن فعل فعليه مغادرة الأرض، العقبة الثالثة أو بدء التحدي الحقيقي والصراع هو ظهور تيرونا ومهاجمتها للأرض للحصول على جاتايجر، ثم محاولة تيرونا إغراء دايسكي بالعودة معها لفليد، ثم مهاجمة تيرونا لهيكارو والتي جعلت دايسكي يتخلى عن جاتابجر ليفي بوعده لدكتور أمون وبالتالي يحقق هدفه بأن يظل دايسكي أمون وليس دوق فليد، وبالتالي يتمكن من البقاء على الأرض، أخيرًا اضطرار دايسكي لان يحنث بوعده هذا ويحول نفسه دوق فليد ويخوض الحرب مكرهًا، وفي النهاية دفع دايسكي ثمن ما حدث واضطر لمغادرة الأرض كي لا تهاجمها قوات ياربان من جديد، وبهذا انتهى من حيث بدأ، أمير هارب تطارده قوات ياربان، وحيد يسعى للسلام، خسر وطنه مرتين.
البطل المضاد هو الأميرة تيرونا، والتي كان هدفها الحصول على جاتابجر، وفي سبيل بلوغ هدفها واجهت عدة عقبات كان أولها منصبها العسكري كونها مسؤولة عن حملة الأرض فلديها واجب لابد وأن تؤديه، ثاني العقبات كان حبها الشديد لدايسكي، ثالث العقبات وجود قائد تحت إمرتها دائم الخروج عليها وهو بلاكي، رابعًا رفض دايسكي القوي لها ولمشاعرها وتعبيره بوضوح انه يحب الأرض وأنه يريد أن يصبح حبة من ترابها، خامس العقبات تعلق دايسكي بفتاة أرضية، وفي ضوء هذه العقبات صارعت تيرونا وانتهى صراعها بموتها.
إذا نظرنا للمسلسل سنجد دايسكي بطل أول له تفس الهدف مع تعميق الصراع والعقبات، وسنجد بجانبه شخصية مساندة (مساند البطل) وهو كوجي كابوتو الذي يختلف عنه في قيمه، فدايسكي إنسان مسالم حتى أبعد مدى نشأ في كوكب تخلى عن الحروب، لهذا فهو يحارب اليوم مكرهًا أملًا في نيل السلام والهدوء، يحلم بالأرض كوطن ثاني يمكن أن يجنبه ويلات الحرب والدمار التي عانى منها فليد، في حين يختلف كوجي عنه تمامًا، كوجي مقاتل أساسًا ولديه كبرياء الجندي وعزيمته، ما يجعل كوجي شخصية مساندة وليس بطلًا بجانب دايسكي هو عدم تطور شخصيته بشكل كبير أو وجود حبكات درامية قوية بالنسبة له، فكوجي لم يتطور سوى في مرتين فقط: الأولى حين غير توجهه نحو دايسكي وقبل أن يكون مساندًا له، الثاني حين طور شعوره نحو هيكارو، الصراع الذي عايشه كوجي والحبكة التي نسجت لأجله دارت حول هاذين التطورين فقط، حبكة حملت كراهيته واستياؤه من دايسكي ثم معرفته بحقيقته، ثم إصراره على أن يقاتل ليثبت نفسه رغم ضعف سلاحه، ثم قبوله لأن يخرج بسلاحه الأقوى كداعم لدايسكي، الحبكة الثانية هي إعجابه بهيكارو ومحاولته جذبها إليها رغم رفضها وتعلقها بدايسكي ومبادلة الآخر مشاعره معها ثم قبول كوجي لهيكارو كصديقة فقط.
البطل الثاني في المسلسل والذي لم يكن موجودًا كبطل في الفيلم هو هيكارو، اجتمعت في هيكارو مواصفات البطل الأساسية وهي:
– الحضور:، حيث ظهرت في ٧٣ حلقة من إجمالي ٧٤ حلقة.
– التطور: حيث تطورت شخصيتها بشكل كبير ونسجت حولها حبكات كثيرة، هذا التطور جاء من عدة جوانب:
* تطورت هيكارو عمريًا: حيث بدأت مراهقة حالمة وانتهت ناضجة ومتزنة وواقعية.
* نضجت هيكارو نفسيًا من فتاة تحب شاب يعيش معهم في مزرعتهم لفتاة تخاف من فقد حبيبها موتًا في الحرب أو كتتيجة لإصابته التي لا علاج لها.
* تطورت هيكارو قيميًا وأعلت قيمة الحب والواجب والدفاع عن الوطن وصارعت لتنضم لفريق جريندايزر للدفاع عن الأرض.
لهذا السبب جاءت شخصية هيكارو صعبة ومميزة، شخصية تختلف كل بضع حلقات.
– بجانب الحضور فقد كان الهدف الدرامي لهيكارو واضحًا وقويًا، وهو تحقيق الذات وتغيير الوضع الاجتماعي الذي تعيش فيه، وفي صراعها لتحقيق هذا الهدف اصطدمت كذلك بعقبات عديدة أولها مقاومة والدها لرغبتها بأن يكون لها صديق، غموض دايسكي وحزنه وصمته، محاولتها بناء علاقة حقيقية مع دايسكي تقوم على الثقة المتبادلة، كشفها لحقيقة ارتباطها بشاب من كوكب آخر، الحرب التي اشتعلت وباتت تهدد أسرتها ووطنها وحياة حبيبها، شعورها بالعجز عن تقديم المساعدة كما ينبغي، خوفها من فقدان دايسكي وموته في الحرب، إصابة دايسكي وعجزها عن تقديم الدعم له، مقاومة خوف دايسكي عليها ومحاولته إبعادها عن ساحة الحرب، مقاومة رفض والدها المتكرر لقربها من دايسكي ، تغلبها على تدريبات الطيران والالتحام الصعبة، وأخيرًا استطاعت هيكارو أن تجتاز كل تلك العقبات بنجاح وبالتالي تحولت بشكل حاد من فتاة ريفية يقتصر دورها على رعاية الأسرة والقيام بشؤون المزرعة وخاضعة لسلطة أبيها وقيود المجتمع وغير قادرة على التعبير عن عواطفها – تحولت لفتاة مقاتلة تقوم بدور أسمى في حماية وطنها وتعيش علاقة صريحة وواضحة مع حبيبها وتشاركه الهدف والصراع وتسانده نفسيًا وعسكريًا.
– كما وجدت شخصيات ثانوية كثيرة اقتصر دورها على كشف مشاعر هيكارو وأفكارها وسلوكها مثل: دانبي، جورو، بانتا وماريا في وقت متأحر:
* فلولا دانبي لما تمكن المشاهد من فهم روح التمرد داخل هيكارو على القالب الاجتماعي الذي يتم فرضه عليها، ولما تبين حب هيكارو لدايسكي منذ البداية، ولما تبين أيضًا كون دايسكي يبادل هيكارو مشاعرها بدليل غيرة دانبي عليها وسعيه للتفريق ما بينهما لا محاولة إقناع ابنته أنها متعلقة بشاب لا يبادلها الحب مثلًا، ولولا دانبي لما اكتشف المشاهد أن هيكارو تحمل في عروقها دم محارب، حيث تبين أن لأسرتها تاريخًا عريقًا في الحروب، ولولا دانبي لما بدا واضحًا توجه هيكارو نحو فكرة وجود فضائيون وبالتالي لما فهم المشاهد مصدر قلق دايسكي من البوح لها بحقيقته، ولولا دانبي وتوبيخه لهيكارو واصفًا دايسكي بأنه عديم القيمة ولا يصلح لشيء وصمتها وألمها لما تبين للمشاهد مدى عمق العلاقة بين هيكارو ودايسكي, ولما اتضح كم هيكارو أمينة على أسرار دايسكي، ولما كان لمصارحته لها بمشاعره في الحلقة ٧٠ عند ظهور الملك فليد المزيف معنى، ولما كان ممكنًا فهم تصرفاتها في الحلقة ٧٢ مثلًا.
* ولولا جورو لما تبين للمشاهد حنان هيكارو وأمومتها المبكرة، ولما استطاع المشاهد أن يعرف بأن هيكارو ودايسكي على علاقة فعلية بدليل تصرفاتهما التي لا يفهمها جورو في وقت مبكر في الحلقة ١٤، ولولا غيرة جورو وتجسسه على هيكارو ودايسكي ووشايته بهيكارو لما تبين مدى انشغال هيكارو ودايسكي ببعضهما البعض مما أشعل غيرة جورو في الحلقة ١٧، ولولا جورو وحديثه لكوجي في الحلقة ٤٧ لما انكشف حب كوجي لهيكارو ومصارعته لهذا الشعور أخلاقيًا ولما تأكد ارتباط دايسكي وهيكارو، وإلا فما الذي قد يشعر كوجي بالغضب من حبه لهيكارو؟!، ولولا جورو لما تبين المشاهد مدى تجلد هيكارو ودايسكي في لحظة الوداع، فقد عبر جورو بتلقائية عما يدور بقلبيهما.
* ولولا بانتا لما تمكن المشاهد من التعرف على ذوق هيكارو الشخصي وسبب انجذابها وحبها لدايسكي الذي جاء على النقيض من بانتا وكوجي مثلًا، ولولا ثورة دانبي على بانتا الذي يحاول التقرب من هيكارو بطريقة مبتذلة ورفض دانبي وتوبيخه لبانتا فقط وليس للاثنين معًا لما استطاع المشاهد أن يميز خصوصية علاقة هيكارو ودايسكي، ولما عرف مصدر غيرة دانبي الحقيقية وهو وجود شاب يحب ابنته وهي تحبه وتبادله المشاعر بشكل واضح وقوي.
لهذا فإن الحبكات التي دارت حول هيكارو كانت كثيرة، منها حبكات صغيرة في البداية ساعدت على بناء توجهها وعبرت عن دواخلها مثل أخذها رهينة أكثر من مرة، احتمالية فقدها لحياتها، أزمة الثقة الحادة التي عاشتها مع دايسكي، إقحام الظروف لها في المعارك وخوضها التجربة بنجاح، ثم الحبكة الطويلة التي انتهت باشتراكها في الفريق، تلتها حبكات أخرى كحبكة الحلقة.٥٨ (ظهور جريندايزر مزيف) والتي جعلت هيكارو دليل إدانة دوق فليد المزيف ومحرك الشخصيات الأخرى ضد دايسكي دون معرفتهم بأنه بريء في حين كانت هي الوحيدة التي تعرف الحقيقية وتعجز عن البوح بها.
ماريا فليد جاءت ككوجي تمامًا، شخصية مساندة للبطل، ظاهريًا: ماريا كانت تساند دايسكي لكن دراميًا ماريا أدخلت لتساند هيكارو، هدف ماريا وقيمها مستنسخ من بقية الشخصيات ولا يوجد هدف درامي قوي وواضح لها، ماريا بدت مدفوعة للقتال رغم وجود شعور ورغبة داخلية لديها شبيهة بكوجي لاثبات الذات، أمضت وفتًا ككوجي لتقتنع بدورها كمساند، استخدمت لتظهر عمق علاقة دايسكي وهيكارو بتعليقاتها واستيائها وشغلها لكوجي وترك المساحة الكافية والخاصة للثنائي الآخر، حتى في مشهد الوداع لعبت ماريا هذا الدور بتعبيرها الصريح عن عدم رغبتها بوداع كوجي كانت تنطق بلسان هيكارو ودايسكي وتعبر عن ألم الاثنين وشجاعتهما في مواجهة هذا الألم.
ماريا لا يتطبق عليها وصف البطل الدرامي لعدم حضورها في القصة كاملة، ولأن تطورها كان محدودًا، ولأن الحبكات التي نسجت حولها كانت سلسلة من الحبكات الصغيرة الغير مترابطة، وعلى سبيل المثال:
ادخال ماريا للفريق لم يستغرق دراميًا سوى بضع دقائق على الشاشة، مناقشة بين دايسكي ودكتور أمون، دقائق معدودة في ساحة التدريب ثم نجاح باهر، الهدف الدرامي كان سرعة دمجها في الفريق لا تطوير ماريا وخلق صراع قوي يؤدي لذلك، دعونا نتخيل هذا السيناريو البديل لتتضح الصورة:
تنتقل ماريا المراهقة لمزرعة البتول الأبيض مؤخرًا بعد أن تفقد العجوز الذي رباها وتعلقت به، تكتشف حقائق مذهلة حول انتمائها وماضيها، تلتقي أخاها الذي لم تكن تذكره أصلًا، تجد نفسها وسط أناس جدد عليها، فتاة متعلقة بأخيها، طفل أصغر منها، شاب مليء بالحماس، عجوز مرح وعالم وقور، ثم تعرف بتفاصيل الحرب التي تدور وويلاتها وتكتشف أن أخيها وصديقته وهذا الشاب الحيوي يشاركون في هذه الحرب بتصيب الأسد، ثم تجد نفسها مضطرة للبقاء وحيدة في وقت الدورية كل يوم، ووحيدة وقت المناقشات والعمل في المركز، ثم وحيدة مع دكتور أمون في المركز والثلاثة بخوضون حربًا تلو الاخري، من ثم ينشأ صراع لديها ورغبة في المعرفة والمشاركة، فتبدأ بطلب المعلومات من دايسكي الذي يمدها بها، ثم تكون هدًفا وتطلب من دايسكي أن يضمها للفريق، وتذهله بإصرارها رغم صغر سنها وذكاءها الذي يجعلها تطلب منه تحديدًا أن يوليها مسؤولية قيادة السلاح الثاقب الذي بقي دون طيار، ثم يأتي نقاش دايسكي ودكتور أمون الذي ينتهي باختبار ماريا لا قبولها، ثم تفاجئ ماريا دكتور أمون بتفوقها وتكتمل الأحداث.
هذه الحبكة الافتراضية تحتاج لعدة حلقات لكننا لم نر منها سوى بضع دقائق فقط، السبب أن السيناريست لم يكن مهتمًا بذلك لأن هدفه ليس منح ماريا البطولة ولكن دفعها سريعًا لدورها كشخصية مساندة على عكس إسهابه في حبكة هيكارو التي استمرت لعدة حلقات، بدأت بكشفها الحقيقية وتغير قيمها وتطوير شعورها بالحرب وتعميق حبها لدايسكي وخوفها عليه، ثم توريطها في الحرب لعدة مرات، ثم وضعها في تجربة قتال فجائية بالأسلحة ونجاحها الذي عزز ثقتها بنفسها وجعلها تصر على اختيار هذا الطريق ورفض دايسكي وعدم فهم والدها، ثم تكرارها التجربة ونجاحها واحتدام الصراع بينها وبين دايسكي ثم قيامها بعمل بطولي جعل دكتور أمون يشهد لها، ثم خروجها دون سلاح مع كوجي، ثم تصميم سلاح خاص لها، ثم عمل حبكة خاصة لتدريبها وتعزيز دوافعها وإظهار مشاعر دايسكي تجاهها، ثم نجاحها، هذه حبكة طويلة جدًا بدأت من الحلقة ٢٣ حتى ٤١ عكس الدقائق المعدودة التي خصصت لماريا.
ما زاد من جمال شخصية هيكارو وتميزها هو أنها بطل لم يتوقعه المشاهد الذي ظنها في البداية شخصية جانبية أو كاتم أسرار في أفضل الأحوال لتتحول فيما بعد لبطل حقيقي للقصة، من ناحية أخرى هيكارو بطل بهدف درامي غير معتاد، وفي حين كان هدف دايسكي واضحًا ونمطيًا إلى حد كبير، وكان رد فعل لهدف فيجا الاستعماري والذي لو لم يهاجم الأرض لانتفى هدف دايسكي تمامًا – في المقابل كان هدفها هي ثوريًا وغير مألوف ولم يكن رد فعل لهدف غيرها، هيكارو عبرت عن هدفها الثوري اجتماعيًا قبل أن تعرف بحقيقة دايسكي وخاضت معه أزمة الثقة وتصارعت مع رفض والدها لعلاقتهما، هذا الجزء بعيد كل البعد عن فيجا وأطماعه مثلًا.
لهذا أثارت هيكارو كل هذا الجدل، في هذا المنشور تحدثت عن البطل في الفيلم والمسلسل، انتظروني في منشور جديد عن البطل المضاد.
اترك تعليقًا